
هذا المشروع التنموي التعليمي الضخم انعكست آثاره على مستويات كثيرة داخل المجتمع السعودي، تمثلت في دفع مسيرة التعليم، وارتفاع معيار الكفاءات العلمية، وتطور سوق العمل، وتعدد فرص الاستثمار التي يقودها جيل جديد بعقليات جمعت في جعبتها تجارب وخبرات الشعوب والحضارات الأخرى.
الابتعاث وشجونه وهمومه أصبح حديث المجالس والتجمعات السعودية البسيطة والصغيرة والكبيرة، فقلما تجد أسرة إلا ولها ابن أو بنت أو أخ أو قريب يدرس في إحدى دول العالم، ويكمل مسيرته التعليمة الجامعية، وهو الأمر الذي يكشف عن تشكل جيل جديد، وثقافة مختلفة قادمة بوعي مختلف، ورصيد معرفي متنوع تسعى لتحقيق طموحها، وبناء ذاتها، وخدمة وطنها.
وفي هذا التحقيق نتلمس البداية التاريخية لفكرة الابتعاث الخارجي في المملكة العربية السعودية، وآثاره على المجتمع السعودي، والرؤية، والتحديات التي تواجه هذا المشروع.
الابتعاث منذ ولادة الدولة
تشير الدلائل التعليمية إلى أن أول خطوات الابتعاث الخارجي كانت كمرحلة أولى في عهد الملك عبدالعزيز، ولقد نظم التعليم في ذلك الوقت إعداد هؤلاء الطلاب في مدرسة خاصة وهي مدرسة تحضير البعثات عام 1355هـ وهي أول مدرسة ثانوية تعد خريجيها للالتحاق بالبعثة الخارجية، حيث كانت أول دولة عربية يبعث إليها طلبة سعوديون هي جمهورية مصر العربية وذلك عام 1360هـ، ونظراً للحاجة إلى وجود متخصصين في بعض القطاعات، تم زيادة أعداد المبتعثين في تلك الفترة حتى وصلوا إلى 117 طالباً، وبعدها تم فتح المجال إلى بلدان أخرى مثل لبنان.
وفي دراسة أعدها الدكتور مزيد بن إبراهيم المزيد من الملحقية السعودية في أميركا حول تاريخ تجربة ابتعاث الطالب السعودي إلى أميركا ذكر أن المرحلة التاريخية الثانية قد بدأت عام 1373هـ، عندما تم تطوير الخطط التنموية للتعليم النظامي في المملكة وتحويل المعارف من المديرية لتصبح وزارة المعارف، وتم تعيين الأمير فهد بن عبدالعزيز وزيراً لها آنذاك، ولقد شرع ضمن هيكلها الإداري في تطوير نظم التعليم العام وتخصيص إدارة خاصة بالمبتعثين سميت بإدارة "البعثات الخارجية".
قبلها كانت علاقات المملكة بالولايات المتحدة تقتصر على التعاون التجاري البحت، وبعد التوصل إلى اتفاقيات تعاون مشتركة بين البلدين وتبادل العلاقات الطلابية، حيث تشير الإحصائيات المتوفرة في الملحقية 1372هـ، إلى أن عدد المتخرجين السعوديين من الجامعات الأميركية في ذلك الوقت، لا يتجاوز التسعة طلاب، ثلاثة بدرجة البكالوريوس وستة بدرجة الماجستير، واستمرت المرحلة الثانية للابتعاث منذ ذلك الوقت إلى الآن في التطوير لعملية التعليم العالي خارج المملكة.
[blockquote]

د. أحمد السيف نائب وزير التعليم العالي: برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث، هو أكبر برنامج (من نوعه) على وجه الأرض بالنسبة لعدد سكان المملكة، والثالث عالميا بعد الصين والهند، والطلاب يدرسون تخصصات عدة، تم التنسيق فيها مع وزارة الخدمة المدنية ووزارة العمل والغرف التجارية، وهي تخصصات نادرة يحتاجها سوق العمل
[/blockquote]
وتشير الأدبيات المتوفرة في ملحقيات البعثات السعودية في الخارج، إلى تصاعد أعداد المبتعثين في مختلف التخصصات في عهد المغفور له الملك فهد، فاستمر الدعم واستمر الابتعاث خلال الـ25 عاماً الماضية.
ومع تطور التعليم النوعي في المملكة بدأت تقل نسبة الابتعاث إلى الخارج، نظراً إلى توافر فرص التعليم الجامعي والعالي في المملكة، واقتصر الابتعاث على التعليم العالي في التخصصات العلمية والطبية والتطبيقية النادرة التي تحتاجها متطلبات خطط التنمية، أهمية التركيز على ارسال المبتعثين في المجالات التي تشتد الحاجة إليها في المملكة من القوى العاملة المتخصصة، التي تثري حاجة المملكة من هذه التخصصات، كما تعمل على إحلال القوى البشرية السعودية محل القوى الأجنبية، فلم تقتصر جهة الابتعاث على وزارة التعليم العالي، إنما تعددت جهات الابتعاث للدراسة في الخارج للتوزيع على خمس مجموعات رئيسية هي وزارة التعليم العالي، الجامعات والمؤسسات التعليمية والوزارات والمؤسسات والمصالح الحكومية.
برنامج الملك عبدالله للابتعاث
برنامج خادم الحرمين الملك عبدالله للابتعاث، جاء إيماناً من القيادة الرشيدة بأن الإنسان هو ثروة الوطن الحقيقية. ولتنويع سياسات التعليم وفلسفاته ومناهجه ولتوفير الفرصة للمبتعثين للدراسة في الجامعات المرموقة ذات السمعة العالية، كان في الرابع عشر من شهر ربيع الآخر عام 1426هـ برنامج خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للابتعاث الخارجي.
ويأتي البرنامج في سياق رؤية استراتيجية سعودية لتطوير التعليم، وتنمية كافة قطاعاته داخلياً وخارجياً. ونتيجة لهذا الدعم والاهتمام وصل إجمالي ما تم صرفه على برامج الابتعاث خلال العام المالي 1431/1432هـ إلى 12 مليون ريال للابتعاث للجامعات المرموقة في عدد من الدول المتقدمة، في التخصصات التي تحتاجها خطط التنمية للحصول على درجة البكالوريوس والماجستير والدكتوراه.
وتجسيداً لاهتمام خادم الحرمين الشريفين بمسيرة التعليم في هذا الوطن وازدهارها وتسخير جميع الإمكانات لتطويرها وبما يمكن من الإعداد الأمثل لأجيال مؤهلة بالعطاء في سبيل خدمة وبناء الوطن والمواطن، والسير به لآفاق الرقي والتطور، صدرت في الخامس من شهر صفر 1431هـ الموافقة على تمديد فترة برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي لمدة خمس سنوات قادمة، اعتباراً من العام المالي 1431/ 1432هـ.
وأتاح هذا البرنامج لأكثر من 133 ألف مبتعث ومبتعثة، فرصة الدراسة واكتساب المعارف والمهارات وتحقيق الامتداد الثقافي بين المملكة العربية السعودية والحضارات الأخرى من خلال أكثر من 34 دولة في العالم. وصاحب هذا التوسع الكمي في أعداد المبتعثين والمبتعثات وتعدد التخصصات المبتعث لها ودول الابتعاث تنظيماً في خدمة المبتعثين، حيث تم زيادة أعداد الملحقيات الثقافية السعودية في الخارج من 24 ملحقية عام 1426هـ إلى 34 ملحقية حالياً، وتم دعمها بالكفاءات المؤهلة لدعم ومساندة الطلاب والطالبات المبتعثين.
وفي هذا السياق يؤكد الأمير محمد بن نواف سفير السعودية لدى المملكة المتحدة، أن برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، قد تم تأسيسه وبناؤه على رؤى واضحة، وخطط مدروسة وعملية، وضعها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وهدفها النهائي هو الانسان السعودي، وضرورة امتلاكه لسلاح العلم والمعرفة، فهذا هو أحد العناصر الأساسية في تفوق الشعوب والأوطان.
ويقول وزير وزارة التعليم العالي الدكتور خالد العنقري إن برنامج الابتعاث الخارجي، يعكس حرص المملكة وتوجهها إلى الانفتاح على الآخرين، بما يتماشى مع مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز للحوار بين الثقافات والحضارات.
ويشير إلى أن هذا خير دليل على صدق توجه المملكة للانفتاح بسلام على الآخرين، وأفضل دليل على رغبة المملكة حكومة وشعباً في أن يعيش العالم وشعوبه في إخاء ومحبة وسلام، ووفقاً لهذا المنطلق تواصل المملكة سعيها إلى مد جسور التواصل العلمي والتبادل الثقافي، من خلال دروب متعددة ومن أهمها الابتعاث الخارجي.
[blockquote]

د. سعد بن ناصر الحسين الأستاذ بجامعة الملك سعود: فوائد الابتعاث لا تنحصر على النهل من منابع العلم في الجامعات العالمية المرموقة فحسب، بل تتعداها إلى إتاحة الفرصة للمبتعثين للعيش في بيئة حضارية علمية في دول متقدمة، التي من المأمول أن تنعكس إيجابياً على حياتهم حين عودتهم
[/blockquote]
وأكد أن الاهتمام بالتعليم العالي، يعد أهم مظاهر الاهتمام بالمستقبل لدى شعوب العالم المتحضرة، ومن هنا تولي المملكة التعليم اهتماماً بالغاً وتصرف عليه بسخاء، مشيراً إلى أنه، وإدراكاً من أولي الأمر في المملكة، فقد بلغت ميزانية التعليم العالي ما نسبته 12 في المائة من إجمالي الميزانية السنوية للدولة، والتي تبلغ 600 مليار ريال سعودي.
وفي ذات الإطار أشار الدكتور أحمد السيف نائب وزير التعليم العالي، إلى أن برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث، هو أكبر برنامج (من نوعه) على وجه الأرض بالنسبة لعدد سكان المملكة، والثالث عالميا بعد الصين والهند، والطلاب يدرسون تخصصات عدة، تم التنسيق فيها مع وزارة الخدمة المدنية ووزارة العمل والغرف التجارية، وهي تخصصات نادرة يحتاجها سوق العمل، منوها بأن كثيرا من الطلاب والطالبات قدموا إبداعات علمية، وأن الوزارة لم تغفل هاجس توظيفهم، وهناك لجان دائمة الآن وفرق عمل مع وزارة الخدمة المدنية، ووزارة العمل والغرف التجارية، وهناك يوم مهنة في كل ملحقية ثقافية لاستقطاب الشركات والقطاع الخاص والجامعات أيضا من خريجي هذا البرنامج، وأصبحت بشائر وطلائع هذا البرنامج تأتي إلى المملكة.
الابتعاث.. جيل جديد يتشكل
الملك عبد الله يريد للشباب السعودي "أن يعرف العالم وأن يعرفه العالم".
هكذا تقول الدكتورة موضي الخلف معاون الملحق الثقافي في سفارة السعودية في واشنطن في الشؤون الثقافية والاجتماعية، مؤكدة أن طلاب الابتعاث لا يدرسون فحسب، وإنما يتعرفون على مجتمعات الدول المضيفة و"يكسرون الأنماط ويمدون جسوراً".
تقول الخلف إن التخصصات العلمية التي رصدها البرنامج اعتمدت على احتياجات التنمية وسوق العمل، مؤكدة أن البرامج التي أُعدت لتعليم المرأة السعودية أتاحت لها تطورًا سريعًا، فقد وصلت نسبة المتعلمات نحو 49 في المائة من مجموع الدارسين، أما بالنسبة لبرامج الابتعاث الخارجي فتشير الإحصاءات إلى أن 21 في المائة من المبتعثين للخارج هم من النساء، وأن نسبة 25 من المائة منهن يدرسن في الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي دراسة علمية حول دور برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث في تحقيق الانفتاح الثقافي لدى الشباب السعودي، اعتبر الدكتور منصور بن عبدالرحمن بن عسكر استاذ علم الاجتماع المشارك في جامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية بالرياض، البرنامج إحدى الوسائل المهمة لتلبية حاجات الشباب في التعليم، ذلك أن الابتعاث له أهمية كبرى في تطور المجتمعات، كما أنه يساعد على الانفتاح الثقافي، ويساهم في التنمية والتغيير الاجتماعي والاقتصادي، وهو يعتبر أحد العوامل الذي يساهم في التربية والتوعية والتثقيف وفي خلق التحولات داخل المجتمع السعودي، كما يعد أحد القنوات التي تعطي الصورة الحقيقية للإسلام وللسياسات السعودية في الخارج، بالإضافة إلى أنه يعتبر أحد الأمور المؤثرة في حوار الحضارات.
ويقول الدكتور عسكر في دراسته إننا اليوم ونحن نعيش في ظل الانتشار الثقافي والاحتكاك الحضاري مع وسائل الاتصال المتطورة، أصبحنا أشبه ما نكون في حي واحد، بدلا من المصطلح القديم الذي جاء به عالم الاجتماع الكندي مارشال ماكلوهان صاحب فكرة القرية الكونية، حيث تلعب هذه الأمور وغيرها في عصرنا الحاضر القوة الأكثر تأثيراً في حياتنا، بسبب التطور والتقدم التكنولوجي. وأشارت الدراسة إلى أن الابتعاث يفيد في زيادة المعارف العلمية حول كيفية الحصول وانتقاء المعلومات، حيث بلغت نسبة من يوافق على ذلك 84,79 في المائة، بينما من لا يوافق على ذلك بلغت نسبتهم 15,21 في المائة، ويتفق هذا مع فكر اتجاه الانتشار الثقافي والذي يرى أن الشعوب المتقدمة ما كانت لتبلغ درجة تقدمها بمجرد وجود رأس المال، وإنما بمجهود أفرادها الذين جاهدوا بالعلم والتكنولوجيا، وهذا ما أوضحه الطلاب المبتعثون، حيث أكدوا أن الابتعاث يفيد في زيادة المعارف العلمية، وفي كيفية الحصول وانتقاء المعلومات، حيث يتيح الوجود في بيئة علمية وتكنولوجية للطلاب المبتعثين الاطلاع على هذه التقنيات وكيفية استخدامها ودورها في الحياة، وكيفية الاعتماد على المعلومات والبيانات العلمية في التطوير ومناقشة المشاكل وحلها.
كما أظهرت الدراسة فائدة برنامج خادم الحرمين للابتعاث، في على أن يكون للشباب القدرة على الحوار الجيد والتفاعل المثمر مع الآخرين، حيث أيد ذلك 91,16 في المائة من عينة الدراسة، في حين عارض ذلك 18,84 في المائة.
ويتضح من نتائج الدراسة أن الابتعاث يعود بالفائدة على المبتعثين الشبان في إيجاد ثقافة الحوار الجيد، والتفاعل المثمر والمفيد والسليم مع الآخر، وهو ما يتفق مع نظرية الثقافات الفرعية، التي تؤكد أن هناك ثقافات مختلفة ومتنوعة بين الدول المتعددة سواء ثقافة فرعية علمية أو ثقافات معرفية عامة وثقافة مختلفة، فالشباب من خلال الابتعاث يطلع على الثقافات العامة، ويأخذ منها ما يناسب مجتمعه وقيمه وأخلاقياته، كما يستفيد من الثقافة العلمية التي تؤكد الحوار والمناقشة والتفاعل للحصول على الفريد من المعلومات والقيم العلمية والثقافية.
[blockquote]

د. موضي الخلف معاون الملحق الثقافي في سفارة السعودية بواشنطن: الملك عبد الله يريد للشباب السعودي أن يعرف العالم وأن يعرفه العالم.. طلاب الابتعاث لا يدرسون فحسب، وإنما يتعرفون على مجتمعات الدول المضيفة ويكسرون الأنماط ويمدون جسوراً والتخصصات العلمية التي رصدها البرنامج اعتمدت على احتياجات التنمية وسوق العمل
[/blockquote]
كما أظهرت الدراسة فائدة برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث في خدمة الوطن، حيث كشفت النتائج أن نسبة 80,43 في المائة تؤيد أن الابتعاث يفيد الوطن، في حين عارض ذلك نسبة 19,57 في المائة، ويتضح من هذه النتيجة أن الابتعاث يفيد ليس فقط المبتعث، ولكن يفيد أيضًا الوطن، حيث يؤدي إلى إيجاد جيل جديد من العلماء الشبان الذين لديهم التخصصات المتعددة، والتي يؤدي رجوعهم إلى مجتمعهم بقيم وثقافات وفكر وعلم جديد إلى النهوض بالمجتمع، وإيجاد تخصصات علمية كان يفتقدها المجتمع وهو في احتياج إليها، وأصبح الآن يملك القدرات البشرية المؤهلة لقيادة العمل في هذا المجال، وهو ما يتفق مع نظرية الانتشار الثقافي، والذي يؤكد أن الثورة البشرية تساهم بشكل كبير في تقدم المجتمع والنهوض.
وتتمة لنتائج الدراسة، يؤكد الدكتور سعد بن ناصر الحسين الأستاذ بجامعة الملك سعود، أن فوائد الابتعاث لا تنحصر على النهل من منابع العلم في الجامعات العالمية المرموقة فحسب، بل تتعداها إلى إتاحة الفرصة للمبتعثين للعيش في بيئة حضارية علمية في دول متقدمة، التي من المأمول أن تنعكس إيجابياً على حياتهم حين عودتهم. والمتتبع لسياسة الابتعاث التي تقوم عليها وزارة التعليم العالي، يكتشف بسهولة أن الابتعاث موجه وبذكاء للتخصصات التي يحتاجها البلد، ففي كل مرحلة من مراحل برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث، تعلن الوزارة قصر الابتعاث على تخصصات معينة.
واليوم وباكتمال البرنامج السابع للابتعاث، وصل عدد المبتعثين إلى أكثر من 130 ألف طالب وطالبة، يدرسون في أكثر من عشرين دولة، يتركز معظمهم في الولايات المتحدة الأميركية، وبريطانيا، وكندا، وأستراليا، وقد رسمت وزارة التعليم العالي هدفاً استراتيجياً لعام 2020 يتمثل في تخريج 50 ألف مبتعث سعودي من أفضل الجامعات العالمية.
ولا شك أن تحقيق هذا الهدف يدعو إلى التفاؤل في بناء مجتمع معرفي قادر على بناء الوطن. إذ يعني الاقتصاد المعرفي في أساسه أن تكون المعرفة سلعة تحرك الاقتصاد والتنمية، حيث ترتفع المساهمة النسبية للصناعات المبنية على المعرفة ونشرها وتوظيفها بكفاية في جميع مناشط الحياة، مما يعني أن الاقتصاد المعرفي يوفر وظائف ويخلق فرص عمل جديدة.
أما الكاتب السعودي علي الخشيبان، فيرى أن الابتعاث برنامج تنموي بهدف تعليمي ثقافي فكري متطور لتقديم فرص أكبر للطلاب والطالبات السعوديين للتعلم في أرقى الجامعات العالمية والاطلاع على ثقافات مختلفة، لذلك فبرنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث فكرة مستقبلية للاستثمار في الإنسان السعودي، سواء كان ذكراً أو أنثى، وما ينتظره المجتمع من هذا البرنامج هو الخريجين في كل التخصصات ذات الارتباط بالتنمية في مجتمعنا.
ويضيف الخشيبان: فالبرنامج يجب ألا يحتمل تأويلات مختلفة تبعده عن هدفه التنموي والعلمي، ولذلك تأتي نتائجه على شكل خريجين يحملون المعرفة والمهارات من جامعات العالم ليعودوا من تلك الدول، ليساهموا في منظومة التنمية لهذا الوطن. فخادم الحرمين الشريفين أسس في سابقة فريدة، منهج التنمية المجتمعية والثقافية، ومنها على سبيل المثال فكرة الحوار الوطني وفكرة الابتعاث وفكرة جامعة الملك عبدالله، وفكرة المدن الاقتصادية وتطوير التعليم، وافتتاح المزيد من الجامعات السعودية.. الخ من الأمثلة التنموية ذات البعد الاجتماعي حيث التركيز على الإنسان، وهذا الاتجاه نحو بناء الإنسان هدفه نقل المجتمع وثقافته إلى مراحل متقدمة من التحضر الفكري والثقافي المتوافق مع قيم هذا المجتمع، ومرونة ديننا العظيم في استيعاب كل ما هو مفيد للبشرية.
هذه المنظومة من مسارات التنمية الثقافية والاجتماعية لابد وان تكون متكاملة في نسق عام يحيط بالمجتمع، فكما الثقافة بحاجة إلى تطوير فالإنسان بحاجة إلى فرصة تربوية لإحداث ذلك التغيير، وهذا اقل ما يمكن أن يقال عن برنامج خادم الحرمين للابتعاث، فوجود أكثر من مائة وخمسين ألفاً من أبنائنا الطلاب والطالبات في جامعات العالم، يجب أن لا يثير لدينا سوى مشاعر الفرحة والشكر والتقدير للوطن وقيادته، لأنه لا يوجد في العالم دولة تضاهي هذا الوطن بهذا البرنامج العظيم.
[blockquote]

علي الخشيبان الكاتب الصحفي السعودي: الابتعاث برنامج تنموي بهدف تعليمي ثقافي فكري متطور لتقديم فرص أكبر للطلاب والطالبات السعوديين للتعلم في أرقى الجامعات العالمية والاطلاع على ثقافات مختلفة، لذلك فبرنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث فكرة مستقبلية للاستثمار في الإنسان السعودي
[/blockquote]
بندر الشوير وهو مدير تنفيذي بشركة كبرى للاتصالات، كان ضمن أول دفعة من الطلاب تبتعث للخارج في إطار برنامج خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله للابتعاث الخارجي عام 2005، وحصل على درجة الماجستير في تكنولوجيا المعلومات من نورث كارولاينا. يقول: "حين أقارن نفسي بمن لم يدرسوا في الخارج تستطيع أن ترى الفرق".
وأضاف أن المسألة لا تتعلق بالحصول على درجات علمية، وإنما باكتساب ثقافة وأفكار جديدة وأساليب حياة جديدة.
التحديات وفرص العمل
ومع كل حسنات هذا المشروع التنموي الكبير، إلا أن هناك تحديات، وعقبات تواجه خريجيه، لعل أبرزها أفكار القلق والخوف التي تحاصر معظم الطلاب المبتعثين المتوجسين من مصيرهم الوظيفي حين العودة من الابتعاث، ومصدر هذا الخوف هو في الحصول على وظيفة مناسبة لتخصصهم، وطموحاتهم، وتضمن لهم مزايا ومردودا ماليا مميزا يعوض لهم فترة السنوات الطويلة التي قضوها في الخارج.. ولكن الصدمة أن ينتظرهم واقع آخر محبط، لأن القطاع الحكومي لا يمكن أن يستوعب هذا العدد الكبير من المبتعثين خلال السنوات الخمس المقبلة، وبالتالي القطاع الخاص قد لا تتوفر لديه الإمكانات الكافية لمنح مرتبات وحوافز مالية مغرية، وهنا يكون الطالب العائد أمام مصير مقلق مجهول.
عدد من الأكاديميين والمختصين وجدوا أن الفرص الكبيرة للطلاب المبتعثين قادمة، وإن نقصها التخطيط قبل الابتعاث، حيث يجدون أن الرؤية الجديدة في إيجاد فرص وظيفية للمبتعثين ستبدأ مع وجود المتغيرات الكبيرة التي طرأت على المجتمع، ليس في مستوى مناقشته وطرحه وتعاطيه مع قضاياه العامة، بل كذلك في التخطيط لإيجاد مستويات متعددة من العمل في القطاع الحكومي والخاص قد تستوعب تنوعات التخصصات التي سيأتي بها المبتعثون بعد عودتهم، فهل يكون الوقت كفيلا بنزع تلك المخاوف في مصير المبتعثين بعد العودة؟ أم أن ما يثار من ضرورة أن يكون هناك تخطيط مسبق من قبل وزارة التعليم العالي، وكذلك وزارة العمل وبعض الجهات في تحديد التخصصات المطلوبة والفرص المتاحة بما يتناسب مع أعداد الطلاب الكبيرة أمر ملح وبالغ الأهمية؟.
في سياق هذا الموضوع أكد وزير التعليم العالي أن مصير طلاب وطالبات الابتعاث ليس مجهولا بعد التخرج، فجميع طلابنا لديهم تخصصات مهمة، وسيعودون إلى الوطن وسيجدون الوظائف التي تناسب تخصصاتهم، وسيخدمون بلدهم، مشيرا إلى أن مشاريع التنمية فيها خطط وزارة التعليم العالي، مع العديد من الجهات، ووزارة التخطيط عملت قبل الابتعاث على بحث ما هي التخصصات والدرجات العلمية المطلوبة، وبناء على هذا تم الابتعاث، كما أن الجهات المعنية لديها البرامج التي أعدتها لتوظيف هذه الاعداد، التي سوف تعود وستجد الوظائف المناسبة، مؤكدا أن الابتعاث لن يتوقف، ولكن ربما لا يستمر بهذا الحجم، وربما يستمر بحجم أكبر.
وعن وجود خطة وطنية متكاملة لابتعاث وتوظيف السعوديين، ومدى وملاءمتها لاحتياجات سوق العمل، يقول الدكتور عبدالله الموسى وكيل وزارة التعليم العالي لشؤون الابتعاث: "أدرجت كافة تخصصات الابتعاث بناء على حاجة سوق العمل". مضيفا أن برنامج التخصصات يحتوي على 19 تخصصاً في 27 دولة، وأن التنسيق يتم بشكل مستمر مع القطاع الخاص ممثلاً بالغرف التجارية، ومع وزارتي الخدمة المدنية والعمل، للبحث في الوظائف الشاغرة، ومنها تنطلق تخصصات برنامج الابتعاث من الدرجة الجامعية حتى الدراسات العليا. ويضرب الموسى مثالاً حياً في هذا المجال بأن إحدى الجامعات السعودية، استقطبت 825 مبتعثا عائدا من الخارج دفعة واحدة. مشيراً إلى أن وزارة التعليم العالي تتلقى كل يوم طلبات من جامعات سعودية في مختلف المناطق، تبدي فيها رغبتها في الحصول على قوائم المبتعثين للتنسيق معهم واستقطابهم فور انتهاء دراستهم وعودتهم من البعثة. وعما يقال إن هناك مشكلة "بطالة" تواجه عددا من المبتعثين والمبتعثات العائدين لأرض الوطن، خاصة من حاملي الماجستير والدكتوراه، قال الموسى: "وزارة التعليم العالي عقدت ورش عمل مع جهات حكومية عدة بينها وزارة العمل، والغرفة التجارية الصناعية، ووزارة التخطيط، وصندوق تنمية الموارد البشرية لمناقشة الفرص الوظيفية في سوق العمل للأعوام الخمسة المقبلة". لافتاً إلى أن وزارة التعليم العالي حريصة على أن تتلمس حاجات سوق العمل فنحو 58 إلى 60 في المائة من التخصصات علمية بحتة، والبقية في علوم مطلوبة في السوق. وقال: "لن يمثلوا أي مشكلة في سوق العمل المحلي". مفيداً أن برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، أعاد تهيئة المبتعثين المنتسبين لتخصصات أدبية ليس لها مجال في سوق العمل بالمملكة، من خلال تأهيلهم من جديد للدراسة في تخصصات أخرى يحتاجها السوق، مثل الموارد البشرية، والمحاسبة، والتسويق، وغير ذلك، موضحاً أن ذلك يتم بالتنسيق مع عدد من الجهات الحكومية لمعرفة ما تتطلبه خطط التنمية في البلاد، وسد النقص في الموارد البشرية بأي مجال تتم الحاجة إليه.
[blockquote]

د. منصور بن عبدالرحمن بن عسكر استاذ علم الاجتماع في جامعة الامام محمد بن سعود: إننا اليوم ونحن نعيش في ظل الانتشار الثقافي والاحتكاك الحضاري مع وسائل الاتصال المتطورة، أصبحنا أشبه ما نكون في "حي واحد"، بدلا من المصطلح القديم الذي جاء به عالم الاجتماع الكندي مارشال ماكلوهان صاحب فكرة القرية الكونية
[/blockquote]
ويرى مدير جامعة الباحة الدكتور سعد محمد الحريقي، أن برنامج الابتعاث جاء هادفاً لرؤية جديدة في تنمية الموارد البشرية في المملكة، خاصة أن المملكة خطت خطوات واسعة في الآونة الأخيرة، إلاّ أن المطالبات بتقديم حلول توفير الوظائف للمبتعثين لا بد ألا تتركز فقط على القطاع الحكومي، بل ان الفرص كبيرة في القطاع الخاص، وكذلك في المشروعات المستقلة لسوق العمل، فالمملكة إذا ماقورنت بفترات سابقة، نجد أنها قفزت قفزات كبيرة من حيث التطور.
وقال: "إن هذا التطور لم يكن ليصبح موجودا، لولا وجود الكفاءات العلمية بدعم الدولة في كافة مجالات التخصصات، سواء الطبية أو الهندسة وغيرها من التخصصات"، مشيراً إلى أن فرص العمل موجودة، لكنها تحتاج إلى توعية الشباب في الوقت الراهن للدخول في مجالات أخرى، مضيفاً أن الشاهد على احتياج سوق العمل لتخصصات جديدة العمالة الوافدة، التي تأتي بها الشركات وتدفع لهم مبالغ كبيرة حتى يقدموا خبرتهم، وربما وجد البعض برواتب قليلة قد لا تفي بمستلزمات استقدامهم، إلاّ أنهم يعملون في مشروعات خاصة، ويطورون مستواهم حتى يعودوا بثروات طائلة، مؤكداً أن الفرص الوظيفية موجودة، ولكن ذلك يعتمد على النظرة للفرص الوظيفية، فعلى العائد من الابتعاث ألا ينتظر الوظيفة الحكومية، بل لابد من اغتنام فرص القطاعات الخاصة، وهو توجه موجود.
ولا تجد عضو سيدات الأعمال العرب وعضو مجلس الغرف التجارية بجدة مضاوي الحسون، صعوبة كبيرة ستقابل المبتعثين والمبتعثات في مسألة توظيفهم بعد عودتهم، حيث تتوقع أن تتوفر كثير من عروض الوظائف على من يتعلم في الخارج وبرواتب عالية، وذلك لامتلاك الطالب المبتعث السلاح الذي يحتاجه السوق، والمتمثل في اللغة الإنجليزية والتقنية والمعلومات، فمن لديه تلك المهارات فهو مرغوب ومطلوب على مستوى الوظائف، خاصة في ظل السعودة التي ترغب في توظيف السعودي، ولاسيما المبتعث منهم، مشيرة إلى حقيقة وجود البطالة المقننة، حيث توجد الكثير من الوظائف المتوفرة في السوق، ولكن لا يقابلها الإمكانيات المرغوب فيها في شغل تلك الوظائف، لأن جميع خريجي وخريجات التعليم كانوا ضحية لمنهجية التعليم غير المناسبة للسوق، في حين تمكن المبتعث من تملك المهارات والأدوات التي ستساعده على الحصول على وظيفة مناسبة، بما يتناسب مع إمكانياته، مضيفة أن التخصصات التي تعلمها المبتعثون دون تخطيط مسبق لها، فإنها تعتبر تكرارا للخطأ القديم، واستمرارا لمنهجية التعليم في المملكة، فلا بد أن يتم الابتعاث في مجالات يحتاجها السوق وفي بنية تحتية جذرية للغة والتقنين والمعلوماتية، وهما مهارتان لا يمكن أن يتعلمهما الطالب في ثلاثة شهور أو ستة، بل لابد من الأربع سنوات وهي مدة الدراسة الجامعية، لذلك فإن الذي يعود لم يتقن الإنجليزية وتقنية المعلومات في الحاسب، فإنه لن يجد الفرصة المناسبة، ففي الواقع جميع الشركات والقطاع الخاص تتبنى الذي يتقن هذه المهارات، حتى انه أصبح يُبحث عنه، ومن هنا جاءت أهمية البحث عما يحتاجه السوق قبل الابتعاث، حيث يعيش الطلاب المبتعثون غربة حقيقية لا بد أن يُحضر لها بالإعداد من الداخل لدى الطلاب قبل ابتعاثهم، فلابد من إيجاد الدراسة التي تنطلق من مسمى "الدراسة التحضيرية" داخل المملكة قبل ابتعاثهم يتم فيها دراسة كل ما يتعلق بالطلاب، حيث تكون المنهجية ذات تركيز كبير، ولا تتعلق فقط بنوع التخصصات ونوع التعليم المقدم، بل كذلك في أساليب التكيف على المنطقة ذاتها في الخارج والتعرف على سلوكيات البلد وقوانينها انطلاقاً من حماية أنفسهم ووعيهم بأهمية دور السفارات واحترام عادات وتقاليد تلك البلد، فجميع تلك الأمور مهمة في إعداد الطلاب المبتعثين قبل ابتعاثهم، مؤكدة دور المناطقية في تحديد الاحتياج من الوظائف، ففي جدة تتوفر الوظائف والفرص المتنوعة ليست فقط للشاب، بل كذلك للفتاة، في حين يوجد بعض المناطق من تحرم مثل تلك الفرص للشباب، فالمجتمعات هي من تفرض الضوابط على الأعمال، فالفتاة المبتعثة قد تجد صعوبة في بعض الأعمال التي تخصصت بها في الخارج، فتعود في منطقتها لتقابلها الضوابط والشروط الصعبة لخروجها للعمل.
ويرى الأستاذ المساعد بقسم الإعلام بكلية الآداب جامعة الملك سعود الدكتور بكر محمد إبراهيم، أن الأعداد الكبيرة التي ابتعثت للدراسة في الخارج قد تسبب مشكلة كبيرة بعد عودتها، في حالة عدم توفير وظائف لها تستوعب ذلك العدد الكبير، إلاّ أنه يعتقد أن التخطيط موجود من قبل الجهات الرسمية في استيعاب هذه الأعداد في وظائف بعد عودتها، خاصة أن الدراسة قد تطول وتحتاج للكثير من الوقت الذي قد تستحدث فيه الكثير من الأمور، وذلك ينطبق على من يتوجه من الطلاب لإكمال دراسته العليا بعد الجامعة، فإن المدة قد تطول لثماني سنوات.
وسيتعين على الدفعة الأخيرة في مرحلتها الثامنة أن تستفيد من مرحلة الابتعاث بعد شوطٍ كبير شهد فيه الابتعاث ولادات متعسرة فيما يختص بحاجة سوق العمل، وضرورة أن تتواءم مراحل الابتعاث المختلفة مع احتياجات المجتمع المعرفي الملحة.
وتقول الدكتورة رقية المعايطة، المستشارة وخبيرة التعليم، إنه على الرغم من الجهود المبذولة من قبل الدولة السعودية في مجال التعليم، خاصة في المرحلة الجامعية، فإنها لا تزال تعاني من غياب الرؤية في تحديد معالم تلك المرحلة، كذلك لا توجد مواءمة بين مخرجاتها واحتياجات سوق العمل، وتدني كفاءتها الداخلية والخارجية، حيث إن الشباب يكتشفون في معظم الأحوال خلال التعليم الثانوي عالما من المعرفة مقسما إلى مواد دراسية عديدة (اللغات، الرياضيات، التاريخ، الجغرافيا، العلوم الطبيعية، العلوم الاجتماعية.. إلخ)، ولهذا، وجدت فجوة حقيقية بين ما هو موجود وما هو مرغوب مستقبلا.

وأضافت الدكتورة رقية: "تسعى كل فلسفة تربوية إلى تحديد غايات التربية والتعليم الأساسية للإنتاجية والتنافسية الاقتصادية القادرة على توفير رأس المال المعرفي، والإبداعية القادرة على إدماج التقنية الحديثة في العمل، فضلا عن تحقيق التعلم مدى الحياة، والبنية التحتية المبنية على تقنية المعلومات والاتصالات التي تسهل نشر وتجهيز المعلومات والمعارف وتكييفه مع الاحتياجات المحلية، كذلك الحوافز التي تقوم على أسس اقتصادية قوية تستطيع توفير كل الأطر القانونية والسياسية التي تهدف إلى زيادة الإنتاجية والنمو".
وأبانت المعايطة أن المهارات الأساسية التي يحتاجها طلبة المرحلة الثانوية ليواصلوا تعليمهم الجامعي بكفاءة في ضوء اقتصاد المعرفة ومتطلبات اقتصاد المعرفة، ترتكز على المعلومات والتقنية والعلاقة الطردية بين التنمية وتوليد المعلومات واستخدامها، والتي إذا تم تحقيقها ستعمل على توفير وظائف ليس للمؤهلين معرفيا فقط، بل للمبدعين والمبتكرين أيضا، ولأصحاب المهارات الداعمة لأعمالهم، وهذا لا شك دور مؤسسات التعليم العام والعالي كمؤسسات معرفية.
وأوضحت المستشارة الأكاديمية الحاجة إلى الوصول لما يتواءم مع تطلعات مؤسسات عالمية كمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة، التي تؤكد أهمية الخروج من التعليم الذي يحافظ على الأفكار والقوالب النمطية، إلى توافر تعليم ثانوي جيد يتوافق مع الاحتياجات التعليمية للشباب وللمجتمع، والعمل على دمج سياسات تعليم المرحلة الثانوية في سياسة قائمة على الربط بين القطاعات بتعزيز إقامة الشراكات مع المجتمع المدني، ومع وسائط الإعلام، والتجارب العالمية، كتجربة اليابان في التعليم التي تفتخر بأن نسبة الأمية فيها (0.0 في المائة)، والتي أعلنت أنه بعد عام 2000، يعتبر الشخص الذي لا يجيد لغة أجنبية، ولا يستطيع التعامل مع الكومبيوتر في عداد الأميين.