«حقوق الإنسان» تتأرجح بين سماسرة المنظمات

* خبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية: ما يسببه البشر من ضغوط آيكولوجية أدى إلى جلب الجراثيم الممرضة... وكورونا لن تكون الجائحة الأخيرة
* بعض منظمات حقوق الإنسان اختزلت كارثة «كورونا» في حقوق بعض السجناء
* هناك فرق بين فرسان حقوق الإنسان الحقيقيين، وسماسرة «البيزنس الحقوقي»
* بعض المنظمات الدولية أدارت أزمة كورونا بشكل خاطئ ولم تستنكر تأخر إجراءات العزل والإغلاق لكبريات المدن الغربية حماية لمصالح الشركات الكبرى
 

القاهرة: لأكثر من ثلاثة شهور أحدث فيروس كورونا (كوفيد-19) أزمة عالمية غير مسبوقة، خاصة بعد إعلانه جائحة عالمية في 11 مارس (آذار) الماضي، حيث جاء هذا الأمر بالتزامن مع وصول أعداد المصابين به لمئات الآلاف والوفيات لعدة آلاف، بحسب ما رصدته منظمة الصحة العالمية والتي أقرت أنه تخطى مرحلة الوباء.
والسؤال الذي يطرح نفسه كيف تعامل المجتمع الدولي مع أزمة كورونا وكيف كان العالم يتعامل مع الأوبئة التي سبقت كورونا كالطاعون والملاريا والكوليرا وأنفلونزا الطيور والخنازير وغيرها من الأوبئة التي ضربت العالم على مر التاريخ، حيث شهدت البشرية كثيرا من الأوبئة التي راح ضحيتها الملايين من البشر، ولم تقل تهديدًا عن فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، وتمكن الإنسان من التغلب عليها في النهاية.
وعلى الرغم من حالة الذعر التي تسبب فيها هذا الوباء القادم من الصين في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، فإنّه لا يزال بعيدا كل البعد عن الأوبئة الأخطر والأشدّ فتكًا التي شهدتها البشرية، وهو يُظهر خبرة الضمير الجمعي للمجتمعات في التعامل مع تلك الأوبئة، حيث عكس هذا التعامل مع الأوبئة الذي يعتبر مثله مثل خبرة التعامل مع الحروب بالنسبة للمجتمعات، إذ تشهد تغيرات جذرية في نمط حياتها اليومية، وتتبدل ملامح الحياة، وتنتهي التجربة بخلق معانٍ وقيم وأفكار وأنماط مختلفة للحياة الإنسانية.
يقول الدكتور محمد جمعة الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية إن العالم جميعا الآن في مرحلة اختبار وصراع مع نفسه، ففي سياق المتابعة لكارثة «كورونا» وردود الفعل الرسمية وغير الرسمية إزاءها، المعبرة عن الحكومات والهيئات المتخصصة داخل الأمم المتحدة، أو تلك المعبرة عن المجتمعات بكل فئاتها وقواها سواء الهيئات الدينية، أو قوى المجتمع المدني، أو الأحزاب السياسية، أو النقابات المهنية، أو الجامعات والروابط الأكاديمية والبحثية نجد أن فئة، بين كل هؤلاء جميعًا، اتسمت ردود فعلها بالكثير من التناقضات، أو تضمنت ما يوجب النظر والتحليل.
وأضاف الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أنه يقصد بتلك الفئة «جمعيات حقوق الإنسان»، سواء تلك التي تنشط على الصعيد الأممي، أو تلك الجمعيات والهيئات محلية أو إقليمية النشاط، فعلى صعيد المتابعة لردود ومواقف تلك الجمعيات، شاهدنا فضائح بالجملة، وأداءً بائسًا لدرجة أننا لم نعد ندري حقًا: هل عقم التفكير والبلادة هما المتسببان في عدم تطوير الأجندة لدى هؤلاء، رغم الكارثة الكبرى؟ مؤكدا أنه لا يحب مطلقًا أن يعمم الاتهام بهذا الأمر، وأن الجميع شاهد هذا الغياب التام في المواقف إزاء العوار الواضح الفاضح في أداء وتعامل الكثير من القوى الكبرى تجاه قضايا الأمن الإنساني حتى نظريات مثل: «مناعة القطيع»، و«الانتخاب الطبيعي»، موضحا أنه لم يُشاهد سوى بيانات غامضة باهتة جاءت على استحياء، فيما يبدو، من قبل بعض المنظمات، رغم أنها نظريات فاشية عنصرية تطل برأسها من جديد.

 

 

وأضاف الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أن منظمات حقوق الإنسان، أو بالأحرى الكثير منها، اختزل كارثة «كورونا» في مجرد حقوق بعض السجناء، وأسقط حقوق الكثيرين ممن لهم الحق في الحياة مشيرا إلى أننا لم نسمع أو نشاهد بيانًا واحدًا يستنكر التأخر الواضح في إجراءات العزل والإغلاق لكبريات المدن الغربية العالمية، حماية لمصالح الشركات الكبرى وأصحاب رؤوس الأموال هناك فضلاً عن أننا لم نسمع بفعالية واحدة مهمة أشارت بإصبع الاتهام، ولو حتى بالتلميح، لرأسمالية متوحشة ضحت بحياة الآلاف على مذبح المكاسب الاقتصادية ومصالح بعض الأغنياء، مؤكدا أن هذا الأمر مثال واضح للرأسمالية التي طحنت مواطنيها بنظام ضريبي أثقل كاهل الملايين، حتى إذا ما جد الجد وحلت «جائحة كورونا» يفاجأ الجميع بميزانيات صحية أقل بكثير من متطلبات الأزمة، على النحو الذي لا يمكِّنها من الصمود في وجه كارثة كهذه.
وأشار الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية إلى أن ما قرأناه أو شاهدناه، عبر تقارير صحافية وإعلامية، تروي قصصًا وحكاياتٍ عن معاناة عشرات الآلاف جراء النقص المريع في بعض العقارات أو المستلزمات الطبية لكبرى المستشفيات في أوروبا والولايات المتحدة، يندرج في خانة: «الكوميديا السوداء»، مؤكدا أن الجميع مصاب بالذهول وهو يشاهد مستشفيات الريف الفرنسي، على سبيل المثال، وكأنها مستشفيات لإحدى المناطق النائية في دول العالم الثالث، موضحا أن كثيرين شاهدوا كل هذا وأكثر، لكن يبدو أن الكثير من أبناء الجيل الحالي من هؤلاء المنتظمين في العمل ضمن منظمات حقوق الإنسان، لا يلتفت نظره إلى مثل هذه القضايا، ويرى أن قضايا بعض الأقليات، أو حتى جماعات المثليين وغيرهم، هي الأولى بالرعاية.
وأكد الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية على أنه يجب أن نقدر بشدة الأداء الجاد والموضوعي لبعض المتصدرين لقضايا حقوق الإنسان، ونقر بالأهمية البالغة لعمل هؤلاء، والرسالة التي يؤدونها والقيم التي ينافحون عنها، بيد أننا، ورغم ذلك، نرى أن «كورونا» كان كاشفًا فاضحًا مؤكدًا أن ما رأيناه- حتى الآن- من تطورات دراماتيكية في تلك الكارثة كان كافيًا جدًا، لإعادة التأكيد على ذلك الفرز المهم، بين فرسان حقوق الإنسان الحقيقيين، وسماسرة: «بيزنس حقوق الإنسان».
وأكد الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أن نظرية المؤامرة تصاعدت خلال الفترة الماضية بشكل متزايد حول وجود حرب بيولوجية تسببت في جائحة كورونا، مشيرا إلى أنه في حين أن كورونا، وأنفلونزا الخنازير، وسارس، وأنفلونزا الطيور، وهندرا، وإيبولا، وفيروس نقص المناعة، ولاسا، وماربورغ، وغيرها، كلها عناوين مترابطة تمثل نتائج غير متعمدة لأشياء نفعلها نحن البشر إلا أنها تعكس تجمعا لشكلين من أشكال الأزمة فوق كوكبنا، حيث يمثل الشكل الأول أزمة آيكولوجية، والثانية أزمة طبية حيث تتقاطع الأزمتان لتظهر نتائجهما المشتركة كنمط من أمراض جديدة غريبة ورهيبة، مؤكدا أن ما يسببه البشر من ضغوط آيكولوجية أدى إلى جلب الجراثيم الممرضة في وضع تلامس مع البشر وكلما زاد تمزق النظم الآيكولوجية الطبيعية زادت معدلات ظهور الجوائح، وأن أزمة كورونا لن تكون الجائحة الأخيرة.