تزايد حالات اللصوص الصغار في إيران
* يدل انتشار حالات السرقة المسلحة على غياب الأمن في إيران، وبالطبع يغيب الشعور بالأمان في مجتمع حافل بحوادث العنف وعمليات السطو المسلح
* إن نظام الجمهورية الإسلامية وصل إلى طريق مسدود في توفير الأمن الاجتماعي وإيجاد حلول للأمراض الاجتماعية، ومنها السرقة
واشنطن: الفقر والمشاكل الاقتصادية وتزايد الأمراض الاجتماعية على غرار جرائم السرقة والقتل والإدمان بين الطبقة الفقيرة والانعدام التدريجي للأمن الاجتماعي، كلها أمور مترابطة ومتشابكة.
لقد ارتفعت نسبة الفقر وظواهر اجتماعية سلبية مثل السلوك الجمعي السلبي والجرائم والعنف والسرقة والقتل بسبب عوامل كثيرة، منها الأزمة الاقتصادية الناتجة عن العقوبات الدولية والركود الناتج عن كورونا وتراكم الثروات المنهوبة بيد فئة خاصة والشرخ الطبقي العميق ووجود حالة التمييز وعدم المساواة في المجتمع وغياب آفاق جيدة للمستقبل والبطالة والتضخم.
جرائم صغيرة ومواطنون يسرقون لأول مرة في حياتهم
تفيد تقارير رسمية بأن السرقة أصبحت جزءا لا يتجزأ من الجرائم الصغيرة المتكررة في المدن الكبرى خلال الأعوام الأخيرة. وأشار علي رضا لطفي رئيس إدارة التحقيقات الجنائية في العاصمة الإيرانية في تصريح لوكالة «إيلنا» للأنباء في 21 يوليو (تموز) 2020 إلى ارتفاع نسبة الجرائم الصغيرة في طهران وخاصة أولئك الذين يقومون بعمليات السرقة لأول مرة في حياتهم.
وأضاف لطفي: «إن أكثر من 50 في المائة من اللصوص الذين اعتقلوا خلال الأشهر الثلاثة الماضية لم يسرقوا أبدا من قبل، وهذه كانت (أول مرة) يقومون فيها بالسرقة».
وتابع أن هؤلاء أقدموا على السرقة لأول مرة في حياتهم بسبب الظروف الاقتصادية المتدهورة، وبذلك أصبح عدد الذين يسرقون لأول مرة في حياتهم يساوي عدد اللصوص «المحترفين».
وأكد لطفي على «دور الصعوبات الاقتصادية في ارتفاع نسبة الجرائم»، معتبرا أن نفي دور المشاكل المعيشية في تزايد معدل الجرائم لا أساس له من الصحة.
وتابع: «صحيح أن المواطنين يمضون فترة أطول في منازلهم (بسبب ظروف كورونا والقيود المرتبطة) وبالتالي شهدت أعمال السرقة من المنازل انخفاضا بنسبة 14 في المائة ولكن بالمقابل ارتفعت نسبة الجرائم الصغيرة مثل سرقة قطع غيار السيارات وسرقة الهواتف النقالة».
لقد تجاوزت أساليب اللصوص في إيران الحدود الأخلاقية بأشواط كبيرة وحدثت نقلة نوعية كبيرة في السرقة واستخدام أساليب جديدة ومبتكرة.
وهناك كم هائل من التقارير الإعلامية الإيرانية المنتشرة حول السرقات المتنوعة بدءا من براغي السيارات والكابلات والمحولات الكهربائية مرورا بمعدات أبراج الاتصالات وقضبان السكك الحديدية وإشارات المرور وصمامات الصرف الصحي في الشوارع وحتى سرقة المساعدات أو الأغراض المتبقية من منكوبي الزلازل وسرقة شحنات الشاحنات التي تتعرض لحوادث سير في طرق البلاد.
وقد يعود أول إعلان رسمي حول ارتفاع نسبة الجرائم الصغيرة والمواجهة الحازمة مع مرتكبيها لتصريحات منسوبة لقائد الشرطة في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) 2012. ولكن هذه التصريحات الحادة والمواجهة العنيفة والمهينة على غرار وضع المتهمين بطريقة غير لائقة ومنافية للآداب العامة أمام أنظار الجميع لم تسفرا عن انخفاض نسبة هذه الجرائم.
أعلن قائد شرطة العاصمة طهران حسن رحيمي في يوليو (تموز) 2019 عن ارتفاع السرقات الصغيرة في طهران بنسبة 9 في المائة، قائلا: «تشكل سرقة محتويات السيارة نحو 40 في المائة من مجموع السرقات الصغيرة ونحو 7 في المائة لسرقة الهواتف النقالة».
ونقلت وسائل إعلام إيرانية عن نائب قائد رئيس إدارة التحقيقات الجنائية لمكافحة السرقة رضا مؤذن في يوليو 2019 قوله «لقد ارتفع الكشف عن السرقات بالعنف بنسبة 35 في المائة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الإيراني (أبريل ويونيو ويوليو) مقارنة مع المدة المقابلة من العام الماضي».
وأفاد الإعلام الإيراني بأن «إلقاء القبض على لصوص السرقات الصغيرة شهد ارتفاعا بنسبة 58 في المائة خلال الأشهر الثلاثة من العام الإيراني».
يشكل الانتشار الواسع للجرائم الصغيرة على غرار السرقات الصغيرة مرضا اجتماعيا ويدق ناقوس الخطر حول الانهيار الاجتماعي والاقتصادي في مجتمع تكبر فيه مشاكل أهله المعيشية أكثر فأكثر وعدد الذين يعيشون تحت خط الفقر يزداد يوما بعد يوم. ففي هذا البلد يلجأ المواطنون للسرقات الصغيرة لتأمين قوتهم اليومي وأصبحوا يعرفون بـ«لصوص المرة الأولى» وأخذ عدد اللصوص في تزايد. وماذا يفعل مسؤولو الجمهورية الإسلامية لمعالجة هذه الظاهرة؟ إنهم يدعون المواطنين لتحمل الضغوط الاقتصادية والصبر على ما حل بهم من مصائب لا حصر لها.
وأعلنت الشرطة الإيرانية يوم 17 يناير (كانون الثاني) 2019 لأول مرة عن عدد اللصوص المحترفين، وقال حينها نائب قائد الشرطة الإيرانية سليماني: «تشير الإحصائيات إلى وجود نحو 200 ألف لص محترف في أنحاء البلاد والذين يقومون بأعمال السرقة خلال 24 ساعة يوميا. إن هؤلاء يقفون وراء 65 في المائة من أعمال السرقة».
وعزا سليماني ارتفاع نسبة السرقة إلى البطالة والظروف الاقتصادية الصعبة وانتشار العشوائيات وغياب النهج السليم في التعامل مع مدمني المخدرات.
وأضاف سليماني أن محافظات طهران والبرز وخراسان الرضوية والأهواز وفارس وأصفهان وكرمان تتصدر السرقات الصغيرة.
وأصبح الحال على ما عليه في البلاد، حيث إن أزمة العملة والأزمة الاقتصادية وارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية وانتشار ظاهرة البطالة المقنعة بين المواطنين بهدف تأمين الحد الأدنى من متطلبات المعيشة كلها عوامل تسبب معاناة كبيرة وظروفا قاسية للمواطنين. وأصبح الفقراء في ظل الظروف الراهنة أكثر فقرا وأصبحت التجمعات الاحتجاجية اليومية أحد مظاهر الحياة بالنسبة لشعب فتك به الفقر وتراكمت المشاكل حوله من كل حدب وصوب فضاق ذرعا بكل شيء. تزايدت نسبة الجرائم الصغيرة بسبب زيادة الفقر والعجز عن تأمين لقمة العيش.
وأدى الهيكل الاقتصادي المتهالك وانخفاض مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي إلى تراكم المشاكل على غرار البطالة وتسريح عدد كبير من العمال من وظائفهم. وفيما يتخذ التضخم مسارا تصاعديا أجبر مسؤولو الجمهورية الإسلامية على الإذعان إلى أن الوضع الاقتصادي هو السبب وراء ارتفاع نسبة السرقة في البلاد.
ونقلت وكالة أنباء الطلبة (إيسنا) عن أيوب سليماني نائب قائد الشرطة الإيرانية قوله في ديسمبر (كانون الأول) 2018 أن الظروف الاقتصادية للمواطنين «تثير القلق» وأضافت وكالة أنباء «إيسنا»: «يعاني جزء كبير من المجتمع الإيراني مشاكل معيشية حادة مما أدى إلى ارتفاع نسبة السرقات الصغيرة».
ونشر موقع «القدس أونلاين» الإخباري تقريرا حول ارتفاع الأسعار وانتشار انعدام الأمن في المجتمع الإيراني في فبراير (شباط) 2013 قال فيه: «كيف يمكن أن نتوقع عدم ارتفاع نسبة الجرائم الصغيرة والكبيرة في بلاد تشير إحصائيات رسمية لغرفة التجارة فيه إلى أن حجم الإنتاج في البلاد أقل بنسبة 40 في المائة من الطاقة الإنتاجية الحقيقية وأن العمال أصبحوا عاطلين عن العمل؟».
ارتفاع نسبة السرقات المسلحة
فيما يشكل الفقر والبطالة بيئة خصبة لارتكاب الجرائم الصغيرة من قبل الفقراء يثير ارتفاع عدد ضحايا السرقات المسلحة والجرائم الصغيرة في الشوارع القلق لدى الرأي العام. وفي الوقت الذي يزعم مسؤولون كبار في الجمهورية الإسلامية أن إيران «أكثر البلدان أمانا» في العالم فإنهم متورطون حتى النخاع في ملفات الفساد والسرقة ونهب الأموال العامة ويروجون العنف بسبب سوء إدارتهم لأمور البلاد.
وقالت المديرية العامة للطب الشرعي بمحافظة طهران في 2016 إن نسبة ضحايا جرائم العنف بالسلاح الأبيض في الشوارع ارتفع منذ نهاية مارس (آذار) 2016 حتى منتصف ديسمبر (كانون الأول) 2016 مما أدى إلى مقتل 100 شخص بهذا السبب في هذه الفترة.
وتقع الاشتباكات أحيانا خلال عمليات السرقة في الشوارع. وأفادت تقارير إعلامية إيرانية عن أن شخصين يلقيان حتفهما يوميا بالسلاح الأبيض في البلاد.
إلى ذلك، يدل انتشار حالات السرقة المسلحة على غياب الأمن في إيران. وبالطبع يغيب الشعور بالأمان في مجتمع حافل بحوادث العنف وعمليات السطو المسلح على المصارف ومحال بيع الذهب وحتى حوادث بسيطة على غرار سرقة الهواتف النقالة أو المال بالعنف.
ويبدو أن النظام الإيراني وصل إلى طريق مسدود ولم يتمكن من إيجاد حلول للحد من ارتفاع جرائم صغيرة على غرار السرقة والذي يجري بالتزامن مع تصاعد الأزمات السياسية والاقتصادية واستمرار الاحتجاجات وصدور أحكام قضائية بالسجن لفترات طويلة وحتى الإعدام لمنتقدي النظام بعد القيام بمسرحية الاعترافات الإجبارية والدعايات الهزلية لمكافحة الفساد بإخراج رئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي. نعم، إن نظام الجمهورية الإسلامية وصل إلى طريق مسدود في توفير الأمن الاجتماعي وإيجاد حلول للأمراض الاجتماعية، ومنها السرقة.