-
قضت المحكمة الدستورية العليا في ألمانيا، يوم 19 مايو (أيار) 2020 وفقا للمادة 10 بأن المراقبة الواسعة التي تقوم بها الاستخبارات الألمانية في الخارج تمثل في شكلها الحالي انتهاكاً للحقوق الأساسية
-
فرانك إبيرال رئيس اتحاد الصحافيين الألماني:قرار المحكمة الدستورية العليا «انتصار شامل لحرية الصحافة»
-
يتاح لبورصة الإنترنت التجارية الألمانية في فرنكفورت الوصول إلى ما يصل إلى 1.2 تريليون اتصال يوميًا
-
«كبح» جهاز الاستخبارات الألمانية، من شأنه أن يعرض الجنود الألمان خارج ألمانيا للخطر، أي يعرضهم لهجمات من قبل الجماعات المتطرفة
بون: تشهد ألمانيا نشاطاً محموماً لعدد واسع من أجهزة الاستخبارات الدولية، لعل أبرزها في هذه المرحلة، روسيا والصين، وربما يعود ذلك إلى دورها المحوري والاستراتيجي في الاتحاد الأوروبي، وعضوية «الناتو» وكونها مركزاً لعدد من الشركات التكنولوجية في العالم.
تقع واحدة من أكبر نقاط تبادل الإنترنت في العالم، بورصة الإنترنت التجارية الألمانية(DE-CIX)، في فرنكفورت، والتي تمر من خلال تبادل الإنترنت من وإلى فرنسا وروسيا والشرق الأوسط وغيرها. وفقًا لـDer Spiegel، فإنBND قادرة على الاستفادة من البورصة حسب الرغبة، مما يتيح لها الوصول إلى ما يصل إلى 1.2 تريليون اتصال يوميًا. هناك العديد من نقاط تبادلDE-CIX الأخرى في ألمانيا، بما في ذلك هامبورغ، وميونيخ.[1]
وقضت المحكمة الدستورية العليا في ألمانيا، يوم 19 مايو (أيار) 2020 وفقا للمادة 10 بأن المراقبة الواسعة التي تقوم بها الاستخبارات الألمانية في الخارج تمثل في شكلها الحالي انتهاكاً للحقوق الأساسية. وتم تحديد صلاحيات المراقبة الحالية للجهاز الذي يعمل فيه نحو 6500 شخص، في قانون صدر عام 2017.
وتعود القضية إلى عام 2017 عندما قدم عدد من رجال الصحافة من خلال منظمة «مراسلون بلا حدود» طلبا للمحكمة الألمانية ضد جهاز الاستخبارات الخارجية (BND) . [2]
واجه كثير من الصحافيين الأجانب، وكذلك نقابات الصحافيين الألمان والمنظمات غير الحكومية مثل «مراسلون بلا حدود»، تحديا قانونيا للتعديل الأخير لقانون BND، الذي يحدد ما يمكن أن تفعله المخابرات الأجنبية، وما لا تستطيع. ووصف فرانك إبيرال، رئيس اتحاد الصحافيين الألماني (DJV)، الحكم بأنه «انتصار شامل لحرية الصحافة». وقال إبرال في بيان: «إن الخدمة السرية التي تريد حماية الديمقراطية لا يمكن أن تدوس على الحريات الديمقراطية الهامة».
لكن هيلج براون، رئيس أركان المستشارة أنجيلا ميركل، يخالف ذلك ويقول، إن مراقبة الاتصالات كانت حيوية لمنع الهجمات على الجيش الألماني في الخارج. وأضاف أن قانونBND يتضمن «تدابير حماية ورقابة شاملة» كانت فريدة من نوعها. [3]
قانون توسيع صلاحية الاستخبارات الألمانية الخارجية (BND)
صادق البرلمان الألماني عام 2016 على قانون توسيع صلاحية الاستخبارات الألمانية الخارجية، بزيادة قائمة الأهداف التي تبرر اللجوء إلى التجسس، لتضم محاربة الإرهاب ومكافحة الجريمة الإلكترونية ومجابهة تجارة البشر، لتضم أهدافا جديدة أكثر غموضا، بينها البحث عن معلومات ذات أهمية بالنسبة للسياسة الخارجية والأمن. ويدفع جهاز الاستخبارات الألماني بآلاف الموظفين الذين يعملون بسرية تامة في الخارج للحصول على معلومات سرية، هذه المرة تتعلق بتنظيم داعش، أي استهداف البنى التنظيمية وقياداته. ويعتبر عملاء الاستخبارات الخارجية الألمانية، المهتمون بالتجسس على تنظيم داعش وقياداته ومقراته، يعتبرون بمثابة الجهاز الداعم إلى القوة الألمانية الموجودة هناك، في ذات الوقت تعتبر مصدر معلومات إلى مقر الاستخبارات الخارجية الألمانية. [4]
وكشفت تقارير أجهزة الاستخبارات الألمانية عن وجود نحو (600) مقاتل ألماني بين صفوف تنظيم داعش في سوريا والعراق، وأن ما يقرب من (1000) شخص سافروا من ألمانيا إلى مناطق الصراعات فى سوريا والعراق، ولقى 10 في المائة منهم مصرعهم وعاد 30 في المائة منهم.
جمع المعلومات عن عناصر تنظيم داعش في سوريا والعراق
وضمن جهود مكافحة الإرهاب تشارك وكالة الـBND ضمن عمليةGallant Phoenix لجمع معلومات عن مقاتلي تنظيم داعش في سوريا والعراق، وتتولى قيادة العمليات الخاصة المشتركة الأميركية إدارة العملية انطلاقا من قاعدة عسكرية في الأردن، وتتعلق بتقييم وثائق ووسائط تخزين بيانات حرزتها قوات خاصة في معاقل سابقة لـداعش.
انتقادات قرار المحكمة الدستورية بتقليص صلاحيات وكالة الاستخبارات
يقول شيندلر، رئيس الاستخبارات الخارجية السابق، إن «واضعي الدستور الألماني لن يرتاحوا في قبورهم إذا علموا أن اتصالات طالبان، الذين يهاجمون الجنود الألمان في أفغانستان، محمية بموجب المادة 10 في الدستور. أو أن الأوامر التي يتلقاها مقاتلو داعش العرب في سوريا عبر الاتصالات الخلوية بإعدام الأسرى، تقع تحت حماية المادة 10. هذا لا يمكن أن يكون هو المراد».
وتجدر الإشارة إلى أن المادة 10 من الدستور الألماني تحمي سرية الخطابات والاتصالات للألمان. [5]
وكالة الاستخبارات الخارجية الاتحادية الألمانية
كشفت لجان مختصة في البرلمان الألماني (البوندستاغ) تفاصيل جديدة حول حجم الأنشطة التجسسية التي مارستها وكالة الاستخبارات الخارجية الألمانية على دول صديقة في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، حتى أكتوبر (تشرين الأول) عام 2013. وجاء في تقييم للجنة مختصة في البرلمان الألماني بالرقابة على الأنشطة الاستخباراتية أن وكالة(BND) تجسست على بضع عشرات من المسؤولين في حكومات دول تابعة للاتحاد الأوروبي وحلف «الناتو». [6]
وقد تأسست الوكالة بشكلها الحالي عام 1952 وهي تتبع بشكل مباشر مكتب المستشار الألماني، وتشبه في عملها وكالة المخابرات المركزية الأميركية، وكان مقرها الرئيسي في ميونيخ، وانتقل عام 2016 إلى برلين. وتعتبر وكالة(BND) بمثابة نظام إنذار مبكر لتنبيه الحكومة الألمانية للتهديدات الخارجية التي تتعرض لها المصالح الألمانية، حيث تقوم الوكالة بجمع المعلومات الاستخبارية عن طريق التنصت والمراقبة الإلكترونية للاتصالات الدولية. [7]
ومنذ أن انتقلت وكالة الاستخبارات الخارجية الألمانية إلى برلين عام 2019، حاولت تعزيز صورة الانفتاح أكثر من صورة الغموض عندما كانت في موقعها القديم جنوبي ألمانيا. وكانت وكالة الـBND، موجودة في السنوات الأولى بعد الحرب العالمية الثانية. وكانت مكاتبها مخفية في بلدة بولاش جنوبي ميونيخ ولا أحد يعرف مقرها وأنشطتها، لكنها اليوم شاخصة في وسط برلين. وتخضع الاستخبارات الخارجية إلى سيطرة مكتب المستشارة الألمانية مباشرة ويعمل في الاستخبارات الخارجية ما يقارب 6500 موظف.
وما زالت وكالة الـBND تنشر إعلاناتها من أجل الحصول على عاملين وخبراء في الأمن السيبراني واستغلال شبكة الكمبيوتر للعمل داخل وخارج الأراضي الألمانية. وتهدف الوكالة إلى تجنيد عملاء قادرين على التسلل إلى شبكات الكمبيوتر الأجنبية. [8]
ويقول ماتياس شولز من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن أعمال القرصنة تعتبر سيئة السمعة أي إنها تسيء إلى سمعة أجهزة الاستخبارات. ويخشى شولز من أن تؤدي القدرات الهجومية إلى تصعيد أو حتى سباق تسلح افتراضي، الأمر الذي قد يخرج عن نطاق السيطرة. وبدلاً من تعزيز القدرات الدفاعية، فإن شولز مقتنع بأن ألمانيا يجب أن تستثمر أكثر في أمن الإنترنت. وتستغل وكالات المخابرات دوما الأبواب الخلفية أي نقاط الضعف في البرامج التي تسمح بالوصول إلى المعلومات. يقول شولز، إذا بقيت هذه الأبواب الخلفية مفتوحة، يمكن لأي شخص استخدامها للوصول إلى الشبكات وأجهزة الكمبيوتر الرئيسية، بما في ذلك المجرمون الذين يسعون لسرقة البيانات أو إدراج برامج ضارة لمستخدمي الابتزاز. [9]
ويمكن وصف الاستخبارات الألمانية، بأنها من أكثر أجهزة الاستخبارات الدولية، غموضا، أو تلك التي لا يصدر عنها الكثير، لا عن تركيبتها ولا عن أنشطتها، خاصة الاستخبارات الخارجية، ومبنى الاستخبارات الجديد يعكس ذلك.
ينتج جهاز المخابرات الألمانية خمسة آلاف خبر يوميا تقريبا، على مستوى العالم، تختزل في نحو 450 تقريرا يتم إرسالها شهريا لأعضاء في الحكومة الألمانية وعدد من الأجهزة الأمنية.
إن تقليص صلاحيات جهاز الاستخبارات الألمانية الخارجية من شأنه أن يؤدي إلى تراجع، العمليات الاستباقية التي تنفذها الاستخبارات الخارجية في أعمالها اليومية، ضد الجماعات المتطرفة في مكافحة الإرهاب وضد أنشطة مكافحة التجسس المحتملة التي يقف خلفها عملاء أو مؤسسات.
القرار الألماني، الصادر من المحكمة الدستورية الألمانية وفقا إلى المادة 10، الذي يمنع الاستخبارات من تنفيذ عمليات مراقبة خارج أو داخل أراضيها ضد أفراد ومجموعات، لم تثبت تورطهم في عمليات إرهاب أو تجسس، يعكس البيروقراطية التي تواجه الاستخبارات الألمانية، وربما هذا يتعلق أيضا، بـ«عقدة» ألمانيا من إرث قديم ما قبل الحرب العالمية الثانية مثلت استخبارات ألمانيا الشرقية سابقا «Staatssicherheit» (شتازي) الذي ما زالت ألمانيا لم تكشف عن أرشيفه لحد الآن، لاحتمالات ما يسببه من فضائح للطبقة السياسية.
من المتوقع، أن تقوم اللجنة البرلمانية الخاصة بمراقبة جهاز الاستخبارات الألمانيبمراجعة جديدة، وهناك تسريبات من داخل البرلمان، تقول إن هناك احتمالا بأن تتم صياغة جديدة أو تعديلات تمكن الاستخبارات الخارجية الألمانية من استعادة أنشتطتها وربما يكون ذلك في غضون بضعة أشهر.
إن «كبح» جهاز الـBND، من شأنه أن يعرض الجنود الألمان خارج ألمانيا للخطر، أي يعرضهم لهجمات من قبل الجماعات المتطرفة، وفي ذات الوقت يطلق الحرية لعملاء وكالات الاستخبارات الأجنبية للنشاط داخل ألمانيا وخارجها. وهذا من شأنه أن يضعف المواقف السياسية الألمانية إقليميا ودوليا، فمن دون وجود دعم معلوماتي استخباراتي لصناع القرار، تبقى سياسات ألمانيا غير مؤثرة.
- باحث في قضايا الإرهاب والاستخبارات