* سيبقى الأسد رئيساً على سوريا، وأمين عام حزب الله حاكماً للبنان، وقد يتأقلم الشعبان على الأوضاع المعيشية السيئة ويجترحان حلولا قد تقيهما المجاعة بانتظار مفاجأة... هذه هي حال المجتمعات التي لا يأتي فيها التغيير من الداخل للأسف
هو حديث العالم والمحللين السياسيين والاقتصاديين، وليس بحاجة إلى تعريف، يهدف الى معاقبة نظام الأسد لارتكابه جرائم مصنفة ضد الإنسانية، موثقة بالصور وشهادات الذين اختبروا هذا الجحيم. ببساطة «قانون قيصر»يطال كل من يدعم أو يتعامل مع بشار الأسد ونظامه.
انقسم الجمهور اللبناني كالعادة حول هذا القانون بين مؤيد ومعارض. المؤيدون المتحمسون يظنون أنه سيساعد لبنان في التخلص من مشاكله، أي حزب الله، لاعتقادهم بأن العقوبات على سوريا ستضرب الحزب ماليا وتضعفه وتدفع جمهوره إلى الانقلاب عليه. أما المعارضون فيقنعون جمهورهم بأنهم يخوضون أم المعارك ضد «الإمبريالية»الأميركية، و«الصهاينة»،وأنهم لمنتصرون لا محالة.
في الواقع لا أحد من الفريقين على حق.
للمنطقة تاريخ مع سياسة العقوبات الأميركية التي فُرضت على بعض الأنظمة، والتي يمكن العودة إليها للتأكد من أنه لا المتحمسون لها ربحوا ولا المقاومون لها خسروا... كيف؟
العراق كان بالأمس القريب عرضة لحصار دولي دام قرابة 13 عاماً، بسبب غزو صدام حسين للكويت. وقد عانى العراقيون الأمرّين من هذه العقوبات التي حرمتهم من الغذاء والدواء، مما أدى إلى وفاة مليون ونصف المليون طفل جراء الجوع ونقص الدواء الحاد وافتقادهم إلى أبسط وسائل الحياة.
هذا الحصار لم يمنع صدام حسين من ممارسة ديكتاتوريته الوحشية وقمع أي حراك معارض أينما نشأ. كما لم يمنعه وحاشيته من تدخين السيجار الكوبي الفاخر، فيما شعبه يجوع. حتى بعد مرور 17 عاما على سقوط صدام لم يجد العراق بعد طريقه نحو الاستقرار والازدهار بل على العكس تماما، تراه ينزلق نحو مزيد من العنف ويختبر أزمات اقتصادية كبيرة.
أما الجمهورية الإسلامية في إيران فهي تخضع لنظام عقوبات بدأ في العام 1979، عام انتصار الثورة واقتحام سفارة الولايات المتحدة الأميركية في طهران، لتزيد مع حرب الخميني وصدام، وتصل ذروتها مع تطوير حكم الملالي للسلاح النووي. عقود من العقوبات أفقرت إيران وشعبها وهدمت اقتصادها ولكنها لم تمنع النظام القائم فيها من قمع الشعب وقتله على مرأى من العالم كله، كما في الثورة الخضراء التي أدار لها الرئيس السابق أوباما ظهره، ووقف ضد المبادئ التي بشر بها طوال حكمه. يومها كان همه الأوحد توقيع اتفاق نووي مع جلادي شعب تلك الجمهورية.
السودان أو كوريا الشمالية هما أيضاً شملتهما عقوبات قاسية لم تؤثر بشكل سريع أو إيجابي على شكل النظام فيهما، حيث لا تعيران حقوق الإنسان أي أهمية بل تخنقها من خلال ممارسة حكامهما.
تهدف سياسات العقوبات الأميركية إلى ثني الأنظمة الديكتاتورية عن التمادي في قتل شعوبها أو ممارسة الإرهاب خارج حدودها، ولكنها- أي تلك العقوبات- تخدم قبل أي شيء آخر استراتيجيات الدول التي تفرضها وتقدم مصالحها على كل ما عداها. فتأييد البعض لتلك العقوبات أو رفضها لا تأخذ بعين الاعتبار أمرًا أساسيًا، وهو أن التغيير الدائم للمجتمعات لا يمكن أن يأتي إلا من الداخل. حتى التدخل العسكري الخارجي لا يمكنه تغيير الداخل إلا مؤقتاً. في البال الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 واحتلال العراق من قبل قوات التحالف بقيادة أميركية عام 2003. في الحالتين وبعد انسحاب الجيوش من تلك الدول ساءت أحوالها بشكل كبير.
وبالعودة إلى قانون قيصر، من المؤكد أن نتائجه ستكون قاسية على سوريا كما لبنان، وسيتعرض الاقتصاد المأزوم أصلا في البلدين إلى انتكاسات إضافية.
ومن المؤكد أنه في فترة العقوبات لن تتوافر عوامل نمو اقتصادي أو استثمارات آتية من الخارج، وستزداد البطالة بين الشباب وقد ترتفع معدلات الجريمة، وستزدهر أعمال التهريب وغيرها من الأعمال غير القانونية. كما ستزيد مع العقوبات عمليات القمع للداخل بشكل متواتر، وسيُمنع أي نقد أو احتجاج على سياسات الحكام تحت تهمة العمالة لمطلقها.
إذا كان بالإمكان التنبؤ بما ستؤول إليه الأحوال في البلدين نظراً إلى النتائج السابقة للعقوبات وتأثيرها على المجتمعات التي تضربها، فيمكننا القول إن العقوبات ستبقى لسنين طويلة، وسيبقى الأسد رئيساً على سوريا، وأمين عام حزب الله حاكما للبنان، وقد يتأقلم الشعبان على الأوضاع المعيشية السيئة ويجترحان حلولا قد تقيهما المجاعة بانتظار مفاجأة تنقل البلدين إلى مكان آخر. وسيكون الانتقال مؤقتاً حتى يحين موعد أزمات أخرى.
هذه هي حال المجتمعات التي لا يأتي فيها التغيير من الداخل للأسف...