القوى السياسية تستغل «نكبة بيروت»... لإعادة إنتاج نفسها https://www.majalla.com/node/99296/%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%88%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%B3%D8%AA%D8%BA%D9%84-%C2%AB%D9%86%D9%83%D8%A8%D8%A9-%D8%A8%D9%8A%D8%B1%D9%88%D8%AA%C2%BB-%D9%84%D8%A5%D8%B9%D8%A7%D8%AF%D8%A9-%D8%A5%D9%86%D8%AA%D8%A7%D8%AC-%D9%86%D9%81%D8%B3%D9%87%D8%A7
* الربيع: النقاش الحالي يدور حول خيارين: حكومة وحدة وطنية بقيادة الحريري، أو حكومة حيادية برئاسة شخصية مستقلة * حنكش: لبنان بحاجة إلى صدمة إيجابية تأتي من خلال خيارات حاسمة وحازمة قادرة على تكبيل هذه الطبقة السياسية عبر إجراء انتخابات نيابية مبكرة * على أنقاض كارثة المرفأ... لبنان أمام مرحلة جديدة: تسوية برعاية دولية... ما التنازلات التي سيقدمها حزب الله؟!
بيروت: لأن المصائب لا تأتي فرادى، حلّت كارثة انفجار مرفأ بيروت على رؤوس اللبنانيين لتعمّق جراح البلاد، وتضاعف من نكبته السياسية والاقتصادية والمعيشية والإنسانية. فقبل الرابع من أغسطس (آب) كان اللبنانيون يعتقدون أنهم يعيشون في الجحيم بسبب تردي الوضع الاقتصادي والانقسام السياسي، حتى انفجرت العاصمة يوم ٤ أغسطس، مخلفة 171 ضحية حتى كتابة هذه السطور وأكثر من 5000 جريح و40 مفقودا، إضافة إلى عشرات الآلاف من المباني المدمرة في العاصمة وضواحيها في حادثة مأساوية لا يزال يكتنفها الغموض.
تسوية سياسية على حساب دم الشهداء
الأخطر من مشهد الأمّهات الثكالى اللواتي فقدن أبناءهنّ، والبيوت المهدمة، والعائلات المشرّدة، والمؤسسات التي غرقت تحت الركام، هو الاستثمار السياسي من قبل الطبقة الحاكمة المسؤولة عن كل هذه الآلام عبر إبرام التسويات لإعادة تعويم نفسها على حساب دم الشهداء الذي لم يجف، وذلك تحت مظلة دولية بعنوان «حكومة لمّ الشّمل»، وذلك بعد تضحية «حزب الله» وحلفائه بحكومة المستشارين، و«إقالة» الرئيس حسان دياب رجل الإنجازات الوهمية عبر استعماله «كبش محرقة» لامتصاص غضب الشارع.
ولعلّ المفارقة اللافتة التي يجب التوقف عندها هي تجاوز الحركة الاحتجاجية كل ما جرى على صعيد استقالة دياب، إذ مضت في تصعيد احتجاجاتها منادية بإسقاط رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب، وهو ما لم يكن مستغربا لا سيما بعد ثبوت الفساد القاتل لهذه الطبقة السياسية وسوء إدارتها للعديد من الملفات، وعلى رأسها ملف نترات الأمونيوم في مرفأ بيروت الذي أدى إلى كارثة الرابع من أغسطس.
وفيما لم تصمد حكومة حسان دياب أمام هول الكارثة، وبعد استقالات منفردة لعدد من الوزراء، أعلن دياب استقالته بعد جلسة مجلس الوزراء يوم الاثنين الفائت، وهو ما فتح باب التساؤلات حول من أسقط الحكومة، ومرحلة ما بعد الاستقالة، وهوية بديل رئيس الحكومة، وما إذا كان هذا البديل جاهزا، وماهية التسوية...
في هذا السياق، أكدت أوساط متابعة لـ«المجلة» أن من أسقط حكومة دياب ليس الشارع فقط، إنما تحالف القوى المسيطرة على القرار بسطوة السلاح والتي كان دياب غطاءً لها، فبعد انتهاء مهمته تمت التضحية به، وكشفت هذه الأوساط أنه «يجري الآن البحث عن إعادة إنتاج حكومة جديدة شبيهة بالحكومة التي كانت قبل عهد دياب، وهو ما يروج اليوم في بيروت وفي أوساط الذين أسقطوا حكومة دياب».
وأشارت الأوساط نفسها إلى أن «ألاعيب السلطة أصبحت منتهية الصلاحية، وبالتالي استقالة الحكومة لا تلبي مطلب الشارع الذي لن يهدأ ولن يكلّ لأنه يصوّب على منظومة السلطة بأكملها».
مرحلة ما بعد الاستقالة
وعلى الرغم من مرور أيام عليها، فإن رئيس الجمهورية ميشال عون لم يحدد بعد موعدًا للاستشارات النيابية الملزمة لتسمية شخصية لتشكيل الحكومة الجديدة، في حين تبدو الأمور مفتوحة على احتمالات عديدة في ظل استمرار الاحتجاجات الشعبية في وسط بيروت.
وفي ظل هذه الأجواء تتواصل الحركة المحلية في محاولة للتوصل إلى قواسم مشتركة تبعث على ولادة الحكومة الجديدة بأسرع وقت، إذ تشير الوقائع إلى أن التكليف لن يكون نزهة سهلة، فإما التشكيل بشروط الشعب الثائر والمجتمع الدولي الضاغط الذي يرسل موفديه تباعا إلى بيروت، وإقرار المنظومة السياسية الحاكمة بالخسارة، وإلا لا حكومة.
الطبخة الحكومية والمساعي الدولية
ولكن هل يمكن أن ينجح التدخل الدولي، وتحديداً الفرنسي، بتقريب المسافة بين الفريقين؟ وهل ستنجح محاولات فرنسا في تسريع مسار التكليف والتأليف كما دعت وزارة الخارجية الفرنسية؟ وما هو سقف التنازلات الذي يقبل به فريق السلطة، مقابل سقف المطالب الذي يضعه الفريق المعارض؟
وفيما استقرت بورصة الأسماء المرشحة للتكليف الحكومي حتى الآن، على اسمين هما: الرئيس سعد الحريري، والقاضي في محكمة العدل الدولية في لاهاي السفير السابق نواف سلام. رأى الصحافي والمحلل السياسي منير الربيع، في حديثه لـ«المجلة»، أن التسوية السياسية في لبنان بعد استقالة حكومة دياب لم تظهر معالمها بعد، مشيراً إلى أن «النقاش الحالي يدور حول خيارين: حكومة وحدة وطنية بقيادة الحريري، أو حكومة حيادية برئاسة شخصية مستقلة».
ولفت الربيع إلى أن «فرنسا تؤيد حكومة الوحدة الوطنية، وهو النقاش الذي دار بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع القوى السياسية عند زيارته بيروت»، مشيراً إلى أن «فرنسا تتعاطى بواقعية مع حزب الله، على أنه مكون موجود في النسيج اللبناني، وبالتالي هي تؤيد وجوده السياسي، على عكس الموقف الأميركي التصعيدي والضاغط على الحزب».
إلى ذلك، أشار الربيع إلى أن «حزب الله لا يمانع في تشكيل حكومة وحدة وطنية، على أن تكون برئاسة سعد الحريري أو من يسميه»، مضيفاً أن «حزب الله وحركة أمل، يحاولان تقديم خيار حكومة الوحدة الوطنية، مستندين إلى كلام ماكرون، حتى إن باسيل لم يبدِ اعتراضاً على حكومة حيادية».
لكن معطيات أخرى تفيد بأن الولايات المتحدة الأميركية، تحبذ حكومة حيادية لا يشارك فيها أي من القوى السياسية، بالإضافة إلى استمرار الضغط على حزب الله.
وأكد الربيع أن «التسوية لم تتضح معالمها بعد، ولا بد من انتظار كيف سيتبلور الموقف الأميركي، والذي قد تستشف أجواؤه خلال زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد هيل إلى لبنان».
وما بين الموقف الفرنسي والموقف الأميركي، لفت الربيع إلى الموقف السعودي الذي لا يزال متشدداً تجاه حزب الله، إذ حمّلت المملكة حزب الله مسؤولية الخراب في لبنان، وهو ما يطرح تساؤلات حول طرح حكومة الوحدة الوطنية، وبالتالي موافقة الحريري على ترؤس حكومة يكون حزب الله ممثلا فيها، مع اقتراب صدور حكم المحكمة الدولية بقضية اغتيال والده الأسبوع المقبل، ومن جهة ثانية تقييم حجم التنازلات التي سيقدمها حزب الله.
وعدّد الربيع «ثلاثة عوامل تتضح من خلالها رؤية الملف الحكومي: مواقف هيل، وما يمكن أن يأخذه في ملف ترسيم الحدود، وقرار المحكمة الدولية. وموقف السعودية والولايات المتحدة الأميركية. وتنازلات حزب الله».
وختم الربيع بالإشارة إلى أن «التسوية الحكومية قد تكون مقدمة لطرح آخر على الطاولة مستقبلاً يتعلق بسلاح وصواريخ حزب الله، وتوسيع عمل اليونيفيل وضبط ومراقبة المعابر والمطار وغيرها من الملفات»، مؤكداً أن «لبنان في مرحلة انتقالية أساسية لا تحل لا بتشكيل حكومة ولا بتسوية مرحلية، ولا يمكن فصل التصعيد الأميركي- الإيراني عن لبنان».
الانتخابات النيابية المبكرة
وفيما انتقلت الأولوية بين ليلة وضحاها من الاستقالة من مجلس النواب (بعد الاستقالات الفردية واستقالة كتلة الكتائب اللبنانية) والمطالبة بانتخابات نيابية مبكرة إلى استقالة الحكومة وما يستتبعها من مسار تكليف وتأليف، بدا واضحا أن هناك من قرر فرملة مفاعيل زلزال 4 أغسطس، لتقف عند حدود حكومة دياب وأن لا تلامس حدود مجلس النواب في ظل خشية هذا الفريق من انتخابات تشريعية قد تجرّ إلى انتخابات رئاسية مبكرة، وتؤدي إلى قلب النتائج النيابية ونقلها من ضفة إلى أخرى بسبب الغضب الشعبي العارم.
عضو كتلة «الكتائب» اللبنانية النائب إلياس حنكش، أشار لـ«المجلة» إلى أنه عند لقاء ماكرون تقدم حزب الكتائب على عكس باقي الأقطاب بخطة واضحة: أولها استقالة حكومة دياب، ثانيا تشكيل حكومة مستقلة، وثالثا الذهاب إلى انتخابات نيابية مبكرة، على أن يتم من بعدها تأسيس لمؤتمر وطني كبير تُوضع فيه جميع الهواجس على الطاولة ومنها سلاح حزب الله، والسياسة الخارجية، وكذلك النظام».
وأشار حنكش إلى أنه بعد «استقالة حكومة دياب يبقى تشكيل حكومة مستقلين عن هذه المنظومة، وسبق أن طالبت الكتائب بحكومة مستقلة لأنه لا يمكن إنقاذ لبنان ولا يمكن الذهاب نحو إصلاحات حقيقية إلا بوجود شخصيات قادرة على محاسبة الجميع دون استثناء، ولهذا السبب تمت تسمية السفير السابق نواف سلام من قبل الكتلة في الاستشارات النيابية قبيل تكليف دياب»، مشيراً أن «لبنان اليوم بحاجة إلى شخصية كسلام أو شخصية أخرى تشبهه من حيث الكفاءة والعلاقات الدولية». وتابع أنه «بين حكومة تصريف أعمال وحكومة كانت أشبه بالفراغ، جرى كل ما جرى في لبنان، وبالتالي الوضع اليوم لم يعد يحتمل حسابات الربح والخسارة».
وفيما تقدمت كتلة الكتائب النيابية استقالتها من مجلس النواب، قال حنكش إن «الانتخابات النيابية المبكرة أمر محسوم، إذ لا يمكن إبرام أي تسوية دون إجراء انتخابات تشريعية جديدة، وبالتالي الانتقال إلى جيل جديد، لأنه يجب تجديد الطبقة السياسية وهذا لن يتم إلا من خلال انتخابات نيابية جديدة».
وعن التسريبات حول تسوية حكومية تقضي بتشكيل حكومة وحدة وطنية، قال حنكش إن «لبنان اليوم لا يحتمل الدخول في تجاذبات سياسية، والأولوية يجب أن تكون الاستجابة لصرخات الشعب المقهور والمطالبات الشعبية بإنقاذ فعلي والذي يتأمن من خلال حكومة تتمتع بثقة داخلية وحكومة تحظى بثقة المجتمع الدولي»، مؤكداً أن «الشعب لن يرضى بإعادة استنساخ الحكومة نفسها التي أسقطها برموزها في الشارع».
وعن استقالة دياب، رأى حنكش أن الحكومة لم تسقط نتيجة الضغط الشعبي، إنما بقرار من قبل القوى السياسية الراعية لها والتي قررت في النهاية إقالتها، بهدف «تنفيس» الشارع إلا أن هذا لن يؤدي إلى النتيجة المرجوة»، لافتا إلى أن «لبنان بحاجة إلى صدمة إيجابية تأتي من خلال خيارات حاسمة وحازمة قادرة على تكبيل هذه الطبقة السياسية عبر إجراء انتخابات نيابية مبكرة».
وختم حنكش بالتأكيد على أنه «لن ينجح أهل السطلة في محاولات التذاكي على عقول المواطنين الذين يصرخون بحناجر موجوعة من مآسٍ لم يروا مثلها من قبل، وبالتالي يجب الذهاب اليوم نحو خيارات جريئة وحازمة وليست (ترقيعية) لأن الترقيع هو ما أوصل لبنان إلى ما هو عليه اليوم».