* غاب المناخ التربوي، فغاب الطلاب، وقد يتطور هذا العزوف إلى تسرب من التعليم
* نتيجة الأزمة الاقتصادية سيتم الضغط على المدارس الأميرية والتجريبية بصفة خاصة في مصر والتي تضم أبناء الطبقة الوسطي
* النزوح الطلابي إلى المدارس الحكومية في لبنان كان بداية العام الماضي وليس مع انتشار الوباء
* المدارس الخاصة لا تختلف عن المدارس الحكومية فكثافة الفصول موجودة ونفس التعليم، وبالتالي اتجه بعض أولياء الأمور إلى النزوح من المدارس الخاصة إلى المدارس الحكومية التجريبية
القاهرة:الأزمة الاقتصادية في لبنان ساعدت على تحول الطلاب من المدارس الخاصة إلى المدارس الحكومية، مما زاد الضغوط على المدارس الحكومية، ورغم تشابه الوضع التعليمي في لبنان مع مصر إلا أنها تعاني من مشاكل عديدة دفعت أولياء الأمور إلى الاتجاه للتعليم الحكومي الذي يعاني من الكثافة في عدد الطلاب في الفصول، وزادت الأعباء على الطبقة الوسطى، بين أزمة سياسية أثرت على العملية التعليمية في لبنان وغياب الإمكانيات في مصر.
وقد كشفت تقارير لبنانية عن ظاهرة حصلت في لبنان خلال آخر سنتين وذلك نتيجة ارتفاع ضخم في تكاليف التعليم بالمدارس الخاصة في لبنان، ما جعل الكثير من العائلات اللبنانية تلجأ للاستدانة في الفترة الأولى لسد الأقساط، وقام البعض الآخر ببيع ممتلكات لجعل الأولاد تكمل السنة الدراسية.
يشار إلى أن عدد المدارس الرسمية في لبنان يبلغ 1261 مدرسة. في الوقت الذي لم يعتد أن يتوجه إليها إلا 30 في المائة من الطلاب.
وقد أفاد تقرير صادر عن الشركة الدولية للمعلومات بأن بلوغ نسبة الطلاب في المدارس الرسمية 42.4 في المائة، عامي 1974 - 1975 (أي قبل الحرب) وهي أعلى نسبة سجلت، وتراجعت إلى 29.5 في المائة عامي 2010 – 2011، وهي أدنى نسبة سجلت، وبلغت النسبة 31 في المائة في العام الدراسي 2018 - 2019..
وبحسب التقرير تراجع عدد الطلاب في المدارس الخاصة مقابل ارتفاع طفيف في المدارس الرسمية بنحو 15 ألف طالب، بين سنتي 2017 و2019، مما يظهر ارتفاعا بنسبة 5.6 في المائة من طلاب المدارس الرسمية، خلال الأعوام 1974-2019 وكشفت تصريحات مستشار وزير التربية والتعليم العالي اللبناني، أنور ضو، أنه تم إقفال 14 مدرسة خاصة ودمج لـ35 مدرسة حكومية، وتم تسجيل انتقال 18500 تلميذ من التعليم الخاص إلى التعليم الرسمي، لافتاً إلى أن هناك إقبالا ملحوظاعلى المدارس الحكومية التابعة للدولة، فالمتوسط العام هو 70 في المائة من التلاميذ في التعليم الخاص و30 في المائة في التعليم العام، لكن يبدو أنّ هذا المعدّل سيرتفع العام المقبل ارتفاعًا ملحوظًا معتبرا أن هذا الازدياد سببه أولا الوضع الاقتصادي، وثانيا تنامي الثقة في التعليم الرسمي، لا سيما بعد نتائج الامتحانات الرسمية.
واعتبر وزير التربية والتعليم العالي اللبناني أكرم شهيّب في تصريحات أنه في ظل أسوأ أزمة اقتصادية منذ الحرب الأهلية، التي دارت بين عامي 1975 و1990، انتقل هذا العام 36 ألف تلميذ إضافي من المدارس الخاصة إلى المدارس الحكومية، ويتوقع الوزير استمرار تحول مزيد من الأطفال للمدارس الحكومية دون وجود تمويل إضافي لهم ولا معلمين لتعليمهم.
فيما أقدمت بعض العائلات على نقل أولادها من المدرسة الخاصة إلى المدرسة الحكومية، وذلك لتقليل الأعباء، وقليل من المواطنين رفضوا النقل لاعتبارهم أن مستوى المدارس الحكومية لا يصل إلى المستوى الجيد والمنشود لأولادهم.
نسبة التعليم الخاص مرتفعة
ومن جانبه، ذكر حسن أحمد، الخبير في شؤون التعليم الدولي، أن نسبة التعليم الخاص في لبنان عالية جداً، مقارنة بالتعليم الرسمي. ورغم الأزمة الاقتصادية الطاحنة في لبنان، فإن الغالبية العظمى من اللبنانيين يتجهون إلى تعليم أبنائهم في التعليم الخاص، لكن في الفترة الأخيرة زاد العبء الاقتصادي على المواطنين، ومن المعروف عن لبنان أن مساحته صغيرة وبالتالي عدد سكانه قليلون لكن في الفترة الأخيرة وبعد الأزمة السورية تم نزوح عدد من السوريين إلى لبنان، مما زاد من العبء على المرافق، ومنها الأبنية التعليمية، بالإضافة إلى عدد من اللاجئين الفلسطينيين، وقد حاولت الحكومة اللبنانية دمجهم في المجتمع على أن تقوم منظمة اللاجئين الدولية (الأونروا) بالتكفل بمصروفات التعليم، ومنذ فترة لا يتم سداد أجور المدرسين، بالتالي تراجع الاهتمام بتعليم اللاجئين..
وكشف أحمد عن أن الأزمة الاقتصادية جعلت عدداًكبيراً من الطلاب يتجه إلى التعليم الحكومي بدلا من الخاص، الذي كان موجوداً، لكنه يعاني من الكثير من السلبيات مثل عدم الدعم ولا يقدم خدمة جيدة، وبالتالي أصبحت مخرجاته رديئة وحتى الروابط التعليمية تهتم بالتعليم الخاص ومع الأزمة الاقتصادية أيضا لا تقوم المدارس الخاصة بسداد رواتب المدرسين. من هنا بدأ الاتجاه إلى التعليم الرسمي الذي تأثر جراء توجه عدد كبير من الطلاب إليه، وهنا تجب الإشارة إلى أن الاحتجاجات التي تمت مؤخراً طالبت بسداد رواتب المدرسين في القطاع الخاص، ومن ثم يتضح جلياً موقف الروابط التعليمية في لبنان من التعليم الحكومي بمكوناته من طالب ومدرس، لتشاهد الضغط عليه من جميع الاتجاهات: سوء الطلاب، واللاجئون، بالإضافة إلى خفض الإنفاق من قبل الحكومة. ومن هنا زادت الأعباء على التعليم الحكومي.
كما كشف حسن عن أن أغلب المدرسين في مدارس لبنان، وخاصة في التعليم الخاص، لهم انتماءات سياسية حزبية.
أثر ذلك بالسلب على العملية التعليمية برمتها. من هنا تظهر التفرقة فيما بينهم، فكل المشاكل التي يعاني منها الشارع السياسي تعاني منها المدارس، كما أثرت أيضاً المظاهرات التي حدثت مؤخراً على زيادة الانقسامات بين مؤيد ومعارض لهذه الاحتجاجات..
ورغم ارتفاع الوعي عند اللبنانيين، تجد في ظل المناخ السياسي القائم أن فكرة التعليم لدى أولياء الأمور على الهامش. واللافت للنظر أن هناك بين أولياء الأمور انقسامات بين مؤيد ومعارض، وبالتالي فإن شرذمة الحياة السياسية أدت إلى شرذمة العملية التعليمية.
فقدان الثقة بالمدارس الحكومية
قالت كارين إليان ضاهر، الخبيرة التربوية اللبنانية: «لسنوات طويلة، أسهمت عوامل عدّة في فقدان الثقة بالمدرسة الحكومية، وكأنها كانت دوماً في مراتب لاحقة بعد التعليم الخاص. ثمة إجماع بين الجهات المختلفة على أن النظام الطائفي كان له الدور الأساسي، أُضف إليه الإهمال والاستخفاف بهذا القطاع الحيوي».
وبحسب مسؤول لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصة، فقد «تركّز الدعم على التعليم الخاص منذ عام 1943 على الرغم من وجود أساتذة يتمتّعون بكفاءة عالية في التعليم الحكومي. لكن (الكارتيل) الديني والتربوي والسياسي أسهم في زيادة الثغرات. المدارس الكاثوليكية تشكّل القوة الضاغطة الكبرى على الوزارة لأرباحها السنوية التي تصل إلى مليار دولار، تُحوّل إلى البطريركية المارونية. تضاف إلى ذلك، البطالة المقنّعة وغياب الرقابة. والمطلوب إدارة صارمة تشرف على معالجة المشكلات، وتُعِدّ الكادر التعليمي المتميز وتعيد الثقة في التعليم الحكومي. كما أن المحسوبية تطغى في التعليم الحكومي، وهذه مشكلة لا بد من تخطّيها، لأننا في أمس الحاجة إليه اليوم. فيجب أن تستعدّ المدارس الحكومية لتسونامي آتٍ نتيجة الأزمة الاقتصادية. انتهى زمن التعليم الخاص، وحان وقت تطوير الحكومي، بعيداً عن الضغوط السياسية والدينية ومافيا المدارس الكاثوليكية. فالمدارس الخاصة لن تستقبل الطلاب الذين لم يسدّدوا ما عليهم من أقساط وقد لا تتمكّن المدارس الحكومية من استقبالهم».
وكشفت ضاهر أن النزوح الطلابي إلى المدارس الحكومية بدأ العام الماضي وليس مع انتشار الوباء، كما توضح تصريحات المسؤولين الرسميين، أن المدارس الحكومية شهدت حركة نزوح طلابية مفاجئة إليها بمعدل نحو 22400 طالب في الابتدائي وفي الثانوي أكثر من 16700 طالب، ونحن اعتدنا في لبنان على انتقال الطلاب في المرحلة الثانوية، خصوصاً أن المدارس تتفوّق في كثير من الأحيان في هذه المرحلة التي يزيد فيها عدد الأساتذة المتميزين. لكن لأسباب اقتصادية، ارتفعت الأعداد بشكل ملحوظ في المرحلة الابتدائية.
وبحسب ضاهر فإن المباني التعليمية متوفرة، وثمة 962 مدرسة حكومية اليوم بعد دمج عدد منها، كما أن المباني لا تزال موجودة، ويمكن الاستعانة بها مجدداً لدى انتقال الطلاب، وكذلك بالنسبة إلى المستلزمات والتجهيزات، فهي متوفّرة أيضاً. لكن المشكلة الأساسية تكمن في الكادرالتعليمي في المرحلة الابتدائية نتيجة التناقص التدريجي في الطاقة البشرية إثر خروج 1200 أستاذ سنوياً لبلوغهم سن التقاعد. وأصبح عدد المتعاقدين في الكادر التعليمي 12000 في مقابل 25000 عام 2010، ولا تُنظَّم مسابقات للتوظيف. في هذا الإطار ومن الحلول التي وضعها المسؤولون، زيادة ساعات التدريس للأساتذة. لكن الوضع قد يكون أكثر صعوبة العام المقبل. لذلك تعدُّ وزارة التعليم اللبنانية دراسة لتحديد حاجات العام المقبل وقدراتها الاستيعابية وفق المناطق وطرق توزيع الطلاب. أما القدرة الاستيعابية في المرحلة الابتدائية، فتتراوح بين 30 و35 ألف طالب، يجري توزيعهم بنسب متفاوتة بحسب المناطق.
الدستور ينص على الحق في التعليم
ومن جانبه، قال عبد الحفيظ طايل، الخبير في شؤون التعليم، إن دستورمصر يؤكد على الحق في التعليم، حيث تنص المادة 19 على حق كل مواطن في التعليم والتزام الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للتعليم لا تقل عن 4 في المائة من الناتج القومي الإجمالي، وتزداد تدريجيًا حتى تتفق مع المعدلات العالمية، ورغم أن التقرير الصادر عن مجلس الوزراء فيما يتعلق بالمخصصات المالية لقطاع التعليم والبحث العلمي في موازنة 2020/2021، أنه تمت زيادة تصل إلى 363.6 مليار جنيه خلال العام المالي 2020/2021، مقارنة بـ 316.7 مليار جنيه خلال العام المالي 2019/2020، إلا أن النسبة التي تمت زيادتها لا تصل إلى النسبة التي حددها الدستور.
وفي ظل الأزمة الاقتصادية اتجه أولياء الأمور خصوصا في المناطق الشعبية إلى إخراج أبنائهم من المدارس الخاصة إلى المدارس الحكومية لأسباب اقتصادية، نتيجة ارتفاع المصروفات الدراسية وعدم قدرة الآباء على دفعها.
وكشف طايل عن أن أزمات التعليم في مصر عالقة بوضع عام في سياسات الحكومات المتعاقبة، فمصر تحتاج إلى 25 ألف مدرسة لاستيعاب الطلاب وتخفيض الكثافة داخل الفصول في ظل أن عدد المدارس العاملة في مصر لا تزيد على 26 ألف مدرسة فيما تخدم 50 ألف مدرسة، حيث إن هناك مدارس تخدم لفترة مسائية أيضاً. هذه الأمور دفعت بعض رجال الأعمال إلى الاستثمار في مجال التعليم عن طريق إنشاء مدارس خاصة تعادل 10 أضعاف مصروفات المدارس الحكومية، وهذه المدارس الخاصة لا تختلف عن المدارس الحكومية في أي شيء فكثافة الفصول موجودة ونفس التعليم، وبالتالي اتجه بعض أولياء الأمور إلى النزوح من المدارس الخاصة إلى المدارس الحكومية التجريبية ذات المصروفات القليلة للتوفير ورفع العبء عن الآباء نتيجة الأزمة الاقتصادية، خصوصا في المناطق الفقيرة، لكن الشريحة العليا التي يتعلم أبناؤها في المدارس الدولية لن تتأثر، فالأزمة الاقتصادية تصب في مصلحتها.
وأكد طايل أنه نتيجة الأزمة الاقتصادية سيتم الضغط على المدارس الأميرية والتجريبية بصفة خاصة في مصر والتي تضم أبناء الطبقة الوسطي لأنها مدرسة لغات، وهذا يعني أن الكثافات في هذا النوع ستزيد في الفصول بعدما كانت إلى حد ما قليلة، وهنا لا تختلف المدارس التجريبية عن المدارس الحكومية، وفي نفس الوقت تقوم الدولة المصرية بالحصول على بعض المدارس التجريبية لتحولها إلى تجريبية خاصة وتجريبية دولية. وهذا يعتبر استثمارا في التعليم ومن ثم لا بد من وجود خطة واضحة من قبل الحكومة المصرية لتوفير موارد لبناء مدارس للمناطق المحرومة منها، فلدينا 2000 قرية في مصر محرومة من جميع أنواع المدارس بالإضافة إلى 10 آلاف قرية محرومة من مدارس التعليم الثانوي. في نفس الوقت لا بد من وضع معايير للمدارس الخاصة فيما يخص كثافة الفصول والمصروفات والرقابة الدورية عليها.
وحدد طايل أن هناك مستويين فيما خص الأزمة الاقتصادية:
المستوى الأول: أن تكون الدولة تمر بأزمة اقتصادية فعلياً، وهنا العلاج أن يكون هناك ترشيد في الإنفاق وتحديد الأولويات، فبدلا من التوجه لبناء مدن جديدة تقوم الدولة بالصرف على التعليم لأنه قاطرة التنمية والدليل على ذلك أن الدولة المصرية منذ أربعين سنة تقوم بحملات تنظيم النسل لكن النتائج قليلة جدا فمعدل الإنجاب ما زال مرتفعا.
المستوى الثاني: هو العدالة الاجتماعية؛ ففي حالة ارتفاع معدل الفقر، لا بد أن تضع الدولة خطة لرفع المعاناة ليس عن طريق دعم رغيف العيش فقط، ولكن توفير فرص عمل عن طريق بناء مصانع والاتجاه إلى الاقتصاد الإنتاجي، وكل ذلك حله هو التعليم ووضع خطة بعنوان أن التعليم هو قاطرة التنمية في مصر.
توجه عام للمدارس الخاصة
محمد زكريا وكيل نقابة المعلمين أكد أن هناك توجها في بعض الدول العربية والعالم للتعليم الخاص، وهذا الموضوع كان عنوان مؤتمر للمنظمة الدولية للتربية في لبنان منذ 3 سنوات، والذي رصد أن هناك توجها عاما للقضاء على التعليم الحكومي، والسبب في ذلك أن الشركات الكبرى العابرة للقارات رصدت عدم الاستثمار في مجال التعليم، لذلك أصبح التوجه ليس في العالم الفقير فقط ولكن حتى الدول الغنية، وهذه النظرية تضرب في الصميم مبدأ أن التعليم حق وليس سلعة. من هنا أصبح الاتجاه إلى التعليم الخاص سمة في كل دول العالم وبالخصوص كافة الدول التي لها علاقة بصندوق النقد الدولي المعروف اتجاهاته في هذا السياق. وهذا الأمر يتضح في مصر من خلال تحويل المدارس الحكومية إلى ما يسمى المدارس التجريبية للغات، وبالتالي ارتفعت المصروفات الدراسية بعد تحويل المدارس الحكومية وزاد العبء على أولياء الأمور... كل ذلك أدى إلى توجه أولياء الأمور إلى العزوف عن ذهاب الطلاب للمدارس والاتجاه إلى ظاهرة الدروس الخصوصية، لذلك فقدت المدرسة الحكومية مصداقيتها لدى أولياء الأمور.
وبحسب زكريا فإنه مع تفاقم الأزمة الاقتصادية وعدم قدرة الآباء على دفع المصروفات والدروس الخصوصية وبالمقارنة بين احتياجات سوق العمل والركود، كل ذلك دفع بعض أولياء الأمور إلى العزوف عن تعليم أبنائهم، ومن ثم ضاعت الثقة في العملية التعليمية كاملة، وغاب التطور الاجتماعي للأسرة، لذلك لم تعد المدرسة العامة جاذبة، وتم تفريغ المدرسة من المنتسبين إليها لتصبح المدرسة عبارة عن حوائط وأثاثات متهالكة خالية من الطلاب بعد عزوفهم عن الحضور، لذلك غاب المناخ التربوي وغاب الطلاب، وقد يتطور هذا العزوف إلى التسرب من التعليم.