الفساد السياسي ينخر لبنان ويقضي على اقتصاده الحرhttps://www.majalla.com/node/98446/%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B3%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A-%D9%8A%D9%86%D8%AE%D8%B1-%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86-%D9%88%D9%8A%D9%82%D8%B6%D9%8A-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1
* كل عهد ينظر إلى الإصلاح من منظوره الخاص بعيداً عن الأسس والقوانين المرعية الإجراء، والكل يتجاهل أن الإصلاح الإداري يحتاج أولاً إلى إصلاح سياسي، لأن أهم أسباب الفساد وأخطرها هي سياسية بالدرجة الأولى * المضحك المبكي في آن أن المطالبة والإلحاح بضرورة مكافحة الفساد والرشوة وقبض العمولات والمحاصصة في الصفقات تأتي ممن هم في السلطة، وهؤلاء موضع شك من قبل الشعب اللبناني * بعد تسلم عون سدة الرئاسة وتشكيل سعد الحريري حكومته اعتقد الجميع أن لبنان سيستعيد عافيته وخصوصاً بعد أن استطاع الحريري إقناع الدول الداعمة بعقد مؤتمر سيدر في العاصمة الفرنسية * انتهت التسوية الرئاسية بين عون والحريري، ودخل لبنان في المجهول، بعدما انهارت العملة الوطنية أمام الدولار، واشتدت الأزمة أكثر بعد تشكيل حكومة اللون الواحد برئاسة حسان دياب ووصول وباء كورونا إلى لبنان * هذه الحكومة وخلال الأشهر الستة من حكمها دمرت الاقتصاد الوطني وأرهقت القطاع المصرفي وشددت الخناق على مصرف لبنان وحاكمه، لأن جبران باسيل يريد وضع يده على هذه المؤسسة وتطويعها
بيروت: الكل يتحدث عن الفساد في لبنان وضرورة مكافحته؛ كل العهود التي مرت منذ عهد الاستقلال وحتى اليوم تناولت الفساد في البيانات الوزارية، لكن الفساد استمر وهو ينخر إدارات الدولة ومؤسساتها العامة، حتى بات المواطن المقهور يظن نفسه أنه هو الفاسد، والطبقة السياسية بريئة من الفساد والفاسدين .
والمضحك المبكي في آن أن المطالبة والإلحاح بضرورة مكافحة الفساد والرشوة وقبض العمولات والمحاصصة في الصفقات تأتي ممن هم في السلطة، وهؤلاء موضع شك من قبل الشعب اللبناني الذي يعتبر ويجزم بأن من يطالب بمكافحة الفساد هو المتهم الأول، وأن الإصلاح يجب أن يبدأ بالإصلاح السياسي، ثم الإصلاح الإداري وليس العكس، وأن ما نسمعه من السياسيين حول هذا الموضوع ليس سوى عملية شد حبال بين من هم في السلطة ومن يعارضهم، وأن عملية الإصلاح المطلوبة لن تتحقق ما دامت المحاسبة لن تطال سوى المكشوف سياسياً وحزبياً وأن المدعوم سيبقى في مركزه من دون حسيب أو رقيب، لأن الأسس المطلوبة لمكافحة الفساد لا تزال غائبة، باعتبار أن الهيئات المؤهلة للقيام بهذه المهمة الشاقة والطويلة شل عملها بقرار سياسي وهي مغيبة عن كل القضايا التي هي في صلب عملها كما أن التشكيلات القضائية لا تزال محتجزة في قصر بعبدا، وهذه التشكيلات هي الأساس في معركة الدولة مع الفساد والفاسدين.
والسبب أن كل عهد ينظر إلى الإصلاح من منظوره الخاص بعيداً عن الأسس والقوانين المرعية الإجراء، والكل يتجاهل أن الإصلاح الإداري يحتاج أولاً إلى إصلاح سياسي، لأن أهم أسباب الفساد وأخطرها هي سياسية بالدرجة الأولى، إذ تحكم لبنان فئة صغيرة مهيمنة عبارة عن «طبقة سياسية» تتقاسم السلطة في ما بينها وتعمل على تحقيق مصالحها الشخصية والطائفية خارج أي محاسبة سياسية أو مساءلة إدارية أو قضائية، وما يدعو إلى الاستغراب والدهشة أنه منذ إنشاء دولة لبنان الكبير سنة 1920 ولغاية يومنا هذا لم يعاقب أي من السياسيين على جرائم الفساد واستغلال السلطة لتحقيق غايات محض شخصية؟
المدرسة الشهابية
لن نعود كثيراً إلى الوراء لنشرح ما حصل على صعيد الإصلاح منذ عهد الاستقلال والأحداث التي رافقت كل حكومة من أجل إطلاق عملية الإصلاح وكيف تعطلت بسبب الصراعات السياسية، إلا أنه لا بد أن نتوقف عند محطة أساسية في تاريخ لبنان وهي حين تسلم الرئيس الراحل اللواء فؤاد شهاب سدة الرئاسة سنة 1958 بعد الثورة الشعبية التي اندلعت ضد عهد الرئيس الراحل كميل شمعون الذي ما إن تسلم الحكم حتى تخلى عن رفاقه في الجبهة الوطنية الذين عملوا معه من أجل إنهاء الولاية الممتدة للرئيس الراحل الشيخ بشارة الخوري وإيصاله إلى الحكم .
فقد اعتبر الرئيس شهاب أن استقرار الوطن ونموه يتحقق بإلغاء دولة الطوائف وبناء دولة المؤسسات، ففي قسم اليمين الذي ألقاه يوم 23 سبتمبر (أيلول) 1958 قال: «إن لبنان يحتاج إلى بناء دولة على أسس وقواعد ومقاييس من تصميم النخبة ومصلحة الشعب وطموح المواطن، لكي يثق المواطن بالدولة بحيث تسري فيه روح الجد في المسؤولية، وفي جعل الدولة للمواطن وللكل على السواء والجدية في النظرة إلى الغد والتصميم له، ولا بد أن يطمئن المواطن إلى تجرد الحاكم وعدل القاضي وأمانة الموظف» .
لقد حاول الرئيس شهاب وعمل على تطوير ذهنية العمل السياسي بحيث تصبح السياسة دراسة ورأياً وتوجيهاً ومسؤولية ورقابة وضميراً ووطنية تتخلص من أثقال الوساطة والاستعلاء على القانون، ومن أجل تحقيق ذلك تم إنشاء مجلس الخدمة المدنية لتكون مهمته اختيار الموظفين وتدريبهم وتحديد مقاييس الوظيفة وتعميمها بمنأى عن تدخل الطاقم السياسي المباشر وللحد من نفوذهم في التعيينات والمناقلات الادارية، واستطاع أن ينجز الكثير، ففي عهده تم إنشاء هيئة التفتيش المركزي والمجلس التأديبي والمجلس الوطني للبحوث العلمية ومصلحة الأبحاث العلمية الزراعية ومصلحة الإنعاش الاجتماعي والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وتوج عهده بإلغاء امتياز بنك سوريا ولبنان وأسس مصرف لبنان المركزي .
عهد الحلو بات مراً
هذه الإنجازات لو تم الحفاظ عليها خلال العهود التي توالت على الحكم، لما وصل لبنان إلى ما هو عليه اليوم، فكل العهود عملت على تحجيم هذه المؤسسات والمصالح واستخدمتها من أجل مصالحها الشخصية، ففي عهد الرئيس الراحل شارل الحلو الذي اعتقد البعض أنه امتداد للعهد الشهابي، فبعد تسلمه مقاليد الحكم راح يخفف من ثقل ضغط العسكر على الحياة السياسية، فألغى أولاً الغرفة العسكرية التي أنشأها شهاب في القصر الجمهوري، ثم حدّ من تدخلات «المكتب الثاني» الذي كان يحكم البلاد في الظل. ومع تراجع العسكر، كانت بداية الطريق لعودة خصوم العهد الشهابي إلى الواجهة والقيادة السياسية على الساحة المسيحية بعدما تم إقصاؤهم عنها في انتخابات العام 1964. ثم جاءت الخطوة التالية بإنشاء الحلف الثلاثي عام 1967 الذي ضم كميل شمعون وريمون إده وبيار الجميل حليف الشهابية سابقاً، وهو الحلف الذي خاض الانتخابات النيابية بجبهة واحدة ضد العهد الشهابي عام 1968 والتي قضت نتائجها على حكم المكتب الثاني وحكم الأمن والعسكر.
بداية الانهيار
عاش عهد شارل حلو على رصيد الاستقرار والهدوء اللذين ورثهما عن حكم شهاب وعسكره. وكان بذلك الوحيد الذي نجا بعد عهد شهاب من اضطرابات دموية بلغت ذروتها في عهد خلَفه سليمان فرنجية مع الحرب التي اندلعت عام 1973 بين الجيش اللبناني والمنظمات الفلسطينية التي كانت قد استمدت شرعية حمل السلاح في لبنان لمقاومة إسرائيل من «اتفاق القاهرة» الذي أبرم بينها وبين السلطات اللبنانية عام 1969 إلى أن اندلعت الحرب الأهلية الطاحنة عام 1975 والتي أدت إلى تدمير العديد من المناطق الحيوية في بيروت وتدمير بنية الدولة الإدارية وانقسامها ما بين شرقية وغربية .
محاولة فاشلة
حاول الرئيس الراحل إلياس سركيس الذي انتخب رئيسا للجمهورية سنة 1976 قبل انتهاء ولاية الرئيس سليمان فرنجية إعادة توحيد الادارة قبل تسلمه الحكم، فقام بتكليف الدكتور سليم الحص الذي تعرف عليه خلال وجوده في مصرف لبنان مع أمين عام مجلس الوزراء الراحل الدكتور عمر مسيكة لعقد اجتماعات في مقر مجلس الخدمة المدنية مع المديرين العامين في الوزارات والإدارات والمؤسسات العامة للاطلاع منهم على حاجة كل وزارة ومؤسسة للانطلاق مجدداً، لأن سركيس الذي كان الساعد اليمنى للرئيس فؤاد شهاب كان يعلم اهمية ودور الإدارة الحيوي لنجاح عهده، لكنه فشل في مساعيه لأن الانقسامات السياسية العمودية والأفقية واستمرار الحرب الأهلية واستيلاء الميليشيات المتقاتلة على المرافئ والمنشآت العامة وحرمان الدولة من مداخيلها أحبط جهود الرئيس سركيس وحكومته الأولى التي ترأسها الدكتور سليم الحص .
نحو الكارثة
استمر هذا الواقع في عهد الرئيس أمين الجميل الذي انتخب بعد اغتيال شقيقه الرئيس المنتخب بشير الجميل قبل تسلمه سدة الرئاسة .
فعند توليه الرئاسة كان جنوب لبنان ومعظم مناطق الجبل وبيروت وجزء كبير من البقاع الغربي تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي عقب غزو لبنان، وكان الجيش السوري مهيمنًا على شمال وشرق لبنان وكانت الحكومة اللبنانية فاقدة للسلطة والسيادة العملية على الأراضي اللبنانية وفشلت الحكومات التي شكلت في عهده بتحقيق أي إنجاز يذكر على صعيد الفلتان الحاصل قي الإدارة اللبنانية وفي شركة إنترا للاستثمار حيث اختار الجميل رجل الأعمال روجيه تمرز الذي استطاع أن يتمدد في القطاع المصرفي بعد تنصيب نفسه رئيسا لمجلس إدارة بنك المشرق، فاختلس أمواله وأموال إنترا وشركة طيران الشرق الأوسط التي كانت إنترا المساهم الأكبر فيها، وفر هارباً بعدما تأمنت له الحماية من رؤساء الأحزاب اللبنانية .
واستمر عجز الجميل في فرض الهيمنة على لبنان طوال فترة عهده، وباقتراب نهاية فترته الرئاسية في 23 سبتمبر 1988 قام قبل 15 دقيقة من انتهاء فترته الرئاسية بتنصيب قائد الجيش ميشال عون رئيسًا للوزراء وشكل بموجب ذلك حكومة عسكرية من 6 وزراء يمثلون الطوائف الرئيسية في لبنان. ولم تعجب هذه الأسماء الكتلة المسلمة في المجلس النيابي التي أصرت على بقاء الحكومة القائمة التي يرأسها بالنيابة الدكتورسليم الحص، فأدى ذلك إلى استقالة الوزراء الممثلين للطوائف الإسلامية الثلاث السنة والشيعة والدروز، فكان على الأرض حكومتان متنافستان واحدة بقيادة عون وأخرى بقيادة الحص وهي ذاتها الحكومة القائمة قبل إقالتها من قبله وتشكيله الحكومة العسكرية وهذا القرار أحدث شرخاً كبيراً في بنية الدولة المالية والاقتصادية وولدت حروباً داخلية استمرت حتى بعد انعقاد مؤتمر الطائف بمشاركة عربية ودولية، وهو المؤتمر الذي رفض مقرراته رئيس الحكومة العسكرية واستمر في اعتصامه في قصر بعبدا رغم أن اتفاق الطائف فرض الدكتور سليم الحص رئيسًا للحكومة الموحدة.
ما بعد الطائف
بعد انتخاب النائب رينيه معوض رئيساً للجمهورية واستشهاده في منطقة الظريف في بيروت بعد خروجه من الاحتفال الذي أقيم بمناسبة عيد الاستقلال سارع مجلس النواب إلى عقد جلسة طارئة في ثكنة أبلح البقاعية وانتخب النائب إلياس الهراوي رئيساً للجمهورية لكن عون رفض هذا الواقع إلى أن تقرر إخراجه من القصر بقوة السلاح، حيث قام الطيران السوري بالإغارة على القصرالجمهوري، ففر عون باتجاه السفارة الفرنسية طالباً اللجوء وبعد فترة تم ترحيله مع عائلته إلى فرنسا .
وفي عهد إلياس الهراوي وقبل وصول الرئيس الشهيد رفيق الحريري إلى رئاسة الحكومة سنة 1994 تسلم رئاسة الحكومة الرئيس سليم الحص ومن بعده الرئيس المرحوم عمر كرامي ومن ثم حكومة المرحوم رشيد الصلح، بعدها شكل الرئيس رفيق الحريري حكومته الأولى واستمر في الحكم لمدة 6 سنوات حتى سنة 1998 يوم انتهت الولاية الثانية للرئيس الراحل إلياس الهراوي وفي هذا العهد انطلقت ورشة الإعمار في لبنان المدمر فتمت إعادة بناء البنية التحتية للبلد وشقت الأوتوسترادات والأنفاق وشيد مطار جديد وأعيد إعمار المدينة الرياضية وتم بناء المدينة الجامعية في منطقة الحدث وانتشرت المدارس الرسمية في كل لبنان وتم تحديث شبكة الاتصالات المهترئة وبدأت ورشة الإعمار في وسط بيروت المدمر وتم بناء مستشفى رفيق الحريري الجامعي في منطقة بئر حسن وهذا المستشفى الذي تم إهماله بعد استشهاد الحريري سنة 2005 استفاقت الدولة عليه بعد انتشار فيروس كورنا مطلع العام 2020 حيث تحول إلى مستشفى مركزي لجميع المصابين بهذا الوباء .
لحود والسياسة الكيدية
حين أطل عهد الرئيس إميل لحود في العام 1998 استبشر معظم اللبنانيين خيراً بالقضاء على الفساد في السلطة السياسية والإدارة ونظر اللبنانيون بتفاؤل إلى ما يمكن أن ينجزه هذا الرئيس القادم من المؤسسة العسكرية، ومن خارج الطبقة السياسية التي كانت مضللة بما يسمى الترويكا الرئاسية، والتي أوغلت في استنزاف الدولة والخزينة بالديون والفساد، ورغم الرعاية السورية لهذه الترويكا، ووصاية المنظومة الأمنية والسياسية الأسدية لها، وللمحاصصة والفساد والإفساد، حاول اللبنانيون أن يتغاضوا عن فكرة أن النظام السوري هو نفسه من جاء بالرئيس لحود إلى قيادة الجيش ثم إلى الرئاسة الأولى- تأملوا واهمين كما تبين لاحقاً- أن لحود سينجز عملية إصلاح جدية في الدولة ومؤسساتها. لكن حساب البيدر لم يطابق حساب الحقل، فما فعله لحود آنذاك هو في قيامه بحملة شعواء على الرئيس رفيق الحريري، فطرد من طرد من مديرين عامين في الإدارة، وزجّ في السجون بعضهم وشُنّت حملات سياسية وأمنية على الرئيس رفيق الحريري، وكاد وزير المالية آنذاك فؤاد السنيورة أن يزجّ في السجن، ولكن لم يتحقق له ذلك. قد يكون ما فعله الرئيس لحود وفريقه الحاكم آنذاك كان يمكن أن يكون مصيباً، ولكن عندما نظر اللبنانيون إلى أن أبرز من كانوا في الفريق الإصلاحي للرئيس لحود هم من رموز الفساد، وشاهدوا كيف أن سيف الإصلاح لم يطل أحداً من أتباع الرئيس بري أو سليمان فرنجية أو غيرهم من القيادات الحاكمة والمؤيدة من «المقاومة» ومن النظام الأمني السوري، خاب ظنهم، لأنهم أدركوا أن ما يجري ليس سوى تصفية حسابات سياسية، ما لبثت أن انقلبت على أصحابها، بل رسخت الفساد وجذرته وأعادت الاعتبار مجددا لسلطة المحاصصة. وخرج المتهمون من سجونهم أبرياء بأحكام قضائية وضاع الإصلاح وتبدد، لأن الطبقة الحاكمة كان هدفها الانتقام من فريق سياسي واحد معارض للوجود السوري تحت عنوان الإصلاح، لأن حكومة المرحوم عمر كرامي التي شكلت بعد استقالة حكومة الرئيس الحريري الثانية لم تستطع الصمود بعد استشهاد الرئيس الحريري في 14 فبراير (شباط) 2005 وهذه الجريمة وصمة عار لعهد إميل لحود.
حين تسلم العماد سليمان سدة الرئاسة بعد اتفاق الدوحة كانت علاقات لبنان الخارجية شبه معدومة، إذ كانت سياسات الدولة تقرر من قبل النظام السوري ومن ثم النظام الإيراني الذي توغل في لبنان عبر صنيعته حزب الله وقد أحدث سليمان تطوراً كبيراً في هذا المجال فأصبحت العلاقات اللبنانية العربية والدولية ممتازة رغم معارضة الأحزاب المدعومة من سوريا وإيران .
الرئيس سليمان كان مقتنعاً بأن صيغة لبنان لا تسمح بانحيازه إلى محور ضد محور آخر لأن حياد لبنان ورد في كل المواثيق الوطنية وكذلك في اتفاق الطائف .
فقد وطد الرئيس سليمان علاقة لبنان بدول الخليج، وخصوصاً السعودية التي لم تقصر في دعم لبنان، ومساعدات المملكة لم تكن اقتصادية ومالية فقط، إنما كانت الداعم الأبرز لمؤسسات الدولة ولسيادتها وللجيش اللبناني بهدف بناء قوته وهذه السياسة لم تكن ترضي حزب الله الذي كان يعتبر أن دعم المؤسسة العسكرية قد يضرب مشاريعه ومشاريع إيران للسيطرة على البلد كما هو حاصل اليوم .
وقد عانى الرئيس سليمان طوال فترة ولايته من هذه السياسة إلا أنه ترك الحكم والبلد ينعم باستقرار نقدي واقتصادي واجتماعي لكنه فشل في مواجهة الفساد المستشري في البلاد بسبب المعارضة الشديدة لحكمه من قوى لا يهمها سوى خدمة سوريا ومصالح إيران في لبنان .
عهد الانهيار
بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان فشل مجلس النواب بانتخاب رئيس جديد بعدما مارس محور حزب الله والتيار الوطني الحر دور التعطيل في المجلس النيابي واستمر الفراغ الرئاسي طوال فترة عامين ومع أن عون استطاع أن ينهي حال الحرب مع القوات اللبنانية بعد اتفاقية معراب إلا أنه فشل في الوصول إلى الرئاسة وهذا ما دفعه لفتح حوار مع كتلة تيار المستقبل ورئيسها سعد الحريري الذي كان قد تبنى ترشيح قائد المردة سليمان فرنجية، فقد زار عون ومعه جبران باسيل بيت الوسط وتم الاتفاق على إنهاء حال الفراغ الرئاسي وتم إعلان موعد جديد لانتخاب رئيس الجمهورية، وهذا ما حصل في الجلسة التي انعقدت في المجلس النيابي
بعد تسلم عون سدة الرئاسة وتشكيل سعد الحريري حكومته اعتقد الجميع أن لبنان سيستعيد عافيته وخصوصا بعد أن استطاع الحريري إقناع الدول الداعمة بعقد مؤتمر سيدر في العاصمة الفرنسية وقد تعهد المؤتمر بتقديم أكثر من 11 مليار دولار شرط أن يقوم لبنان بتنفيذ الإصلاحات الضرورية وخصوصاً في قطاعي الطاقة والاتصالات لكن انخراط حزب الله في الحروب الإقليمية ودعم نظام بشار الأسد المنهار وشنه الهجمات في كل إطلالة إعلامية على القيادات الخليجية والدول الأوروبية والولايات المتحدة التي فرضت عقوبات قاسية على إيران والعراقيل التي وضعها رئيس التيار الوطني الحر في وجه الحكومة عن طريق الثلث المعطل ورفضه كل الاقتراحات والمشاريع المتعلقة بقطاع الطاقة الذي كبد الخزينة اللبنانية نحو 45 مليار دولار طوال السنوات التي تسلم فيها تياره هذه الوزارة وفتحه المعارك ضد أي شخص قد يهدد طموحه لخلافة عمه في سدة الرئاسة، بدءاً من سمير جعجع، وسليمان فرنجية، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي سعى مع حزب الله لإقالته من منصبه، فخلط كل الاوراق خصوصا بعد انهيار اتفاق معراب واندلاع الثورة الشعبية في شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2019 والتي دفعت رئيس الحكومة سعد الحريري للاستقالة وبالتالي انتهت التسوية الرئاسية بين عون والحريري، ودخل لبنان في المجهول، بعدما انهارت العملة الوطنية أمام الدولار، واشتدت الأزمة أكثر بعد تشكيل حكومة اللون الواحد برئاسة حسان دياب ووصول وباء كورونا إلى لبنان.
لكن هذه الحكومة وخلال الأشهر الستة من حكمها دمرت الاقتصاد الوطني وأرهقت القطاع المصرفي وشددت الخناق على مصرف لبنان وحاكمه، لأن جبران باسيل يريد وضع يده على هذه المؤسسة وتطويعها من أجل استكمال مشروع حزبه الساعي إلى الهيمنة على كل مفاصل الدولة ليتمكن من خلافة عمه في رئاسة الجمهورية، وهذا المشروع هو قمة الفساد لأن الشخص الذي كبد الخزينة اللبنانية أكثر من 45 مليار دولار على قطاع الكهرباء، أي نصف الدين العام، ووعد بتأمين التيار الكهربائي 24 على 24 عام 2015 وهي في العام 2020 مقننة 16 ساعة يومياً، كيف سيكون حكمه وكيف سيكون حال هذا الشعب المدمر والمنهار إن وصل إلى قصر بعبدا، بعدما أفشل كل الخطط الإصلاحية المطلوبة من الدول الداعمة ومن صندوق النقد الدولي، ومنع تطبيق قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وأصر على تنيفذ مشاريع السدود غير المجدية بيئياً وصحياً.