مصر في 1947.. تدني مستوى المعيشة وظهور الإخوان

مصر في 1947.. تدني مستوى المعيشة وظهور الإخوان

[caption id="attachment_55238539" align="aligncenter" width="620"]مصر في 1947.. عاطلون عن العمل يفترشون الرصيف أمام محطة القطارات بالقاهرة مصر في 1947.. عاطلون عن العمل يفترشون الرصيف أمام محطة القطارات بالقاهرة[/caption]

الوثائق السرية التي أفرجت عنها "سي اي ايه" تؤكد أن الإدارة الأميريكة كانت تراقب الإخوان ونشاطاتهم منذ العام 1947 (المجلة تنشر وثيقة سرية حول الوضع في مصر بتاريخ 16 أكتوبر 1947). تقول الوثيقة المفرج عنها أن عنصرا جديدا أضيف بعد الحرب العالمية مع ظهور حزب الإخوان المسلمين "الذي يؤكد على الإسلام وكراهيته الشديدة للتدخل الأجنبي في العالم العربي".




[blockquote]
وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية
الوضع الراهن في مصر
ORE 54
16 أكتوبر (تشرين الأول) 1947
نسخة رقم (3)
برنامج المراجعة التاريخية (سي آي إيه)
النسخة الكاملة



[/blockquote]



1 - أهمية مصر الاستراتيجية.
من الطبيعي النظر إلى مصر إلى جانب الدول العربية، حيث ترجع أهميتها إلى الأهمية الاستراتيجية التي تملكها هذه الدول وموقف مصر المؤثر في هذه الدول. ولكن من الناحية الجغرافية، تعد مصر مهمة بالنسبة للدفاع في منطقة شرق البحر المتوسط. تملك مصر ميزة دفاعية بأنها منفصلة عن المناطق التي من المحتمل أن تكون عدائية في أوروبا بفواصل بحرية وبرية. أما من الجانب الهجومي، فيمكن أن تصبح مصر قاعدة ممكنة لصد تهديدات الشمال ضد منطقة قناة السويس أو الأراضي الغنية بالنفط في الشرق الأوسط. بعد أن خدمت كقاعدة إمداد في الحربين العالميتين، تملك مصر أيضا مرافق سكنية وجوية ومواصلات يمكن أن تمثل عاملا ثمينا لأي قوة عسكرية حديثة تدخل المنطقة.


2. تطورات مستقبلية محتملة:
من المتوقع أن تزداد النزعة القومية والإسلامية في مصر، كما في الدول العربية الأخرى، وكذلك الدعوة إلى الحد من اعتماد مصر السياسي على الولايات المتحدة وبريطانيا. إذا أصدرت الأمم المتحدة، بدعم غربي، قرارات في مشكلة فلسطين والنزاع بين بريطانيا ومصر واعتبرها العرب ضد ما يطمحون إليه (أو إذا اتخذت الأمم المتحدة بالفعل موقفا معاديا للعرب في أي مسألة تؤثر على العالم العربي)، سوف يزداد توتر العلاقات المصرية مع القوى الغربية.

ربما يسهل وضعان محتملان في المستقبل البعيد عملية الاختراق السوفياتي لمصر. إذا لم تتحقق بعض الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية وإذا سُمح باستمرار تدني مستوى المعيشة، سوف يصبح الميدان خصبا لانتشار الشيوعية. وكذلك إذا أثارت السياسات الخارجية لأميركا وبريطانيا الاستياء الشعبي، ربما تحاول مصر (كما فعلت في الماضي) الحصول على بعض الدعم المضاد من الاتحاد السوفياتي في محاولة لتحسين موقف مصر في مساوماتها مع الولايات المتحدة وبريطانيا.

3. الوضع السياسي:
على الرغم من تكرار تغيير الحكومة، يمكن اعتبار مصر مستقرة سياسيا، حيث تتركز السيطرة على الحكومة في يد الطبقة العليا الثرية، بينما لا تملك غالبية كبيرة من الشعب وسيلة للتعبير السياسي.




تستمر الحكومة الحالية التي تعبر عن ائتلاف أقلية بفضل نفوذ الملك وحاشيته. ويُمنع أكبر الأحزاب (حزب الوفد) من تشكيل الحكومة إلى حد كبير بسبب العداء الشخصي بين الملك وزعيم الحزب. وحتى إذا تم استبدال حكومة وفدية بالحكومة الحالية، لن يكون هناك تغيير أساسي في السياسات الداخلية والخارجية المصرية، إلا إذا قرر الوفديون السعي إلى تسوية الخلافات المصرية الإنجليزية. بيد أن عنصرا جديدا أضيف بعد الحرب مع ظهور حزب الإخوان المسلمين، الذي يؤكد على الإسلام وكراهيته الشديدة للتدخل الأجنبي في العالم العربي. لا تشكل الشيوعية تهديدا وشيكا للاستقرار المصري، ولكن تكمن احتمالية دعم الانتشار الشيوعي في كتلة ضخمة من الجماهير المصرية الذين وصل مستوى معيشتهم إلى درجة منخفضة.

4. الوضع الاقتصادي:
يعاني الاقتصاد المصري من تضخم وارتفاع تكاليف المعيشة وبطالة أعداد كبيرة من العمال في زمن الحرب، ومشكلة في العملة الصعبة، على الرغم من أنه لا يتعرض للأزمة الخطيرة التي تمر بها معظم دول غرب أوروبا. لا تستطيع بريطانيا أن تقدم الكميات الكافية من السلع الضرورية أو تحويل الأرصدة المتراكمة في فترة الحرب من الجنيه الإسترليني إلى الدولار. ويلقى القطن المصري، سلعة التصدير المصرية الرئيسية، سوقا صغيرة في منطقة التعامل بالدولار، لذلك لا يجلب ما يكفي من عملة الدولار من أجل الواردات القادمة من الولايات المتحدة. وسوف يؤدي العجز عن حل مشكلة العملة الصعبة إلى توقف التنمية الصناعية ومشروعات الأشغال العامة. وسوف يخفض النقص المستمر في العديد من السلع الاستهلاكية مستوى المعيشة المنخفض أصلا.

أما بالنسبة للإنتاج الزراعي، فتقترب مصر من تحقيق الاكتفاء الذاتي. يعد الذرة محصولا رئيسيا، ويعوض فائض محصول الأرز أي عجز في محصول القمح. ويستمر معظم السكان في مستوى معيشة منخفض للغاية من خلال عملهم في الزراعة.
تتركز الصناعات الخفيفة بدرجة كبيرة في منطقة الدلتا، بتمويل من رأس مال محلي متزايد، ويتعلق نشاطها بالمنتجات المحلية مثل الأغذية والقطن. لا يوجد كثير من الموارد المعدنية المعروفة، فيما عدا مناطق محددة، ولكنها أيضا تفتقر إلى التوسع. يلبي الإنتاج المحلي نصف احتياجات مصر من البترول، في حين يجري العمل في مناجم النطرون والمنجنيز والتنجستن أيضا. ربما تسمح التنمية المستقبلية في مناجم خام الحديد والنحاس السوداني بإقامة صناعات أخرى. وتمثل المنتجات القطنية عادة نحو 80 في المائة من صادرات المنطقة. وتشكل المنسوجات والمنتجات البترولية والماكينات والمصنوعات الأخرى أهم الواردات الصناعية.

تتمثل الموارد الرئيسية للعائد الحكومي في الجمارك وضرائب الدخل والسكك الحديدية، في حين تذهب أهم بنود الإنفاق إلى مخصصات الوزارات الرئيسية وهي التجارة والتعليم والأشغال العامة والدفاع القومي. تضاف إلى ميزانيات هذه الوزارات علاوة تكاليف المعيشة التي تمثل في حد ذاتها بندا واحدا كبيرا في الميزانية. سوف يتم تمويل الجزء الأكبر من الخطة الخمسية لتنمية مصر صناعيا واجتماعيا من الموارد الاحتياطية بدلا من الأموال الجارية.

يلبي نظام النقل والمواصلات المتطلبات الطبيعية. وتضيف طرق وسكك حديد وادي النيل إلى وسائل المواصلات النهرية. وعلى الرغم من وجود القاهرة في مركز تقاطع عدد من الخطوط الجوية، تربط بين الولايات المتحدة وأوروبا من جهة والشرق الأقصى من جهة أخرى، فإن صيانة المنشآت والمعدات الجوية في هذه المنطقة أقل من المعايير الأميركية عامة.
وضع قانون الشركات، الذي مرره البرلمان المصري مؤخرا، بهدف زيادة مشاركة المصريين في النشاط التجاري. ربما يصبح هذا القانون أحد العوامل التي تحول دون زيادة الاستثمارات الأميركية في البلاد.

5. الشؤون الخارجية:
يعد ظهور النزعة القومية المصرية بعد الحرب العالمية الثانية أحد أسباب استقلال البلاد المتنامي في علاقاتها السياسية الخارجية لا سيما تلك التي تربطها ببريطانيا العظمى وفرنسا، والتنظيم الأكبر لمصالح التجارة الخارجية، وزيادة الخوف من الأجانب. بالإضافة إلى السعي إلى الحصول على استقلالية أكبر، تتوسع مصر، بصفتها زعيمة الجامعة العربية، في نشر نفوذها على جميع أنحاء العالم العربي.




سوف تؤثر نتيجة القضيتين المعروضتين في الوقت الراهن أمام الأمم المتحدة فعليا على علاقة مصر بالقوى الغربية في المستقبل القريب. القضية الأولى هي الطلب المصري بأن تسحب بريطانيا العظمى قواتها من وادي النيل وأن تنهي سيطرتها على السودان. أما الثانية فهي قضية فلسطين. في الصراع بين مصر وبريطانيا، يشعر المصريون بمرارة تجاه الولايات المتحدة بسبب عدم استخدامها نفوذها كاملا في دعم قضية مصر في مجلس الأمن. كما تُحمل مصر القوى الغربية مسؤولية أزمة فلسطين، وتنتقد بشدة مع الدول العربية الأخرى الموقف المؤيد للصهيونية الذي تتخذه الولايات المتحدة.

لا تتسم علاقات السوفيات مع مصر بأنها وثيقة، ولكن في حين ينأى المصريون عن أي انحياز قوي للاتحاد السوفياتي، فإنهم يميلون في الفترة الأخيرة إلى التطلع إليه أملا في الحصول على تأييده للعرب في مواجهة السياسات الأميركية والبريطانية التي لا تلقى قبولا في الشرق الأوسط.

6. الوضع العسكري:
تفتقر القوات المسلحة المصرية إلى التدريب الجيد، والمعدات الملائمة، والقيادة الفعالة. ولا يمكنها الدفاع عن منطقة قناة السويس ضد أي عدوان كبير دون مساعدة أجنبية فورية في صورة وحدات جوية وبحرية وبرية. وفي ظل المشاكل المالية التي تعاني منها البلاد في الوقت الراهن، لن تستطيع مصر أن تحسن من مستوى قواتها المسلحة دون مساعدة مالية وفنية خارجية. ولكن بالتعاون مع الدول العربية الأخرى، تستطيع مصر أن تقدم بعض الدعم لعرب فلسطين إذا اندلعت المعارك بينهم وبين اليهود.
font change