* لا يمكن للأموال أن تتدفق في الوقت الحاضر، أولا جرّاء الأزمة الاقتصادية العالمية التي سببها فيروس كورونا، ثم أيضا لتلكؤ الدول المانحة في الالتزام بوعودها في ظل تعاظم قوة «حزب الله» علنا
بين فيروس كورونا الذي يحجر اللبنانيين في منازلهم والتعثر الاقتصادي والمالي الذي يفقّرهم كل يوم أكثر، وفيما تتخبط الحكومة، تفشل في معالجة الأزمات التي تتولى، أو تقديم رؤية ما، تنشل وضع البلد الاقتصادي والمالي والاجتماعي من الحضيض الذي لجّه، يأتي اغتيال محمد علي يونس والذي قيل إنه قيادي في «حزب الله» ومسؤول عن ملف العملاء، ليفضح عجز وضعف تلك الدولة التي بات إنقاذها مستحيلا بوجود دويلة «حزب الله» الأقوى والاقدر حتى الساعة.
حتى الساعة لم تعرف أسباب هذا الاغتيال، الذي حصل في منطقة تعتبر تحت سيطرة «حزب الله» بالكامل ولم يتم توقيف أي شخص على علاقة بالجريمة... «مصادر أمنية» سرّبت بعض التفاصيل المتعلقة بتلك العملية، بحيث يبدو أن ثلاث سيارات اعترضت طريق يونس، وأطلقت النار عليه وعلى مرافقه الذي لم يفارق الحياة.
البعض ربط هذه الجريمة باغتيال الستيني جوزف الحايك أحد مساعدي عامر الفاخوري مسؤول سجن الخيام قبل أسبوعين والتي اضطرت الدولة اللبنانية للإفراج عنه تحت تهديد أميركي بعقوبات على لبنان الرسمي إن أبقى مواطن أميركي قيد الحجز.
رواية أخرى تحدثت عن وقوف الموساد وراء الاغتيال لحساسية الملف الذي كان يعمل عليه يونس ولقربه من اكتشاف شبكة خطيرة تعمل لصالح إسرائيل.
الإعلام الرسمي لـ«حزب الله» وهذا التابع له اكتفى بنعي يونس من دون أن يعلن عن روايته بعد.
ولكن لو وضعنا الأسباب جانبا لبرهة، فهناك ملاحظتان أساسيتان تتعلقان بمكان وشكل الاغتيال. هذه منطقة تعد أمنية بالنسبة لـ«حزب الله»، ثم الجهة التي قامت بعملية التصفية هذه على دراية تامة بالرجل وعمله وتنقلاته، ما يدفع المراقب إلى استنتاج مفاده أمن «حزب الله»- وعلى عكس ما يحب أن يوحي للعالم- مخترق لدرجة مقلقة.
ولكن الأهم يبقى أن محمد علي يونس قتل في إطار عمل أمني يحصل على أرض لبنانية تجهل الدولة أي شيء عن نوعيته أو أهدافه وهو بالتالي خارج إطار سيطرتها. وليس حضور القوى الأمنية اللبنانية إلا لحفظ ماء الوجه أمام الإعلام والرأي العام، فحتى التحقيقات ستكون صورية بسبب جهل الدولة بطبيعة عمل يونس، وبالتالي عجزها عن نسج الخيوط التي يمكن أن تقود إلى معرفة الجهة التي تقف وراء عملية التصفية تلك. وحده «حزب الله» يستطيع التحقيق ومعرفة هوية القاتل.
هذا يذكرنا تماما بما حصل قبل أشهر مع حادثة الطائرات المسيّرة التي انفجرت في الضاحية الجنوبية للبنان معقل الحزب. يومها نزلت أجهزة الدولة الأمنية بعد أن كان «حزب الله» قد أنهى عمله في مسرح الجريمة وحجز ركام الطائرات المسيرة، رافضا تسليمها لأجهزة الدولة المولجة مبدئيا بالتحقيق. لم تحصل يومها الأجهزة الأمنية اللبنانية على حطام الطائرات المسّيرة.
ما تبعه من رد من قبل «حزب الله» على ما ادعى أنه هجوم إسرائيلي على الضاحية، من خلال قصف ثكنة لجيش الدفاع الإسرائيلي لم يعنِ الدولة بتاتا. اكتفت السلطة المعينة من قبل «حزب الله» بتأييد أي رد فعل من قبله كونه دفاعاً عن النفس.
«حزب الله» استطاع، ومنذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، القضاء رويداً رويداً على ما يمكن تسميته ازدواجية مراكز السلطة في لبنان، لتصبح السلطة و«حزب الله» جزءاً من السلطات في لبنان. تمّ تعديل هرمية الدولة لتصبح سلطة «حزب الله» تعلو أو تسيطر على باقي السلطات.
وهذا الأمر ثُبِت عندما قرر معارضو «حزب الله»، لا سيما القوات اللبنانية، وتيار المستقبل، الدخول تحت عباءته والقبول بعون رئيساً. يومها قيل تبريراً أن «حزب الله» مشكل إقليمي لا يملك لبنان القدرة على معالجته وبالتالي لا بد من التعامل معه.
هذا الواقع الفاضح الذي يحاول بعض السياسيين وكتاب الرأي في لبنان تغطيته من خلال الكلام عن واقع لبنان الطائفي المعقد وإلى ما هنالك من حجج واهية لم يعد ينطلي على أحد. لم يعد بالإمكان إخفاء هذا الأمر عن العالم الذي يراقب لبنان بكثير من القلق.
يذكر وزير صحة «حزب الله» السابق جميل جبق أنه رفض هبة بقيمة 150 مليون دولار لسبب أن الجهة المانحة اشترطت إنشاء لجنة مستقلة تتأكد من عدم استفادة «حزب الله» أو مؤسساته من أموال هذه الهبة. ما يعني أن العالم بات يتحاشى التعامل مع «حزب الله» أو أي مؤسسات تابعة له، وذلك خوفا من العقوبات الأميركية التي قد تطاله إن ثبت تعامله معه مباشرة أو عبر إحدى مؤسساته لا سيما تلك الموضوعة على لائحة الإرهاب
لبنان بحاجة ماسة لمساعدات مالية تسعفه من انهيار كامل.
ولكن لا يمكن للأموال أن تتدفق في الوقت الحاضر، أولا جرّاء الأزمة الاقتصادية العالمية التي سببها فيروس كورونا، ثم أيضا لتلكؤ الدول المانحة في الالتزام بوعودها في ظل تعاظم قوة «حزب الله» علنا. فإن كان هناك من حسنة لاستقالة حكومة الرئيس سعد الحريري هي أنها أسقطت ورقة التوت - أي هيكل الدولة الفارغ - التي كان يتلطى «حزب الله» خلفها.
لبنان إذن في حجر قد يطول أمده ما دام «حزب الله» أقوى مؤسسة في هرمية الدولة اللبنانية.