* لم تتوقف الرحلات القادمة إلى المملكة المتحدة من أكثر المناطق تضررًا من فيروس كورونا في العالم خلال فترة الجائحة، وذلك دون إجراء الفحوصات اللازمة للركاب
* لا يوفر التصفيق المال لتغطية الضروريات الأساسية. وستندهشون عندما تسمعون عن المرتبات المنخفضة للغاية لأول تعيين التي تعطى للأطباء والممرضات المبتدئين والتي بالكاد تكفي لدفع فواتيرهم وإيجارات سكنهم
* إحدى الإيجابيات المهمة لتفشي الفيروس الاستجابة التكنولوجية لأزمة الرعاية الصحية لكوفيد-19، حيث شق التطبيب عن بعد طريقه بسرعة إلى طليعة تقديم الرعاية الصحية
لندن: تعاني هيئة الخدمات الصحية الوطنية البريطانية المستنفذة من الإرهاق والقلق والضغط حتى قبل أن ينتشر فيروس كورونا المستجد في بريطانيا. وقابلها ذلك سوء معالجة الحكومة للأزمة، فقد تركت العاملين في مجال الصحة دون حماية في هذه الظروف بسبب النقص الحاد في معدات الوقاية الشخصية والفحوصات. ويسود اليوم الغضب الشديد بين المهنيين في قطاع الصحة الذين يخشون على سلامتهم وسلامة مرضاهم. كما غيّر الفيروس من علاقاتهم مع مرضاهم وزملائهم وعائلاتهم، ويكافح بعضهم تحت الوطأة النفسية للأزمة.
أجريت مقابلة مع طبيب من هيئة الخدمات الصحية الوطنية البريطانية الذي طلب عدم ذكر اسمه ليتمكن من التحدث بحرية. وتم تحرير ملاحظات الطبيب بغرض الوضوح والإيجاز.
* ما شعورك أنت وزملاؤك خلال الأزمة الصحية الراهنة؟
- يبرز الشعور بالإرهاق والتوتر والقلق بين الأطباء والممرضات في المستشفيات. وعلى الرغم من أننا معتادون على العمل سبع نوباتٍ متتالية لمدة 12 ساعة متوالية، إلا أن ذلك يختلف عبر المناوبات. كما يعيش الكثير من الطواقم الطبية مع أشخاص كبار في السن، وبالتالي يخاطرون بتعريض أحبائهم للإصابة بالفيروس. وقد اختار آخرون عزل أنفسهم تمامًا عن عائلاتهم لعدة شهورٍ للحفاظ على سلامتهم.
ونصادف خلال مناوباتنا مواقف صعبة جسديًا وعقليًا، سواء كانت إعطاء أخبار سيئة لأفراد الأسر الذين لا يستطيعون زيارة أقاربهم المرضى بسبب توجيهات الحكومة، أو مشاهدة أشخاص أصحاء تتدهور صحتهم بسرعة بعد إصابتهم بالفيروس.
ومن المفهوم أن تضع هذه المواقف جميع المتخصصين في الرعاية الصحية تحت ضغط نفسي هائل. والجدير بالذكر أن الكثير من القوى العاملة تتراوح أعمارهم بين 24 و35 سنة ويصنفون على أنهم أطباء مبتدئون. وتكفي هذه الأحداث الصادمة للغاية التي نعيشها كل يوم على مدار أشهر لتدمير الصحة النفسية لأي فرد.
* هل لدى العاملين في مجال الرعاية الصحية ما يكفي من معدات الوقاية الشخصية؟
- يمكن أن يختلف توافر معدات الوقاية الشخصية من مناوبة إلى أخرى، ولكنني أعلم أن كثيرًا من الأشخاص اضطروا إلى الاعتماد على المتطوعين للحصول على ملابس التنظيف التي نحتاجها بشدة لتعويض النقص بسبب الطلب غير المسبوق.
ويوجد اختلاف مقلق بين معدات الوقاية الشخصية المقدمة للعاملين في هيئة الخدمات الصحية الوطنية والمعدات التي تستخدمها دول مثل الصين، حيث يرتدي عمال الرعاية الصحية طبقات من معدات الحماية. كما أن التغيير المستمر في التوجيه حول معدات الوقاية الشخصية جعلنا نشعر بالارتباك والضعف.
* أفادت تقارير بمنع موظفي هيئة الخدمات الصحية الوطنية من التحدث علناً عن النقص الحاد في معدات الوقاية الشخصية. فهل تلقيت أنت أو زملاؤك تحذيرات من إدارة هيئة الخدمات الصحية الوطنية البريطانية بعدم إثارة مخاوفكم علنًا؟
- على الرغم من أنه لم يتم تحذيري شخصيًا، وعلمًا أنني أدرك ميل وسائل الإعلام إلى الإفراط في استخدام الغلو عند إيجاد قصة إخبارية رئيسية، إلا أنني لم أتفاجأ بقراءة تقارير عن تحذير الأطباء بعدم الإدلاء بأي تعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي حول النقص في المعدات وكذلك تجنب التحدث إلى الصحافيين.
وأنا متأكد من أن الكثير من الأطباء والممرضات، الذين يشعرون بأنه تم تعريض سلامتهم للخطرــ وبالتالي سلامة عائلاتهم- بسبب نقص معدات الوقاية الشخصية ذات المواصفات الصحيحة، قد حاولوا التحدث علنا.
* ما رأيك في الطريقة التي تعاملت بها الحكومة مع هذه الأزمة؟
- اتسمت استراتيجية الحكومة بالفوضى منذ إطلاقها، لا سيما عند مقارنتها بدول أخرى مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة اللتين تصرفتا على الفور وتفوقتا في احتواء فيروس كورونا من خلال إجراء الاختبارات الموسعة واقتفاء المخالطين وفرض الحجر الصحي. وسلطت دول مثل ألمانياـ حيث عدد الضحايا أقل بكثيرـ الضوء بلا رحمة على استراتيجية المملكة المتحدة. فلا شك أن تردد الحكومة في إغلاق اقتصادها وفشلها في الحصول على ما يكفي من اختبارات الكشف عن فيروس كورونا والمعدات الوقائية الشخصية قد أدى إلى تسجيلها أسوأ حصيلة للوفيات في أوروبا، خاصةً عندما بات واضحًا أن المملكة المتحدة كانت على بعد أسابيع فقط من خوض مسار مماثل لإيطاليا في معدلات الوفيات. والجدير بالذكر أن الأخيرة كانت الأكثر تضررًا من انتشار فيروس كورونا.
بالإضافة إلى ذلك، لم تتوقف الرحلات القادمة إلى المملكة المتحدة من أكثر المناطق تضررًا من فيروس كورونا في العالم خلال فترة الجائحة، وذلك دون إجراء الفحوصات اللازمة للركاب. وأكثر ما يثير القلق في المرحلة الحالية من الجائحة استمرار استراتيجية المملكة المتحدة بعدم توفير أي إجابة لكثيرٍ من الأسئلة وحتى أثناء إعادة فتح البلاد.
* هل جعلك هذا تفكر بشكل مختلف في القيادة المحلية والوطنية؟
- أميل إلى تجنب السياسات الحزبية ولكن يسود شعورٌ عام بأن الطبقة الحاكمة مدفوعة بالمصالح الأنانية. وقد تبلورت هذه الخلاصة عندما تلقى أعضاء البرلمان زيادة في الأجور تعدت التضخم وعرض عليهم مبلغ إضافي قيمته 10000 جنيه إسترليني للمساعدة في تكاليف العمل من المنزل. وفي المقابل، تتم مكافأة العاملين في هيئة الخدمات الصحية الوطنية والذين قدموا تضحيات عميقة بتجميد محتمل لرواتبهم لمدة سنتين والتصفيق الأسبوعي.
* ما هو شعورك حيال تصفيق الناس لهيئة الخدمات الصحية الوطنية كل يوم خميس في تمام الساعة الثامنة مساءً؟
- في حين أنها لفتة جميلة نقدرها أنا وزملائي، إلا أنه عندما ينظر إلى هذه المبادرة بعدسة سياسية، وذلك على خلفية بلد صوت قبل بضعة أشهر فقط في حكومة استنفذت بشكل كبير ومولت بأقل مما يجب نظام هيئة الخدمات الصحية الوطنية لأكثر من عقدٍ من الزمن في محاولة لتسريع خططها لخصخصة الخدمة الصحية، بات يبدو أن كل التصفيق مجرد نفاق عميق.
وعند التعليق من منظور الصحة العامة، فالمفارقة أن تجمّع الأشخاص في الشوارع والجسور وانتهاكهم لقواعد التباعد الاجتماعي يزيد من خطر الضغط أكثر على هيئة الخدمات الصحية الوطنية. فمن المهم أن يطبق الناس مبدأ التباعد الاجتماعي في جميع الأوقات. وأخيرًا، لا يوفر التصفيق المال لتغطية الضروريات الأساسية. وستندهشون عندما تسمعون عن مرتبات أول تعيين المنخفضة للغاية التي تعطى للأطباء والممرضات المبتدئين والتي بالكاد تكفي لدفع فواتيرهم وإيجارات سكنهم على الرغم من أنهم يعملون لأكثر من 65 ساعة في الأسبوع في بعض الأحيان. ويحتاج هذا الأمر إلى المعالجة كمسألة عاجلة.
* هل تعتقد أننا سنواجه موجة ثانية أكثر فتكاً؟
- أظهر التاريخ أنه يمكن للموجات الثانية اللاحقة لتفشي المرض أن تكون أكثر فتكًا من الموجة الأولى. وبينما تخفف الحكومات في جميع أنحاء العالم من القيود المفروضة، أبلغت بعض الدول مثل الصين بالفعل عن عودة ظهور لحالات تفشٍ جديدة للمرض- مما أثار مخاوف من موجة جديدة من العدوى على وشك الحدوث.
وتتبع معظم الفيروسات نمطًا موسميًا، وعلى الرغم من عدم معرفتنا بما يكفي عن فيروس المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة كورونا-2 (سارس كوف-2(للتنبؤ بما إذا كان سيكون له نفس الموسمية، أعتقد أنه من المحتمل أن نرى موجة ثانية في أشهر الخريف والشتاء القادمين.
*هل ستتغلب هيئة الخدمات الصحية الوطنية على ما هو قادم؟
- من الصعب جدًا في هذه المرحلة تقييم مدى نجاح هيئة الخدمات الصحية الوطنية في تجاوز الموجة الأولى من الجائحة. فمعدلات الإصابة بالفيروس والوفيات وأعداد المرضى الذين تم إدخالهم إلى وحدات العناية المركزة واحتاجوا إلى أجهزة التنفس الاصطناعي هائلة. وتم رفض استقبال المرضى المصابين بفيروس كورونا وغيره من الأمراض بناءً على العمر والاعتلالات المصاحبة والذين كانوا سيحتاجون في الظروف العادية إلى الدخول إلى وحدة العناية المركزة واستخدام أجهزة التنفس الاصطناعي.
إنه لأمرٌ مرعب حين تفكر بأن شخصًا ما في بداية الستينات من عمره وما يزال قادرًا على العمل غير مؤهل في هذه الظروف للحصول على جهاز تنفس اصطناعي. ولذلك، لست متأكدًا مما إذا كان يمكن القول إن هيئة الخدمات الصحية الوطنية قد تغلبت على الفيروس. وإذا كانت الموجة الثانية أكبر، فقد تكون كارثية.
* هل يمكنك إعطاء بعض الأمثلة على الأمور الملموسة التي يمكن للناس القيام بها لمساعدة العاملين في الخطوط الأمامية؟
- لا يعني تخفيف إجراءات الإغلاق العودة إلى الحالة الطبيعية قبل الجائحة. ومع حصول الناس على مزيدٍ من الحرية للانخراط في الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية، فإنهم بحاجة إلى مواصلة تطبيق تدابير الصحة العامة التي كنا نمارسها بالفعل لإبقاء معدل العدوى منخفضًا ولتفادي إجهاد النظام الصحي. وبدأنا نرى بالفعل صور القطارات المكتظة مع بداية تخفيف إجراءات الإغلاق في إنجلترا. وكلما تفاعلنا مع الناس من خارج أسرتنا، فمن المحتمل أن يرتفع عدد الحالات مجددًا. ويعتمد التخفيف الفعال على قرارات الأشخاص الفردية للامتثال للتوجيهات.
* كيف ستبدو الحياة برأيك في ربيع 2021؟
- يعلق الناس آمالهم في جميع أنحاء العالم على لقاح للعودة إلى الحياة الطبيعية. ولكن بعض الفيروسات، مثل الإنفلونزا، تتحول بسرعة كبيرة بحيث يضطر مطورو اللقاح إلى إصدار تركيبات جديدة كل عام. ويبدو فيروس المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة كورونا-2 (سارس كوف-2) مستقرًا إلى حد ما حتى الآن، ولكنه يكتسب طفرات أثناء انتقاله من شخص إلى آخر، ومن المحتمل أن يتحول بطريقة تجعل من الصعب تركيب لقاح عالمي دائم له. وإلى حين حصولنا على هذا اللقاح المصيري، سيتعين علينا التعود على طبيعة حياتنا الجديدة المبنية على التباعد الاجتماعي والتي ستستمر في تغيير طريقة عملنا، وكيفية تنقلنا وتواصلنا مع بعضنا البعض.
* ما الأمر الجيد الذي لاحظته خلال فترة تفشي فيروس كورونا؟
- لقد أثارت هذه الجائحة روح الوحدة والتضامن بين الناس. وإحدى الإيجابيات المهمة لتفشي الفيروس الاستجابة التكنولوجية لأزمة الرعاية الصحية لكوفيد-19، حيث شق التطبيب عن بعد طريقه بسرعة إلى طليعة تقديم الرعاية الصحية.كما ساهم دمج الحلول الرقمية في تسهيل إجراء مشاورات عن بعد عبر الهاتف والفيديو بين الطبيب والمريض والتي لها فوائد واضحة خلال الجائحة. آمل أن تكون هذه الحلول جزءًا من مستقبل الطب لزيادة الكفاءة والإنتاجية.