* أقدمت مجموعات شبابية على تنظيم الحملات الإغاثية، وافتتحت عددا من «التكايا» الخيرية لتوزيع الطعام على الفقراء والمتضررين من إجراءات مكافحة «كورونا»
* في الأيام الأولى لشهر رمضان، كانت المقاهي والمطاعم مغلقة بشكلٍ كامل في غزة، إلا أنّ الإغلاق لم يدم طويلاً
* لم يمنع الإغلاق المواطنين من الإقبال على إقامة صلاة الجماعة على أسطح المنازل وفي بعض الشوارع الفرعية، متجاهلين بذلك تحذيرات وزارة الداخلية
غزة: قبل دخول شهر رمضان، بدأ السكان في قطاع غزة، خطواتهم بالتجهيز والاستعداد لاستقبال «الشهر»، رغم التخوفات الموجودة من الجائحة العالمية، التي تركت آثارها على الاقتصاد والحركة التجارية، حيث إن الأيام السابقة للشهر والأولى فيه، كانت حافلة بالكثير من الفعاليات والأنشطة الميدانية والمنزلية، التي هدف الناس من خلالها للإبقاء على أجواء الفرح التي تعودوا عليها، خلال السنوات الماضية، فصنعوا الفوانيس وعلقوا الزينة، ونزلوا للأسواق والمحال التجارية؛ لشراء الطعام والحلويات، المتمثلة بالقطائف والكنافة وغيرها، كما أنّ الطقوس المتعلقة بالأطفال الذين يخرجون يوميًا للشوارع لإطلاق الألعاب النارية واللعب ما زالت حاضرة.
وإضافة لكلّ تلك المظاهر أقدمت عدة مجموعات شبابية على تنظيم الحملات الإغاثية، وافتتحت عددا من «التكايا» الخيرية لتوزيع الطعام على الفقراء والمتضررين من إجراءات مكافحة «كورونا»، التي أقرتها الحكومة في غزة بعد اكتشاف 17 حالة مصابة بالفيروس، من بين العائدين إلى القطاع، والذين تمّ حجرهم في مراكز خاصّة، وشملت القرارات الحكومية، فرض الإغلاق على المساجد وعلى المطاعم وأماكن التجمع، ودعت للتباعد الاجتماعي، والتقليل من الزيارات الاجتماعية، لكنّ الرابع من شهر رمضان، شهد تراجعًا في تلك الإجراءات حيث تم الإعلان عن إعادة فتح المطاعم والمقاهي، مع استمرار إغلاق المساجد، وهو الأمر الذي قابله المواطنون باستهجان، كونهم يرون أنّ الأخيرة هي الأولى بالفتح من المطاعم، وذلك لأنّ الأجواء الإيمانية والروحانية المرتبطة بالشهر، لها طعم آخر داخل المساجد، وفقًا لقولهم.
صناعة الفوانيس وفرح الأطفال
ولعل أهم أجواء البهجة المرتبطة برمضان، تتمثل في الفوانيس الملونة، التي يُقبل الناس على شرائها للزينة. حيث أقدم عدد من الحرفيين وأصحاب مواهب على الرسم والتشكيل على صناعة الفوانيس داخل المنازل بمساعدة من عائلاتهم، وكانت أسرة المواطن محمد اليعقوبي الذي يسكن جنوب القطاع، من بين أبرز المبادرين في هذا الأمر، حيث جاءت تلك الخطوة منه، لاستغلال فترة الحجر المنزلي، التي أوجدت لديهم عددا كبيرا من ساعات الفراغ يوميًا، ويبيّن أنّه يجيد منذ فترة طويلة هو وزوجته، مهارات الغزل اليدوي والخياطة، وهو الأمر الذي ساعدهم في عملهم، حيث إنهم أنتجوا حتّى هذه اللحظة العشرات من الفوانيس «ذات الألوان الزاهية واللافتة»، والتي تمّ تسويقها في السوق المحلية، إذ إنّها لاقت إقبالاً جيدًا من المواطنين.
وبحسب قول اليعقوبي لـ«المجلة»، فإنّ السوق المحلية، تعاني هذا العام من نقصٍ حاد في الفوانيس والزينة الرمضانية، وذلك لأنّ التجار اعتادوا على استيرادها من الصين، لكنّهم لم يتمكنوا من ذلك هذه المرّة، بسبب الإغلاقات التي فرضها فيروس «كورونا»، مشيرًا إلى أنّ أدوار إنتاج الفانوس تتوزع بينهم، كعائلة، فهناك من يتولى مهمة تجميع قطع الورق المُقوى التي يُبنى منها هيكل الفانوس، وهناك من يهتم بقص القماش وتركيبه والتشطيب النهائي، وفيما يتعلق بالأدوات التي يستعملونها خلال عملهم، يوضح الأب أنّها بدائية، ومتوافرة بشكلٍ جيد في السوق، ومنها القماش الملون، وأصابع اللحام البلاستيكية، وبعض الأخشاب، وقطع الكرتون، إضافة لوحدات الإضاءة الملونة الصغيرة، متابعًا: «في حال وجود طلبات خاصّة من بعض الزبائن، يطلبون فيها فوانيس بأشكالٍ وبأحجام محددة، فنحن نلبي رغبتهم بسرعة، ولدينا القدرة على ذلك، لأنّ شغلنا يقوم على مهارة وحرفية في الخياطة والتشكيل».
وعلى نفس العادة، داومت مجموعات الأطفال والشباب في غزة، على الخروج خلال أوقات المساء للشوارع لقرع الطبول؛ احتفالاً بالشهر، ولدعوة الناس للاستمرار في تعليق الزينة وإطلاق الألعاب النارية. حيث تردد المجموعات على وقِع أصوات الطبول عبارات مرتبطة برمضان، مثل «حالو يا حالو، رمضان كريم يا حالو»، و«أهلاً شهر الصوم والبركة».
ويشير الشاب إبراهيم العيسوي الذي يقطن مخيم الشاطئ غربي مدينة غزة، إلى أنّهم يحاولون الحفاظ على الأجواء التي تعود عليها الناس، من خلال وسائل بسيطة، منوهًا إلى أنّ حالة الوباء حاليًا، مطمئنة في غزة، لأنّ الحالات المكتشفة هي داخل الحجر الصحي، ولم تخالط المواطنين داخل القطاع، وفقًا لما تقوله الجهات الرسمية.
ويذكر الطفل أحمد العاصي (12 عامًا) والذي يقطن في مدينة غزة لـ«المجلة» أنّه عاش برفقة أصدقائه الأطفال الأجواء الرمضانية بشكلٍ جيد، واستطاعوا صناعة الأجواء الخاصّة بهم، من خلال التجول في الشوارع والأسواق لمشاهدة الزينة، والمناداة بعبارات خاصّة بالشهر، موضحًا أنّ أسرته تعاني من ظروفٍ اقتصادية صعبة، تفاقمت مع أزمة كورونا، حيث إن والده يعمل سائقًا على سيارة أجرة وتعطل عمله كثيرًا خلال الفترة الماضية، وصار غير قادر على تلبية احتياجات أسرته، المكونة من 7 أفراد، إلّا أنّ ذلك لم يعق فرحتهم بالشهر، إذ إنّ إخوته عملوا على شراء الحبال الملونة والأعلام وعلقوها على جدران المنزل، إذ أعطت بهجة كبيرة، أشعرتهم كعائلة أنّ الحال لم يختلف كثيرًا، وينوه إلى أنّ الأيام التي مضت من الشهر مرّت بسرورٍ وفرح، واستطاعوا فيها توفير ما يحتاجونه من أطعمة وحلويات وعصائر.
حركة اقتصادية متأرجحة
وسط مدينة غزة، يقع سوق الزاوية الذي يعتبر من أشهر الأسواق الشعبية في المدينة المحاصرة، والمعروف بتوافر الزينة والمستلزمات الخاصّة بشهر رمضان داخله، حيث عمل التجار خلال الفترة الحالية، على تعليق الزينة والفوانيس وعرض أصناف الحلويات والموالح والعطارة الخاصّة برمضان، وذلك على الرغم من أنّ الحركة الشرائية لم تكن المأمولة بالنسبة لهم، خاصة أنهم يعانون بالأساس من ضعف البيع وتراجعه، ويوضح التاجر إبراهيم عوض والذي يمتلك محلاً يختص ببيع المواد الغذائية، أنّ الوضع الاقتصادي الذي يمرّ فيه الناس حاليًا، أثر بشكلٍ كبير على إقبالهم على شراء الأطعمة والزينة والحلويات التي اعتادوا على شرائها سنويًا.
الشابّ غازي السلطان، من منطقة شمال القطاع، تعوّد في كلّ عام على العمل خلال موسم رمضان في بيع «القطائف»، وهي حلوى شهيرة يقبل المواطنون عليها بشكلٍ كبير خلال الشهر المبارك، ويقول في حديثٍ لـ«المجلة»: «الوضع هذا العام، يختلف عن السنوات الماضية كثيرًا، فالحال الاقتصادي للناس تراجع، والحلويات صارت من بين الأشياء الثانوية التي يقبلون على شرائها»، موضحًا أنّ علمه المسبق بطبيعة الحركة الشرائية «الضعيفة» لم يمنعه من الاستعداد للشهر كما في كلّ المرات السابقة، وذلك لكونه يعرف جيدًا أنّ سكان غزة لن ينقطعوا عن معايشة أجواء رمضان، على الرغم من الظروف المحيطة بهم، وذلك لأنّ لهم تجارب مختلفة، في المعاناة مع الظروف الصعبة، وفي كلّ المراحل أثبتوا أنّهم قادرون على صنع الحياة وأجواء الفرح، وفقًا لكلامه.
وفي الأيام الأولى لشهر رمضان، كانت المقاهي والمطاعم مغلقة بشكلٍ كامل في غزة، بأمرٍ من الحكومة، التي أقرت مجموعة من الخطوات للوقاية من فيروس كورونا، إلّا أنّ الإغلاق لم يدم طويلاً، حتّى تمّ الإعلان قبل أيام عن إعادة افتتاحها خاصّة في ظلّ عدم اكتشاف حالات مصابة بين السكان داخل القطاع، الأمر الذي أعاد الحياة لتلك المنشآت، وترك فرحًا في نفوس كثير من الشباب والعائلات، التي اعتادت على قضاء أوقات فراغها والسهر في تلك المنشآت السياحية والترفيهية.
ويتحدث الشابّ عز الباشا، الذي يقطن مخيم جباليا الواقع شمالي قطاع غزة، أنّه وبمجرد سماعه الخبر انتقل برفقة مجموعة من أصدقائه، إلى مقهى يقع على طرف المخيم، تعودوا على زيارته مساء كلّ يوم قبل بدء الأزمة، وعبر في حديثٍ لـ«المجلة» عن سعادته بهذا القرار، وتمنى أن يستمر، وأن يُفك الحظر والإغلاق عن كلّ المؤسسات في غزة قريبًا، لتعود الحياة إلى طبيعتها.
وأوضح صلاح أبو حصيرة، رئيس الهيئة الفلسطينية للمطاعم والفنادق والخدمات السياحية في غزة أنّ وزارة الاقتصاد قررت السماح لعشرات المطاعم العاملة في القطاع بفتح أبوابها من جديد، بعد أن توقفت لفترة طويلة، بسبب الإجراءات الخاصّة بمواجهة فيروس كورونا، مع اشتراط التزامها بمعايير السلامة الشخصية والعامة، واتخاذ مجموعة من التدابير اللازمة للحفاظ على العاملين والزبائن، لافتًا إلى أنّ من بين هذه الإجراءات التباعد داخل المطاعم وارتداء العاملين للقفازات والكمامات الطبية خلال عملهم، مؤكدًا أن هذه المنشآت ستبدأ بتطبيق هذه التعليمات، وأشار خلال حديثٍ لـ«المجلة»، إلى أنّ القرار يمكن اعتباره صائبًا، وذلك لأنّ شهر رمضان بالنسبة لتلك المنشآت هو بمثابة ذروة الموسم، التي تعوض فيه الخسائر التي تتكبدها طوال العام.
بائع الخضار في سوق مخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين شمالي قطاع غزة، مريد أبو موسى، يرى أن حركة السوق هذا العام، في ظل حالة القلق من تفشي كورونا، لم تختلف كثيرا عن الأعوام السابقة، وذلك لأنّ الناس لم يلتزموا كثيرًا بالإجراءات الوقائية بصورة عامة، موضحًا أنّ هناك بعض الزبائن يلتزمون بالإجراءات الوقائية التي أقرّتها المنظمات الصحية للوقاية من كورونا كارتداء الكمامات والقفازات الواقية، لكنّ ذلك غير كاف وفقًا لحديثه، ويذكر أنّه يبيع على بسطته الخضار المرتبط بشهر رمضان من «جرجير وبقدونس والفجل والسبانخ والكزبرة والخس وغيرها» وينادي عليها مستخدمًا مصطلحات مرتبطة بـ«كورونا»، مشيرًا إلى أنّ الإقبال على بسطته الصغيرة ما زال حتّى هذا الوقت جيدًا، وذلك على الرغم من أنّه كان يتوقع أنّ تكون الحركة ضعيفة والبيع قليلا في هذا العام.
العادات الاجتماعية والمساجد
وفيما يتعلق بالعادات الاجتماعية المرتبطة بالزيارات والعلاقات بين الأفراد، فقد ألقت الجائحة العالمية أثرها عليها، خاصة أن التخوفات ما زالت قائمة، لكنّها لم تكن بالشكل الصارم الكبير، فكثيرون يلتزمون بالتباعد الاجتماعي الذي يعتبر بمثابة ظاهرة جديدة، فرضتها أزمة كورونا، وتستوجب وجود مسافة آمنة بين الأشخاص، تمنع من انتقال الفيروس بينهم، لكنّ فئة كبيرة أيضًا تتهاون في التعامل مع تلك الإجراءات وتصرّ على ممارسة عاداتها بالسلام والتقبيل والزيارات العائلية وتنفيذ ولائم الطعام وغيرها، وذلك وفقًا لما قاله الخبير في الشأن النفسي والاجتماعي درداح الشاعر، الذي بيّن أن التراخي من قِبل بعض الأشخاص يعود إلى شعورهم بعدم وجود خطر، خاصة أن الشارع الغزي لم يشهد إصابات بالفيروس، والحالات الموجودة معزولة في مراكز الحجر ولم تخالط السكان، مبيّنًا أنّ ذلك غير مبرر لهم.
وما زالت حتّى هذا الوقت المساجد مغلقة في غزة، وذلك على الرغم من التهاون في الإجراءات ببعض المناطق، ولم يمنع الإغلاق المواطنين من الإقبال على إقامة صلاة الجماعة على أسطح المنازل وفي بعض الشوارع الفرعية، متجاهلين بذلك تحذيرات وزارة الداخلية، ويقول نضال أحمد الذي يقطن مخيم جباليا، شمالي القطاع، إنّه يجمع يوميًا أبناء عائلته الذين يزيد عددهم عن عشرين شخصا، ويقيمون صلاة الجماعة والتراويح داخل أرضٍ فارغة تقع على مقربة من منازلهم، وذلك لأنّهم يرون صلاة الجماعة، من أهم طقوس الشهر التي لا يمكن الاستغناء عنها على الرغم من الجائحة.
وفي محافظة خانيونس جنوب القطاع، أحضر المُسن الفلسطيني تحسين البطة، فرشًا كبيرًا ووضعه في فناء منزله، ونادى أبناءه وأحفاده لصلاة الجماعة في أول أيام رمضان، وأخبرهم أنّهم سيداومون على الصلاة بهذا الشكل، حتّى يتم فتح المسجد، وذلك لأنّه لم يعتد على قطع صلاة الجماعة منذ سنوات طويلة.
ونشط منذ بداية الشهر، العمل في التكايا الخيرية، التي تشرف عليها مجموعات شبابية ومتطوعون في مختلف مناطق غزة، وتعمل على توزيع وجبات إفطار على عشرات الفلسطينيين والمتضررين من تفشي فيروس «كورونا»، وتعتمد التكايا في تمويلها على رجال أعمال وفاعلي خير وتستفيد منها مئات الأسر الفقيرة، وفي حي الشجاعية شرقي مدينة غزة، تقع تكية وليد الحطاب البالغ من العمر (56 عامًا)، وهي تقوم بإعداد «الجريشة» لسد حاجة العشرات من فقراء سكان الحي الذي يقطنه، حيث ينشغل يوميًا بمساعدة عدد من المواطنين في إيقاد الحطب والأخشاب، ليشعل النار تحت وعاء كبير للطبخ، حيث يتجمع حوله، أطفال ونساء ورجال الحي، جالبين معهم أوعية صغير لنقل الطعام إلى المنزل.