
لم يكن سوق عكاظ مكاناً ينشد فيه الشعر فحسب، بل كان أيضاً موسماً اجتماعاً قبائلياً له دوره السياسي والاجتماعي الكبير، فقد مثّل عكاظ لقبائل العرب منبراً إعلامياً يجتمع فيه شيوخ القبائل بعشائرهم، وتعقد فيه مواثيق وتنقض فيه أخرى، كما كان السوق مضماراً لسباقات الفروسية والبراز، وسوقاً تجارياً واسعاً تقصده قوافل التجار القادمين من الشام وفارس والروم واليمن، ومنتدى تطلق فيه الألقاب على الشعراء والفرسان والقبائل وغير ذلك، ومنبراً خطابياً تقال فيه الخطب، وينصت له الناس، ومجلساً للحكمة تحفظ فيه الحكم وتسير بها الركبان ويتمثل بها الناس. وقد أورد الخليل بن أحمد حول كلمة عكاظ في اللغة قوله: (وسُمّي به لأن العرب كانت تجتمع فيه كل سنة فيعكظ بعضهم بعضًا بالمفاخرة والتناشد : أي يُدعك ويُعرك، وفلان يعكظ خصمه بالخصومة : يمعكه).
وامتداداً لمسيرة سوق عكاظ القديمة في الشعر والأدب والثقافة، التي احتلت مكانة خاصة في ذاكرة الشعر العربي، افتتح صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة الدورة السادسة لسوق عكاظ التي انطلقت مساء أمس بجامعة الطائف بندوة مخصصة للشباب ضمن البرنامج الثقافي للسوق بعنوان " ماذا يريد منا الشباب وماذا نريد منه " في بادرة تعد الأولى من نوعها منذ انطلاقة السوق , ويشارك أكثر من 700 شاب وشابة في أكبر تجمع شبابي حواري تشهده السعودية يهدف إلى تشجيع التواصل الدائم بين الشباب وصناع القرار لترسيخ ثقافة الحوار. وكشف المتحدث الرسمي لسوق عكاظ الثقافي محمد سمان الذي قال "إن الندوة تركز على استثمار سوق عكاظ ليكون إحدى قنوات التواصل الإيجابي لتبادل الأفكار مع الشباب وعرض تجاربهم الثقافية والعملية والعلمية".
[caption id="attachment_55238383" align="alignleft" width="290"]

كما شهد حفل الافتتاح عرضاً مسرحياً بعنوان "العكاظيون الجدد" يجسد مشاهده واقع الشعر العربي الفصيح ما بين الماضي والحاضر، وذلك من خلال حوار درامي يجمع شعراء سوق عكاظ قديماً ويمثلهم النابغة الذبياني والأعشى، مع شعراء السوق حديثاً ممثلين في الراحل الدكتور غازي القصيبي.
وقد أوضح مخرج ومعد العمل فطيس بقنة أن «العكاظيون الجدد» هو مغاير عن ما قبل، فهو ليس أوبريتا وإنما أوبراليا عبارة عن عمل درامي غنائي استعراضي فنتازي يقدم صورة فنية تجمع الماضي والحاضر عبر شخصيات تجسّد شعراء السوق كالأعشى والنابغة الذبياني وغيرهما في حوار يجمعهما مع الراحل الشاعر غازي القصيبي الذي يجسّد شخصيته الممثل رياض الصالحاني، ونحن نعرف بأنه قد جرت العادة بسوق عكاظ على الاحتفال بالشعراء في تلك الفترة ولكن نحن في «العكاظيون الجدد» وهذا العمل الفني والمسرحي البسيط يظهر بالرجوع للماضي كأن الشاعر القصيبي يحتكم أمام النابغة في سوق عكاظ وبعد سماع النابغة له يتسلم راية شاعر عكاظ، حيث إن السوق ولَّد لأجيال عكاظيين جدد ومنهم غازي القصيبي.
[blockquote]يرى الكاتب عبدالعزيز الصعب أن سوق عكاظ ليس معنياً بالعربية الفصحى فقط بل هو شعبي بطابعه العام لأنه مكان لالتقاء القبائل بعاداتهم وتقاليدهم الشعبية، فهم يأتون ويمارسون فيه عاداتهم الشعبية والتقليدية كتقديم الحرف الصناعية التقليدية وعروض للفروسية وقوافل الإبل وعرض مختلف الفنون الشعبية والمقتنيات والتراث العريق.[/blockquote]
يذكر أن تاريخ عكاظ يعود إلى أربعة قرون قبل الميلاد وقد نشط في الفترة السابقة لظهور الإسلام، واستمر في عهد النبوة وصدر الإسلام أيام الراشدين وزمن بني أميه حتى سنة 129 ه، حيث ثار الخوارج ونهبوه، وقد تأثر سوق عكاظ بتوسع الدول الإسلامية وانتقال مراكز الحضارة من الحجاز إلى دمشق ثم بغداد، حيث المدن الكبيرة، وبدأت الحياة الجديدة في الشام والعراق ومصر تجذب الناس إليها مع الاهتمام بالفتوحات مما أضعف الحاجة لسوق عكاظ ودوره التجاري خاصة.
ويقع محل سوق عكاظ حالياً شرق مدينة الطائف قرب العرفاء شمال ضاحية الحوية، ويبعد عن مطارها بنحو عشرة كيلومترات عند ملتقى وادي شرب والأخضر، ويلقى سوق عكاظ اهتماماً بالغاً من الأدباء والعلماء والمؤرخين، وتقام فيه فعاليات أدبية وترفيهية واقتصادية.