[caption id="attachment_55240064" align="aligncenter" width="620"] صورة جماعية لمنتسبي أحد معاهد القرى التركية [/caption]
بعد قيام الجمهورية، بدأت تركيا (تحت قيادة مصطفى كمال أتاتورك) سلسلة من الإصلاحات التي تهدف إلى التحول بالبلاد إلى الحداثة والتغريب وتحقيق الاكتفاء الذاتي الاقتصادي. يلقي معرض «تربة واعية تنطق بها البذور: معاهد القرى في الجمهورية 1940 – 1958» الذي أقيم بمعهد أبحاث إسطنبول على أحد منتجات هذه المسيرة نحو الحداثة: «معاهد القرى».
تمثل «معاهد القرى» تجربة تعليمية مهمة، وكانت تستهدف المناطق الريفية في الدولة. وفقا لتعداد السكان عام 1935 - بعد 12 عاما من قيام الجمهورية وبعد سبعة أعوام من إدخال إصلاحات على اللغة - كانت نسبة الأمية ما زالت بين الذكور 76.7 في المائة وبين الإناث 91.8 في المائة. كان لزاما على القيادة الجمهورية أن تنشئ طبقة من المثقفين تتمسك بمبادئ أتاتورك. لذلك أنشئت «معاهد القرى» من أجل أهداف عامة هي الحد من الفقر والجهل وزيادة الإنتاج الزراعي وتحديث العلاقات الاجتماعية.
أنشئ أول معهد قرية عام 1940. ومنذ ذلك الحين وحتى عام 1954، تم إنشاء 21 معهدا مماثلا في جميع أنحاء تركيا. جذبت هذه المعاهد شباب وفتيات القرى من الريف المجاور وركزت إلى جانب تعليم القراءة والكتابة (حيث احتوت المناهج الدراسية على مجموعة متنوعة من المواد الأكاديمية بالإضافة إلى الفنون والموسيقى والأدب) على التدريب المهني ذي الأهمية. كان المنتظر من خريجي هذه المعاهد العمل في النهاية كمعلمين في قراهم، وبذلك ينشرون المبادئ والمهارات التي تعلموها.
من خلال مجموعة من الصور والوثائق، يعيد المعرض بحيوية تصوير بيئة المعاهد والمبادئ التي كانت تنشرها. في بعض الأحيان كان الطلاب يشيدون المباني التي سيدرسون بها؛ توضح الصور عمليات خلط الإسمنت ووضع الطوب. تبرز صور الطلاب وهم يتعلمون أعمال الإنشاء والنجارة وبذر البذور والحياكة والتطريز والعمل في تربية الحيوانات، تبرز الرغبة في تكوين جيش من الفنيين الأبطال. من خلال عرض الأعمال الفنية التي أنتجها الطلاب والآلات الموسيقية التي استخدموها والنتائج التي حققوها والكتب التي قرأوها. يوضح المعرض أيضا الأهمية التي أولتها الجمهورية لغرس جماليات معينة في مواطنها النموذجي. أعطيت أهمية خاصة لأعمال تولستوي وغوركي وبانيت استراتي، وهي السمة التي ستثير المشاكل في أعقاب الحرب العالمية الثانية.
في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي، أصبحت معاهد القرى تشكل تجربة مثيرة لجدل متزايد ومحل خلاف آيديولوجي في البلاد. بالنسبة للمحافظين، كانت المعاهد مراكز للآيديولوجيا الهدامة والشيوعية؛ حيث كانت مشتركة وتشجع على الاختلاط بين الجنسين، مما ضاعف من حجم المشاكل التي تثيرها. وشعر أصحاب الأراضي في الريف (الذين أصبحوا يمثلون قاعدة انتخابية مهمة عندما انتقلت تركيا إلى نظام ديمقراطي بعد عام 1950) بالقلق من وجود طبقة متعلمة من الفلاحين قد تشكك في نفوذ النخبة. أما بالنسبة لليسار، فكانت المعاهد أداة لنشر فكر نظام الحزب الواحد. في فترة ما بعد الحرب في تركيا واجهت المعاهد صعوبة سياسية تحول دون استمرارها مما أدى في النهاية إلى إغلاقها. وعلى الرغم من قصر عمرها فإن تاريخ هذه المعاهد يلقي الضوء على فترة مهمة من تاريخ تركيا بالإضافة إلى طبيعة التجربة الكمالية.
للتسجيل في النشرة البريدية الاسبوعية
احصل على أفضل ما تقدمه "المجلة" مباشرة الى بريدك.