* التيار السلفي تسلل للفن ولم أفكر بجزء ثانٍ لـ«طيور الظلام»
* بعد كورونا نستكمل تصوير فيلم «الصحبة الحلوة»للفخراني ومحمد سعد، وأرفض كتابة عمل عن حياة أحمد زكي
القاهرة: وحيد حامد كاتب وسيناريست له بصمة واضحة في الدراما المصرية، وهو صاحب مشروع تنويري كشف من خلاله زيف الجماعات المتشددة وراء ستار الإسلام الراديكالي وزيف طبقة الأغنياء الجدد في عصر الانفتاح والتعبير عن أحلام المواطن المصري البسيط وطموحاته منذ بداياته في كتابة الأعمال الدرامية في أواخر الستينات. وكانت نصوصه تميمة الحظ في مسيرة أحمد زكي وعادل إمام ومحمود عبد العزيز ونور الشريف، إذ قدم معهم مجموعة من أهم أفلام السينما المصرية. هو صاحب رؤية في كل قضايا المجتمع انعكست في أعماله وكتاباته.
ونظرا لتخصصه في علم الاجتماع، حاورته «المجلة»هاتفيا عن رأيه في زمن التباعد الاجتماعي، وتسلل التيار السلفي للفن المصري، والجزء الجديد من مسلسل «الجماعة»والجوانب الخفية في شخصية حسن البنا، وتشريحه لشخصية إردوغان... وإلى الحوار:
* من حسين صدقي ليوسف الشريف، هل تسلل التيار السلفي للفن؟
- حركة الإخوان المسلمين في بدايتها استعانت بكل الأشكال التي ترتبط بعلاقة بالجمهور لعمل شعبية لها سواء رياضية أو فنية، وأسس حسن البنا فرقة مسرحية، وشقيقه كان يؤلف المسرحيات واستقطبت مجموعة فنانين ومنهم حسين صدقي الذي قدم فيما بعد فيلما عن حسن البنا باسم «الشيخ حسن»، لكن في النهاية انتصرت الحياة عليهم إلى أن وصلنا للمرحلة الحالية التي انكشفت فيها الجماعة وأساليبها.
وفي السنوات الأخيرة بعض المصريين العائدين من الخليج وبتمويل مشبوه عملوا شركات سينمائية وأطلقوا مصطلح «السينما النظيفة». وهو مصطلح هدام يهدم الفكرة الأساسية والهدف الراقي للفن.
* لماذا ينقلب الفنان على حرية الفن؟
- الفن دون حرية يصبح شيئا آخر. الإنسان إذا قُيد لا يمكن أن يبدع والأفكار تموت. الفن أساسا ينهض بالمجتمع ومع كل تطور يقدم حلولا. وإنما للأسف هؤلاء يريدون تقييد الفن وتطويعه لأهدافهم وتجريده من رسالته. أما ما يحدث في الوسط الفني الآن، فهم يخاطبون جمهورا معينا من المتشددين.
* ولماذا برأيك وصلنا لهذا الوضع؟
- لسبب بسيط؛ لأننا وحتى الآن تركنا المساجد لمشايخ إما جهلة بالدين وإما متعصبين ومتشددين بالفطرة. لديهم سوء نية وسوء قصد بحيث يجرون المجتمع لحالة من التخلف، حتى بعض وسائل الإعلام لدينا تفتح المجال لهؤلاء الناس لبث أفكارهم في ظل إعلام رديء يريد معركة مشتعلة للمكسب المادي فقط.
* ما زلت تحرص على كتابة أعمالك بنفسك على عكس الموضة الرائجة حاليا «ورش الكتابة»ما رأيك في الدراما المصرية الآن، وخاصة مع انتشار «الفورمات الأجنبية»؟
- الدراما تحمل رؤية وفكر وطابع المجتمع الذي تخرج منه، إنما مسألة الفورمة وأعمل عليها تمصير، أجدها تفتقر للنكهة والطعم والأثر، هي ما نطلق عليه قديما «مسلسلات الصابون»أي إنها تستهدف إعلانات المنتجات الاستهلاكية.
* هل سنشهد نهاية جماعة الإخوان في الجزء الثالث من مسلسل «الجماعة»؟
- لم أحدد نهاية المسلسل بعد، لكنه سيكون في 30 حلقة، تشغلني الأحداث، لم أستقر بعد على نهاية الفترة الزمنية وأنتظر كي تختمر بشكل جيد.
* أثناء كتابتك للمسلسل بالتأكيد انكشفت لك جوانب خفية من شخصية البنا، هل تكشف لنا عنها؟
- كانت هناك الكثير من الجوانب الخفية ولم أرغب في كتابتها كي لا يظنوا أنني أتجنى عليه، حاولت رسم الشخصية بموضوعية وحيادية، لكن أبرز سمات شخصيته أنه كان مثلا رجلا بلا عواطف على الإطلاق، كانت زوجته تقدم له ملفا فيه تصرفات أطفاله وأحوالهم! أغلب وقته لم يكن مقيما مع أسرته كان وهو مدرس ينام في المدرسة وبعد ذلك كان يقيم في مقر الجماعة.
* كيف ترى ما يحدث حاليا من توغل تركي في العالم العربي، ومحاولات استعادة الخلافة الإسلامية؟
- من وجهة نظري، التاريخ يعيد نفسه. الدولة العثمانية ما قضى عليها أساسا الغرب وعمل على تفكيكها. وأعتقد أن حلم إردوغان لم يتحقق على الإطلاق لأن نظرية إقامة دولة إسلامية في الزمن الحالي صعبة جدا، لن يقبل العالم بمثل هذا «الحلم الكاذب».
* إذا قمت بتشريح شخصية إردوغان لرسمها سينمائياً، كيف تصفها؟
- مفتون بنفسه، هذا تحليلي له. وفي التاريخ نماذج كثيرة جدا. هذا المفتون بذاته يحترق. إردوغان «نرجسي واهِم»في طريقه للاحتراق.
* في «طيور الظلام»كشفت عبر شخصية علي الزناتي المحامي زيف الإسلام الراديكالي، وسعيه وراء الأموال، حتى على حساب الوطن، هل تراجعت عن جزء ثانٍ من الفيلم بسبب اتهامات بازدراء الدين الإسلامي؟
- لم أكن أفكر يوما بجزء ثانٍ لـ«طيور الظلام»، ولم يتم اتهامنا أنا أو عادل إمام بهذه التهمة الباطلة.
* ما سر التوافق الكبير بينك وبين عادل إمام على الشاشة؟
- كنا نؤمن بفكر واحد ونتحدث نفس اللغة ومفتاح النجاح هو الإيمان بنفس القضية.
* أعلنت رفضك كتابة مسلسل عن أحمد زكي، ماذا كان يمثل لك أحمد زكي؟
- لا يمكن أن أقوم بالكتابة عنه؛ لأن أحمد زكي كان قريبا جدا مني، وكانت تربطني به علاقة قوية، كنا بلديات أولا من محافظة الشرقية، ثانيا كنا نكاد لا نفترق، وعموما، أحترم الحياة الشخصية للبشر جميعا، فما بالك بالنسبة للأصدقاء.
* هل حدثك يوما عن رغبته في تجسيد قصة حياته دراميا؟
- الرحيل المبكر له لم يكن متوقعا لذا لم نناقش رغبته في تجسيد حياته.
* قدمت أحمد زكي في دور أيقوني بفيلم «البريء»، سأتوقف هنا عند شخصية أحمد سبع الليل، هذه الشخصية البديعة في كل تفاصيلها، حدثنا عن كواليس هذا العمل، هل فعلا رفض أحمد زكي الفيلم أول مرة، وهل أصر على وجود ثعابين حقيقية؟
- شخصية سبع الليل المجند موجودة ولا تزال في المجتمع، هناك عشرات المجندين في القرى لم يحصلوا على قسط من التعليم والوعي وينفذوا كل ما يملى عليهم. أحمد زكي كان سينتجه لكنه أراد فيلما جماهيريا ينجح ويحقق إيرادات لشركته. وحينما عرضته على نور الشريف أصر أن هذا الدور لا يصلح لأحد سوى أحمد زكي، وقد كان. وأحمد أصر أن تكون كل انفعالاته- وما يمر به المجند من ذعر ورعب- حقيقية.
* الفيلم تناول إشكالية مفهوم الوطن، وكأنه كان يؤشر على خطورة اللعب بهذا المفهوم؟
- لدينا مسلمات أساسية هي «الله- والوطن»وهما مدخلان للسيطرة على العقول، نجحت عبرهما الجماعات الإرهابية في استقطاب العقول، الله تعني الإيمان المطلق ومن بعدها الوطن؛ لذا فالإنسان يمكن أن يدفع حياته من أجل ذلك. لهذا تلعب الجماعات الإسلامية على هذين الوترين. يبدأون خطابهم بقال الله وقال الرسول لتؤمني بكل شيء يقولونه.
* بدأت حياتك بالكتابة الإبداعية في مجالي فن القصة القصيرة والكتابة الإذاعية، ألم تفكر يوما في الاتجاه للرواية؟
- بدأت بالقصة القصيرة وكتبت رواية ثم اتجهت للكتابة للإذاعة وتعلمت كثيرا... كانت مرحلة مهمة جدا، استفدت منها قبل الاتجاه للسينما والتلفزيون، الأهم في شتى ألوان الكتابة أن يكون لدى الكاتب رسالة يود إيصالها للناس، ووجدت أن السينما هي وسيلة أسرع انتشارا من الرواية.
* وكانت لك تجارب في المسرح أيضا، ومنها «حجا يحكم المدينة»1985، لماذا ابتعدت عن المسرح؟
- لأن الفيلم يكتب ويتم تصويره لا يستطيع أحد تغييره، بينما المسرحية معرضه للخروج عن النص وتغييره كل ليلة، والممثل على المسرح يسعى لإضحاك الجمهور بأي شكل من الأشكال حتى ولو تلاعب بالنص. وأكثر ما يؤلم الكاتب هو تغيير نصه.
* عبر أكثر من 80 عملا سينمائيا وتلفزيونيا وإذاعيا، ما هي أصعب شخصية كتبتها؟
- شخصية محمود عبد العزيز في فيلم «سوق المتعة»،كانت أصعب شخصية كتبتها. صعبة في مسيرتها، فقد خرج من السجن بعد 20 عاما ظلم فيها، فخرج لبناء سجن خاص به، لذا فكل ردود أفعال الشخصية كانت صعبة وتتطلب الكثير من التفكير.
* قدمت قضية التسامح في المجتمع المصري وصورة الآخر كيف تبدلت في مسلسل «أوان الورد»، برأيك ماذا حدث للمصريين؟
- التيار الإسلامي المتشدد له دور كبير جدا في زرع الكراهية بين المسلمين والمسيحيين. مجتمعنا كان متوحدا ولا يعرف الفرقه «لم نكن نفتح بطايق بعض»، أذكر لك أنه من الطرائف أنني عملت مع المخرج سمير سيف ولم أعرف أن سمير مسيحي إلا في ثاني أفلامه معي مصادفة، (فيلم الغول)، وكنت أقطن في شقة واحدة مع المخرج كرم النجار ولم أكن أعرف أنه مسيحي إلا عندما تسلمت خطابا مسجلا له كتب عليه كرم وديع النجار. لم تكن لدينا هذه الحساسية والعداء.
* مؤخرا تزداد الفجوة بين أبناء المجتمع المصري مع إشكالية وجود مدن مسيجة (كومباوند)، كيف ترى هذه القضية؟
- أرى هذه الإعلانات الدعائية للمدن الجديدة «كومباوند»لا أتوقف عندها، لأنها تخاطب طبقة معينة، وهي فوق حدود إمكانايات المواطن العادي، وبالتالي لا أستطيع النظر إليها.. لا أراها. لأنني أعيش وسط الناس. أحرص يوميا على رؤية الشارع والاحتكاك بالناس والاستماع لإيقاع ونبض الشارع المصري.
* سمعنا عن مشروع فيلم جديد تعيد من خلاله يحيي الفخراني للسينما بعد أكثر من 20 عاما، ما مصير هذا الفيلم؟
- هو فيلم «الصحبة الحلوة»بطولة الفخراني، ومحمد سعد، وهو يدور في سياق اجتماعي من إخراج ساندرا نشأت، لكن المشروع توقف حاليا بسبب كورونا وأتمنى أن تزول الغمة والوباء ويعود التصوير، حاليا أضع كل تركيزي في الانتهاء من مسلسل «الجماعة».
* هل تعتقد أن «التباعد الاجتماعي»سيطبع نمط حياتنا وبالتالي إنتاج الفن ووسائطه؟
- لا يمكن، لأن التواصل الإنساني والمعرفي هو أساس الحياة، وهو الذي يضمن استمراريتها. التباعد الاجتماعي لن يغني عن استمرار الحياة بطبيعتها الأولية التي تقوم في أساسها على تواصل البشر بالنظرة أو اللمسة. أظنها مرحلة مؤقتة.