* كانت نيللي روت في الحلقة الأولى من مذكراتها، التي نشرتها «المجلة» في العدد الماضي، قصة بدايتها الفنية وكيفية عملها مع عاطف سالم الذي طلب منها الاشتراك في فيلم «الحرمان»، وعمرها لم يتجاوز الأربع سنوات بعد... فمثلت نيللي الدور
* تأثرت بشقيقتها الفنانة آنذاك فيروز التي عرفتها على عالم الفن، حيث أخذت بعدها تقلد الفنانين والفنانات، الأمر الذي لفت انتباه المخرج عاطف سالم
* ذهبت مع شقيقتها إلى العرض الأول للفيلم وقلبها يخفق مئات الخفقات في الدقيقة..
* أهملتني السينما مدة طويلة فجاءني التلفزيون ليفتح لي أبواب الحظ
القاهرة: ذهبت إلى السينما مع والدي، وأمي، وأختي فيروز لنشاهد العرض الأول لفيلم «الحرمان» الذي كان أول تجربة سينمائية بالنسبة لي. ولم يكن عمري في ذلك الوقت يتجاوز أربع سنوات.
بعد انتهاء عرض الفيلم صفق الجمهور طويلا، وحملتني أمي بين يديها لأرد مع فيروز (بطلة الفيلم) على تحية الجمهور لنا، كان المشهد الذي أقف فيه وحدي في أعلى سلم ارتفاعه حوالي مائة متر محط أعجاب الجماهير.
لقد كان دوري في الفيلم صغيرًا ولا أعرف ما إذا كان في نية والدي أن يقدمني كما قدم فيروز من قبل أم أن الصدفة وحدها هي السبب في اشتراكي في ذلك الفيلم.
ومر عامان بعد فيلم «الحرمان»، طلبني فيها أكثر من مخرج، ولكن والدي كان يرفض دائمًا اشتراكي في هذه الأعمال.
الأنطلاق مع «عصافير الجنة»
لقد اعتبر والدي أن تجربة فيلم «الحرمان» هي بداية لتقديمي بشكل أفضل، وفي عمل مناسب يضمنا نحن الثلاث «فيروز وميرفت وأنا»... وجاءت الفرصة في ثاني إنتاج لوالدي، وكان فيلم «عصافير الجنة» الذي أخرجه ولعب بطولته الأستاذ محمود ذو الفقار. وقصة الفيلم باختصار تدور حول زوج يتزوج على أم بناته الثلاث وتدور الأحداث حتى تجعل البنات المياه تعود إلى مجاريها بين الأم والأب.
في هذا الفيلم أستطيع القول إن كل الجهود قد بذلت من أجلي. فالفيلم كان من بطولتنا نحن الثلاث ولكن كان التركيز على شخصي فقد أراد الأستاذ محمود ذو الفقار ووالدي أن يركزا على موهبتي، فاختارا لي الجمل الخفيفة والكلمات المضحكة التي تحدث أثرا طيبًا لدى الجمهور. كما أنها كانت أول مرة يكتب فيها اسمي كبيراً على إعلانات الفيلم.
وأذكر حادثة ظريفة حدثت منذ فترة بسيطة عندما كنت وأمي وفيروز نشاهد فيلم «عصافير الجنة»، وعندما قرأت اسمي مكتوبا بخط كبير بعد فيروز قلت لأختي كان المفروض أن لا يكتبوا اسمي بهذا الشكل، فأنت بطلة الفيلم. وكانت في تلك الفترة أكثر شهرة مني.
قالت فيروز: «الحقيقة لا فرق بيننا. فأنت أختي وابنتي في الوقت نفسه، ونجاحك هو نجاحي». ثم ردت أمي وقالت: «لقد كنا نريد أن نعطيك الفرصة كما حصلت عليها فيروز»
وأقول الآن: إن مثل هذه الحادثة لا يمكن أن تتكرر حتى بين الأخوات، فالفن تفرضك فيه موهبتك فقط. ولا أحد يستطيع أن يبقى فترة طويلة دون موهبة. ورغم أن ذلك الفيلم كان هو نقطة الانطلاق الحقيقية في حياتي. فزاد انتشاري وعرفني الناس أكثر، إلا أن ما أراده أبي لم يحدث.
لم يكتب لي الشهرة والنجاح اللذان نالتهما فيروز. لقد كان عمر فيروز وقتها حوالي أربعة عشر عاما. وهي في هذه السن كانت قد حققت شهرة واسعة. فقد قدمت قبل فيلم «عصافير الجنة» فيلم «دهب» ثم «ياسمين» ثم «فيروز هانم» وهذه الأدوار كانت تكتب خصيصا لهذه الطفلة الموهوبة التي أدهشت الجميع بموهبتها الفذة.ولم يكن المناخ يسمح وقتها بأكثر من فيروز.
كان الاهتمام بشقيقتي وبموهبتها يفوق الوصف. لذلك كان من الصعب جدا أن تحقق أي طفلة النجاح نفسه الذي حققته فيروز. ولا أعرف كيف غابت هذه الحقيقة عن أبي وأمي، ثم هناك حقيقة أخرى، فرغم موهبتي التي ظهرت وأنا طفلة. لم يكن شرطا أن أنال النجاح نفسه الذي نالته فيروز.
لطمه على وجهي
مر عامان بعد فيلم «عصافير الجنة»، وعدت من جديد لأشترك بدور صغير في فيلم «حتى نلتقي» إخراج هنري بركات، وبطولة فاتن حمامة، وعماد حمدي، كان دوري هو تمثيل شخصية فاتن حمامة في الفيلم وهي صغيرة، وفي العام نفسه اشتركت في فيلم «رحمة من السماء» وبعدها بعام تقريبا اشتركت في فيلم «توبة» بطولة عماد حمدي ومحمود المليجي والفنانة صباح، كان عمري وقتها لا يتجاوز السنوات العشر. وكنت قد أدركت كل شيء عن السينما والمجال السينمائي.
بعد فيلم «توبة» توقفت عن الاشتراك في أي عمل سينمائي آخر. بناء على تعليمات والدي. فقد كان بخبرته السينمائية هو الموجه الحقيقي لنا. وكنت أنا وأختاي ننفذ تعليماته. والحقيقة أن أمي وأبي قد زرعا فينا نحن الثلاث منذ الصغر الحب والعطف. وكان والدي هو مثلنا الأعلى في العطف، لا يبخل علينا بكل ما في قدرته. ولا أذكر أن والديّ قد أهملا يومًا في مصلحتنا ومستقبلنا. بل لا أذكر أن والدي قد عنفني أو ضربني إلا مرة واحدة.
كان عمري في ذلك الوقت حوالي خمس سنوات بعد ما مثلت فيلم «الحرمان» في يوم مر أمام منزلنا بحي العجوزة «حاوي» يقدم ألعابه.
سمعت صوت طبول عالية تأتي من الشارع، ولما كنا نسكن في الدور السادس فقد اندفعت إلى الشرفة لأرى ماذا يحدث في الشارع، شاهدت زحاما حول «الحاوي»، واندمجت في المشاهدة ولم ألاحظ أن نصفي الأعلى كله تقريبا خارج الشرفة. في تلك الأثناء جاءت أختي ميرفت. وقفت وقد عقدت المفاجأة لسانها. خافت أن تصرخ حتى لا يختل توازني وأسقط في الشارع ولكنها جرت إلى والدي. ووقف هو على باب الغرفة وأمرها هو أن تنادي علي بصوت هادئ. نيللي.. يا نيللي.. تعالي شوفي بابا جابلك إيه. قالت ميرفت ذلك بهدوء ولكنني لم أرد عليها، فنادتني مرة أخرى. فنزلت من فوق سور الشرفة. ودخلت من الباب لأجد والدي أمامي لم يتكلم ولم يبد على وجهه أي تعبير، بل في لحظة رفع يده وهوى بها على وجهي في لطمة شديدة لن أنساها ما حييت. هذه هي المرة الوحيدة التي ضربني فيها أبي ولكن كان حريصا كل الحرص على مصلحة بناته ومستقبلهن.
مولد التلفزيون والأزمة
رفض والدي بعد فيلم «التوبة» اشتراكي في أي عمل سينمائي آخر، فقد كانت كل الأدوار صغيرة بالنسبة لي. خاصة أنني كنت قد حققت انتشارا معقولا. وعرفني الناس. أما السبب الثاني فكان بسبب بداية «عصر التلفزيون» واستيعابه لطاقات ومواهب جديدة وتقديمها بشكل جيد.
ولم تمر فترة طويلة حتى جاءتني الفرصة في مسلسل «الرمال الناعمة» وكان دور البنت الصغيرة الشقية التي تستخدمها أختها الكبرى في توصيل خطاباتها إلى خطيبها.
كان عمري وقتها أكثر من عشر سنين بقليل والحقيقة أن هذه الحلقات قد زادتني انتشارا وشهرة وعرفني المخرجون بشكل أفضل وخاصة بعد نجاح المسلسل.
لكن لو قارنا ذلك المسلسل بأي مسلسل تلفزيوني آخر يعرض الآن فسنجد أن فرصة الانتشار عن طريق التلفزيون في بدايته – أي في أوائل الستينات – كانت أقل بكثير من الأيام التي نعيشها الآن، فجهاز التلفزيون لم يكن منتشرا في كل البيوت كما هو الآن ولكني عرفت بسرعة في التلفزيون نتيجة أعمالي السنيمائية الصغيرة السابقة.
أقول الحق لقد انتابتني في تلك الفترة نوبة من المعركة النفسية كنت أخوضها مع ذاتي، فدائما ما كانوا يربطون بيني وبين أختي فيروز، نعم لقد كان اسم فيروز هو الأكثر شهرة ورنينا في تلك الفترة، ولكنني كنت أحب أن يعرفني الناس باسمي: نيللي... كنت أريد أن أتخلص من ربط الناس بيني وبين أختي فيروز، بتقديم أعمال مختلفة عما قدمته هي. في الوقت نفسه، كانت فيروز تحاول أن تخفف عني دون أن تشعرني بأتها تعرف ما يدور بداخلي. نعم فيروز أختي، بل أعتبرها أمي أيضًا ولكني كنت أريد أن أحقق ذاتي كممثلة مستقلة، خاصة بعدما وعيت وفهمت معنى كلمة فنانة لها جمهورها وفنها، وموهبتها. وبقيت أنتظر الفرصة المناسبة، ويقيني أنها ستأتي حتمًا.
باختصار مر عامان من عمري بعد اشتراكي في مسلسل «الرمال الناعمة» وبدأت نقطة جديدة في حياتي كان لها أثرها بعد ذلك. فقد ظهرت في ذلك الوقت أول فكرة لتقديم فوازير رمضان التلفزيونية، وكالعادة كان اسم فيروز يسبقني أيضًا في تلك الفوازير، إنها لم تكن فوازير كالتي قدمتها بعد ذلك ولكنها كانت عبارة عن فقرة ربط غنائية لا تزيد على خمس دقائق أشترك فيها مع أختي. ورغم قصر عمر التجربة إلا أنها تركت في داخلي أثرًا كبيرا وحلما جميلا أريد تحقيقه... لكن هذه الفوازير أتاحت لي الفرصة لدخول تجربة أخرى أكثر إثارة.
المغامرة والبطولة المطلقة
شاهدني الأستاذ محمود ذو الفقار في إحدى فوازير رمضان، فأعجبه أدائي وكان في ذلك الوقت مشغولا بإعداد فيلمه الجديد «المراهقة الصغيرة»، ورغم أن المنتج قد رشح للفيلم بطلة معروفة. إلا أن محمود ذو الفقار كان يريد أن يكون الدور واقعيا، وأن تكون البطلة في عمر بطلة القصة، وعندما شاهدني في التلفزيون – كما أخبروني بعد ذلك - صاح قائلاً: هي دي اللي تعمل دور المراهقة الصغيرة.
لم يكن أحد يصدق أن يغامر محمود ذو الفقار بتقديم بنت عمرها ثلاثة عشر عاما في دور بطولة أمام أحمد مظهر وليلى فوزي. نعم كانت مغامرة إلا أن صوت الأستاذ محمود ذو الفقار الذي جاءني على الهاتف حسم الأمر وأخبرني بأنني سألعب دور البطولة في فيلم «المراهقة الصغيرة». كدت أطير فرحا بعد انتهاء المكالمة. وشعرت وقتها بأنني أملك العالم بين يدي. وفي اليوم التالي قال لي محمود ذو الفقار عند مقابلته لي بطريقته الهادئة: «أنا واخد المسؤولية على نفسي. وأنا متأكد من إمكانياتك».
هذه الكلمات القليلة كأنها مفاتيح أبواب العالم السحري، إنها الفرصة التي يتمناها كل وجه يريد أن يشق طريقة، أو كل ممثلة تريد أن تثبت ذاتها. وبدأنا تصوير الفيلم وانتهينا منه، في الوقت الذي كنت أخوض فيه تجربة جديدة.
الخوف من التجربة
بعد انتهاء فوازير رمضان، فوجئت بالفنان ممدوح زايد، يدق بابي ويطلبني للعمل مع فرقة الريحاني المسرحية. وهل هذا معقول– سألت نفسي- أن أصبح بطلة مسرحية رغم رغم أنه لم يسبق لي طوال حياتي الوقوف على خشبة المسرح؟
وبسرعة حدد لي ممدوح زايد موعدًا لبدء البروفات لمسرحية: «اوعى تعكر دمك»، وطلب مني الحضور أمام مسرح الريحاني في اليوم التالي لبدء تدريبات قراءة النص. بسرعة جرى كل شيء وتركني ممدوح زايد دون حتى أن يسمع ردي.
وبالواقع كنت في حيرة وخوف. كنت خائفة من التجربة، خاصة أنني ما زلت في بداية مشواري الفني. لم أنم ليلتي وكنت أمام أمرين: أن أرفض وأكون بذلك قد خسرت تجربة وهربت من مواجهة الجمهور، أو أقبل رغم عدم درايتي بالمسرح.
كان لا بد أن أسأل نفسي. أنا ممثلة والكل قد شهد بموهبتي، إذن علي أن أكمل المشوار وأبدأ الرحلة، وفعلاً ذهبت في اليوم التالي في الميعاد المحدد بمسرح الريحاني. ويومًا بعد آخر كنت أحس بأن رصيدي من الخبرة يزداد وموهبتي تنمو. واستقبل الجمهور العرض بترحاب شديد مما كان له أكبر الأثر على نفسي. مع ذلك كنت في انتظار عرض الفيلم. ذلك الجسر الذي سيوصلني إلى ما كنت أحلم به. فهو أول بطولة مطلقة، إلا أنني أعتقد أن المسرح قد قتل أحساسي بالانتظار والقلق، حتى جاء اليوم الذي فتحت فيه أبواب الحظ أمامي.