* فولتون: سيتعين معالجة القضية الملحّة المتمثلة في دعم الشركات التي تلقت ضربة كبيرة، وطمأنة العاطلين عن العمل منذ شهور
* ليفرمور: أعتقد أننا تجاوزنا أسوأ فترة لهذه الجائحة، ويبقى السؤال الوبائي عن كيفية تقدمنا، وهو: إلى متى سيستمر «كوفيد-19»؟ وهل سنشهد موجة ثانية لتفشيه؟ وما مدى اقترابنا من إيجاد اللقاح؟
لندن: تتسبب جائحة فيروس كورونا في تداعيات كبيرة على جميع اقتصادات العالم، ولكن تعاني دول مجلس التعاون الخليجي، بالإضافة إلى الدول الأخرى التي تعتمد على إنتاج النفط من صدماتٍ مزدوجة: تداعيات انتشار «كوفيد-19»وما يرتبط به من انخفاض في أسعار النفط والطلب العالمي عليه.
وقد طلبنا من سكوت ليفرمور، كبير الاقتصاديين في مؤسسة البحوث «Oxford Economics»قسم الشرق الأوسط والعضو المنتدب للاستشارات في الشرق الأوسط وآسيا. وجوناثان فولتون، الأستاذ المساعد للعلوم السياسية في جامعة زايد في أبو ظبي، وزميل برامج الشرق الأوسط في المجلس الأطلسي، التعليق على التحديات العميقة التي تواجه اقتصادات الخليج والفرص التي تتيحها، فضلاً عن آثار جهود التنويع الاقتصادي عبر المنطقة على المدى الطويل.
* ما انطباعكما عن الجهود التي تبذلها دول الخليج العربي لمعالجة هذه الأزمة؟
ليفرمور: مشاعري متباينة. فيبدو أن دول مجلس التعاون الخليجي قامت بعمل جيد في إبطاء تفشي فيروس كورونا من خلال القيود المبكرة التي فرضتها والاختبارات المكثفة التي أبقتها على اطلاع بمدى تفشيه، خاصةً بالمقارنة مع الدول الأكثر تضررًا منه. وننتقل اليوم إلى المرحلة التي يتم فيها تخفيف القيود المفروضة. وأثبتت السلطات في دول الخليج قدرتها على التصرف بسرعة إلى حدٍّ ما في إعادة تنفيذ التدابير المستهدفة في حال ارتفاع عدد الحالات ، مما يقلل من خطر حدوث موجة ثانية.
ومع ذلك، بالإضافة إلى أن الحزم المالية صغيرة نسبيًا، فقد كانت محدودة للغاية وتركز في المقام الأول على تقليل تكاليف الأعمال التجارية من خلال تأجيل دفع الفوائد وتخفيض الرسوم وتقديم الإعفاءات الضريبية مع العمالة المحدودة والدعم الاجتماعي.
فولتون: يبدو أن الاجراءات التي اتبعتها الحكومة للحد من انتشار الفيروس هنا في الإمارات العربية المتحدة فعالة للغاية. فقد أجرت اختبارات ناجحة للكشف عن المصابين واستخدمت التكنولوجيا جيدًا لرصد الفيروس على أمل احتوائه ونسق الجهود مع البلدان التي كانت لديها استجابة فعالة. ولست متأكدًا من مدى فعالية الدول الأخرى في المنطقة في هذا الخصوص، ولكن أعتقد أنهم نسقوا جهودهم لمعالجة الأزمة.
* كيف ستؤثر احتياجات وقيود الإنفاق الناجمة عن تفشي فيروس كورونا وانخفاض أسعار النفط على صحة دول مجلس التعاون الخليجي المالية؟ وما هي التحديات الصعبة التي سيواجهونها في الأشهر المقبلة؟
ليفرمور: أعتقد أن انخفاض أسعار النفط يجعل الحكومات تشعر بأنها مقيدة، وعادةً ما يصاحب انخفاض أسعارها تقليل الإنفاق الحكومي كما حصل عامي 2015/2016 عندما هبطت أسعار النفط آخر مرة. وقد شهدنا خطوات اتخذتها دبي وعُمان والمملكة العربية السعودية للحد من العجز المالي، وتهدف وتعمل ضد إجراءات الدعم التي تهدف إلى مكافحة تأثير فيروس كورونا الاقتصادي.
ولكن لدى معظم دول مجلس التعاون الخليجي حيّز مالي لزيادة الإنفاق هذا العام، بالمقارنة مع دول العالم. وفي حين أنه من المتوقع أن يكون العجز أعلى في دول مجلس التعاون الخليجي، إلّا أن مستويات دينها أقل وأصولها المالية أكبر.
فولتون: سيتعين عليها معالجة القضية الملحّة المتمثلة في دعم الشركات التي تلقت ضربة كبيرة وطمأنة العاطلين عن العمل منذ شهور. وتعتبر أزمة صعبة في ظل انخفاض العائدات الحكومية بسبب هبوط أسعار النفط.
* ما الخيارات المتاحة لدول مجلس التعاون الخليجي للتعامل مع هذه الأزمات المترابطة؟
ليفرمور:أعتقد أن دول مجلس التعاون الخليجي قد حددت مسارها وستركز سياستها على مرحلة التعافي بدلاً من تجنب فقدان الوظائف والإفلاس على نطاقٍ واسع.وسينصب تركيزها على دعم الانتعاش ومحاولة تحديد مجالات الاقتصاد التي ستدعم الاقتصاد الجديد والتنويع.
* ما هو برأيك رد الفعل الاقتصادي تجاه أزمة فيروس كورونا على المدى الطويل؟ وهل أنت متفائل من إمكانية خلقنا لاقتصادٍ أفضل ما بعد كورونا؟
ليفرمور: سيخلّف فيروس كورونا علامة لا تمحى على الاقتصاد. وسيعتمد ذلك جزئياً على كيفية تطور الوباء من اليوم فصاعدًا.وستواجه دول مجلس التعاون الخليجي تحديات وفرصاً كثيرة. فعلى سبيل المثال، تركز معظم هذه الدول على السفر والسياحة كجزء من استراتيجيات التنويع، ولكن سيستغرق هذا القطاع وقتًا طويلاً للتعافي.ومن ناحيةٍ أخرى، لدى دول مجلس التعاون الخليجي رؤى واضحة وطموحة ونفوذ وسلطة مالية لتسريع الانتقال إلى قطاعات جديدة.ولكن ستضطر السلطات أيضًا إلى تنفيذ إصلاحات أخرى تمكّن القطاع الخاص من قيادة تطوير قطاعات جديدة وحديثة.
فولتون: أعتقد أن أزمة كورونا تقدم فرصة، على الرغم من أن تنفيذها سيكون صعبًا. لقد أعلنت دول الخليج لفترة طويلة حاجتها إلى تنويع اقتصاداتها وتوسيع التمثيل المحلي في القطاع الخاص وتقليل الاعتماد على الحكومة في توفير الوظائف والمنافع.
* ما آثار جهود التنويع الاقتصادي عبر منطقة الخليج على المدى الطويل، وخاصة رؤية السعودية 2030؟
ليفرمور: أعتقد أن السعودية كانت قد بدأت بإعادة تقييم رؤيتها 2030 قبل الأزمة، ومن المرجح أن تسارع الآن في ظل صقل المملكة لأولوياتها لتتمكن من خفض التكاليف وتحسين فعالية البرامج (لتتمكن بالتحديد من لمس عائدات أسرع من الاستثمارات من حيث الوظائف أو النمو).
وسيكون من الصعب التراجع عن المشاريع العملاقة مثل مدينة نيوم، ولكن من المرجح أن يتم تقليص العناصر وإبطاء التطوير.ومن المحتمل أن تبقى أهداف الرؤية العامة على الرغم من أن تحقيقها أصبح صعبًا بشكلٍ متزايد نظرًا لطموحها في المقام الأول، والظروف المعاكسة الناتجة عن تفشي فيروس كورونا وانخفاض أسعار النفط والتباطؤ في تنفيذ المشاريع الضخمة.
ورأينا أيضًا قيام الحكومة بجمع الأموال في سوق السندات وضبط أوضاع المالية العامة لتأكيد توفر الأموال لتنفيذ الرؤية؛ حيث سيتجاوز تنفيذ الرؤية ميزانية الدولة وسيمولها صندوق الاستثمارات العامة.
فولتون: سيتعين على حكومات دول الخليج معالجة هذه الجهود كونها قضية رئيسية. إذ ستستنزف العواقب الاقتصادية لـ«كوفيد-19»والانخفاض في أسعار النفط قدرة دول الخليج على تمويل مشاريع التنويع الاقتصادي اللازمة لبناء اقتصادات مستدامة لفترة ما بعد النفط. ويجب أن يتجاهلوا الإغراءات قصيرة المدى ــ أي مواصلة الإنفاق مع اعتياد السكان على ذلك، والأمل أن ترتفع الأسعار مرة أخرى ــ إذا أرادوا صنع نموذج جديد يمكنه الانتقال إلى ما بعد الاقتصاد الريعي.
* برزت الصين خلال السنوات الأخيرة الماضية كأكبر شريك اقتصادي لدول مجلس التعاون الخليجي. كيف يؤثر التباطؤ الاقتصادي في بكين على المنطقة؟
ليفرمور: لم يؤثر تباطؤ الاقتصاد الصيني بشكل مباشر في الوقت الراهن على اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي لأن الأخيرة ليست مدمجة بالفعل مع عرض الدولة الآسيوسة، في حين تؤثر الإغلاقات التامة للحد من انتشار فيروس كورونا على اقتصاداتها مباشرة. ومع ذلك، يفيد دول مجلس التعاون الخليجي بدء الصين بالتعافي خلال النصف الثاني من هذا العام، وينبغي أن يساعدها ذلك على دعم أسعار النفط.
فولتون: أبرمت دول مجلس التعاون الخليجي صفقات تجارية كثيرة مع الصين خلال السنوات الأخيرة الماضية. وزادت قيمة التجارة من نحو 10 مليارات دولار في عام 2000 إلى أكثر من 160 مليار دولار في 2019.وأصبحت الصين أهم شريك تجاري لدول مجلس التعاون الخليجي وأكبر مصدر خارجي للاستثمار الأجنبي المباشر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ولذلك يجب أن يسبب تباطؤ اقتصادها قلقًا لدول الخليج. ومع ذلك، فإن أساسيات الاقتصاد الصيني لم تتغير بشكل كبير بسبب الجائحة، ولا يوجد سبب يمنع عودة التعاون الاقتصادي العميق بمجرد عودة الأمور إلى ما يشبه الوضع الطبيعي.
وتبقى متطلبات الصين الاقتصادية المحلية، وستستمر مبادرة الحزام والطريق في دفع الكثير من مصالحها في الشرق الأوسط. وكانت الصين أيضًا نشطة جدًا في تقديم الدعم لشركائها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في التصدي لانتشار فيروس كورونا، ولذلك أتوقع أن تتوطد هذه العلاقات خلال السنوات القادمة.
* يبقى السؤال الوحيد الذي يريد الجميع أن يعرف إجابته وهو: متى سيتعافى الاقتصاد؟
ليفرمور:أعتقد أننا تجاوزنا أسوأ فترة لهذه الجائحة، ويبقى السؤال الوبائي عن كيفية تقدمنا وهو: إلى متى سيستمر «كوفيد-19»؟ وهل سنشهد موجة ثانية لتفشيه؟ وما مدى اقترابنا من إيجاد اللقاح؟
وحتى مع التوقعات المتفائلة نسبيًا لانتهاء الجائحة، سيكون من المفاجئ إذا عاد الناتج المحلي الإجمالي في معظم البلدان إلى مستويات ما قبل الأزمة قبل النصف الثاني من سنة 2021 المالية. وتتعدد أسباب التوقع أن يكون التعافي في دول مجلس التعاون الخليجي أبطأ، منها: حصص إنتاج النفط والتضييق المالي والاعتماد على القطاعات المعرضة لانتشار فيروس كورونا فيها، مثل السفر والسياحة، والرحيل المحتمل للعمال الوافدين.
فولتون: قريبًا إن شاء الله.