* هل يستطيع الشرق الأوسط أن يتحمل أربع سنوات أخرى من سياسات أوباما الشرق أوسطية، ونظريته الفاشلة حول توازن الرعب، بين إيران من جهة، والعرب وإسرائيل من جهة أخرى، والتي أدت في نهاية المطاف إلى تدمير أربع دول في المنطقة؟
في أوائل عام 2018 توجهت قوة كوماندوز إسرائيلية إلى قلب طهران، واستحوذت على أكثر من 110 آلاف وثيقة، حول برنامج إيران النووي. عرض نتنياهو بعض تلك الوثائق في مؤتمر صحافي طنان؛ حيث ظهر منتشياً بإنجازه: الدخول إلى قلب إيران وسرقة وثائق سرية من داخل مخبأ يفترض أن يكون محصناً وتحت حماية مشددة؛ لما يحويه من وثائق بالغة الأهمية والسرية... لرجال الموساد بدت العملية أشبه برحلة كشفية.أما في العام 2020، ومنذ اواخر يونيو (حزيران) الماضي، فإن سلسلة تفجيرات غامضة وحرائق هزت إيران ومواقع عسكرية فيها.
منشأة نطنز من مواقع البرنامج النووي الإيراني، تم تدمير أكثر من ثلاثة أرباعها، وكذلك الأمر بالنسبة لمركز تصنيع صواريخ دقيقة، حيث تعرض هو الآخر لحريق لم تعرف أسبابه بعد. إسرائيل تقف- على الأقل- وراء الحادثين. أما سلسلة الحرائق التي اندلعت في أماكن مختلفة وتبدو غير مهمة، فقد تكون للتغطية على خطورة العمليتين اللتين استهدفتا البرنامج النووي الإيراني، وبرنامج الصواريخ الدقيقة.
وبين هذه وتلك قتل الأميركيون الرجل الأقوى في إيران؛ قاسم سليماني.
إسرائيل، من جهتها، لم تتوقف عن قصف مواقع حزب الله والحرس الثوري الإيراني يوماً في سوريا، وهي تارة تستهدف مخازن أسلحة، وتارة أخرى تجمعات لميليشيات إيران ومرتزقتها... في آخر تلك الاستهدافات قُتل إبراهيم أسمي، وهو ضابط رفيع في الحرس الثوري الإيراني.
حتى الساعة، احتفظت إيران بحق الرد، في الزمان والمكان المناسبين، مع أنها تبدو عاجزة عن حماية منشآتها وقواتها من الضربات الإسرائيلية. إيران في محنة منذ انسحاب الرئيس الأميركي ترامب من الاتفاق النووي الإيراني، وتبنيه سياسة الضغوط القصوى، من خلال زيادة العقوبات الاقتصادية على مؤسسات وشخصيات إيرانية، وكل شركة أجنبية أو رجل أعمال غير إيراني يتعامل معها... ثم إن ترامب أمر باستعمال القوة بوجه إيران، وانتقل من حيز التهديد الفارغ الذي امتهنه سلفه أوباما إلى الفعل، عبر قتل سليماني؛ هذه الرسالة الأقوى التي أرسلها الرئيس ترامب لإيران، والتي فضحت ضعف وعجز الجمهورية الإسلامية في مواجهة الولايات المتحدة.
أضف إلى كل ما سبق استفحال الأزمة الاقتصادية الحادة، وانهيار العملة، مما يشكل ضغطاً إضافياً داخلياً على النظام الإيراني... النظام الإيراني يتعرض أيضاً لضغوط من الخارج، لا سيما في العراق الذي تعلو فيه بعض الأصوات المعارضة لتدخلها في شؤونه. حتى لو لم تشكل هذه المعارضة العراقية خطراً على إيران أو دورها فيه، لكنها تبقى مصدر قلق لها.
وهناك محاولات حثيثة من قبل الإدارة الأميركية من أجل إعادة فرض العقوبات الدولية على إيران، من خلال مجلس الأمن لخرق إيران بنود اتفاقها النووي.
ويبدو أن كل هذه العوامل والمعطيات دفعت نتنياهو لاتخاذ قرار الهجوم على إيران دون خوف من اندلاع حرب إقليمية أو تعرض بلاده لعملية إطلاق صواريخ حزب الله على الحدود الشمالية.
ولكنّ هناك عاملا آخر دفع نتنياهو لتسريع وتيرة هجماته على إيران، وتدمير مفاعل نطنز، وهو اقتراب موعد الانتخابات الأميركية. والسؤال على بال الجميع: ماذا لو انتخب الأميركيون بايدن، وعاد معه أوباما إلى البيت الأبيض وسياساته الانفتاحية على إيران، والمعادية للخليج وإسرائيل؟
هل تستطيع منطقة الشرق الأوسط أن تتحمل أربع سنوات أخرى من سياسات أوباما الشرق أوسطية، ونظريته الفاشلة حول توازن الرعب، بين إيران من جهة، والعرب وإسرائيل من جهة أخرى، والتي أدت في نهاية المطاف إلى تدمير أربع دول في الشرق الأوسط؟
في إيران، يبدو التفكير أقرب إلى التروي، بانتظار نتائج الانتخابات في أميركا. فالاعتقاد السائد هو أن انتخاب بايدن سيعيد تقارباً إيرانياً أميركياً كان أوباما قد بدأه.
أما في إسرائيل، فتسريع وتيرة العمليات العسكرية ووصولها إلى الداخل الإيراني، يعد- عملياً- استباقاً لنتيجة الانتخابات الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني)؛ فبالنسبة لإسرائيل يعني انتخاب ترامب استمرار الضغط المكثف على إيران، حتى تأتي إلى المفاوضات مجبرة، وأمامها شروط واضحة: الانسحاب من منطقة الشرق الأوسط، ووقف العمل في البرنامج النووي، وتسليم سلاح ميليشياتها وفي مقدمتهم حزب الله... أما انتخاب بايدن فقد يعني حرباً جديدة في الشرق الأوسط.