* إخفاء الصين عن العالم حقيقة الوباء الذي ضرب ووهان يجعل الناس تتساءل أيضاً عن تعاظم قدرات نظامٍ ماويٍ ديكتاتوريٍ لا يقيم أي اعتبار للحريات ولحقوق الإنسان
* هل يكون كورونا إيذاناً بانهيار الإمبراطورية الصينية ومخططاتها الكبيرة للسيطرة على العالم من خلال الصناعة؟
لا يمر يوم من دون أخبار عن تسليم الصين أدوات طبية فيها خلل أو عجز ما. إسبانيا تسلمت 650 ألف جهاز تنفس لا تعمل. تركيا وهولندا تسلمتا آلاف أجهزة فحص لفيروس كورونا غير صالحة للاستعمال.
أضف أن هناك فعلا تعتيما إعلاميا عن انتشار وباء كورونا في الصين وعن العدد الحقيقي للوفيات في ووهان؛ ففيما تشير الأعداد الرسمية إلى 2500 ضحية هناك تقارير غير رسمية تستند إلى تسلم الأهل رماد ذويهم الذين تم حرق جثثهم ترفع هذا العدد إلى أكثر من أربعين ألفاً. حتى الكلام على رفع الحجر عن مدينة ووهان مصدر الوباء العالمي يواجه بكثير من التشكيك إذ يتم الحديث اليوم عن وضع بكين هي الأخرى في الحجر. ويقال إن حكومة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون غاضبة من الصين، وتتهمها بنشر معلومات مضللة وكذب بشأن عدد حالات الإصابة بفيروس كورونا، ما قد يدفعها للتخلي عن اتفاق بلاده مع شركة الاتصالات الصينية العملاقة «هواوي»...
ما سببته الصين من أذى لاقتصادها أولا ولاقتصادات العالم جراء عدم المصارحة بتفشي فيروس كورونا وتحوله إلى وباء فقدت السيطرة عليه يدفع إلى إعادة التفكير جديا بالنظام الاقتصادي العالمي وحتى السياسي.
فالصين تُصنّع نحو 24 في المائة من حاجات العالم وتسيطر بذلك على قطاعات إنتاجية هامة جدا وحساسة بعد أن كانت تمثل فقط نحو 11 في المائة من مجموع إنتاج العالم عام 2005. هذا التحول يعود أساسا إلى سياسة الحكومة الصينية في دعم القطاع الصناعي ورخص اليد العاملة بشكل لا يمكن لأي بلد صناعي في الغرب التفكير في المنافسة. ولهذا السبب قررت المصانع العالمية الضخمة نقل جزء أساسي وكبير من صناعاتها للصين. في هذه المعادلة كان الجميع رابحا؛ الصين في سعيها لتصبح إمبراطورية صناعية وقوة عالمية تنافس الولايات المتحدة في قيادتها للعالم، ولكن أيضا كبرى الشركات العالمية في سعيها لإنتاج سلع بأسعار تنافسية تدفع الناس للاستهلاك أكثر وتؤمن بذلك أرباحا تفوق الخيال.
مع تفشي وباء كورونا ووضع الكرة الأرضية في حجر شبه تام وتوقف المصانع عن الإنتاج وبالتالي توقف العرض والطلب وكل ما رافق هذا الوباء من أزمات اقتصادية خطيرة على الأمن الاقتصادي للغرب تحديداً بدأت الحكومات تتساءل عن مغزى الاتكال حصرياً على الصين كمركز عالمي للصناعات واحتياجات العالم؟ المستهلكون أيضا تساءلوا بدورهم عن تلك الشهية المفتوحة على الإقبال الوحشي على السلع حتى لو انتفت الحاجة لها.
هذا ناهيك عن فضح تفشي الوباء هشاشة النظام الصحي الأوروبي. وهذا قد يفتح الباب واسعا لمحاسبة الشعوب الأوروبية لحكوماتها ولمغزى وجودها في اتحاد أوروبي عجز عن مساعدة الدول الأكثر تضررا من تفشي الوباء لا سيما إيطاليا وإسبانيا. هذا من شأنه تعزيز الأحزاب التي تطالب من أجل الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، ما قد يضع تلك البيروقراطية في خطر من عدم الاستمرار والتماسك.
ولكن يبقى الأهم بروز شكوك لدى الناس عن مدى صحة النمط الحياتي الذي يتبعونه خاصة في موضوع الاستهلاك والإنفاق غير المجدي. هذا كله يدفع بالمحللين إلى توقع إنتاج واقع اقتصادي وصناعي جديد، مدفوع بشيء من الشعور القومي يعيد الشركات العالمية إلى بلدانها الأم واستثمارها باليد العاملة الوطنية ولو على حساب ارتفاع في أسعار السلع المعروضة.
إخفاء الصين عن العالم حقيقة الوباء الذي ضرب ووهان يجعل الناس تتساءل أيضا عن تعاظم قدرات نظام ماوي ديكتاتوري لا يقيم أي اعتبار للحريات ولحقوق الإنسان، ويسعى لقيادة العالم بدءاً من طريق الحرير وصولا إلى انتشارها خارج حدودها من خلال إقامة أولى قواعدها العسكرية في جيبوتي من أجل النفاذ إلى مصادر المواد الخام. وهي كانت شرعت سنة 2016. في بناء سكة حديدية تربط بين أديس آبابا وجيبوتي، لتساهم في نقل البضائع نحو ميناء جيبوتي ومنه إلى الصين.
هذا المخطط اليوم أصبح في خطر لأن أحد ركائزه- بقاء حاجة العالم للصين كمركز صناعي- بدأ يتزعزع.
فهل يكون كورونا إيذاناً بانهيار الإمبراطورية الصينية ومخططاتها الكبيرة للسيطرة على العالم من خلال الصناعة؟
لا أحد يملك الجواب قطعا، إنما الجميع يؤكد أن المرحلة الآتية ستشهد تطورات وتغييرات كبيرة على أكثر من صعيد.