* ليس المطلوب من الرئيس الفرنسي أن يحل مشاكل لبنان أو يقدم مصلحته على مصالح بلاده، ولكن ليس مطلوباً منه أيضاً دعمه بشكل أو بآخر لمنظومة سياسية مجرمة مسؤولة عن كل الخراب والدمار والدم الذي شهده يوم زيارته بيروت وقبله
وصل الرئيس الفرنسي إلى لبنان بعيد الانفجار المجرم الذي اغتال أكثر من 200 شخص وجرح آلافاً ذنبهم الوحيد كان سكنهم أو مرورهم في شارع قرب المرفأ ساعة انفجار ازدراء الدولة وزعمائها بقدسية الحياة. على الركام والزجاج المحطم والأبنية المنكوبة، توجه الرئيس الفرنسي لملاقاة أوجاع الناس وغضبهم. قال لهم: «فرنسا معكم». أما هم فعبروا عن سخطهم من تلك الطبقة السياسية المجرمة. وعدهم الرئيس الفرنسي بأن تصل المساعدات إليهم مباشرة من دون أن تمر عبر مؤسسات الدولة.
انتهت العراضة. عد إلى قصر بعبدا للقاء الرجل الذي شرح للصحافيين كيف أنه لا يعرف أين توجد تلك المواد المتفجرة ولا مدى خطورتها. ثم لاحقا اجتمع الرئيس الفرنسي بالطبقة السياسية نفسها التي هاجمها الشعب. قال لهم استمعوا لما يريده الشعب من بعد أن أنّبهم على تلكؤهم في الشروع بالإصلاحات، مؤكدا لهم أن لا مال من دونها. في ختام حديثه لهم طالبهم بالوحدة الوطنية. فور عودته إلى فرنسا طلب صديقه الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الهاتف طالبا منه المشاركة في مؤتمر دعم لبنان على أثر كارثة المرفأ، كم طالبه بتخفيف القيود على البلد بحجة أن المستفيد الوحيد من العقوبات هو حزب الله. ماكرون ليس الوحيد الذي يردد تلك اللازمة الغريبة من دون أن يقدم لها أي برهان. فالأصح أنه في ظل انهيار الدولة ومؤسساتها لا يوجد مستفيد واحد بل خاسرون وقد يكون أكبرهم حزب الله لأنه يسخر لبنان بكل مؤسساته من أجل خدمة مصالح إيران وسياساتها بالمنطقة، وأيضا من أجل إفادة بيئته. حزب الله بالنهاية يسيطر بالتعاون مع الأجهزة الأمنية الرسمية على موضوع الأمن الداخلي، فما بالك إذا أصبح كل حي خاضعا لمجموعة مسلحة تعمم الفوضى في البلد؟ أليس هذا مدعاة قلق له؟
على كل الأحوال يبدو أن ماكرون لم يقتنع بعد بأن مشكلة لبنان ليست أبدا في غياب اللحمة الوطنية، ولا تلكؤ الطبقة السياسية في البدء بالإصلاحات، إنما وبشكل أساسي تعود مشكلة لبنان إلى سببين أولهما وجود حزب مصنف إرهابيا من بلدان كثيرة تتقدمها أميركا، وثانيهما العمل بنظام منتهي الصلاحية تدافع عنه طبقة سياسية فاسدة تتحكم بمفاصل الحياة اليومية للبنانيين. فماكرون اجتمع مع هذه الطبقة، ومن حيث يدري أو لا، وعدها بإنقاذها، ما يدفع باتجاه المحافظة على الوضع القائم حاليا في لبنان بكل مشاكله الاجتماعية والمالية والاقتصادية وهو ما تريده الطبقة السياسية اللبنانية برمتها رغم خلافاتها.
فالخروج من النظام الطائفي الذي يمنع توحيد المبادئ والمفاهيم لأكثرية اللبنانيين، من دونه عقبات داخلية وخارجية.
الرئيس الفرنسي غير مهتم بالداخل اللبناني بعد ما خبره مع السياسيين اللبنانيين من قلة ضمير تجاه بلدهم، بقدر ما يحاول احتواء ارتدادات الانفجار ومنع انهيار النظام. لهذا السبب بادر إلى جمع تبرعات خجولة من أجل مساعدة اللبنانيين مباشرة من دون اللجوء إلى مؤسسات الدولة.
طبعا ليس المطلوب من الرئيس الفرنسي أن يحل مشاكل لبنان أو يقدم مصلحة البلد على مصالح بلاده، ولكن ليس مطلوبا منه أيضا دعمه بشكل أو بآخر لمنظومة سياسية مجرمة مسؤولة عن كل الخراب والدمار والدم الذي شهده يوم زيارته بيروت وقبله. أليس هذا تحديداً ما حصل عندما حاول أوباما دعم النظام الإيراني وأدار ظهره للثورة الخضراء؟ ماذا كانت النتيجة؟ الموت للأبرياء في سوريا والعراق واليمن ولبنان وإيران، إلى جانب دمار بعض هذه البلدان ومدنها. 150 مليار دولار أرسلها الرئيس الأميركي السابق إلى نظام إيران استعملتها طهران لدعم ميليشياتها الإرهابية في المنطقة وبالتأكيد لشراء مليونين وسبعمائة طن من المتفجرات- من بين ما اشترته أو صنعته وأوصلته لأيدي حزب الله- خزنتها في مرفأ بيروت.
ماكرون يفعل نفس الشيء، لكن لمصلحة بلاده وتوجهاتها في المنطقة، ومنها التهدئة مع النظام الإيراني. أليست فرنسا أبرز المعترضين على وضع الاتحاد الأوروبي حزب الله بكل أجنحته على لائحة الإرهاب؟
بعد مائة عام على إعلان دولة لبنان الكبير، أصبح الجميع على قناعة بأن كل المواثيق التي حكمته، من الميثاق الوطني إلى ميثاق الطائف، لم تؤمن له استقراراً سياسياً، بل على العكس تماماً، جلبت حروباً ومآسي وقصصاً محزنة وذكريات أليمة وجراحات قد لا تكون أغاني فيروز بلسماً ناجعاً لالتئامها.
ليسقط النظام، فالمجهول للبنانيين يبقى بكل احتمالاته أفضل من هذا الحاضر.