* يعتقد باسيل أنه يستطيع إقناع حزب الله بعدم المس «بصندوقه»من خلال التلويح بسحب الغطاء المسيحي عنه، فيما الحقيقة أن حزب الله ليس بحاجة في معركته وإيران مع الولايات المتحدة الأميركية اليوم إلى تلك المسرحيات السخيفة في هذا التوقيت بالذات
عندما انتهت الحرب اللبنانية بفعل ساحر، عاد رفيق الحريري ليضخ الحياة بالبلد الذي أنهكه عقد ونيف من الاقتتال الأهلي. بدأت مسيرة الإعمار وعادت عجلة المؤسسات الدستورية إلى الدوران. طبعا الدوران كان طائفيا، بمعنى ان المحاصصة الطائفية والمذهبية عادت لتتحكم بالمسيرة السياسية للبنان الكبير، مع فارق أن المسيحيين شعروا بأنهم ملحقون وغير مؤثرين بهذه التركيبة السياسية المنبثقة عن اتفاق الطائف. لم يشعروا بأن الرئيس الهراوي يمثلهم أو حتى الأرثوذكسي القوي حينها ميشال المر. الكلام كان عن إحباط مسيحي مترافق مع إبعاد وسجن أبرز قادتهم إبان الحرب الأهلية؛عون وجعجع.
لم يكترث أحد من أركان الدولة أو من أركان الوصاية السورية إلى اعتراضات المسيحيين الذين تكلم باسمهم بطريرك الموارنة الراحل نصر الله صفير، ومطران بيروت للروم الأرثوذكس إلياس عودة. انصرفوا للإعمار. ووفقاً للمحاصصة الطائفية فقد أنشأوا مجالس طائفية للزعماء الطائفيين لكي يستفيدوا على الصعيد الشخصي، ولكي يفيدوا رعاياهم. هكذا أنشأ مجلس الجنوب مثلا للشيعة ووزارة المهجرين للدروز ومجلس الإنماء والإعمار للسنة.
مئات ملايين الدولارات صرفت على هذه المجالس، منها ما لم يكن مبرراً وكان سياسياً بامتياز. استمر الحال على وضعه حتى اغتيال الرئيس الحريري عام 2005. مع الاغتيال أو بسببه انسحب الجيش السوري من لبنان، خرج سمير جعجع من السجن وعاد الجنرال عون من منفاه الباريسي.
عودة الجنرال كانت من دون أي شك بالتنسيق مع السوريين وحزب الله وبرضاهم. وقع ميشال عون اتفاقية تفاهم مع حزب الله عام 2006 كإعلان رسمي عن التحاقه بحلف الممانعة وإطلاق تحالف الأقليات. قبض الجنرال ثمناً لهذا الانقلاب على مبادئه التي كان يطلقها من منفاه الباريسي والمتعلقة بالدولة القوية والمدنية، وحصرية السلاح بيد الجيش، وإلى ما هنالك من تنظيرات. الثمن كان إدخاله شريكا في المحاصصة الطائفية التي أبعد عنها«زعماء»المسيحيين بعيد انتهاء الحرب الأهلية وبدء عهد جمهورية الطائف وعهد الوصاية السورية.
لم يكن من الممكن إنشاء مجلس رابع مسيحي يضاف إلى المجالس الأخرى أي الإعمار والجنوب وصندوق المهجرين، لذا أعطي لعون قطاع الطاقة. إن كان للمجالس الثلاثة بعض من الإنجازات فإن قطاع الطاقة كلف خزينة الدولة مليارات الدولارات عجزاً من دون أن يسجل أي إنجاز. فاللبناني ما زال يعاني من انقطاع التيار الكهربائي. على كل الأحوال هذا العجز مول زعامة التيار الوطني الحر على المسيحيين.
هذه المقدمة أساسية لنفهم السجال الدائر اليوم على مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام بين التيار الوطني الحر وحزب الله، على خلفية ملف الكهرباء. يبدو أن موقف وزراء حزب الله السلبي من إنشاء معمل بسلعاتا هو القشة التي قضمت ظهر البعير. أضف إلى موقف حزب الله من معمل سلعاتا موقف نبيه بري السلبي من خطط باسيل المكلفة لخزينة الدولة ومن بواخره.
موقف حزب الله والرئيس بري من ملف الكهرباء يعود أساساً إلى شروط الاستدانة المفروضة من صندوق النقد الدولي على الدولة اللبنانية والتي في جزء منها تتعلق بإصلاح قطاع الكهرباء الذي يكلف خزينة الدولة ملياري دولار سنويا.
ما سمعه بري ووزراء حزب الله من المبعوثين الدوليين وسفراء الحكومات الغربية المعنية بملف لبنان الاقتصادي يذهب أيضاً في نفس الاتجاه: أوقفوا مجزرة الكهرباء. وكان لبنان الرسمي قد أُبلغ من الجهات والدول المانحة خفض عدد المشاريع المتعلقة بالكهرباء من 18 مشروعا بقيمة حوالي خمسة مليارات ونصف المليار دولار، إلى 6 مشاريع بقيمة أقل من ملياري دولار أميركي.
لبنان أصبح بين خيارين؛ إما القبول بشروط الصندوق المتعلقة خاصة بملف الكهرباء، وإما ضياع الأموال مع كل النتائج المترتبة على هكذا خيار.
موقف باسيل هذا وزمرته المنتقدة ضمنيا لحزب الله، ليس أبداً كما يتصور البعض عودة إلى اساس الحركة وأفكارها حول «السيادة والحرية والاستقلال»، وإنما حصرا بقرار إقفال صندوق الهدر المسيحي الذي سيطر عليه باسيل منذ عشر سنوات.
ويعتقد باسيل أنه يستطيع إقناع حزب الله بعدم المس «بصندوقه»من خلال التلويح بسحب الغطاء المسيحي عنه، فيما الحقيقة أن حزب الله ليس بحاجة في معركته وإيران مع الولايات المتحدة الأميركية اليوم إلى تلك المسرحيات السخيفة في هذا التوقيت بالذات.
قد يقرر حزب الله التعويض عليه في مكان آخر، ولكن المؤسف أن هناك أكثر من جهة مسيحية ترغب في إعطاء حزب الله أي غطاء يريده من أجل كرسي بعبدا.