- منظمة الصحة العالمية رفعت من حدّة تحذيراتها خشية عودة الموجة الثانية بالتزامن مع أمراض أخرى معدية كالإنفلونزا الموسمية والحصبة
- قد يصبح فيروساً متوطناً في مجتمعاتنا، وقد لا يختفي قط
- طبيب في جامعة لندن لـ«المجلة»: الموجة الثانية للفيروس لا بدّ قادمة، وقد تكون أكثر خطورة من الموجة الأولى
- عودة تسجيل الحالات في الصين وكوريا الجنوبية يشكل لدغة مؤلمة للدول التي تتوقع وقف العدوى بعد رفع إجراءات الإغلاق بالأقنعة والنظافة الشخصية والتباعد الاجتماعي، والتي تبدو إجراءات غير كافية.
- لتجنب الموجة الثانية، على البلدان أن تكون قادرة على معرفة جميع حالات الإصابة مهما كانت قليلة
- هذه التحذيرات، تعيد إلى الأذهان ما تسببت به الإنفلونزا الإسبانيةحين ظهر الفيروس لأول مرة في شهر مارس، بمؤشرات تشي بأنه مرض موسمي عادي ثم عاد أكثر شراسة
لندن: لم تلبَث أرقام الإصابات أن أبدت تحسناً طفيفاً في عدد من دول العالم، حتى سارعت دول أُخرى لبدء إجراءات رفع الحظر والإغلاقات العامة، وبعد أشهرٍ من تطبيق قوانين صارمة أغلقت بلاداً وهوت باقتصادات عظمى، هرولت ذاتُ البلاد إلى التراجع بحجة تراجع الخطر وتخطي الذروة في شعور زائف بالرضا عن الإجراءات التي لم تدُم طويلاً. تحرّكٌ وصفته منظمة الصحة العالمية بالمتسرّع، وحذّرت وشجبت وندّدت... لكن لا مجيب.
ويبدو أن القضية أكبر من مُنحنى إصابات مسطّحٍ وأعداد مبشّرة، فقد حذّرت منظمة الصحة بشدة من «موجة ثانية قاتلة»،ووجهت تحذيراً صارخاً للبلاد التي أطلقت العنان لمواطنيها احتفالاً بتجاوز ذروة الوباء، واصفةً المرحلة الآن بمرحلة «التحضير» لا الاحتفال، ومشددة على أن بدء انخفاض أعداد حالات الإصابة، لا يعني أبداً اقتراب نهاية الوباء.
وعلى الرغم من أن الحديث ما زال مبكّراً عن بدء إنتاج لقاح للفيروس، إلا أن رؤساء دول، مثل ترامب، أطلقوا تصريحات متفائلة بالاستفادة من المصل خلال فترة أقصاها بضعة أشهر قادمة. بينما حذر المدير التنفيذي لبرنامج الطوارئ بالمنظمة، مايك رايان، من مغبة التكهن بوقت اختفاء الفيروس، وقال إنه حتى في حال التوصل إلى لقاح، فإن السيطرة على الفيروس ستتطلب «جهداً ضخماً».
منظمة الصحة رفعت على لسان المدير الإقليمي في أوروبا هانز كلوغ من حدّة تحذيراتها، خشية من عودة الموجة الثانية بالتزامن مع أمراض أخرى معدية كالإنفلونزا الموسمية والحصبة، الشتاء المقبل. وقال مدير عام المنظمة تيدروس أدهانوم غيبريسوس إن الطريق ما زال طويلاً، وإن هذا الفيروس «سيبقى معنا لفترة طويلة»، مشيراً إلى وتيرة الارتفاع «المقلقة» في أفريقيا وأميركا الوسطى والجنوبية وشرق أوروبا، وبرأيه فإن العناصر الأولية تبيّن أن غالبية سكان العالم لا يزالون معرّضين للإصابة بالفيروس، وإن الخطر الأكبر الذي يواجهه العالم اليوم هو التهاون، وتابع: «لا أحد في مأمن، حتى يكون الجميع في أمان»، في إشارة إلى تهاونِ دولٍ على حساب أُخرى.
رايان أضاف، في مؤتمر صحافي عُقد عبر الفيديو من جنيف، أن كورونا «قد يصبح فيروساً متوطناً في مجتمعاتنا، وقد لا يختفي قط». وأضاف أن «فيروس HIV(المسبب للإيدز) لم ينته وجوده، ولكننا تعايشنا معه»، وقال إن «الكثير من الدول تريد الخروج من الإجراءات، ولكن توصيتنا ما زالت تتمثل بضرورة إبقاء جميع الدول على درجة التأهب القصوى»، فهنالك اعتقاد بوجود حل سحري، وبأن الإغلاق سينجح تماماً وأن فتح الاقتصاد سينجح تماماً، لكن «الأمران تحفهما المخاطر» على حدّ تعبيره.
عودة في الذاكرة:
هذه التحذيرات، تعيد إلى الأذهان ما تسببت به الإنفلونزا الإسبانية قبل نحو مائة عام، حين نتج عنها وفاة ما بين 40إلى 50مليون إنسان خلال عامين، بين 1918و1920، ويعتقد مؤرخون أن ثلث سكان الأرض، والذين كان عددهم يناهز 1.8مليار نسمة آنذاك، أصيبوا بالفيروس.
ظهر الفيروس لأول مرة في شهر مارس (آذار)، بمؤشرات تشي بأنه مرض موسمي عادي، لكنها عادت بعد ذلك بشكل أكثر شراسة في الخريف، ما تسبب في وفاة ما يقدر بنحو 50مليون شخص، لتتجاوز بذلك الخسائر البشرية الناجمة عن «أم الجوائح» تلك الناجمة عن الحرب العالمية الأولى، بحسب منظمة الصحة العالمية ومركز السيطرة على الأوبئة الأميركي.
اللافت أن أحد أبرز الأسباب للكارثة وقتها، كان افتقار العالم إلى أنظمة صحية قوية ومجهّزة تشمل الجميع. ولكن مهلاً، أليس هذا أيضاً ما كشفت عنه جائحة كورونا المستجد اليوم؟
أزمة «كوفيد-19» عرّت القطاع الطّبي العالمي، وكشفت أن الأرقام الضخمة من موازنات الدول التي تُصرف على القطاعات العسكرية، وقفت عاجزة أمام الفيروس، ورفعت الستار عن نقصٍ فادحٍ في المعدات والفرق الطبية والأسرّة، بما فيها في الولايات المتحدة الأميركية، والصين التي تملك واحداً من أشمل أنظمة الكشف عن الفيروس والاختبارات عالمياً.
مدير عام منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس أشار إلى أن نحو ربع الدول التي أبلغت وكالة الأمم المتحدة في جنيف بشأن خططها الصحية، ليس لديها أنظمة مراقبة للكشف عن حالات الإصابة الجديدة بالمرض، متحدثاً عن أن «فجوات كثيرة لا تزال في دفاعات العالم».
في مصر، على سبيل المثال لا الحصر، تواجه المستشفيات الحكومية والجامعية، أزمة حادة في نقص أجهزة التنفس الاصطناعي، وقد وجّه الرئيس عبد الفتاح السيسي أعضاء حكومته لتصنيع أجهزة تنفس داخل البلاد لتخفيف الاستيراد من دول تواجه أصلاً أزمة إنتاج.
بريطانيا أيضاً، لم تكن بمنأى عن الأزمة، فقد شكا كثير من العاملين في مجال الرعاية الصحية في إنجلترا من قلة المعدات في مستشفياتهم، وتحدثت طبيبة بريطانية لم تذكر اسمها لـ«بي بي سي»، أن العناية المركزة مكتظة بالمرضى من ضحايا الفيروس القاتل، وباتت كل العمليات تعتبر غير عاجلة، حتى إن عيادات السرطان ألغيت، وهنالك نقص في العاملين، ونقص في أسرّة العناية المركزة، ونقص في المضادات الحيوية وأجهزة التنفس الأساسية، ولفتت إلى خطورة اضطرارهم للجوء إلى معدات مبتكرة للوقاية الشخصية مثل أكياس النفايات الخاصة بالعيادات، ونظارات التزحلق على الجليد، والمآزر البلاستيكية.
وفي إيطاليا، كان على الأطباء في وحدات العناية المركزة أن يختاروا المرضى الذين يتلقون دعمًا بأجهزة التنفس الاصطناعي، فيما ينزعون الأجهزة عن مرضى آخرين أقل حظوظًا.
حتى الصين، عانت من نظام رعاية صحي مكدس للغاية مع بدء تفشي الوباء لأول مرة، ووصل الأمر إلى الاضطرار لعلاج الحالات الأكثر خطورة فقط.
الأسوأ لم يأتِ بعد...
نشرت «نيويورك تايمز» على موقعها الإلكتروني وثيقة تشمل توقعات قالت إنها «وردت في تقرير داخلي لمركز السيطرة على الأمراض والوقاية»، أفادت بأن «الإصابات في الولايات المتحدة قد تصل إلى 200 ألف حالة يومياً في مطلع يونيو (حزيران) المقبل، وأن معدل الوفيات اليومي سيرتفع إلى 3000 حالة».
وأشارت إلى أن «التوقعات تكشف تضاعفاً في معدلات الأرقام الحالية، حيث يبلغ معدل الوفيات اليومية 1750»، وذكرت أن «التوقعات اعتمدت على نماذج رسمية من قبل إدارة وكالة الطوارئ الفيدرالية، والتي تتوقع تسجيل 2000 حالة يومياً مع نهاية مايو (أيار) الجاري».
وفي سياق متّصل، حذر هانز كلوج المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية في أوروبا الدول الأوروبية من موجة ثانية قاتلة من إصابات الفيروس المستجد.
ومن الواضح أن هنالك إشارات مبكرة على أن عودة شرسة للفيروس قد تواجه العالم، فبعد رفع بعض القيود، شهدت ألمانيا زيادة في معدل تكاثر الفيروس بنسبة تشير إلى أن شخصًا واحداً مصابًا يمكن أن ينقل الفيروس إلى أكثر من شخص، ما يساهم بشكل فعال في الارتفاع الأسي في عدد الحالات.
رفع للإجراءات وعدّاد الإصابات لم يتوقف
في وقت ما زالت فيه قوائم الإصابات تسجل أرقاماً لا يُستهان بها، شرعت المملكة المتحدة في سلسلة من التعديلات على إجراءات الإغلاق، شملت التشجيع على العودة إلى العمل، ومثلها ألمانيا ولكن بثقة أكبر، حيث أعادت فتح محلات تصفيف الشعر والملاعب والكنائس والمتاحف، إضافة إلى بعض المدارس، وأعادت فتح جميع المطاعم ضمن شروط، كما سمحت إسبانيا بفتح عدد من المطاعم والمتاجر والفنادق والصالات الرياضية، رغم أن بعض أكبر مدن إسبانيا بما فيها مدريد وبرشلونة ما زالت عالقة في القيود نفسها. إيطاليا أيضاً افتتحت الكافيات والمطاعم ومواقع البناء والمصانع، والمتاجر والمتاحف والمكتبات، كما سمحت للكنيسة الكاثوليكية بعقد قداسات وللفرق الرياضية بإجراء تدريبات جماعية.
وفي معرض الحديث عن خطر الموجة الثانية، لا بدّ من الإشارة إلى أن الحكومات في جميع أنحاء أوروبا تسعى لتغيير أنماط الحياة بما يتناسب مع الخطر المحدق، وتصب اهتماماً على زيادة عدد اختبارات الفيروس، ورفع القدرة في وحدات العناية المركزة للتعامل مع حالات «كوفيد-19» الشديدة، بريطانيا مثالاً. حيث وعدت على لسان رئيس وزرائها بوريس جونسون ببرنامج لتتبع وتعقب من يشتبه في مخالطتهم لمصابين بفيروس كورونا، وأعلن تعيين 25 ألف متعقب للعمل بالبرنامج.
ولكن يبقى السؤال عما إذا كانت هذه الاستراتيجيات للخروج من العزل كافية لمنع الفيروس من التحرك مرة ثانية بطريقة أكثر شراسة.
فالصين، التي أعادت فتح معظم المقاطعات في البلاد ضمن شروط وقائية بعد توقف عدّاد الإصابات، عادت مجدداً للإعلان عن أعداد إصابات جديدة، لتواجه من جديد شبح موجة ثانية رغم إجراءات الإغلاق الصارمة التي فرضتها منذ مطلع العام الجاري. وبالرغم من إعلانها أن معظم الإصابات الجديدة هي لقادمين من الخارج، إلا أن السلطات الصحية الصينية أعلنت مؤخراً عن مجموعات محلية جديدة من الإصابات، وتم رصد حوالي 46 حالة في الأسبوعين الماضيين، ضمن ثلاث مدن، وهي شولان وجيلين وشينغيانغ. وأدت هذه العودة لظهور العدوى إلى فرض إجراءات إغلاق في منطقة يبلغ تعداد سكانها 100 مليون نسمة.ففي شولان الصينية، تم فرض حظر جزئي غداة الإبلاغ عن 13حالة جديدة بعد شهرين من إصابات بعدد صفر، وفقاً لرئيس البلدية. هذا الحظر الجديد يشبه في تنفيذه تلك الإجراءات التي تم تنفيذها خلال الأيام الأولى لانتشار الوباء في الصين مطلع العام الجاري.
وفي كوريا الجنوبية، التي أشاد بها العالم كرمز للأمل في المعركة أمام الفيروس، بعد تسطيح منحنى أعداد الإصابات، تصارع اليوم إحدى أكبر مجموعات العدوى بعد أن تحركت لتخفيف بعض قيود التباعد الاجتماعي، ما دفعها من جديد لتأجيل خطة إعادة فتح المدارس. وقد حذّر الرئيس مون جاي من الموجة الثانية في خطاب بمناسبة الذكرى السنوية لتنصيبه قائلا: «لم ينته الأمر بعد (...) نحن في حرب طويلة. أطلب من الجميع الامتثال لاحتياطات وقواعد السلامة حتى ينتهي الوضع حتى بعد استئناف الحياة اليومية».
من جانبه، صرح كيم جانج ليب، كبير منسقي السياسات في المقر الرئيسي لإدارة الكوارث في كوريا الجنوبية، لصحيفة «نيويورك تايمز»: «لا عودة إلى الحياة التي كانت قبل (كوفيد-19)... بل سنخلق مجموعة جديدة من المعايير والثقافة الاجتماعية بدلا من ذلك». وتعتقد الحكومة الكورية الجنوبية أن النظام الطبي يمكن أن يتحكم بشكل مريح في انتشار فيروس كورونا المستجد في حال لم تتجاوز أعداد الإصابات 50 حالة جديدة يومياً، ويمكن لأطباء الأوبئة تتبع مصدر العدوى بنسبة لا تقلّ عن 95 في المائة من الوقت.
عودة تسجيل الحالات في كلا البلدين، يهدد استراتيجيات الدول في مكافحة الفيروس، ويشير إلى أن تراجع الأعداد لا يعني بالضرورة نجاح الخطط، طالما أن الخطوة المقبلة من الخطة ذاتها، تنسفُ كل نجاح سابق. كما يؤكد الصعوبات التي من المحتمل أن تواجهها الحكومات لدى خروجها من عمليات الإغلاق، ويشكل لدغة مؤلمة للدول التي تتوقع وقف العدوى بعد رفع إجراءات الإغلاق بالأقنعة والنظافة الشخصية والتباعد الاجتماعي، والتي تبدو إجراءات غير كافية.
هل استجدّ الفيروس من جديد؟
علاوة على ذلك، يرى أطباء صينيون أن فيروس كورونا يظهر بشكل مختلف بين المرضى في مجموعة جديدة من الحالات في المنطقة الشمالية الشرقية، مقارنة بالتفشي الأصلي في مدينة ووهان، مما يشير إلى أن المرض ربما يتغير بطرق غير معروفة ويعقد جهود القضاء عليه، حسب وكالة «بلومبرغ» للأنباء.ويبدو أن المرضى، الذين تم العثور عليهم في إقليمي «جيلين»، و«هيلونجيانج» يحملون الفيروس لفترة أطول ويستغرقون وقتاً أطول في إظهار أنهم غير مصابين بالفيروس، طبقاً لما قاله تشيو هايبو، أحد كبار أطباء الرعاية الحرجة في البلاد، للتلفزيون الرسمي.
من جانبه، أوضح المدير والبروفسور في جامعة الصحة العامة في هونغ كونغ كيجي فوكودا، أنه «من الناحية النظرية، يمكن أن تؤدي بعض التغييرات في التركيب الجيني إلى تغييرات في تركيب الفيروس أو طريقة سلوكه، غير أن الكثير من التحورات لا تؤدي إلى أي تغييرات ملحوظة على الإطلاق».
وأوضح أن «الملاحظات الجديدة في الصين لا ترتبط على الأرجح بالتحور، وهناك حاجة لدليل واضح قبل الاستنتاج بأن الفيروس يتحور»، وقال تشيو إن الأطباء لاحظوا أيضاً أن المرضى في المجموعة المصابة بالمنطقة الشمالية الشرقية، يبدو أنهم عانوا من أضرار شديدة في الرئة، بينما المرضى في مدينة ووهان عانوا من أضرار في عدة أعضاء، مثل القلب والكلى والأمعاء.
كيف يمكن مواجهة موجة ثانية؟
أوضح الدكتور عصام عبد الصمد، أستاذ التخدير والرعاية المركزة في جامعة لندن، أن السباق العالمي لإعادة فتح الاقتصاد لا بدّ أنه سيعود بالضرر على القطاع الصحي، مؤكداً أن الموجة الثانية للفيروس لا بدّ قادمة، وقد تكون أكثر خطورة من الموجة الأولى، مستشهداً على ذلك بما حدث قبل 100 عام مع جائحة الإنفلونزا الإسبانية.
ويرى الدكتور أن أمام العالم 3سيناريوهات، الأول يتمثل في الاسترخاء التام كما فعلت السويد، مما أدى إلى وفاة أعداد ضخمة من كبار السن، ومع ذلك، أعادت الحكومة فتح البلاد، مما يعني برأي الدكتور عبد الصمد أن الموجة الثانية لتفشي الفيروس ستظهر لا محالة هناك.
ويتمثل السيناريو الثاني في الحجر الكلي والعزل التام حتى مطلع العام القادم، وهو ما سيستبعد احتمالات عودة الموجة الثانية لتفشي الفيروس، لكن ذلك ستكون ضريبته ضخمة على الاقتصاد العالمي.
أما السيناريو الثالث، فسيكون على شكل رفع تدريجي لإجراءات العزل، وهو ما سيخفف من شراسة الموجة الثانية وسيحقق «مناعة القطيع» في الغالب، الأمر الذي سيقلص أعداد الوفيات والإصابات المحتملة. إذا حدث ذلك ضمن إجراءات وقائية دائمة، قد تكون الموجة الثانية أقل ضرراً.
من جانبها، أوصت منظمة الصحة العالمية برفع قيود الحركة على مراحل لاختبار تأثير كل منها. ويقول الخبراء إن مفتاح إبقاء العدوى منخفضة دون تقييد حركة الجميع يعتمد على توسيع نطاق الاختبار، وتتبع حالة الإصابات ومع من تواصل المرضى، وسيترتب على السلطات الصحية العثور على المصابين، وعزلهم، وتحديد الأشخاص المخالطين لهم، بحيث يمكن اختبارهم وعزلهم إذا لزم الأمر.
وفي هذا السياق، يشير عالم الأوبئة في مقاطعة كينج، واشنطن، أنه من أجل القضاء على الفيروس، على البلدان أن تكون قادرة على التعرف على جميع الحالات، «حتى إن حالات قليلة، إذا لم يتم التعرف عليها، ستثير تفشي المرض»، وسيتسبب ذلك في خروج الوضع عن نطاق السيطرة. لكن هذه كانت مهمة صعبة حتى مع نظام الاختبار والتتبع الأكثر جدية. ففي كوريا الجنوبية، استخدمت الحكومة بيانات الهاتف المحمول لتحديد ما يصل إلى 10000 شخص ربما كانوا على اتصال بالمجموعة الجديدة ويطلبون منهم إجراء الاختبار، كما قدمت الصين أيضاً تطبيقًا للهواتف الذكية في الوضع الصحي، وفي ووهان، المدينة التي بدأ فيها كل شيء، يجب على السكان إثبات وضعهم الصحي للسماح لهم باستخدام وسائل النقل العام.
اليوم، وبعد خمسة أشهر من الشدّ والجذب، ستراقب دول العالم عن كثب ما يجري في الدول التي ترفع الإجراءات تدريجياً، وستبقى الآمال والعيون معلّقة على عدّادات أرقام الضحايا والإصابات، لكن ما لا شك فيه أن أي إجراء من هذا النوع سيتطلب استجابات سريعة وتأهبا مستمرا، ووفرة في الموارد الطبية، والتكنولوجية، وبما أن دولاً عدة فشلت في ذلك ضمن الجولة الأولى من حربها مع جائحة كورونا المستجد، فمن غير الواضح متى سيعود العالم لتنفّس الصعداء من جديد.