النمو السكاني في ظل أزمة الغذاءhttps://www.majalla.com/node/94946/%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%85%D9%88-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%83%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D8%B8%D9%84-%D8%A3%D8%B2%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B0%D8%A7%D8%A1
* معدلات النمو الاقتصادي لا بد أن تعادل ثلاثة إلى أربعة أضعاف معدلات النمو السكاني، حتى يشعر المواطنون بأثر النمو الاقتصادي، وأثر برامج الإصلاح الاقتصادي والتنمية * تعتبر المجتمعات العربية من أكثر المجتمعات شباباً على مستوى العالم، حيث قدرت الإحصائيات أن نسبة الشريحة الشبابية تصل الى 60 في المائة من التركيبة السكانية للمنطقة * من أهم نتائج التحول الديموغرافي ارتفاع نسبة السكان في سن العمل من 15 إلى 59 سنة، ونسبة المسنين، وانخفاض نسبة الأطفال أقل من 15 سنة
القاهرة: شهدت المنطقة العربية في العقود الأخيرة تحولات ديموغرافية واجتماعية كبيرة انعكست آثارها على معدلات التنمية، وفرضت تحديات صعبة على الاقتصاديات، كما أجبرت الحكومات في المنطقة العربية على اتخاذ واعتماد برامج تنمية مستدامة كنهج وأسلوب في التعامل مع التحديات التي فرضتها التحولات الديموغرافية والاجتماعية.
يكمن الصراع مع التغيرات الديموغرافية في سرعة النمو السكاني ببلدان المنطقة، فهناك دول مثل مصر واليمن والسودان والجزائر والمغرب تشهد نمواً سكانياً كبيراً، نظراً لارتفاع معدلات الخصوبة، حيث تراوحت بنسب تصل إلى 3.6 في المائة كما في حالة اليمن على سبيل المثال، رغم أن اليمن من الدول الفقيرة التي لا تمتلك موارد تفي بمتطلبات النمو السكاني.
ويعوق النمو السكاني السريع في اليمن جهود الحكومة من أجل مكافحة الفقر والبطالة، وقد يشكل تهديدًا للاستقرار الاجتماعي إلى جانب الظروف التي يمر بها اليمن من انقسام وقلاقل، حول التوازن بين النمو السكاني ومستويات النمو الاقتصادي في اليمن، فتشير الدراسات إلى أن نمو إجمالي الناتج المحلي كان أقل بكثير مما خطط له، حيث وصلت إلى 4.5 في المائة، خلال الأعوام الأخيرة، وفي عام 2017 لم تتجاوز 2.6 في المائة، وفي 2018 لم تتجاوز 3.8 في المائة، رغم أن الخطة الموضوعة كانت قد توقعت أن تصل إلى 4.9 في المائة و5.5 في المائة حتى سنة 2020، ووفقاً لتقرير الفقر في اليمن بالتعاون مع البنك الدولي، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي فقد ارتفعت البطالة إلى مستويات غير مسبوقة باليمن، وقد أوضح الخبير السكاني اليمني مجاهد الشاب، أن هناك نمواً يصل إلى 700 ألف نسمة سنوياً، وأوضح أن هؤلاء السكان يحتاجون إلى الرعاية الصحية والطبية، والتعليم، وأن النمو السكاني بهذا الشكل يضع ضغوطاً كبيرة على موارد البلاد، وإذا بقي هذا الوضع كما هو عليه فلن تتمكن الدولة من استيعاب مطالب سكانها، ووفقًا للمجلس الوطني للسكان في اليمن يعاني 45.3 في المائة من سكانه من الأمية، في حين لا تتجاوز نسبة الانخراط في المدارس الابتدائية 62.5 في المائة في بلد لا يتجاوز عمر 45 في المائة من سكانه 15 عاماً، ويقدر المجلس الوطني للسكان أن ينمو السكان بنسبة 7 في المائة مما سيشكل ضغطًا إضافيًا على الخدمات والموارد التي هى أصلا محدودة.
وفي بعض مناطق العالم العربي يشكل الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 20 عاما و30 عاما شريحة كبيرة وسريعة النمو، ومن المتوقع أن يتضاعف حجم النمو السكاني بحلول عام 2050، حسب تقرير الأمم المتحدة للزيادة السكانية، مما يستدعي تحدياً كبيراً في حجم وقوة الاقتصاديات في المنطقة، مع العلم أن النمو السكاني يمثل عبئا ثقيلا على اقتصاديات وماليات وميزانيات الدول، وتحديات كبيرة، كما في مصر على سبيل المثال.
وفي هذا السياق، قال الخبير السكاني والإنمائي المصري عبد الحميد شرف الدين، رئيس قطاع الاحصائيات السكانية في الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، إن الزيادة السكانية لها تأثير سلبي على الوضع الاقتصادي، لأنها تلتهم ثمار التنمية الاقتصادية، كما أن الفترة المقبلة تحتاج إلى إحداث توازن بين الزيادة السكانية ومعدلات التنمية الاقتصادية، مشيراً إلى أن معدلات النمو الاقتصادي لا بد أن تعادل ثلاثة إلى أربعة أضعاف معدلات النمو السكاني، حتى يشعر المواطنون بأثر النمو الاقتصادي، وأثر برامج الإصلاح الاقتصادي والتنمية.
وأضاف عبد الحميد أنه من الممكن أن نعمل في الفترة المقبلة على تقليل معدلات الزيادة السكانية بالتنظيم ونشر الوعي بين الأسر، علماً بأن آخر إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن معدل إنجاب السيدات في مصر خلال فترة الإنجاب من سن 18 إلى 45 عاما نحو 3.5 طفل، أي إن كل 10 سيدات ينجبن 35 طفلا خلال فترة إنجابهن. وأضاف أن استمرار معدلات الإنجاب على هذا الأساس سيضاعف عدد سكان مصر إلى ما بين 191 إلى 192 مليونا بحلول عام 2050 لكن في حالة نجاح خطط التنظيم والوصول إلى المستهدف وهو طفلان لكل سيدة، فسيصل إلى 141 مليونا في نفس الفترة، بفارق نحو 50 مليون نسمة، واعتبر عبد الحميد أن مضاعفة عدد السكان ستترتب عليها مضاعفة احتياج مصر من الأطباء والخبراء والأيدي العاملة المدربة في مجالات الرعاية الصحية، والعمل، والتعليم، والحماية المجتمعية، والأمن الاجتماعي، والغذائي، والنقل. وفي التوسع العمراني والمستشفيات، وهذه التكلفة تؤثر على نصيب الأفراد من الدخل. وفي حال عدم وجود توازن بين زيادة السكان ومعدلات النمو الاقتصادي فإن الوضع سيكون مأساوياً، ويكفي انخفاض حصة الفرد من المياه التي تقلصت بشكل كبير؛ فمع ثبات حصة المياه في مصر، أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء وصول عدد سكان مصر إلى 100 مليون نسمة في الداخل، وبلغ متوسط الزيادة السكانية اليومية (الفرق بين المواليد والوفيات) خلال عام 2019 نحو 4813 نسمة أي 201 فرد كل ساعة، أي 3.3 فرد كل دقيقة، وبالتالي فإن الوقت المستغرق لزيادة عدد السكان فرداً واحداً هو 17.9 ثانية، وبمعدل زيادة طبيعية بلغ 1.78 في المائة.
وجه الخطورة في الحالة المصرية
لا تكمن مشكلة مصر مع النمو السكاني، ولا في افتراسه لثمار النمو فحسب، بل أيضاً في تسببه بإنقاص الرقعة الزراعية وتضاؤل حجمها، وكذلك مصادر المياه المحدودة، حيث تقع الرقعة الزراعية متمثلة في 5 في المائة من مجموع المساحة الكلية لمصر، وقد أظهرت خبرات العقود الخمسة الماضية أنه كلما زاد عدد السكان يتم التوسع العمراني على حساب ما تبقى من الأرض الزراعية وقد أضحت مصر من أكبر البلدان المستوردة للحبوب والقمح، كما تراجعت حصة الفرد من المياه إلى أكثر من 50 في المائة خلال العقود الأخيرة، ومن الواضح أنها ستتراجع أكثر مع استمرار الزيادة السكانية مع ثبات حصتها المائية.
ومع الأخذ بعين الاعتبار قلة الغذاء نتيجة التغيرات المناخية والبيئية وندرة المياه، والتصحر، مما أثر على الرقعة الزراعية بالسلب، إلى جانب هجرة السكان المشتغلين بالزراعة من الأرياف إلى المناطق الحضرية بحثاً عن فرص اقتصادية أفضل فيما يسمى الهجرة الداخلية.
متطلبات النجاح لمواجهة الزيادة السكانية
لا يكفي دور بعض مؤسسات الدولة والإعلام لتحقيق هدف خفض معدلات النمو السكاني لمواجهة التحولات الديموغرافية والاجتماعية وأثرها على الوضع التنموي والاقتصادي، ولا يكفي كذلك للوصول إلى المستهدف من خفض معدلات الخصوبة إلى طفلين لكل امرأة، ولكن المطلوب اشتراك كافة مؤسسات الدولة والمجتمع المدني بما في ذلك المساجد والكنائس ودور العبادة والتعليم وباقي وسائل الإعلام المختلفة بشكل أكبر في عملية التوعية بمخاطر النمو السكاني، وتأثيرها على التنمية الاقتصادية وتقديم الحوافز اللازمة لها بهذا الخصوص. وفيما يتعلق بفرص العمل فإنه من الضروري تشجيع المرأة ودعمها في الحصول على وظائف بنسبة لا تقل عن 50 في المائة مثلها مثل الرجل، فالمرأة المتعلمة والموظفة عموماً تنجب أطفالا أقل وتعطي أهمية أكبر لتعليم أبنائها مقارنة بالمرأة غير المتعلمة وغير العاملة.
وتعتبر المجتمعات العربية من أكثر المجتمعات شباباً على مستوى العالم، حيث قدرت الإحصائيات في تقرير الأمم المتحدة للزيادة السكانية لسنة 2019، أن نسبة الشريحة الشبابية تصل الى 60 في المائة من التركيبة السكانية للمنطقة، مما يقتضي خلق فرص عمل لتجنيب الشباب مستقبلا منغلق الآفاق أو اضطرارهم للهجرة أو حثهم على الارتماء في أحضان التطرف والجريمة.
يجلب النمو السكاني الكبير آثاراً اقتصادية واجتماعية سلبية، وأخطر هذه الآثار هو ما يلحق بالتنمية الاقتصادية والحماية الاجتماعية في بلدان المنطقة، إذ إن السلوك الاقتصادي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالاستقرار المجتمعي الذي هو بدوره في حالة تحول نتيجة النمو السكاني، بحيث أصبحت المجتمعات في المنطقة مجتمعات استهلاكية أكثر منها مجتمعات منتجة، وهو ما يجعلها أمام إشكاليات في السلوك المجتمعي، رغم العمل ببرامج زيادة الوعي الاجتماعي.
لكن كيف يمكن في ظل هذا الوضع أن نحول الإشكالية الديموغرافية إلى مكسب؟
لتحقيق أي فائدة من التحول الديموغرافي والمجتمعي يجب الاعتماد على جوانب مهمة في البيئة الاقتصادية، والسياسية، والبنى التحتية، وكفاءة أسواق العمل، وزيادة معدلات الاستثمار العام والخاص، والنهوض بمجالات الصحة والرعاية الصحية، والتعليم، والأمن الغذائي.
وإذا استطاعت دول المنطقة أن تستثمر في قوتها البشرية وخلق فرص عمل بما يتسق مع حجم مشاكل النمو السكاني والعمل على امتلاك الموارد اللازمة للتنمية والإدارة من تكنولوجيا، واقتصاديات قوية، وسياسات اجتماعية ومالية واضحة، بما يتماشى مع سرعة إيقاع العصر وتقلباته وتغيراته المختلفة، فإنها تكون قد اختارت الطريق الصحيح لتعبر إلى المستقبل.
أما إذا تضاءلت فرص التنمية الاقتصادية والمجتمعية تحت وطأة التحولات الديموغرافية والنمو السكاني، فإن المستقبل يبدو ضبابيًا ويلقي بأسئلة تفتح الباب في الإجابة عليها إلى المجهول.
ويمكن بالتحول الديموغرافي الانتقال من حالة ارتفاع معدلات الخصوبة والوفاة إلى انخفاضها، ويمر هذا التحول بمرحلتين. المرحلة الأولى: تنخفض فيها معدلات وفيات الأطفال والرضع بينما تستمر معدلات الخصوبة مرتفعة فيرجع معدل النمو السكاني وترتفع نسبة الفئات العمرية الصغيرة ويرتفع معدل الإعالة. المرحلة الثانية:
ينخفض فيها معدل الخصوبة تدريجياً حتى تبلغ معدلات الإحلال 11-2 طفل لكل امرأة فينخفض معدل النمو السكاني ويتجه نحو الاستقرار، وتنخفض نسبة الفئات العمرية والصغيرة وترتفع نسبة السكان في سن العمل الذين كانوا في الفئات العمرية الصغيرة في المرحلة الأولى، وينخفض معدل الإعالة، وإن كان يعود إلى الارتفاع مرة أخرى عندما ترتفع نسبة كبار السن نتيجة لهذا التحول.
وينعكس انخفاض معدل الخصوبة، ومعدل الوفيات مباشرة على نسبة الزيادة الطبيعية للسكان، حيث تشير بيانات الأمم المتحدة إلى انخفاض هذه المعدلات بوتيرة أسرع في البلدان التي لا تزال في مرحلة أولية من انخفاض معدل الزيادة الطبيعية، كاليمن ومصر، وسيظل معدل الزيادة الطبيعية كما هو خلال الفترة من 2015 إلى 2030 ثم ينخفض ببطء ليصل إلى 2.2 في المائة خلال الفترة من 2030 إلى 2052، ثم يسير إلى استقرار الوضع الديموغرافي، وينخفض نمط هذا الانخفاض في البلدان التي تقدمت في مراحل انخفاض معدل الخصوبة في بلدان مثل تونس ولبنان، حيث ينخفض معدل الزيادة الطبيعية تدريجياً في نهاية النصف الأول من القرن الـ21، وهي حالة الاستقرار التام للوضع إلى أقل من 1 في المائة، وصولا إلى الثبات في معظم البلدان التي تقدمت فيها عملية التحول الديموغرافي مثل الإمارات العربية المتحدة والبحرين وقطر وتونس بينما تتجاوز 2 في المائة في موريتانيا واليمن.
ولعل من أهم نتائج التحول الديموغرافي ارتفاع نسبة السكان في سن العمل من 15 إلى 59 سنة، ونسبة المسنين، وانخفاض نسبة الأطفال أقل من 15 سنة، وسيبقى لفئة الشباب حيز هام في جميع البلدان العربية وستشهد غالبيتها فترة رفاهية من الناحية الديموغرافية، حيث ستبقى نسبة السكان في سن العمل مرتفعة، وفقاً لخصوصية كل بلد، وتعد النافذة الديموغرافية من المظاهر الإيجابية في عملية التحول الديموغرافي، إذ يمكن استغلالها والاستثمار فيها في تحسين الإنتاجية ووضع برامج تعتني بالتكافل الاجتماعي بين الأجيال، كما يمكن الاستفادة منها في تدعيم برامج التأمينات الاجتماعية، لأن عدد السكان الذين ينتمون إلى القوى العاملة في هذه المرحلة يفوق عدد السكان خارجها، وبالتالي ستسمح حالة التحول الديموغرافي بخلق كثير من الفرص للاستثمار على النحو الأمثل في المنطقة العربية، بما يسمح باستغلال مواردها الطبيعية والبشرية على أفضل وجه، من حيث إتاحة التعليم والمعرفة بالتكنولوجيات المتقدمة والحديثة، والمشاركة في النشاط الاقتصادي لكل الفئات، مما سينعكس على الأداء الاقتصادي، وبالتالي ارتفاع معدلات النمو.