* لا نحتاج للإبداع في زمن كورونا لأنه سيكون إبداعاً مريضاً
* أتمنى للعدل أن يسود وأن تبقى فلسطين وتبقىإسرائيل... وهي شعوب موجودة منذ قديم الأزل
* أفتقد للرفقة الأسرية... لكنني أحمد الله على «العزوبية»
* التأمل شيء أساسي في حياتي أساسه الفكر ومحاولات التواصل مع الذات وهو ما فرضته نشأتي في حي بحري بالأسكندرية
*لم تكن لي علاقة بكرة القدم، ولم ألعبها يوما برغم أنها ثقافة بحد ذاتها. لكنني كنت أسمع عن الكابتن الديبة بنادي الاتحادالسكندري، وكانت للكرة جماهير كبيرة
القاهرة: الفنان فاروق حسني تربع على عرش وزراة الثقافة المصرية لأكثر من ربع قرن، خاض خلالها الكثير من المعارك الفكرية وكانت تصريحاته دائما مثيرة للجدل خاصة فيما يتعلق بالتطبيع مع إسرائيل، وحاليا أعيد فتح ملف العلاقات مع إسرائيل مع عرض مسلسلي «أم هارون»، و«مخرج 7»... «المجلة» فتحت معه باب النقاش حول موقفه من التطبيع والجدل الذي أثاره أثناء توليه لمنصبه الرسمي وتصريحاته المغايرة عقب تركه المنصب، كما تطرقنا لحياته كفنان في زمن كورونا ورأيه في عدد من القضايا على الساحة، فإلى الحوار:
* من منظورك الخاص كيف ترى أحوال العالم الآن في ظل العزلة؟
- لن يستقيم الوجود بالعزلة؛ لأن الحياة تقوم على الوجود الإنساني. الابتعاد يعطي فرصة للتأمل، والبعد عن الرغبات التي تخنق الإنسان. وللأسف الفيروس ينتشر بالتجمعات ونحن نحاول التغلب عليه بعدم إتاحة الفرصة له للانتشار بالابتعاد عن الحياة العامة ونقبع في أماكننا.
* إبداعيا، هل العزلة مفيدة لك كفنان؟
- لا أملك أي رغبة في الإبداع في ظل هذا الكابوس. لست آلة. لا أرسم أثناء فترات الحزن؛ لأنني لا أحب إيصال الحزن للمتلقي بل أسعى دائما لكي أنقل للمتلقي طاقة إيجابية محفزة. أي فن سيخرج مشبعا بالكورونا، ينقل طاقة سلبية. هي عملية شحذ حتى تنتهي هذه الجائحة، ربما تخرج الطاقة الإيجابية عقب عودة الحياة لطبيعتها. برأيي، لا نحتاج للإبداع في زمن كورونا لأنه سيكون إبداعا مريضا.
* وهل تغير روتينك اليومي؟
- لا أستقبل أحدا ولا أتقابل مع أحد. العلاقات أصبحت تليفونية، والمسائل العاطفية تضاءلت، لكنها مسؤولية يجب تحملها للحفاظ على النفس والآخرين. أتابع الحياة عبر التلفاز والقراءة والاتصال بالأصدقاء والأقارب والمجتمع، الظروف حكمت بتغيير العلاقات وأطرها.
* في العزلة، هل أعدت التفكير في مسار حياتك؟
- حدث هذا من قبل «كورونا». حاسبت نفسي على إمكانياتي وكيفية استثمارها، وكيف يمكنني إفادة الأجيال الجديدة من خلال خبرتي في العمل الثقافي، فأطلقت مؤسسة وافتتحت متحفي الخاص، ووضعت كافة مكتسباتي ومقتنياتي لتكون متاحة لكل عشاق الفن.
بالطبع توقفت مع نفسي مرة أخرى. ووجدت أنني استمتعت بالحياة كاملة، بجمالها وقبحها، ومرت علي كافة تقلبات الحياة. بالنسبة لي لم أكن أخطط لشيء في حياتي وإنما كانت مساراتها قدرية.
* هل هذا نوع من التصوف؟
- أعتبر التصوف جزءا من طباعي. والتأمل شيء أساسي في حياتي أساسه الفكر ومحاولات التواصل مع الذات وهو ما فرضته نشأتي في حي بحري، وهو حي موحٍ للغاية، وبدأت برسم القوارب والسفن الرابضة على شاطيء بحري. وحقا أفتقد هذه الفترة الرائعة في مدينة الإسكندرية.
* ألم تلم نفسك على عدم الزواج، وما السر وراء اتخاذ قرار بالعزوف عنه؟
- أفتقد للرفقة الأسرية لكنه قرار أوصلني لما وصلت إليه الآن؛ منذ شبابي كنت أسعى للزواج وذهبت لخطبة إحدى الفتيات في الإسكندرية فرفضتني والدتها لظروفي المادية، وجعلتني أكره الزواج. كانت قاسية جدا، ولكنني أشكرها لأنها أعطت لي طريقا مختلفا. ارتبطت بعد ذلك بعدة علاقات لم يكتب لها الاستمرار وقد عاهدت نفسي على عدم خوض تجربة الزواج، رغم أن المرأة تلعب دورا كبيرا في حياتي، لكنني أيقنت أنني أود أن أكرس حياتي وطاقتي للفن والعمل الثقافي. «العزوبية» أعطتني فرصة للتحقق فنيا لم أكن لأحققها مع ارتباط أسري. والآن أحمد الله على هذا القرار لأنني لم أكن لأتحمل سجن كورونا وسجن الحياة الزوجية أعتقد أنه أمر يفوق قدرة البشر.
* عشت شبابك في أوروبا، هل ترى أوضاع العالم الآن مماثلة لما بعد سقوط جدار برلين؟
- الوضع الآن لا يشبه أي وضع سابق. لكن على أي حال الإنسان سيعيد منظومة حياته، وسيعرف المكتسبات والخسائر وسيبحث عن المكسب. وكذلك الدول ستدرس خياراتها.
العزلة تجعل الإنسان تواقا للتعامل مع الآخر، وبعد انتهاء الجائحة ستكون هناك صيغ جديدة من التعامل بين البشر هي في علم الغيب.
* وكيف ترى الحرب الباردة الآن بين أميركا والصين؟
- السياسة بالذات حينما تكون عمياء تؤدي بلا شك لكوراث. كل الحروب جاءت من ضيق أفق السياسي، إنما الإنسان بطبعه يسعى للتعمير والبناء وليس الهدم. هؤلاء لا يقدرون الإنسان والحياة.
ربما تكون حكمة زمنية جديدة أن ينتهي الإنسان الحالي، إذا ما تفاقمت الأمور. لا أعلم لكنه وضع حرج للغاية تاريخيا وإنسانيا.
* التقيت بهيلاري كيلنتون عدة مرات، من خلال معرفتك بها، هل كانت ستتعامل مع أزمة كورونا بشكل مغاير عن ترامب؟
- لا. هي نفس العقلية، بل كانت ستكون بشكل أكثر شراسة وسوف يزيد من حبها للسيطرة على العالم. هي شخصية لا قلب لها. كلينتون كان قائدا مثقفا وواعيا وعنده الحس الإنساني وأعتبره من أفضل قادة العالم؛ لأنه كان سياسيا محنكا محبا للسلام ويسعى دائماً لعالم أفضل وكان صورة أخرى من كيندي.
* مؤخرا فتح ملف التطبيع في الشارع العربي بعد عرض أعمال درامية خليجية وكانت لك تصريحات إيجابية تجاه التطبيع بعكس تصريحاتك أثناء الترشح لليونيسكو، وفي عدة مناسبات رفضت مشاركة إسرائيل في فعاليات ثقافية مثل معرض القاهرة للكتاب، فهل هو تغيير موقف؟
- هناك فارق بين التطبيع والتعارف بين البشر. الثقافة شيء إنساني بحت. أما التطبيع فشيء سياسي واقتصادي، لست ضد التبادل الثقافي إطلاقا. حينما التقيت الرئيس الإسرائيلي عزرا فايتسمان سألني عن سبب رفضي لمشاركتهم في معرض الكتاب، فقلت له: «هذا قرار شعبي، فأنا وزير ثقافة ولست رئيسًا للمثقفين». لا أعادي أحدا على الصعيد الشخصي واستقبلت في منزلي من قبل وزيرة الثقافة الإسرائيلية شالوميت ألوني، وكان لها ذات التساؤل وقلت لها «الثقافة سلاح عظيم تنتعش بالسلام، وليس العكس»، كان ذلك أيام ترشحي لليونيسكو.
* رغم تصريحاتك بأن إسرائيل وراء إزاحتك عن منصب اليونيسكو؟
- الدنيا تتغير، ربما الأعداء يصبحون أصدقاء والعكس. ندعو إلى أن تحل وتنقضي المشكلات وأن تستفيق الدول الكبرى لقضية الفلسطينيين والتي لا بد أن تحل. يجوز بعد الانفراج الدولي الذي سيأتي عقب القضاء على كورونا أن يحدث ما يكون في صالح القضية الفلسطينية وتحل هذه الأزمة.
طوال عمري كنت ليبراليا، ولا أحمل أي كره لأي أحد. أتمنى للعدل أن يسود وأن تبقى فلسطين ولتبق إسرائيل. هي شعوب موجودة منذ قديم الأزل ومنذ عهد الفراعنة كانت مصر حامية لمنع النزاعات بينهما.
* أسست عددا كبيرا من المتاحف المصرية، كيف ترى مستقبل المتاحف إذا ما استمرت أزمة وباء كورونا؟ هل يمكن أن يكتفى بالجولات الافتراضية للمتاحف؟
- الإنسان لا يرضي شغفه بالوجود الافتراضي. أرى أن افتتاح وصياغة الأماكن الأثرية الجديدة ستكون بحلة جديدة ترد علينا أضعاف أضعاف الزيارات التي حرمنا منها هذه الفترة، وستكون المشروعات الجديدة مثل المتحف المصري الكبير ومتحف الحضارة البوابة الكبرى لعودة السياحة لمصر بحضور زعماء العالم.
* ماذا عن قراءات فاروق حسني في العزلة؟
- أكتفي بالجرائد والصحف فقط؛ لأنه وقت القلق حتى إذا كان الإنسان في تماسك لكن عقله يظل منشغلا بأشياء أخرى ولا تكون القراءة عميقة. لن أصل للتركيز الكامل إذا ما قرأت كتب وروايات الآن، مشاعري كلها ليست معي لكي تستقبل وترسل. الآفاق ليست مشجعة على الإبداع أو الاستمتاع بالهوايات.
* هل تعتقد أن عزلة الوباء قد تتولد عنها جماعات فنية مثل جماعة «الفن والحرية» منتصف القرن الماضي؟
- لا أعتقد ذلك. جماعات الفن التشكيلي ظهرت حينما كان العالم يبحث عن الكمال فظهرت التجريدية والسيريالية والأدب الحديث والسينما والمسرح وحدث تطور فكان كل عصر له سمة من عصر الباروك للعصر الحديث. أما الآن فلا أعتقد ذلك.
* حقق معرضك الأخير بقصر عائشة فهمي نجاحا كبيرا، هل تخطط لمزيد من المعارض والفعاليات عقب انتهاء أزمة كورونا؟
- لدي قرار باستكمال المؤسسة وأنشطتها وزيادة جوائزها لتشمل الكثير من الفئات الإبداعية. تعلمنا أن نعمل من أجل الغد، هذا يعطينا الأمل. ومصر كانت دائما منبع الأمل للبشرية عبر العصور.
* ماذا عن الجانب الآخر من شخصية فاروق حسني، علاقتك بكرة القدم مثلا، هل تشجع فريقا بعينه؟
- لم تكن لي علاقة بكرة القدم، ولم ألعبها يوما برغم أنها ثقافة بحد ذاتها. لكنني كنت أسمع عن الكابتن الديبة بنادي الاتحاد، وكانت للكرة جماهير كبيرة. كنت أمارس رياضة البينغ بونغ والسباحة، لكن أخي سمير عبد العزيز كان لاعب كرة قدم في نادي الزمالك وسجل هدفين في شباك الأهلي، لكنه أصيب ولم يتمكن من اللعب بعد ذلك. بدأ في نادي الترام بالإسكندرية ثم لعب بنادي المحلة ومنه انتقل للزمالك. وشقيقتي كانت تمارس السباحة والكرة الطائرة وكانت تكتب الشعر.
* وما هي هواياتك الأثيرة؟
- هواياتي كانت ولا تزال القراءة والموسيقى وكنت عازفا للفلوت بشكل سماعي، لكن تعمقت في فن الموسيقى وتاريخها وتاريخ الأوبرا العالمية. كانت إذاعة الإسكندرية تستعين بي حيث تستعير مني اسطوانات الموسيقى الكلاسيكية لإذاعتها عبر الراديو، وكنت أمدهم باسم الأوركسترا التي تقدمها ومؤلفها.
* هل هذا الشغف الذي دفعك للتصدي لمشروع الأوبرا الحديثة بمصر وتأسيس الأوركسترا السيمفوني؟
- بالفعل. وكان سببا في اهتمامي بالبالية واستضافة الفرق العالمية بالمسرح الحديث وكنت قد قدمت أول مسرح تجريبي في قصر ثقافة الأنفوشي. وأثناء وجودي في فرنسا زارني شاب تونسي مبدع اسمه شريف علوي واقترح تقديم مسرحية تجريبية، تحمست للفكرة مع وجود نص للمهندس المصري سمير عابدين، اسمه «سفر المطرودين»، وعرض في جامعة أنتوني في باريس ورأته سيلفيا موفورو، صاحبة ورئيسة مسرح «لوفوكاريية» وهو مسرح معاصر في فرنسا، وعرضت المسرحية لمدة 10 أيام على هذا المسرح، ونجحت نجاحا كبيرا وكانت مزيجا من الشعر والغناء والتمثيل والأداء الحركي.
* برأيك، ما دور المثقف في الفترة الحالية؟
- دوره الاعتكاف وإخراج أفكار جديدة للمجتمع المستقبلي، في هذه المحنة الإبداع يحبط ما بين الإحساس بالمسؤولية الإنسانية وما بين الهم والانشغال بالمستقبل. المثقف دوره تعميق معارفه والتزود بالمعرفة والعلم. المثقف هو أكثر البشر معاناة في هذه المحنة.
* وكيف تتوقع مستقبل الثقافة؟
- ستكون هناك انفجارات إبداعية؛ لأن الحرمان يولد ذلك التدفق نحو اللامدرك. أؤمن دائما بأن لكل فعل رد فعل مساو له في القوة ومضاد له في الاتجاه. ستكون هناك إبداعات مبتكرة وبدائل للحلول والتفاعلات الثقافية القديمة ما قبل كورونا.