* المصالح الإيرانية شرط لعملية الاستقرار السياسي بالعراق في ظل التداخل الإقليمي
* ولاءات بعض الميليشيات العراقية للخارج تزيد وتعقد من أزمات الدولة
* نزع سلاح الميليشيات أهم التحديات التي تواجه الكاظمي في ظل الانقسام
* القوى الشيعية تعارض الانتخابات المبكرة للحفاظ على مكتسباتها
* السلوك الشعبي يؤكد رفض الطائفية والتبعية للخارج وتبجيل الرموز الدينية الشيعية
* تكليف الكاظمي برئاسة الوزراء رفع حالة التحدي في الدولة العراقية
* سلبيات الحكومات المتعاقبة يزيد من الشكوك في إمكانية إجراء تحولات سريعة تحقق بعض طموحات العراقيين
القاهرة: رفع تكليف مصطفى الكاظمي برئاسة وزراء العراق من حالة التحدي الكبيرة التي تواجهها الدولة العراقية، وأظهر كم الملفات الساخنة الموجودة على الساحة ومن بينها ملف الانتخابات المبكرة التي وعد بها الكاظمي، والمعتقلين، والمظاهرات الشعبية التي توقفت بسبب أزمة فيروس كورونا ومرشحة للعودة في حالة استمرت أسبابها، بالإضافة إلى صراع الكتل السياسية التي تقف عقبة أمام أي سلطة جديدة لا سيما في وجود تحديات كبيرة على الساحة، أهمها الانقسام الطائفي، وسلاح الميليشيات، والتدخل الخارجي من دول الجوار، بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية التي تصاحبها نسب بطالة مرتفعة والرغبة في الحصول على رضا كل ألوان الطيف، تجنباً لعرقلة أي خطوات إصلاحية قد تتخذها الحكومة الجديدة، وهي كلها عوامل يمكن أن تعرقل أي محاولة للسير إلى الأمام في ظل الرغبة في صدورعقد اجتماعي جديد وعملية سياسية نزيهة تحظى بتوافق كبير في ظل حالة عدم الثقة التي صاحبت مسيرة الحكومات الماضية والتي كان نتاجها المزيد من الانقسام والتدهور في كافة مناحي الحياة.
سلاح الميليشيات أبرز الأزمات
وتعد مشكلة السلاح الموجود لدى الطوائف والميليشيات أحد أهم التحديات التي تواجه الكاظمي، حيث يرتبط نزعه بسيادة الدولة، وكذلك الحصول على مواءمات سياسية ودعم من القوى المختلفة في ظل نظام الطائفية والكتل المسلحة، وضرورة عدم وجود السلاح إلا في يد السلطات الشرعية من جيش وشرطة لمنع تصفية الحسابات خارج نطاق القانون الذي لا بد وأن يكون مسيطراً على الجميع، وبالتالي المضي قدماً في سير عملية الإصلاح السياسي وما يرافقها من انتخابات نزيهة، ويتخوف الجميع من خروج الأمورعن السيطرة في حالة محاولات نزع السلاح بالقوة من يد الميليشيات التي ترفض هذا الأمر، والدخول في حالة تقاتل طائفي لا تحمد عقباه، وهي من الأمور الحساسة والمقلقة للحكومة الجديدة، وفي حين تساند بعض القوى السياسية الكاظمي في طروحاته تجاه انتخابات مبكرة، مثل تحالف سائرون الذي يتزعمه مقتدى الصدر تتخوف أخرى من ذلك بسبب عدم التوافق على قانون جديد للانتخابات، وتعد تفاصيل توزيع المقاعد والدوائر الانتخابية، وغيرها من الأمور المتعلقة بالتخوف من فيروس كورونا أحد المبررات المعلنة للقوى الرافضة للانتخابات المبكرة ومن بينها القوى الشيعية (المتهمة بالعنف ضد المتظاهرين) في حين أن السبب الخفي يكمن في الحفاظ على استقرار القوى التي تتمتع بمقاعد عديدة، وعدم رغبتها في التنازل عن امتيازاتها السياسية وكم مقاعدها وهو ما تفتقده القوى الأخرى الراغبة في تحسين نسب مشاركتها في الانتخابات القادمة، وتبقى كلمة الشارع العراقي فصلا في هذا النزاع وذلك بعد العديد من المآزق التي تعرض لها طوال عقدين من الزمان وكان له أثرها على العديد من مناحي الحياة.
اتفاقات استراتيجية
محاولات الكاظمي قطع الطريق على استخدام الوساطات في المعاملات المختلفة لاقت استحسان الكثيرين خاصة بعد تحذير شقيقه من فعل ذلك عند تواجده في دائرة التقاعد العامة، وذلك درءاً لأي شبهات فساد أو وساطة من المسؤولين، وقيامه بإطلاق الرواتب التقاعدية لحوالي 3 ملايين عراقي رغم الأزمة المالية، وكذلك إطلاقه لسراح المتظاهرين المعتقلين، وإعلانه لجنة تقصي حقائق بخصوص المظاهرات وعملية استهداف المتظاهرين بسبب عدم قدرة من سبقوه على تحديد من سفك الدماء، وتشكيله لجنة خلية أزمة لمراجعة الاتفاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأميركية بما يحقق وحدة وسيادة العراق، وبدء إجراءات الانتخابات المبكرة وهو أسلوب يراه البعض جديدا في التعامل مع الشعب العراقي بكل أطيافه، في ظل وضع بعض الكتل السياسية للعراقيل أمامه، ويتخوف البعض من معارضة الأحزاب الشيعية لقرارات الحكومة الجديدة في ظل عدم وجود دعم برلماني للكاظمي مما يصعب من عملية إجراء الانتخابات المبكرة، ورغم تصويت البرلمان على قانون الانتخاب الجديد إلا أن الحديث لا يزال جاريا عن استكمال الجداول الانتخابية في الدوائر المختلفة وإدراج السكان ممن يحق لهم التصويت فيها.
تحديات كبيرة
التحديات التي تواجه حكومة الكاظمي كانت ولا تزال عاملامؤرقا للعراقيين الذين عانوا من سلبيات حكومات متعاقبة لم تستطع تحقيق الاستقرار السياسي والأمن الاجتماعي والاقتصادي، ورغم التفاؤل الحذر من البعض إلا أن الشكوك لا زالت كبيرة في إمكانية إجراء تحولات سريعة تحقق بعض طموحات الناخب العراقي خاصة مع نظام المحاصصة والتدخل الإيراني وأذرعها في الداخل، والصراع بين طهران والولايات المتحدة الأميركية والذي ينعكس بالسلب على الداخل العراقي بعد محاولات تحقيق المصالح الذاتية بصرف النظر عن صالح العراقيين، وكذلك الصراع السني الشيعي الذي يعقد من العملية السياسية، وتعد إعادة هيبة الدولة العراقية مرة أخرى هي إحدى التحديات التي تواجه الحكومة العراقية.
الميليشيات تثير الغضب
ويزيد ولاءات وتوجهات بعض الميليشيات العراقية من الأزمات التي تلاحق بلاد الرافدين، وتثير غضب الكثيرين بسبب سلوكياتها، وكان من بين هذه السلوكيات مؤخراً ما قامت به ميليشيا «النجباء»العراقية باحتفالها بذكرى انتصار القوات الإيرانية على الجيش العراقي واستعادة مدينة المحمرة في إقليم الأهواز- التي أطلق عليها الإيرانيون «خرمشهر»- في شهر مايو (أيار) عام 82 بعد سيطرة العراقيين عليها، وهو ما ظهر في الصفحة الرسمية باللغة الفارسية للميليشيا التي تذكر من خلال احتفالها قتال بعض الميليشيات والأحزاب العراقية مع إيران ضد الجيش العراقي في المعركة الشهيرة التي أطلقت عليها إيران «بيت المقدس»وتم أسر قرابة 20 ألف جندي عراقي فيها.
السلوك العراقي الرافض للتدخل الإيراني المستمر وإضفاء الصبغة الإيرانية على العديد من مظاهر الحياة هناك ظهر واضحا في إسقاط عراقيين غاضبين لصورة كبيرة لآية الله الخميني في محافظة ديالى، وضعتها إحدى الجماعات الموالية لإيران، بمناسبة الاحتفال بذكرى يوم القدس في إيران، وكذلك صور للمرشد الإيراني علي خامنئي، وقائد فيلق القدس الراحل قاسم سليماني، وحسن نصر الله زعيم حزب الله اللبناني، كان قد تم تعليقها في شارع فلسطين في بغداد من قبل فصائل موالية لإيران.
وصاحب عملية الغضب العراقية هتافات رافضة للأحزاب، وكذلك عمليات استنكار واسعة من نواب عراقيين رفضوا محاولات البعض ربط تبعية بعض المحافظات بطهران، ورفع صور شخصيات ليس لها علاقة بالعراق بل ارتبطت في بعض فترات التاريخ بحرب وعداء مع بلدهم.
استقرار سياسي
الدكتور جمال زهران أستاذ العلاقات الدولية والعلوم السياسية بجامعة قناة السويس في مصر قال لـ«المجلة»: «نسب نجاح الحكومة العراقية الجديدة ليست كبيرة في ظل رواسب كثيرة من عدم الاستقرار السياسي والضغط الاجتماعي، فالأوضاع الداخلية ليست على ما يرام، ويوجد الكثير من الظلم وغياب العدالة الاجتماعية، وكذلك مشاكل البطالة والقطاعات الطبية والزراعية والاقتصادية، وهيمنة سياسيين يعملون وفقا لأجندات خارجية وهو ما يؤدي لتنوع الولاءات الذي يلقي بظلاله على العملية السياسية، ويعرقل من تقدمها ونجاحها وسيرها للأمام من خلال خطة مدروسة وواقعية تجمع بين كل ألوان الطيف السياسي، والأخطر في زراعة قنبلة الفتنة سواء الدينية أو العرقية أو الثقافية، وتحريك الأكراد في الشمال والشيعة في الجنوب، والسنة في الوسط، وبالتالي أصبحت العراق دولة غير مستقلة».
وأضاف: «العراق دولة غنية بمواردها، وتم خلال عقدين من الزمان نهب بترولها وأموالها وآثارها وأرصدتها الخارجية بعد الاحتلال الأميركي والدليل قيام ترامب باستصدار قرار بمصادرة كل أموال السياسيين العراقيين في أميركا وهي حوالي 700 مليار دولار كانت كافية لنهضة العراق، وهذا يدل على حجم ما تم نهبه، وأرى أن حكومة الكاظمي الجديدة ستكون أقرب لأميركا منها للشارع العراقي وبالتالي فاحتمالات نجاحها ليست كبيرة، فالعراق يريد حكومة على غرار حكومة المهدي، بحيث تقيم علاقات متوازنة مع إيران وسوريا والأردن ودول الخليج العربي، ولا بد في نفس الوقت من الحفاظ على علاقاتها مع روسيا والصين والاتجاه شرقا، حيث أصبح الرهان على الغرب خاسرا وكلف العراق الكثير، ومن بينه إرث كبير من المشاكل والتعقيدات المستمرة التي لا زالت تحول بين واحدة من أكبر الدول العربية والاستقرار السياسي والاقتصادي، وكذلك الاجتماعي، وهي حقيقة وخلاصة الاستعمار الغربي».
بيئة معقدة
وتابع الدكتور جمال زهران: «البيئة العراقية معقدة للغاية، ومن بين الدول التي تسببت في هذا التعقيد الولايات المتحدة الأميركية التي كانت سببا رئيسيا في إسقاط نظام صدام حسين في عام 2003 من خلال مبررات اتضح كذبها في وقت لاحق بشهادة أميركية وأوروبية موثقة، ويهم أميركا بالطبع أن تظل العراق هكذا مفككة ومنقسمة وغير مستقرة، وكذلك مغيبة عن كل استقرار سياسي حقيقي، حيث لم يظهر للسطح بديل قوي لحزب البعث منذ إسقاطه وأدى ذلك لانقسام الشارع العراقي في ظل النفوذ الأميركي وكذلك الوجود الإيراني، والمجتمع في نفس الوقت يعاني من حالة انقسام بين الشيعة والسنة وحالة الطائفية الكبيرة».
وأضاف: «كان من بين مميزات البرلمان الحالي استصدار قرار برحيل القوات الأميركية وهو ما سبب حرجا للأميركان، وعجل أيضا برحيل حكومة المهدي من خلال تشويه صورتها، والادعاء عليه شخصيا بأشياء لم تكن صحيحة في مجملها وذلك رغم إيجابياته في محاولات الحفاظ على استقرار العراق، وقيامه بعقد صفقات كبيرة مع روسيا والصين. وكان للحكومة العراقية السابقة العديد من المواقف الإيجابية مع عدد من الدول العربية ومن بينها مصر».
مصالح إيرانية
وحول سماح إيران بالاستقرار السياسي في العراق، أضاف الدكتور زهران: «طالما تمت المحافظة على المصالح الإيرانية فأعتقد أن طهران لن تكون معوقا لاستقرار العراق، خاصة إذا ارتبط الحد الأدنى بعدم الإضرار بهذه المصالح، وعدم استخدام العراق كشوكة في ظهر طهران، والحد الأقصى أن يكون لإيران نفوذ داخل العراق، والحقيقة واضحة في استمرار وجود الفكر الإيراني داخل العراق، وكذلك وجود سياسيين يرتبطون بطهران سياسيا وروحيا وهذا كله واقع موجود على الأرض، فإيران تحاول الحفاظ على نفوذها في دول الجوار سواء في العراق أو في سوريا ولبنان، وهي كلها أشياء تتفق مع المصالح الإيرانية، وطهران تتمنى انتهاء الوجود الأميركي في العراق، وبعد هذا من الممكن التعامل مع العراق بندية وكصاحبة قرار، ومن يجلس في مقعد السلطة العراقية يعلم يقينا أن العراق وبسبب ما عاناه منذ عام 2003 وقبلها 10 سنوات من الحصار وحتى الآن تعرضت لادعاءات اتضح أنها أكاذيب، فالغرب ومعه قوى إقليمية كان يريد تدمير الجبهة الشرقية للوطن العربي، وكان هذا هو السبب في الانتقال لسوريا لتدميرها، فالنهوض العراقي في حد ذاته لا يسبب ضرراً لإيران، ولكنه مزعج للغرب وآخرين في الإقليم، والهدف الإيراني هو إخراج القوات الأجنبية من العراق، فإيران لا تريد الخروج خاسرة، واستمرار الوجود الأميركي يعد خسارة كبيرة لإيران خاصة مع التوجه للعمل ضد طهران من الداخل العراقي، وكذلك محاولات تخلي العراق عن اتفاقياته السابقة مع كل من روسيا والصين».
وعن دور الطائفية في استمرار عدم الاستقرار قال زهران: «الطائفية تم زرعها في العراق بعد نظام البعث الذي حجم منها، سواء بالنسبة للأكراد أو الشيعة، فلم تكن المحاصصة موجودة آنذاك، حتي تم زرعها لبث عدم الاستقرار والفتنة وكآلية من آليات التدخل الأجنبي».