* مصطفى علوش: ذاهبون إلى معارضة جزئية على «القطعة»
* محمد نمر: لا حل بالأفق في لبنان إلا بإجراء انتخابات نيابية أعتقد أننا سندفع أثماناً قبل الوصول إليها، وأخشى أن تصل إلى المرحلة الأمنية وترتبط بسقوط دماء في لبنان
* رامي الريس: هناك تخبط كبير ومراوحة وتردد في كثير من الملفات من قبل الحكومة، فالخطة المالية لم تبصر النور حتى اللحظة، والتواصل مع صندوق النقد الدولي الذي لا مفر منه أيضاً لم تتم مباشرته
بيروت: في ظل انشغال العالم أجمع بمحاربة وباء كورونا، يعيش لبنان واللبنانيون في هموم أخرى، فبعد انحسار جزئي لهذا الوباء وتأثيره المنخفض نسبياً على لبنان، نظراً لعدد المصابين والمتأثرين به، بات همّ اللبنانيين الأوحد الوضع الاقتصادي والمعيشي. فسعر صرف العملة الوطنية مقابل الدولار يواصل انخفاضه، وأسعار المواد الغذائية والأساسية تحلّق يوميا مع ارتفاع الدولار، أمّا الحكومة اللبنانية التي أتت على دماء ثورة 17 تشرين، وقدّمت الوعود والتعهدات بإجراء الإصلاحات لعودة الاستقرار الاقتصادي والنقدي، فلم تتخذ حتى الآن أي خطوة جدية لانتشال لبنان من الغرق أكثر وأكثر في المجهول.
كل المؤشرات تؤكد أنّ لبنان مقبل على انتفاضة شعبية تشبه ما حصل في 17 تشرين، خصوصا أن الحكومة التي وصفت نفسها بحكومة اختصاصيين ومستقلين لا تزال قراراتها مرتهنة لمبدأ المحاصصة والكيدية السياسية، عدا أنّها لم تنفذ ما أعلنت عنه في بيانها الوزاري عن خطة اقتصادية إنقاذية تضع حدا لاستنزاف المواطن اللبناني.
ومع التوقعات باقتراب الانفجار الشعبي في الشارع، ترتفع أصوات الأحزاب السياسية المعارضة لما تقوم به الحكومة خصوصا لجهة التعيينات المالية والتشكيلات القضائية وعدم اتخاذ أي خطوات تنقذ الوضع النقدي الذي يزداد تدهورا.
وقبل أسبوع تقريبا برز التقارب بين تيار المستقبل وحزب القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي، في معارضة الحكومة عندما صدرت مواقف عالية النبرة من قبل رؤساء هذه الأحزاب وصلت إلى حدّ وصف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الحكومة بأنّها تتبع «طريقة البعث في الانقلاب والسيطرة على أموال الناس وودائعهم»، بينما وصف رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري خطة الحكومة بأنها «خطة انتحار اقتصادي، مبنية على مصادرة أموال اللبنانيين المودعة في المصارف». فهل تشكل هذه الأحزاب جبهة سياسية لمعارضة الحكومة تشبه جبهة «14 آذار»؟
عضو المكتب السياسي في تيار المستقبل الدكتور مصطفى علوش، أكّد في حديث لـ«المجلة» أنّ أي «جبهة معارضة موحدة لم يتخذ قرار بإنشائها بعد، فالمعارضة البرلمانية الفاعلة يجب أن يكون لديها برنامج سياسي واقتصادي ومالي موحد، ومشروع بديل لما تقدمه الحكومة التي فشلت بإدارة البلد إضافة إلى توطيد العلاقة مع المعارضة الشعبية، ولكن يبدو أننا في تيار المستقبل وباقي الأحزاب ذاهبون إلى معارضة جزئية على «القطعة».
الصحافي والمحلل السياسي محمد نمر يشرح في حديث لـ«المجلة» الأسباب التي دفعت بالأحزاب التي لا تشارك في الحكومة إلى إنهاء فترة السماح التي أعطتها للحكومة والبدء بمعركة المعارضة. يؤكد نمر أنّ «الأحزاب التي رفضت تسمية رئيس الحكومة الحالي حسان دياب والمشاركة في الحكومة أعطت هذه الحكومة فترة سماح لإنقاذ البلد، على الرغم من علامات الاستفهام حول عملية تكليف رئيسها وتشكيلها على مبدأ المحاصصة البعيدة عن الاستقلالية. ولكن تبين أنّ هذه الحكومة كما كان واضحا منذ بدايتها هي حكومة أقنعة وليست حكومة مستقلين واختصاصيين كما تدعي، بل هي حكومة تتم إدارتها من الخارج أي من قبل أحزاب وقوى سياسية كانت شريكة في تعطيل الحكومة السابقة، وتحديدا حزب الله، والتيار الوطني الحر.
وقد اتضحت إدارة الحكومة من قبل التيار الوطني الحر وحزب الله في أكثر من ملف، منها التعيينات المالية والتعيينات المرتبطة بنواب حاكم مصرف لبنان، والتشكيلات القضائية التي تعطلت من أجل المحاصصة بين الأحزاب الممثلة بهذه الحكومة، إضافة إلى فضيحة لوائح مساعدات الفقراء في ظل أزمة كورونا التي تبين أنها لوائح استنسابية لمساعدة أنصار أحزاب وقوى سياسية معينة، إضافة إلى التعاطي مع موضوع كورونا والعائدين اللبنانيين من الخارج. وهذا ما أظهر هذه الحكومة بأنها حكومة محاصصة مستمرة تعمل بانتقام وكيدية، ويتم استخدامها لتصفية حسابات مع أفرقاء خارج الحكومة، وتصويرهم بأنهم فاسدون أما من داخلها فهم المصلحون».
وتابع نمر: «بعد مؤشرات واضحة بأن هذه الحكومة ستأخذ البلد إلى خراب وتصفية لبنان بخطة كادت أن تنتقل إلى مرحلة توزيع الخسائر على المودعين اللبنانيين وتحميلهم سبب كل الأزمات الاقتصادية التي مرت على لبنان، صدر موقف عالي النبرة من الأحزاب الثلاثة (المستقبل - الاشتراكي – القوات)... ولكن هذا لا يعني أنّ هناك تنظيم معارض فيما بينهم، بل هناك تنسيق واضح بحلف قوي جدا، يذكرنا بالتحالف ما بين الشهيد رفيق الحريري ووليد جنبلاط، أيام الوصاية السورية... والواضح الآن أن التحالف بين سعد الحريري ووليد جنبلاط زاد متانة، وأيضًا بين القوات اللبنانية وتيار المستقبل هناك على الرغم من برودة العلاقة بين الحزبين، ولكن هذا التواصل وهذه المعارضة لا تأخذ شكل معارضة 14 آذار ولكنها معارضة بناءة».
ورأى نمر أنّ «هذه الحكومة لا تحتاج إلى مواقف من قوى سياسية لمعارضتها، لأن 17 تشرين وثوار 17 تشرين عبروا عن رفضهم لهذه الحكومة في الشارع قبل أزمة كورونا التي حدّت من تحركاتهم، واليوم يأخذون أشكالا أخرى من المعارضة ليؤكدوا وجودهم، وما إن تنتهي أزمة كورونا حتى تعود مرحلة إسقاط الحكومة إلى الشارع ليس بقرارات سياسية بل بسبب ثورة «الجياع» التي أصبحت على الأبواب والتي لم تتخذ هذه الحكومة أي خطوة للحدّ منها.
هذه الحكومة لا تجد من تتكلم معه، فقط مع نفسها، ليس لديها أي تواصل مع الخارج، ترفض التواصل مع صندوق النقد الدولي، هي في عزلة دولية وعربية واضحة، جراء استفراد حزب الله والتيار الوطني الحر بالقرار اللبناني، خصوصا أن مواقفهم أمام العرب تظهر بأنها تصب في الأجندة الإيرانية بالتالي يأخذون لبنان على الخط السوري الإيراني، ونحن نرى اليوم كيف تستجدي إيران صندوق النقد الأموال لإنقاذ شعبها مقابل دفعها أموالا طائلة لبناء ميليشيات لمواجهة العرب، هل هذا ما ستأخذنا إليه الحكومة؟
ولكن اللبناني لديه الكثير من الوعي لمواجهة هذه الحكومة وإسقاطها، بل يجب إسقاط العهد والحكومة بالكامل وإعادة تشكيل الدولة الحقيقية والعودة إلى القانون والدستور. ويمكن هذا عبر المطالبة بانتخابات نيابية مبكرة وهو مطلب الثوار كذلك مطلب الأحزاب المعارضة، ففي أول خطاب للرئيس الحريري بعد ثورة 17 تشرين طالب الناس بالبقاء في الشارع لإجراء انتخابات نيابية مبكرة لكي يحددوا من يريدون في السلطة، هناك عدد من الأحزاب السياسية الموجودة في السلطة تطالب بإجراء انتخابات نيابية مبكرة ولكن من خيط قانون الانتخابات الحالي كحزب الله والتيار الوطني الحر، هذا الطرح جاء خوفا على تمثيلهما داخل مجلس النواب».
وختم نمر: «لا حل بالأفق في لبنان إلا بإجراء انتخابات نيابية التي أعتقد أننا سندفع أثمانا قبل الوصول إليها، وأخشى أن تصل إلى المرحلة الأمنية وترتبط بسقوط دماء في لبنان».
ولكن هل سنشهد تحركات لأحزاب معارضة في الشارع خصوصا أنّ إعلام الثامن من آذار يروّج إلى أنّ المستقبل والاشتراكي يستعدان لتحريك الشارع ضدّ الحكومة، أكّد مفوض الإعلام في «الحزب التقدمي الاشتراكي» رامي الريس أنّ «اللجوء إلى الشارع هو خيار ديمقراطي وشعبي، ونحن قبل ثورة 17 تشرين نظمنا مظاهرة كبيرة وضخمة جابت شوارع بيروت ورفعت شعارات مطلبية وهذا الموقع التاريخي للحزب التقدمي الاشتراكي. ولكن حتى الآن بهذا الشكل فإن المعارضة في الشارع ليست مطروحة إلى حين جلاء أزمة كورونا، ولكن النزول إلى الشارع يبقى خيارا عندما يحين وقته في لحظة من اللحظات».
وعن شكل المعارضة التي يتم التخطيط لها بين الأحزاب الثلاثة، قال الريس إنّ «إنشاء جبهة سياسية كاملة وإعادة إنتاج اصطفاف سياسي قديم مضى عليها الزمن غير مطروح حاليا، بل المطروح الآن تنسيق وتشاور بعناوين المرحلة أي موضوع الحكومة وإدارة البلد، فنحن لدينا وجهة نظرنا حيال بعض الأمور وتيار المستقبل كذلك الأمر، وقد طرحنا عدة أوراق اقتصادية في مراحل مختلفة حتى عندما كنا جزءا من الحكومة».
وتابع: «مواقفنا تصاعدية تدريجيا بحسب تطور الظروف، لدينا قناعة أنّ هناك حرب إلغاء كما في كل مرة تستهدفنا وتريد إضعافنا في الحياة السياسية والوطنية، ولكن نحن أيضا نخوض المعارضة بكثير من العقلانية لأننا ندرك حرج الموقف الاقتصادي والاجتماعي والنقدي وبالطبع أزمة كورونا التي تستوجب وجود حكومة تتابع تطوراته والإجراءات اللازمة للحد من انتشاره... ولكن هناك تخبط كبير ومراوحة وتردد في كثير من الملفات من قبل الحكومة، فالخطة المالية لم تبصر النور حتى اللحظة، والتواصل مع صندوق النقد الدولي الذي لا مفر منه أيضا لم تتم مباشرته، واضح أنّه ليس هناك نوايا جدية للإصلاح على الأقل في موضوع الكهرباء الذي يستنفد 45 في المائة من موازنة الدولة اللبنانية، ولم تقدم الحكومة أي مقاربة جدية، بل ذهبت إلى استنساخ خطط وزراء الطاقة السابقين الذين أثبتوا فشلهم الذريع في إدارة هذا الملف على مدى 15 عاما، والدليل أن ليس هناك كهرباء متوفرة لدى اللبنانيين. وبالتالي هناك علامة استفهام كبرى حول المقاربة الاقتصادية الاجتماعية للحكومة، وموضوع الـ(Haircut) صحيح أنّه سحب من التداول، ولكن يبدو أنه كان خيارا جديا للحكومة... إذن نحن رأينا الحكومة بدل أن تذهب إلى إقفال منافذ الهدر وهي كثيرة نراها تذهب إلى جيوب المواطنين لتأخذ منهم أموالهم».
وختم الريس: «نأمل أن نصل إلى خيار الانتخابات المبكرة، صحيح أننا طالبنا سابقا بإجراء انتخابات نيابية مبكرة على أساس قانون انتخابي جديد كي لا تستنسخ الوجوه ذاتها في الانتخابات النيابية المقبلة، ونحن اقترحنا أن يكون هناك تطبيق لاتفاق الطائف والدستور، بمعنى إنشاء مجلس شيوخ على أساس طائفي كما نص الدستور، وإجراء انتخابات نيابية مبكرة على أساس غير طائفي، علّنا نحرر الحياة البرلمانية اليومية من الطائفية ونحافظ في الوقت نفسه على تمثيل الطوائف كي لا يكون هناك خوف من عدم المشاركة في السلطة».
إذن يبدو أنّ لبنان ذاهب إلى خيارات لا مفر منها، عودة الشعب إلى الشارع، ومعارضة سياسية تترقب عمل وقرارات الحكومة التي يبدو أنّها ستبقى منغلقة على ذاتها، ومنبوذة داخليا وخارجيا، تكتفي فقط بالسعي لتشكيل انتصارات وهمية، عبر التصويب على حكومات سابقة، دون تقديم أي حلول لوقف ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل العملة الوطنية، ومراقبة الأسواق التجارية للحد من جشع التجار والمحتكرين.