نجمة «فوازير رمضان» لـ «المجلة»:«ولدت في البلاتوه»... وشاركت في فيلم «الحرمان» وعمري 4 سنوات

خاص بـ«المجلة»: مذكرات نيللي... «الحلقة الأولى»

نجمة «فوازير رمضان» لـ «المجلة»:«ولدت في البلاتوه»... وشاركت في فيلم «الحرمان» وعمري 4 سنوات

* كنت أقضي ساعات طويلة في البلاتوه لمشاهدة فيروز أمام العمالقة أنور وجدي وزكي رستم، وتحية كاريوكا
* كنت أقلد الفنانين، وكان التعليق: دي بنت موهوبة مثل أختها فيروز

القاهرة: لم تعرف السينما العربية الحديثة نجمة تتقن الفن الاستعراضي كـالممثلة المصرية نيللي على الرغم من ظهور نجمات عديدات في هذا الحقل، برزن سينمائيا، كتحية كاريوكا، وسامية جمال، وسعاد حسني (في فيلم «خلي بالك من زوزو»)، الأمر الذي جعل اشتراكها في أي عمل فني يعطيه نكهة خاصة، وهذا بالفعل ما حصل عندما قامت نيللي ببطولة المسلسل التلفزيوني الشهير «فوازير رمضان»، حيث رقصت وغنت ومثلت لمدة ثلاثين يومًا، ونال المسلسل نجاحًا عظيمًا، وقد دلت الإحصاءات عن وجود 5 ملايين مشاهد في مصر وحدها، كانوا ينتظرون يوميًا ظهور نيللي في هده الفوازير حتى أصبح اسمها أخيرًا «فوازير نيللي»، هذا النجاح ليس وليد اللحظة، ولكنه حاصل مجهودات عديدة بدأتها الفنانة نيللي وهي لم تتجاوز عامها الرابع بعد.
 
«المجلة» تقدم حلقات قصة حياة نيللي على لسانها منذ البداية إلى اليوم...
وهذه هي الحلقة الأولى من هذه المذكرات
 
«ولدت في البلاتوه»... هكذا يقولون عني، تعبيرًا عن حياتي الفنية التي بدأت مبكرًا جدًا، وعندما أعود بالذاكرة إلى مرحلة الطفولة أجد أن حياتي تختلف عن حياة كل الأطفال، فأنا من أسرة فنية، والدي منتج سينمائي، وأختي هي الفنانة فيروز التي حققت شهرة واسعة في الخمسينات وكانت بمثابة مثلي الأعلى في تلك الفترة. 
منذ نعومة أظفاري، وأنا أرى أختي التي تكبرني بنحو ثماني سنوات فيروز بطلة سينمائية متألقة يتحدث عنها الجميع وأشاهد صورها في الجرائد والمجلات، وكنت أقضي وأختي ميرفت ساعات طويلة في البلاتوه نشاهد فيروز وهي أمام العمالقة أنور وجدي، وزكي رستم، وتحية كاريوكا. أحببت كل جزئية صغيرة في هذا العالم، أحببت الأضواء والكاميرات واللوحة السوداء المكتوب عليها أرقام المشاهد، أحببت كلمة «استوب» التي يقولها المخرج بغضب ليتوقف التصوير، وكلمة «اطبع» التي يقولها وهو يكاد يطير فرحًا بعد نجاح تصوير المشهد... أصبح هذا العالم هو حلمي الكبير، كنت أقلد الممثلين والممثلات والفنيين في الاستوديو وكان التعليق هو «دي بنت موهوبة مثل اختها» تعقبها ضحكات لا أستطيع فهم أسبابها، بينما كانت أمي الأرمنية تعاقبني على شقاوتي المفرطة وتهددني بكلمة واحدة: «لن أصحبك إلى البلاتوه مرة أخرى»، كانت هذة الجملة هي الجحيم بالنسبة لي، هل أغيب عن حلمي عن عالمي الذي أحبه.


 
الوعد والأمل
«عندما تكبرين سوف نجعلك تمثلين مثل فيروز»، جملة قالتها أمي لتهدئني في إحدى المرات، ولكنها أصبحت أملاً كبيرًا بالنسبة لي، أخذت أتعجل الأيام وأسأل متى أصبح كبيرة مثل فيروز لأمثل، ومرت الأيام وأخذت القرار، وتقول أمي إن هذه الواقعة حدثت وأنا ما زلت في الرابعة من عمري، رفضت أن أنام في موعدي انتظارا لعودة أبي ورغم محاولات أمي إلا أنني تشبثت برأيي، وما إن حضر أبي الذي كان يطلق علي اسم «الدلوعة» حتى قال: لماذا لم تنامي مع إخوتك؟ فقلت له «أنا كبرت وعاوزة أمثل»، وانفتحت بوابة العالم السحرية مع حروف رد أبي: خلاص يا ستي من بكرة تروحي البلاتوه عشان تمثلي مع عمو عماد حمدي، وطانط زوزو ماضي.
 
البداية والحرمان
قال والدي لأمي: لقد تعاقدت على إنتاج فيلم «الحرمان»، الذي سيخرجه عاطف سالم، كأول أعماله، ما زال ذلك اليوم وتلك الكلمات محفورة في ذهني، إنه اليوم الأول الذي دخلت فيه البلاتوه كممثلة... نعم أذكر ذلك اليوم، قابلني الأستاذ عاطف سالم قائلا: «مش انتي عاوزه تمثلي يا نيللي وتبقي زي فيروز؟ عايزين نشوف الشطارة».
وبدأ الأستاذ عاطف سالم يدربني على المشاهد التي يجب أن أقوم بها، وبعد فترة التدريبات كان علينا أن نبدأ التصوير في اليوم التالي، لم أنم في تلك الليلة، بقيت ساهرة مع أختي فيروز وهي تشجعني وتعطيني الخبرات التي مرت بها، نعم كنت في الرابعة من عمري ولكنني أذكر تلك اللحظات جيدًا، فلم يغمض لي جفن في تلك الليلة، وجاء نور الصباح ومعه اللحظة الحاسمة، دخلت من باب الاستوديو والجميع ينظرون إلي كانوا جميعاً يتوقعون أن أنال القدر نفسه من الشهرة والانطلاق اللذين حظيت بهما فيروز، وفي البلاتوه كان الأستاذ عاطف سالم في انتظارنا قالت فيروز بطلة الفيلم: «أنا جاهزة يا أستاذ»، فما كان مني إلا أن رددت وراءها: «أنا كمان جاهزة يا أستاذ»، وضحك الجميع، بينما صاح المخرج «سكوت، تصوير». 
بدأت العمل وتتابعت المشاهد، وبين كل مشهد كنت أسمع كلمات التشجيع المصحوبة بقطع الشيكولاته التي كانت هي كل أجري، فكما قلت كان والدي هو منتج الفيلم، وأذكر أن تصوير المشهد الرابع قد أخذ وقتًا طويلاً، فكلما بدأ التصوير كنت أسمع صوت المخرج «استوب»، ونعيد تصوير المشهد، وفي المرة الخامسة من إعادة التصوير تضايقت وقلت للأستاذ عاطف سالم: لماذا تعيدون المشهد كل هذة المرات هو أنا غلطت؟ 
فرد علي وهو يضحك: «أبداً الممثل الكبير اللي معاكي هو اللي غلط».
 
برافو نيللي
مرت أيام تصوير المشاهد الداخلية داخل البلاتوه بسلام، إلى أن جاء موعد تصوير المشاهد الخارجية، وكانت في أحد المصانع، اقتضى المشهد أن يأخذني والدي في الفيلم «عماد حمدي» معه إلى عمله، بعدما انفصل عن زوجته، وكان المشهد الذي سأصوره من أخطر المشاهد التي مرت بي في حياتي الفنية، كان من المفروض أن أصعد على سلم يبلغ طوله أكثر من مائة متر وهو يشبه سلالم رجال المطافئ، وظل الأستاذ عاطف سالم يشرح المشهد قائلا: «تطلعي السلم ده يا نيللي، وتمسكي في الحديد اللي في نهايته بقوة، امسكي جامد أحسن تقعي، فاهمة يا نيللي أوعي تقعي». 
وجاءت اللحظة حينما سمعت كلمة كلاكيت التي تعني بداية التصوير، بدأت أصعد السلم، وكان علي أن لا أنظر إلى أسفل حتى لا أصاب بالدوار، ومع كل درجة أصعدها كنت أحس بقلبي ينخلع من جسمي بقوة، ولم أحاول أن أنظر إلى أسفل مرة واحدة، عندما وصلت إلى نهاية السلم أمسكت في نهايته بيدي بكل قوة، وبدأت في الضحك كما قال لي الأستاذ عاطف سالم، وبمجرد أن قال المخرج اطبع، مما يعني جودة المشهد، وجدت يدًا تمتد نحوي وتمسكني بقوة من نافذة المبنى المقابل للسلم، كانت اليدان يدي والدي الذي جعله الخوف ينتظر في المبنى المقابل ليسحبني بعد نهاية المشهد، ونزلت لأجد أمي وفيروز وميرفت في حالة يرثى لها، انفجرت والدتي في البكاء، وهي تضمني إلى صدرها، إنه قلب الأم، لحظات وجاء الأستاذ عاطف سالم قبلني وقال: «برافو يا نيللي أنتي ستصبحين ممثلة كبيرة».


 
الانتظار
انتهت المشاهد التي كنت أصورها، وبدأت مشاهد بطلة الفيلم فيروز، رغم ذلك كنت أصحبها كل يوم لتصوير مشاهدها، لقد زاد حبي للبلاتوه، وزاد تعلقي بالتمثيل منذ أن وقفت أمام الكاميرا لأول مرة. كنت أعود من البلاتوه إلى المنزل بحي العجوزة لأجمع بنات الجيران وأعيد عليهن تمثيل المشاهد التي تم تصويرها وأضيف بعض المشاهد من مخيلتي. 
مرت الأيام وانتهى تصوير فيلم «الحرمان» وظللت في انتظار العرض لأشاهد نفسي أولا، وكما يقول والدي إنه كان ينتظر رأي الناس، فقد كانت التجربة بالنسبة له تعني الكثير. 
أراد والدي أن يقدمني كما قدم فيروز من قبل، وأراد لي أن أحقق نفس النجاح والشهرة اللذين حققتهما فيروز. كانت الأسرة كلها بانتظار عرض الفيلم الذي كان بمثابة نقطة تحديد المصير بالنسبة لي، بالإضافة إلى أن الفيلم كان أول إنتاج لوالدي الذي جاء ضاحكا وهو يقول: «اليوم سيتحدد مستقبلك يا نيللي، سنذهب مساء لمشاهدة العرض الأول للفيلم». 
وخرجنا من المنزل لأواجه قدري أو يوم مولدي كفنانة.
 

font change