* المتحدث باسم وزارة الري المصرية لـ«المجلة»: كان ضمن الشروط استيفاء الدراسات المتعلقة بأمان السد، وأي نقطة تم وضعها في هذا الاتفاق تم وضعها مع الجانبين الإثيوبي، والسوداني مسبقاً
* تسير إثيوبيا مع مصر في مفاوضات تسويف واستنزاف واستهلاك للوقت وليست مفاوضات شريفة بهدف الوصول إلى حلول
* من خلال المحاكاة التي تمت بكليات الهندسة عن احتمالات انهيار سد النهضة أو انزلاقه ستصل المياه مصر بعد 17 يوما من انهيار السد وهذا كفيل باتخاذ الإجراءات لإخلاء مكان لاستقبال المياه الزائدة بسبب انهيار السد لتقليل الأضرار
* معامل الأمان المنخفض للسد هو ما أقلق الولايات المتحدة والبنك الدولي واللجنة الدولية لمعاينة سد النهضة في 2011 والتي قالت إن معامل الأمان في سد النهضة مرعب ومخيف وينبغي على إثيوبيا إعادة النظر في زيادة معامل الأمان
* ما حدث من هجوم للجيش الإثيوبي على بعض المناطق الحدودية واحتلاله أجزاء من ولاية الغضارف السودانية يمكن أن يكون إشارة للسودان لتفهم أن إثيوبيا ليس لها أمان
* تعديل مواصفات السد إلى 7 أضعاف السعة المقررة ونوع التربة والصخور الإثيوبية البركانية شديدة التحلل والتشقق قد تتسبب في انهياره كما حدث في الانهيار الجزئي بسد «تاكيزي» ومشروع جيبي-2 بعد عشرة أيام فقط من افتتاحه
القاهرة: تحذيرات متواصلة أثارها انهيار إحدى بوابات «سد أوين – نالوبالي» الأوغندي والذي تم إنشاؤه على مخرج بحيرة فيكتوريا، لتنظيم خروج المياه من البحيرة التي تأتي كثاني أكبر بحيرة للمياه العذبة في العالم من حيث المساحة، وأكبر بحيرة استوائية في العالم بمساحة تبلغ ما يقارب 69 ألف كيلومتر مربع، من أن يلقى سد النهضة الإثيوبي نفس المصير، وما يمثله من مخاطر وجودية على السودان ومصر، في ظل مخاطر تصميم السد، وعدم كفاية وسائل الأمان به، والمخاطر الشديدة المحتملة الحدوث والتي تؤكد احتمالية انهياره بسبب التربة التي بني عليها جسم السد، وهو ما سوف يؤدي إلى غرق مناطق كبيرة في السودان في حال انهياره، خاصة مدينتي الخرطوم، وأم درمان، إضافة إلى احتمالية تأثيره على جسم السد العالي في مصر، وهو ما ينذر بمخاطر كارثية، ووجودية على مصر والسودان.
وكانت التحذيرات قد بدأت من السودان بعد مواقفها المساندة للجانب الإثيوبي، والذي جاء على حساب الجانب المصري، وذلك لعدة اعتبارات تراها السودان في مصلحتها القومية، دون النظر إلى المصالح المصرية، أو المخاطر التي قد تتعرض لها حال نقص حصتها المائية التي تقدر بنحو 55.5 مليار متر مكعب من المياه سنويا، أو في حالة انهيار السد وغرق أغلب المدن والبلدان المصرية، وموت ملايين الأشخاص، حيث حذر الخبير في مجال الري، مدير مركز الخرطوم لحقوق الإنسان، وممثل السودان السابق في اتفاقيات سد النهضة الدكتور أحمد المفتي من خطورة انهيار سد النهضة الإثيوبي، عقب انهيار إحدى بوابات سد «أوين – نالوبالي»، مؤكدا أن ذلك ينبغي أن يكون إنذارا شديدا للسودان من خطورة سد النهضة، ومطالبا الحكومة السودانية بوضع سيناريوهات لما قد يحدث في حال انهيار إحدى بوابات سد النهضة.
«المجلة»، من جانبها، رصدت تحذيرات بعض المسؤولين، والخبراء في مجالات الري، والمياه، وطريقة تعامل الإدارة المصرية والسودانية مع مثل هذا الملف والذي تعرض للتعقيد بسبب تعنت الجانب الإثيوبي، خلال المفاوضات الثلاثية، والتي امتدت لعدة سنوات، وكان آخرها اجتماعات الأطراف الثلاثة «مصر – والسودان – وإثيوبيا» برعاية الرئيس دونالد ترامب ووزارة الخزانة الأميركية في العاصمة الأميركية واشنطن، والتي توصلت لاتفاق مبادئ لملء خزان سد النهضة على مراحل مع مراعاة الأضرار على دول المصب، ووقعت مصر بالأحرف الأولى على الاتفاق برعاية الولايات المتحدة الأميركية، والبنك الدولي، والذي شمل قواعد الملء وتشغيل السد، وإجراءات مجابهة حالات الجفاف، والجفاف الممتد، وآلية التنسيق، وآلية ملزمة لفض المنازعات، وتناول أمان سد النهضة، والانتهاء من الدراسات البيئية، ورفضت إثيوبيا التوقيع على الاتفاق، وهو ما اعتبرته مصر سلوكا يهدف إلى عرقلة المفاوضات.
معامل أمان منخفض للغاية
من جانبه، قال خبير الموارد المائية والتربة بجامعة القاهرة، الدكتور نادر نور الدين، في تصريحات خاصة لـ«المجلة»: مخاطر سد النهضة الإثيوبي، ومعامل أمان السد كان من الملاحظات التي أبداها الجانب المصري والسوداني خلال المفاوضات مع إثيوبيا في واشنطن برعاية الولايات المتحدة الأميركية، والبنك الدولي، حيث أثارت الدولتان مسألة أن معامل أمان سد النهضة منخفض للغاية، وأنه ينبغي على إثيوبيا أن تتخذ إجراءات كفيلة بمنع انهيار أي أجزاء من جسم السد، ولكن إثيوبيا رفضت هذا الأمر وادعت أن معامل الأمان سبقت دراسته، وأنها مطمئنة لهذا الأمر، وأنه لن تحدث انهيارات رغم أنه حدث انهيار داخل أحد السدود المهمة في إثيوبيا والذي أنشئ على نهر عطبرة وهو نهر «تاكيزي»، وحدث فيه انهيار جزئي، وهو السد الذي أنشأته نفس الشركة المنفذة لسد النهضة، وتداركت الأمر، واستغرقت عملية إصلاحه عدة أشهر، ومع ذلك تكابر إثيوبيا وتدعي أن مسألة أمان سد النهضة هي مسألة غير قابلة للمناقشة، أو إعادة النظر فيها رغم أن البنك الدولي، والولايات المتحدة أيدا وجهة نظر مصر في أن معامل أمان سد النهضة منخفض لأنه سد إسمنتي، وليس سدا ركاميا مثل السد العالي، فبالتالي أي هزة أرضية أو زلزال بسيط أو تحرك للقشرة، أو تسرب للمياه من تحت جسم السد من الممكن أن يتسبب في انهياره، أو انزلاقه، فمن الممكن أن أي فيضان غزير يأخذ جسم السد ويسير به في ظاهرة معروفة باسم «انزلاق السدود» عندما تكون المياه الواردة غزيرة فقد يتم انزلاق السد حتى الخرطوم، ومن هنا فإن ما قاله الدكتور المفتي هو ما أبدته مصر والسودان في اجتماعات واشنطن، ورفضته إثيوبيا لأنها معتمدة في التفاوض على المكابرة والتسويف وفرض سياسة الأمر الواقع، ولا تضمن أي حقوق لمصر، حتى إنها ترفض أن تضمن أمان السد من أن ينهار ويتسبب في إغراق السودان، والإضرار الكبير بمصر، كما أنها لا تضمن حدا أدنى من مياه النيل الأزرق أن تذهب للسودان، هي تريد أن تتحكم في كل شيء ومن هنا فإن هذه المكابرة وجدت رفضا من الولايات المتحدة الأميركية، والبنك الدولي، وتأييد موقف مصر، كما أنها هي التي جعلت إثيوبيا ترفض بعد ذلك وجود الولايات المتحدة، والبنك الدولي، أو أي منظمات دولية خلال المفاوضات، وأعلنت أنها تفضل أن يكون هناك وساطة أفريقية من دول منابع النيل، أو من أعضاء الاتحاد الأفريقي ظنا منها أن مثل هذه الدول يسهل خداعها، أو تسويفها، أو في محاولة لخطب ود الدول الأفريقية، على الرغم من أن هذه المنظمات الدولية هي التي تعيش عليها إثيوبيا مثل برنامج الغذاء العالمي، ومعونات البنك الدولي، وبعد ذلك ترفض وساطاتهم، وتطالب بوساطة أفريقية، رغم أنها خضعت قبل ذلك للولايات المتحدة الأميركية في وقت سابق عندما انتشرت ظاهرة القرصنة على السفن الدولية في المحيط الهندي والسواحل الصومالية، إذن إثيوبيا تعمل بوجهين في وقت واحد، فهي تقبل بالضغوط الأميركية بعدم التدخل في الصومال، وتقبل ببرنامج الأغذية العالمية، والبنك الدولي، وتحصل منهما على معونات على الرغم من أنهما يعملان بتوجيهات أميركية، ثم بعد ذلك ترفض أي وساطة من واشنطن، وبالتالي فإن ذلك يعد ازدواجية كريهة لإثيوبيا التي تريد فرض سياسة الأمر الواقع.
وقال نور الدبن: مصر يجب أن تفضح الممارسات الإثيوبية لدى الدول الأفريقية، ودول العالم، بأن توضح أن إثيوبيا تنتهج سياسة خبيثة، وأنها تريد إحداث وقيعة بين مصر والدول الأفريقية، وترفض الوساطة الدولية وكانها ليست عضوا بالمجتمع الدولي على الرغم من أنها قبلت في وقت سابق باللجنة الدولية لمعاينة سد النهضة في عام 2011. وبالتالي لا بد أن تعرف دول العالم أن إثيوبيا تسير مع مصر في مفاوضات تسويف واستنزاف واستهلاك للوقت، وليست مفاوضات شريفة بهدف الوصول إلى حلول.
الأمر الآخر، أنه ومن خلال الإجراءات التي قامت بها مصر أننا حسبنا بدقة من خلال المحاكاة التي تمت في كليات الهندسة، خاصة كلية الهندسة بجامعة القاهرة عن احتمالات انهيار سد النهضة أو انزلاقه، وحسبنا أن المياه سوف تصل مصر بعد 17 يوما من انهيار السد، وهذا كفيل بأن تتخذ مصر الكثير من الإجراءات بفتح مفيض توشكى لاستقبال المياه الزائدة أو تصريفها، وصرف كميات من مخزون السد العالي في نهر النيل لإخلاء مكان لاستقبال المياه الزائدة بسبب انهيار السد، وجميع هذه الإجراءات هي لتقليل الأضرار التي ستقع على مصر، وبالتأكيد أن فتح مفيض توشكى لن يمنع جميع الأضرار، حيث إن هناك منشآت هندسية على نهر النيل ستتضرر في حال انهيار سد النهضة.
وأضاف نور الدين أن فرضية انهيار سد النهضة كبيرة، فلو حسبنا معامل أمان السد بالقياس بمعامل أمان السدود فسنجدها لا تتجاوز 1.5 بالمقارنة بـ8.5 وهي معامل أمان السد العالي في مصر، وبذلك نعلم أن معامل أمان سد النهضة منخفض للغاية ونخشى عليه كثيرا من الانزلاق سواء أمام الفيضانات الغزيرة أو الانهيار لعوامل كثيرة قد تحدث في القشرة الأرضية مكان إقامة السد، أو حدوث زلازل، أو غير ذلك من الأسباب، وبالتالي فإن معامل الأمان المنخفض هو ما أقلق الولايات المتحدة الأميركية، والبنك الدولي، وقبل ذلك اللجنة الدولية لمعاينة سد النهضة في 2011، والتي قالت إن معامل الأمان في سد النهضة مرعب ومخيف، وينبغي على إثيوبيا أن تعيد النظر في زيادة معامل الأمان.
وذكر نور الدين أن السودان طوال الفترة الماضية كان منحازا للمواقف الإثيوبية، حتى مؤخرا خلال اجتماعات واشنطن، فقد وقعت مصر على الاتفاقية المقترحة، ورفض السودان التوقيع عليها تضامنا مع الجانب الإثيوبي، مؤكدا أنه لن يوقع إلا بعد توقيع إثيوبيا، كما أن السودان رفض بيان جامعة الدول العربية لدعم الموقف المصري والسوداني في قضية سد النهضة، وطالب برفع اسمه من البيان، والحقيقة أن مواقف السودان محيرة، ولكن موضوع معامل أمان سد النهضة هو الذي يقلق السودانيين كثيرا، وأيضا بعدما حدث من هجوم الجيش الإثيوبي على بعض المناطق الحدودية واحتلاله لأجزاء من ولاية الغضارف السودانية من الممكن أن يكون هذا إشارة للسودان أن تفهم أن إثيوبيا ليس لها أمان، وأنها تخدعها لاستمالتها وشق التحالف المصري السوداني على حساب وعود مغرضة للسودان، لن تتحقق أبدا.
خطورة السد لا تزال قائمة
من جانبه، قال أستاذ الموارد المائية بكلية الدراسات الأفريقية، الدكتور عباس الشراقي، في تصريحات خاصة لـ«المجلة»: إن ما حدث في «سد أوين – نالوبالي» الأوغندي، ليس فيه نسبة وتناسب لما سيحدث في سد النهضة، حيث إن ما حدث في السد الأوغندي جاء نتيجة ارتفاع منسوب بحيرة فيكتوريا لأعلى منسوب لها منذ 50 عاما، ما حرك الجزيرة النباتية في اتجاه السد وضغط على البوابة لتنهار وأوقف التوربينات، أما بالنسبة لسد النهضة الإثيوبي فإن جسم السد يقع على مقربة من أكبر فالق تكتوني، وهو امتداد للأخدود الأفريقي العظيم، وفي منطقة نشطة زلزاليا، وهو ما قد يؤدي لانهياره، كما أن تعديل مواصفات السد دون إجراء دراسات جدية يعد عاملا آخر من عوامل خطورة السد التي لا تزال قائمة، حيث تم تعديل مواصفات السد إلى 7 أضعاف السعة المقررة في الدراسة الأميركية، إضافة إلى طبيعة الأراضي، ونوع التربة والصخور الإثيوبية البركانية شديدة التحلل والتشقق، والتي تسببت في انهيار جزئي بسد «تاكيزي»، ومشروع جيبي-2 بعد عشرة أيام فقط من افتتاحه، مؤكدا أن الخبراء السودانيين يعرفون هذه الحقائق تماما، ويدركون المخاطر الحقيقية لسد النهضة رغم فوائده الكبيرة بالنسبة للسودان، فهي تماما مثل سيارة فارهة، ولكن دون مكابح، إلا أن هناك توظيفا سياسيا للمسألة.
استكمال الدراسات المتعلقة بأمان السد
من جانبه، قال المتحدث الرسمي لوزارة الري والموارد المائية المصرية محمد السباعي في تصريحات خاصة لـ«المجلة»: بالنسبة لسد النهضة كان ضمن الشروط التي كنا نسعى لاستيفائها مع الجانبين الإثيوبي والسوداني، خلال الاجتماعات السابقة هو استيفاء واستكمال الدراسات المتعلقة بأمان السد، والدراسات المتعلقة بذات الشأن، وهذه نقطة موجودة حتى في الاتفاق الذي وقعت عليه مصر مؤخرا برعاية أميركية، وهي من النقاط التي تسعى مصر لاستيفائها، وأي نقطة تم وضعها في هذا الاتفاق تم وضعها مع الجانبين الإثيوبي، والسوداني مسبقا، وتم الوصول لاتفاق حول استكمال الدراسات المتعلقة بأمان السد، ويحتاج هذا الموضوع لمزيد من الوقت ولذلك تم تجميد بحث هذا الموضوع بعض الشيء.
جرس إنذار
فيما قال خبير المياه والري السوداني، مدير مركز الخرطوم لحقوق الإنسان، وممثل السودان السابق في اتفاقيات سد النهضة الدكتور أحمد المفتي، إنه ينبغي أن يكون أمان السد هو أحد المطالب الرئيسية التي تتقدم بها السودان قبل بدء المفاوضات، كما ينبغي أن نضع سيناريوهات التعامل حال انهيار إحدى بوابات سد النهضة، أو السد بأكمله، وضرورة إلزام الجانب الإثيوبي بدفع تعويضات عاجلة، وعادلة حال حدوث تلك الكارثة، مضيفا أن لدية أدلة على فرضية انهيار السد، أو إحدى بواباته، فقد شهد العالم انهيار 6 سدود خلال عام واحد فقط، وهذا وحده جرس إنذار لنا، ولقد تحدثت عن انهيار بوابة واحدة من خزان السد الأوغندي لقربه بصورة كبيرة من سد النهضة، كما أن هناك كثرة حاليا في انهيارات السدود حول العالم، وخلال عام واحد فقط وكلها موثقة بالأدلة، فقد انهار سد في ولاية تكساس الأميركية، و3 سدود في البرازيل، وسدان في روسيا بإقليمي «كراسنويار، وسيبيريا»، كما أن انهيار بوابة في السد الأوغندي نجم عنه غرق الكثير من القرى في الشمال الأوغندي، وهو ما قد يكون إنذارا لكارثة قد تحدث للسودانيين في حال انهيار كلي، أو جزئي لسد النهضة، مؤكدا أن أمان السد كان أحد المطالب الرئيسية التي تم تقديمها منذ ما قبل بدء مفاوضات سد النهضة في العام 2005، وأن يتم الاتفاق على ترتيبات للتعامل مع انهياره في حالة الحدوث، بجانب إلزام إثيوبيا بدفع تعويضات عادلة وفورية، وهو ما لم يحدث حتى الآن، لذا يجب المطالبة به، لأن مطلب أمان السد هو مطلب حقيقي وليس نظريا، كما ينبغي اتخاذ الموقف السليم بشأن ذلك والتفاوض حوله، خاصة أن السودان ليس المتضرر الوحيد من هذه المخاطر المحتملة الحدوث.