تقريران أميركيان متعارضان: عنف الشرطة
* لم يعط القانون فقط الشرطة حق حماية الناس ضد المخربين، بل إن الكونغرس نفسه ظل، عبر تاريخه، يحرص على دور سيادي واستعلائي للشرطة في وجه المخربين
* يجب أن لا ننسى أن السود يشكلون 12 في المائة فقط من سكان الولايات المتحدة. لكن، تقتلهم الشرطة، وهم غير مسلحين، بأكثر من ضعف قتلها للبيض غير المسلحين
واشنطن: زاد النقاش كثيراً وسط الاميركيين حول عنف الشرطة منذ أن قتلت، في بداية هذا الشهر، شرطة منيابوليس (ولاية مينيسوتا) الأسود جورج فلويد.
هذان تقريران أميركيان متعارضان حول الموضوع:
تقرير مؤسسة «هيرتدج» اليمينية في واشنطن الذي ركز على شعار «لو آند أوردر» (القانون والنظام). وقال إن الدستور الأميركي «حرص على مواد تمنع الفوضى». وإن الكونغرس وضع قوانين تعطي الشرطة مهمة المحافظة على القانون والنظام، خاصة أمام «المظاهرات التخريبية».
في الجانب الآخر، تقرير مركز جيمس جونسون، التابع لجامعة إيموري في أتلانتا (ولاية جورجيا)، الذي ركز على إحصائيات ودراسات عن قتل الشرطة للسود. وقال إن «الذين يدعون أنهم أنصار القانون والنظام ليسوا إلا عنصريين».
مؤسسة «هيرتدج»: عنف المتظاهرين... لا عنف الشرطة
منذ مظاهرات الحقوق المدنية في ستينات القرن الماضي، إلى مظاهرات «حزب الشاي» في عام 2009، والمظاهرات السنوية لحركة معارضى الإجهاض، ظلت المظاهرات السلمية في عاصمة وطننا سلمية. وظلت تقوي الديمقراطية الأميركية.
لكن العنف الذي حدث مع الاحتجاجات على وفاة جورج فلويد لا علاقة له بالديمقراطية. شمل العنف هجمات على رجال الشرطة المسؤولين عن تنفيذ القانون. واعتداءات على مدنيين أبرياء. ونهب وحرق متاجر صغيرة، أكثرها في أحياء أقليات عرقية.
هذا هو السلوك الإجرامي ...
هذا هو عمل «الأناركيستس» (الفوضويين)، وعمل الغوغاء الخارجين عن القانون. صار واضحا أن الذين حرضوهم هم الذين يريدون الاستفادة من المأساة التي وقعت في ولاية مينيسوتا.
حسب نظام حكمنا، تظل شرطة تنفيذ القانون في الولايات، والمقاطعات، والمدن، هي المسؤولة عن حماية الناس، وذلك بطريقتين:
الأولى: تحتاط، وتمنع وقوع العنف، خاصة من جانب الذين يشاركون في الاحتجاجات المدنية.
الثانية: تلاحق الذين يقومون، فعلا، بأعمال عنف، وجرائم، وخرق للقانون.
في كل الحالات، إذا احتاجت الشرطة إلى مساعدة، يخول القانون حكام الولايات لطلب مساعدة الحرس الوطني، وهو قوة عسكرية فيدرالية، تقع تحت إمرة رئيس الجمهورية...
في الأسبوع الماضي، بعد فض المظاهرات التخريبية امام البيت الأبيض، قال وزير العدل، ويليام بار، إن الحرس الوطني الفيدرالي مسؤول، أيضا، عن «القبض على المحرضين العنيفين الذين خطفوا احتجاجًا سلميًا، وبالتالي، خرقوا القانون الفيدرالي».
وهكذا، أكد بار أن خرق القانون الفيدرالي يجب أن تواجهه القوات الفيدرالية.
لم يقل وزير العدل ما قال عبثا. وذلك لأنه اعتمد على قانون «مواجهة الشغب الفيدرالي» (إف إيه آر إيه)، حسب المادة رقم 2101، في الفقرة رقم 18.
يخول هذا القانون للشرطة اعتقال أي شخص يخرق قانون التجارة بين الولايات، أو التجارة الخارجية، بما في ذلك، كمثال وليس حصرا، استعمال البريد، أو التلغراف، أو التليفون، أو الإذاعة، أو التلفزيون، «للتحريض على الشغب؛ أو تنظيم أعمال شغب، أو الترويج لها، أو تشجيعها، أو المشاركة فيها، أو القيام بها، وذلك بهدف ارتكاب أي عمل من أعمال العنف، وأعمال الشغب»...
لم يعط القانون فقط الشرطة حق حماية الناس ضد المخربين، بل إن الكونغرس نفسه ظل، عبر تاريخه، يحرص على دور سيادي واستعلائي للشرطة في وجه المخربين.
كان الكونغرس، وسيظل، جادا جدا في وقف نوع الفوضى التي نشهدها، منذ أسابيع، في بعض مدن وطننا...
ثم يأتي دور المحاكم التي تشرف على تنفيذ هذا القانون، وخاصة أمام اتهامات عن عنف الشرطة. لقد وصل الموضوع إلى المحكمة العليا، والتي أعلنت أنها لن تتدخل في هذا الموضوع، ولن تفرض إجراءات ضد الاتهامات على مستوى الولايات المتحدة. وفوضت المحاكم المحلية لتنظر في مثل هذه الاتهامات.
في كل الحالات، تظل نية الكونغرس واضحة هنا، وبحماية من المحكمة العليا، وهي أنه عندما تندلع أعمال الشغب، يجب على السلطة التنفيذية أن تتصرف بأسرع ما يمكن لملاحقة أولئك الذين يثيرون هذا الشغب.
مؤخرا، استعمل وطننا هذا القانون لمحاكمة ثلاثة من أنصار «التفوق الأبيض» الذين سافروا من ولاية كاليفورنيا إلى ولاية فرجينيا في أغسطس (آب) عام 2017، بهدف التحريض على، والقيام بأعمال عنف، في الاحتجاجات التي جرت في جامعة فرجينيا في شارلوتزفيل...
الذين صفقوا عندما حدث هذا، يجب أن يصفقوا، أيضا، على ما حدث مؤخرا في عاصمة البلاد، وأمام البيت الأبيض...
جامعة أمورى: عنف الشرطة.. لا عنف المتظاهرين:
لم تكن مواجهات الشرطة العنيفة مع السود سبباً فقط في الإساءة إليهم، وتعذيبهم، وقتلهم، بل أيضا، سبب حالات عامة من الإحباط، والتوتر، والمعاناة النفسية، في أوساط كل السود. ويوجد نوعان من هذه المعاناة النفسية:
الأول: معاناة الذين تواجههم الشرطة، وتعتقلهم، وتحقق معهم، وتسيء إليهم، إذا لم تقتلهم.
الثاني: معاناة الذين لم تعتقلهم الشرطة، لكنهم يعرفون ماذا سيحدث لهم إذا اعتقلتهم الشرطة...
وصار الخطر، ليس فقط جسمانيا، وإنما نفسياً أيضاً. وعمت مجتمعات السود، بملايينها، حالة رعب وتوتر تاريخيين.
تقول دراسة أجرتها صحيفة «واشنطن بوست» إن كل هذه المشاكل تتضاعف بسبب عنف الشرطة. وإنه في العام الماضي، قتلت الشرطة أكثر من ألف شخص في كل الولايات الأميركية.
وفي عام 2015، بدأت الصحيفة تسجيل كل إطلاق نار قاتل من قبل الشرطة. منذ ذلك الوقت، سجلت الصحيفة أكثر من 5.000 عملية إطلاق نار قاتل من قبل الشرطة.
حسنا فعلت الصحيفة، وذلك لأنه صار واضحا أن أرقام مكتب التحقيق الفيدرالي (إف بي آي) ليست كاملة. في الحقيقة، جاءت أرقام الصحيفة ضعف أرقام «إف بي آي»، وذلك لأن الأرقام التي تقدمها الشرطة المحلية إلى «إف بي آي»، لا يجب أن تكون كاملة، لأن التعاون بين الجهتين تطوعي، وليس إجباريا بالقانون.
وحسب أرقام الصحيفة، يظل معدل إطلاق النار القاتل كما كان خلال الخمس سنوات الماضية: في حدود ألف حادث قتل كل عام.
صحيح، أكثر هذه الأرقام هو عن قتل رجال مسلحين- في الحقيقة، 94 في المائة منها- وهذه، طبعا، نسبة عالية جدا.
حسنا، لنذهب إلى أرقام القتلى غير المسلحين: خلال كل سنة من الخمس سنوات الأخيرة، كان المتوسط ما بين 50 و100 قتيل.
لنذهب الآن إلى أرقام القتلى غير المسلحين السود: تقتلهم الشرطة بمعدل أعلى كثيرا من البيض غير المسلحين. يجب أن لا ننسى أن السود يشكلون 12 في المائة فقط من سكان الولايات المتحدة. لكن، تقتلهم الشرطة، وهم غير مسلحين، بأكثر من ضعف قتلها للبيض غير المسلحين...