الشرخ الإسرائيلي حول الضم يساهم في تأجيل التنفيذ
أمنيون سابقون ينضمون إلى التظاهرات الرافضة التي كانت تقتصر على اليسار
الشرخ الإسرائيلي حول الضم يساهم في تأجيل التنفيذ
* الخارطة الديموغرافية والملف الإيراني، عنصران بارزان في الخلاف حول الخطة
* صرخات إسرائيلية تنطلق من ميدان رابين قبل الموعد الذي حدده نتنياهو الأول من يوليو المقبل لتنفيذ خطة الضم
تل أبيب: الصرخة التي أطلقها مئات الإسرائيليين في مظاهرة ميدان رابين، وسط تل أبيب، قبل أسبوع بالضبط من الموعد الذي حدده رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، الأول من يوليو (تموز)، لتنفيذ خطة الضم وتطبيق السيادة، تجاوزت صرخات اليسار الإسرائيلي المعارض لهذه الخطة، لما تضعه من عراقيل أمام مسيرة السلام، لتخترق المؤسستين السياسية والعسكرية، ويصل الانقسام الإسرائيلي ذروته حول هذه الخطة، عشية موعد تنفيذها والتنسيق المكثف بين إسرائيل وواشنطن.
خلافا لتظاهرات سابقة كان يبادر إليها اليسار الإسرائيلي أو جهات رافضة لسياسة الحكومات الإسرائيلية تجاه السلام، شارك في هذه المظاهرة، الجنرالان (احتياط) عاموس يدلين وعاموس جلعاد، بالإضافة إلى رئيس مجلس الأمن القومي السابق عوزي أراد.
هذه الأصوات وصلت تحذيراتها إلى أبعد من مسألة عراقيل عملية السلام. يدلين وهو رئيس معهد دراسات الأمن القومي، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية سابقا، حذر من أن تنفيذ الضم يقود إلى دولة ثنائية القومية. ومن ناحية أخرى، قال يدلين: «في دليل (ويز) الذي يوجهنا مكتوب: دولة يهودية وديمقراطية وآمنة وشرعية وأخلاقية».
من هذه التظاهرة أطلقت رسالة إلى متخذي القرارات في الحكومة الإسرائيلية، وفي مقدمتهم بيني غانتس، رئيس حزب «أزرق- أبيض»، الذي خذل منتخبيه في قراره بالانضمام إلى حكومة نتنياهو. فقد عرض المدير العام لحركة «طريقنا» يئير فينك، على الجمهور، رقم هاتف، قائلاً إنه رقم هاتف وزير الأمن بيني غانتس. وقال: «رجاء اكتبوا له رسائل نصية: مرحباً بيني، لقد صوتّ لـ(أزرق- أبيض)، وأنا أتظاهر حاليًا من أجل إسرائيل وضد الضم، وأطلب منك التأكد من أن أموالنا ستصل إلى العاملين لحسابهم الخاص والعاطلين عن العمل وليس للضم. لا تخذلنا مرة أخرى».
الجمهور الإسرائيلي ومشاركته في القرار
أبرز المطالب والرسائل التي أطلقت خلال الحملة الرافضة لخطة الضم والسيادة كانت المطالبة بمشاركة الجمهور الإسرائيلي في اتخاذ مثل هذا القرار المصيري. والرسالة التي وجهت إلى غانتس، قبل أسبوع من موعد تنفيذ الخطة، هي واحدة من عدة رسائل وجهت له من جهات عدة رافضة للخطة. في مركز هذه الرسالة أهمية إجراء استفتاء عام بين الجمهور الإسرائيلي على الضم، وهو اقتراح قدمه في السابق، بنيامين نتنياهو، عند طرح خطة الانفصال عن غزة.
اليوم يطلب الإسرائيليون من غانتس، إلى جانب الاستفتاء، أن يخرج إلى الجمهور ويشرح لهم ما الذي ستستفيد منه إسرائيل من الضم.
في سبتمبر (أيلول) 2004، عندما تم بحث خطة الانفصال أحادي الجانب عن غزة، وقف بنيامين نتنياهو، الذي كان في حينه وزير المالية وعضوا في الكابنيت، أمام معضلة مشابهة. فمن جهة كان واقعا تحت ضغوط المستوطنين واليمين الآيديولوجي. ومن جهة أخرى كان يعرف أن التصويت ضد الانفصال سيؤدي إلى إقالته من الحكومة. وفي محاولة أخيرة للخروج من هذه الورطة اقترح نتنياهو إجراء استفتاء.
بالطبع لم تكن دوافع نتنياهو، في حينه، الرغبة في عدم وضع عراقيل أمام أي تسوية للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، إنما الحفاظ على شعبيته بين المستوطنين واليمين. مطلب الاستفتاء اليوم يمكنه أن يقلل من غضب الإسرائيليين الرافضين تصديق الادعاءات الإسرائيلية بأنه لا يوجد أي ثمن للضم.
تأخير في تنفيذ الخطة
بات واضحا تأجيل الموعد الذي وضعه نتنياهو لتنفيذ الخطة، من دون وضوح الفترة الزمنية. المطلعون على الوضع يرون أن التأخير سيكون طويلا حيث التحركات الداخلية في إسرائيل إلى جانب الموقف الأميركي تجاه طريقة وموعد تنفيذ الخطة في مقابل مدى انعكاس تنفيذ مثل هذه الخطة على الدول العربية، سواء مصر أو الأردن، اللتين تقيمان اتفاقات سلام مع إسرئيل، أو الدول العربية التي تطمح بسلام في المنطقة، كلها عوامل تتطلب المزيد من البحث والاتفاق. هذا كله إلى جانب السيناريوهات التي يضعها الجيش وكبار الأمنيين من خطر تصعيد أمني إلى حد انتفاضة ثالثة.
الخلافات الداخلية والأميركية
لا يزال الائتلاف الإسرائيلي يواجه خلافات حول تنفيذ الخطة. نتنياهو من جهته يصر على تطبيق السيادة الإسرائيلية في الضفة وغور الأردن ويرى في ذلك الخطوة الأهم والأكثر ضرورة في كل ما جاء في خطة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب. لكن في مقابل نتنياهو هناك صوت آخر لثاني شخصية مركزية في الحكومة، وهو وزير الأمن ورئيس الحكومة البديل، بيني غانتس. فالموقف الذي اتخذه غانتس يأتي، ليس فقط في أعقاب الأصوات والرسائل التي وصلته من المتظاهرين والمحتجين والأمنيين السابقين، إنما لحاجة الحفاظ ولو على نسبة قليلة من ثقة ناخبيه، الذي دعموه في الانتخابات الأخيرة لتحقيق الهدف المركزي «إسقاط نتنياهو».
لقد أعلن غانتس رفضه للعديد من بنود الخطة وطالب بالتوصل إلى توافقات. أما زميله في الحزب وزير الخارجية، غابي أشكنازي، فهو يرفض كليا بسط السيادة كخطوة أولى وفورية لتنفيذ الخطة ويطالب بالإعلان بأن إسرائيل تؤيد خطة ترامب للسلام بكاملها بما فيها الاعتراف بإقامة دولة فلسطينية.
هذه الخلافات الداخلية في إسرائيل انعكست بشكل مباشر على الموقف الأميركي، حيث برزت الخلافات حول تنفيذ الخطة بين الفريق الأميركي، الذي عمل على الخطة في الأشهر الأخيرة. فمستشار وصهر الرئيس ترامب، جاريد كوشنير، يتبنى موقفا يقضي بتأييد الإدارة الأميركية لمخطط تنفيذ للخطة يكون متفقا عليه من جميع أطراف الائتلاف في إسرائيل وهكذا فقط يكون بوسع الولايات المتحدة أن تدفع إلى الأمام صفقة تحقق نتيجة للطرفين ولا تبدو كخطة مؤيدة لإسرائيل بشكل واضح بحيث إن العالم العربي لا يقبلها.
السفير الأميركي في إسرائيل ديفيد فريدمان، الذي يتبنى المواقف الأقرب لمواقف نتنياهو نقل للمسؤولين في إسرائيل الرسالة الأساسية لكوشنير، بل وحاول التوسط بين نتنياهو وغانتس، لكنه فشل، وبالتالي انتقلت طاولة التفاهمات بين الإسرائيليين والأميركيين إلى واشنطن.
الضم والتوازن الديموغرافي
واحدة من ادعاءات نتنياهو حول أهمية تنفيذ الضم وفرض السيادة هي الحفاظ على خريطة ديموغرافية تضمن أكثرية مطلقة لليهود مقابل أقلية للفلسطينيين. وقد تحول هذا الادعاء إلى موضوع خلاف بين مؤيدي ومعارضي الخطة. الرئيس السابق لحزب ميرتس اليساري، يوسي بيلين، رفض الطرح الداعم للخطة بأن تنفيذها سيمنع هجرة فلسطينية تخل بالتوازن الديموغرافي، كما طرحه المحاضر في جامعة بن غوريون، بروفسور آفي بار- إيلي. واعتبر بيلين، البارز بين اليسار الإسرائيلي الرافض للضم والسيادة، أن «هذا الادعاء فارغ من أي أساس».
بحسب بار- إيلي، فإن الضم «سيحبط الخطة الديموغرافية العربية التي هدفها، بحسب ادعائه، تنمية هجرة وافدة تتسلل إلى إسرائيل وتضعضع طابعها اليهودي». واقترح بار- إيلي «ضم ثلث الضفة مع نحو 50 ألفا من فلسطينييها، ومنحهم مواطنة إسرائيلية، وعندها ستمنع السيادة الإسرائيلية هجرة فلسطينية وافدة لكل المنطقة غربي نهر الأردن. وهكذا نضمن الأغلبية اليهودية».
بيلين رد بما يمكنه أيضا من إقناع جانب من مؤيدي الضم والسيادة الذين يعتبرون مثل هذه الخطة ضمانا لدولة يهودية آمنة. فقال الرئيس السابق لميرتس: «بار- إيلي وأنا في ذات الجانب من المتراس. كلانا نفهم أن معنى الصهيونية هو وجود دولة يهودية وديمقراطية في بلاد إسرائيل، بواباتها مفتوحة لليهود من خلال قانون العودة، الذي يضمن عدم وجود وضع يمنع اليهودي من اللجوء إلى إسرائيل. بودي أن أفترض أنه سيفرح بار- إيلي أن تكون للفلسطينيين أيضا دولة (أو «دولة ناقصة»، على حد قوله)، إذ لهم أيضا حق في تقرير المصير، ولأنه ستكون لنا مصلحة استراتيجية لمنع جيراننا الأقرب من نقل الكراهية من جيل إلى جيل».
واعتبر بيلين الأصوات المروجة للمشكلة الديموغرافية ما هي إلاّ تمويه، قائلا: «من يعتقد أن المشكلة الديموغرافية هي اختراع، وأن إسرائيل يمكنها أن تضم المناطق دون أن تمنح المواطنة للفلسطينيين، الذين يعيشون فيها يمكنه أن يضم الغور وكذا كل ما يتبقى من الضفة الغربية ويستغل إرادة ترامب لإسعاد مؤيديه الإنجيليين قبل الانتخابات الرئاسية. ولكن من يريد أن يضمن أيضا أغلبية يهودية وكذا ديمقراطية، لا يمكنه أن يتبنى اقتراح بار- إيلي، وعليه أن يتبنى حلا توجد فيه حدود واضحة بين إسرائيل وفلسطين، بعد أن عرقل اليمين في 1987، في أعقاب اتفاق لندن، الفرصة الأخيرة لحل أردني- فلسطيني».
بار- إيلي اعتبر طرح بيلين استفزازيا، بل لا أساس له من الصحة. واحتدم النقاش بينهما ليرد إيلي بالقول: «حديث بيلين تضليل ذاتي عديم المسؤولية. صحيح أن الفلسطينيين لا يتميزون بقدرة استيعاب. صحيح أن مجتمعهم ليس بالضبط حجر جذب للمهاجرين. ولكن دولة إسرائيل هي حجر جذب بالفعل. (فلسطين) التي لها حدود على الأردن وحدود مفتوحة مع إسرائيل- إذ إن إغلاقها وهم- يمكن أن تكون محطة لاجئين أو مهاجري عمل في الطريق إلى إسرائيل. وتوجد للحركة الوطنية الفلسطينية مصلحة هدامة لأن تضخ أو تسرب مهاجرين عربا وآخرين من محيطنا إلى دولة إسرائيل، وهكذا تذيبها وتدفعها إلى الانهيار. لقد أشاروا إلى الخطة مرات عديدة، وإحدى المرات البارزة كانت مطالبة عباس بأن يسمح له بجلب لاجئين من سوريا. ويجسد لنا انعدام الاستقرار البنيوي للعالم العربي الخطر الذي استهنا به كلنا سابقا».
الوضع الأمني بعد الضم
منذ أن طرح نتنياهو موعد الأول من يوليو (تموز) لبدء تطبيق السيادة والضم، يتناول الأمنيون والعسكريون تداعيات ذلك على الوضع الأمني. جميعهم خرجوا بتحذير من تصعيد أمني في الضفة وغزة يصل إلى حد انتفاضة ثالثة، أخطر وأشد من سابقتيها. ويراقب الإسرائيليون عن كثب الردود الفلسطينية حول الموضوع وكيفية التعامل بما يضمن عدم تصعيد أمني.
خلال الشهر الأخير أطلقت عدة صواريخ من حماس باتجاه إسرائيل. لقد اعتبرها إسرائيليون رسالة ما قبل الضم والسيادة من حماس. واعتبرت حماس المحور المركزي الفلسطيني في أي تصعيد أمني، حتى وإن انطلق من الضفة.
في أبحاثهم الأمنية تناول الإسرائيليون مسألة رد حماس على الضم وإذا ما كان سيؤدي الرد إلى تصعيد أمني.
بالتقدير الأولي للإسرائيليين فإن حماس في حالة عدم وضوح، بل إنها أمام معضلة غير سهلة بكل ما يتعلق بالرد على الضم. فإذا قامت بالرد العسكري، وفق الإسرائيليين، فقد تعرض القطاع إلى وضع صعب، أيضا على الصعيد الاقتصادي، خصوصا وأن أزمة كورونا ما زالت قائمة. وإذا صمتت فقد تعطي السلطة الفلسطينية نقطة استحقاق.
رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية في مركز موشيه ديان بجامعة تل أبيب، ميخائيل ميلشتاين رأى أن حماس تتبنى استراتيجية السلطة؛ طالما لم تجر إسرائيل تغييرا حقيقيا على الأرض، فإنها لن تعمل على خطوات متطرفة، ولكنها ستنظر في إمكانية رفع المستوى وفقا لـ«عمق الضم».
الضم وتداعياته على الملف النووي الإيراني
بقدر الاهتمام الإسرائيلي بمسألة الضم وفرض السيادة يواصل مسؤولون سياسيون وعسكريون متابعة الملف النووي الإيراني، وهناك من رأى ربطا بين الملفين وحذر بعضهم من مخاطر تداعيات الضم على استمرارية الجهود لمواجهة النووي الإيراني.
عاموس جلعاد، الذي برز في تظاهرة الأسبوع الأخير على موعد نتنياهو لتنفيذ الضم، رأى أن التركيز المطلق لإسرائيل على مسألة الضم والسيادة تمس بشكل كبير «التصدي والصد لتهديدات قائمة، وعلى رأسها البرنامج النووي الايراني المتسع».
وبعد استعراضه لتقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية حو زيادة إيران لمخزون اليورانيوم بالتخصيب المنخفض وقلق الوكالة لعدم تعاون إيران معها، انتقد جلعاد ما اعتبره الصمت الإسرائيلي تجاه الملف الإيراني مقابل انشغال المسؤولين في الضم والسيادة.
وحذر يقول: «يكاد صوت إسرائيل لا يسمع في الساحة الدولية في سلسلة التحديات هذه، وهي لا تخرج بقوة ضد التهديد الأخطر عليها. الصمت في المسألة الإيرانية (صاخب) على نحو خاص في ضوء حقيقة أنه حتى وضع الضم في رأس سلم الأولويات، كانت إسرائيل، بقيادة نتنياهو هي (المحرك) الذي يدفع الساحة الدولية نحو خط متشدد ضد التهديد الإيراني. وذلك من خلال منظومات دبلوماسية وإعلامية، وكشف استخباري، بل وتهديدات خفية- بهذا القدر أو ذاك- بمهاجمة إيران».
وتابع منتقدا: «بدلا من تجنيد العالم لوقف البرنامج النووي للنظام في طهران، تجبر إسرائيل حلفاءها باستثمار طاقة وجهود كبيرة بالذات في محاولة لاحباط خطة الضم، ضمن أمور أخرى في ظل تصعيد ميلها للاعتراف بدولة فلسطينية في حدود 67».
في ملخص حديثه قال جلعاد: «لا يمكن لإسرائيل أن ترقص في عرسين: أن تضم وأن تتصدى بأفضل شكل للتحدي الايراني في آن واحد. في الظروف الناشئة، واضح أن إسرائيل اختارت الضم. والخطوة تنتج تقريبا من انعدام تحديات استراتيجي زائد على أمننا القومي، وفي نفس الوقت تمنعنا من التركيز على التهديدات الملموسة المتصاعدة من جانب إيران. اختيارها الضم، من شأن إسرائيل أن تفوت أحد إنجازاتها الاستراتيجية المركزية في مواجهة التهديد الإيراني على مدى السنين؛ جعله مشكلة دولية وليس إسرائيلية فقط».
أمام هذه المشاحنات الإسرائيلية- الإسرائيلية، والإسرائيلية- الأميركية تدخل خطة الضم والسيادة إلى مرحلة نقاش، لم يضعها نتنياهو في حساباته. المؤكد تأجيل تنفيذ الخطة، لكن السؤال إذا كان في ذلك قرارات أو خطوات استثنائية تذلل العقبات والصعوبات التي يمكن لمثل هذه الخطة أن تضعها أمام أي تقدم يعيد الأطراف إلى طاولة المفاوضات.