* عبد الحليم حافظ كان السبب في عدم غناء أم كلثوم للأبنودي
* رغم ما عاناه من سجن في فترة عبد الناصر إلا أنه الزعيم الوحيد الذي كتب له قصيدة بعد رحيله بـ40 سنة، فكان يعشقه ويرى أن له أفضالا كثيرة عليه وكان يقول لولا عبد الناصر ما كنت تعلمت!
* عاش في حرب الاستنزاف تحت القنابل والغارات وظل يكتب الشعر ولم ينعزل أو ينزوي مثل كثير من شعراء تلك الفترة، بل ذهب لأرض المعركة وشارك في المقاومة الشعبية ولم يخش الموت
* أطالب بتعديل لائحة الجامعة حتى يمكن دراسة شعر الأبنودي وغيره من فطاحل شعر العامية مثل صلاح جاهين وفؤاد حداد
* هاجمه كثير من المثقفين بسبب رفضه لغزو العراق للكويت ومات مهموماً بالقضية الفلسطينية
* تخصيص ميدان باسم الابنودي، تتويج لمجموعة من الأحداث الجميلة التي كانت تحدث سنوياً منذ رحيله من خمس سنوات
* كان يعتبر نفسه لسان حال الفقراء، ويقول إنهم أرسلوه ليتكلم باسمهم
* هو أول شاعر عامية يحصل على جائزة الدولة التقديرية وكتب أشهر الأغاني العاطفية والوطنية لكبار الفنانين، منهم عبد الحليم حافظ، وفايزة أحمد، وصباح
* كان له الفضل في تجديد الأغنية الشعبية... وعندما كتب لوناً شعبياً جديداً اضطر عبد الحليم حافظ لتغيير لونه والغناء من كلماته
* أجهز لكتاب «حياتي مع الأبنودي» يتضمن تفاصيل عن علاقتي به وعلاقته مع المشاهير، لأن حياته ملك للناس ومن حقهم أن يعرفوا عنه كل شيء
* عندما انتقل للعيش في الإسماعيلية للبعد عن التلوث بناء على نصيحة الأطباء نقل بلده «أبنود» الصعيدية لقرية الضبعية التي عاش فيها هناك، وزرع فيها شجر المانجو، وكان سعيدا جدا بحياته هناك، لأنها أعادته لحياته القروية الأولى
* كان يرى من يهاجموه شعراء محبطين لا يستطيعون تحقيق شيء أو يعتبرها نوعاً من الغيرة، وكان يحزن جداً لمن يستشعر منهم الشماتة في المرض!
* أكثر ما ضايقه بشدة هو تكرار شائعة موته قبل رحيله وكان يتعامل مع الشائعة بحسه الساخر ويرد عليها قائلا: «يا جماعة لما أموت هاقولكم... اصبروا علي شوية انتو مستعجلين ليه أنا كدة كدة ميت»!
* كان إنساناً متفتحاً مستنيراً وأبعد ما يكون عن الأفكار الرجعية أو المتخلفة وعن شخصية «سي السيد»
* شعرت بالسعادة والفخر عندما أصبحت زوجة الأبنودي، وكان يحثني على النجاح في عملي ويقول لي «لا أحب المرأة التي تجلس بالبيت»
* كان يقول لي مازحا: «إنتِ مقص الرقيب ولن أريك قصائدي بعد اليوم»!
* كان شديد الارتباط بوالدته ملهمته الأولى، وأكثر مرة بكى فيها كانت يوم رحيلها
* تجربتي أنا والأبنودي كانت فريدة من نوعها ونحن ربينا بناتنا على اتخاذ قراراتهما باستقلالية وحتى لو لدي رأي مخالف أكتفي بالنصيحة
* الأبنودي تنبأ بوفاته وكتب سيناريو لمشهد العزاء وبنى وصمم مقبرته بنفسه، وكان أول شاعر يقام له عزاء رسمي بأمر الرئيس السيسي
قالت الإعلامية المصرية نهال كمال إن زوجها الشاعر الراحل عبد الرحمن الأبنودي أطلق على فترة حكم الإخوان لمصر «أسود سنة في مصر»، وأنه لم يكن يهتم بأي تهديدات وكشفت في حوارها مع «المجلة» أن قصيدة «الميدان» التي ألهبت حماس الشباب في ميدان التحرير في ثورة 2011 كتبها زوجها قبلها بثلاثين عاما. وأكدت أرملة الأبنودي - أو الخال كما اشتهر بين المصريين - أنه لم ينقلب على الرئيس الراحل مبارك وأن أغنياته الوطنية التي كتبها في عهده كانت في حب الوطن، مشيرة إلى أنه لم يمدح أحدا من الرؤساء سوى جمال عبد الناصر بعد رحيله بأربعين عاما، وذلك على الرغم من أنه سجن واعتقل في عهده.
كما تطرقت في الحوار إلى علاقة الأبنودي بعبد الحليم حافظ، وسبب خلافه مع أم كلثوم وعدم غنائها من كلماته.
يعد الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي من رواد شعر العامية في مصر كما أنه صاحب تاريخ طويل في كتابة الأغنية العربية بكافة أشكالها، وخاصة الأغنيات الوطنية التي عبر من خلالها عن انتماءاته القومية العربية ونضاله السياسي في مختلف المواقف، كما اتسمت أشعاره بالروح الشعبية والتلقائية العاطفية وهو ما جعله يسهم بكلماته الغنائية في إحداث تغيير كبير في الأغنية العاطفية بما أدخله عليها من مفردات وعبارات لم تكن مألوفة من قبل، حتى إن الفنان عبد الحليم حافظ اضطر للرضوخ لهذا التغيير ليغني من أشعاره بلهجة الجنوب الصعيدية بعد أن استشعر النجاح الكبير الذي حققه شعر الأبنودي الغنائي آنذاك. وعلى الرغم من الانتشار الكبير لأشعاره خلال الحقبة الناصرية إلا أنه تعرض للسجن والاعتقال خلال تلك الفترة، لكنه اعتبرها من أهم فترات حياته التي كان يعتز بها.
ولد الشاعر عبد الرحمن الأبنودي عام 1939 في قرية أبنود بمحافظة قنا في صعيد مصر، وعاش حياة زاخرة بالإبداع الشعري وحظي باهتمام شعبي ورسمي كبير في مصر وخارجها حتى إنه كان أول شاعر عامية يحصل على جائزة الدولة التقديرية في مصر، وقد عاصر أجيالا كثيرة من نجوم الغناء والطرب وكتب لهم أشهر الأغنيات، فغنت له كوكبة من مطربي العصر الذهبي وكذلك من مطربي العصر الحديث، منهم عبد الحليم حافظ، ومحمد رشدي، وفايزة أحمد، وشادية، ونجاة، ومحمد ثروت، وعلي الحجار، ومحمد منير، ونادية مصطفى. كما برع في كتابة تترات أشهر المسلسلات المصرية التي تغنى بها كبار المطربين، ومنها مسلسل «ذئاب الجبل»، و«أبو العلا البشري»، كما يرجع إليه الفضل في جمع وحفظ تراث السيرة الهلالية الذي يعد من أهم الإنجازات الثقافية المنسوبة إليه.
وعلى الرغم من مرضه الشديد الذي ظل يصارعه طويلا حتى أنهكه، فإنه لم يتوقف عن الكتابة والإبداع لآخر لحظة في عمره عندما رحل في سن السادسة والسبعين.
ومع حلول الذكرى الخامسة لرحيله، تستشعر أسرة عبد الرحمن الأبنودي بحالة من السعادة والامتنان بعد استجابة الجهات المسؤولة لطلبها بإطلاق اسمه على ميدان شهير في محافظة الإسماعيلية - التي كان يعيش فيها أواخر حياته - تخليدا لذكراه، بعد جهود حثيثة بذلتها أرملته الإعلامية الكبيرة نهال كمال مع عدد من المسؤولين في المحافظة، وقد التقتها «المجلة» لمشاركتها الفرحة بهذا الحدث والذي يتواكب مع ذكرى الأبنودي وأجرت معها هذا الحوار بهذه المناسبة، وأعربت في البداية عن سعادتها قائلة:
- أنا سعيدة جدا لتحقيق هذا الإنجاز المتمثل في تخصيص ميدان باسم الابنودي، وهو تتويج لمجموعة من الأحداث الجميلة التي كانت تحدث سنويا منذ رحيله من خمس سنوات ولكن افتتاح الميدان هو الحدث الأجمل لأنها أمنية كنت أتمنى تحقيقها منذ أربع سنوات، ولولا رصيد «الخال» من المحبة في قلوب الناس ما تحقق هذا الإنجاز. كما أنني سعيدة باستمرار الاحتفال والاحتفاء به بعد رحيله لأنه أعطى حياته كلها للناس، كما أنه أخلص لوطنه ولشعره، وما زلنا نجني ثمار إخلاصه نتيجة مسيرة وطنية مخلصة على مدار حياته ومشواره الإبداعي حتى أصبح رمزا من رموز الإبداع في العالم العربي، فأنا أستشعر معرفة الناس به في كل البلاد العربية وأينما أسافر أجد له معجبين حتى بين الجاليات العربية في الدول الأجنبية. لقد سعدت جدا عندما حضرت أمسية تكريمه بلندن ووجدت عددا كبيرا من الحاضرين من الدول العربية، فهو شاعر تخطى حدود القطر المصري. وقد حرصت أن تكون هناك لوحة بالميدان تتضمن معلومات عن الأبنودي لتعريف الأجيال الجديدة به كتقليد جديد يختلف عن الميادين الأخرى التي تحمل أسماء مشاهير ولا تعرف الأجيال الجديدة تفاصيل عنهم.
*ماذا كتبتِ عن الأبنودي في لوحة الميدان؟
- قلنا إنه هو الذي جمع السيرة الهلالية، وصاحب أكثر من 14 ديواناً، وإن أعماله ترجمت للغات أجنبية منها الإسبانية، وإنه أول شاعر عامية يحصل على جائزة الدولة التقديرية، وهو اعتراف رسمي من الدولة بشعر العامية. كما قلنا إنه كتب أشهر الأغاني الوطنية لكبار الفنانين منهم عبد الحليم حافظ، وكتب دواوين شعرية عن السد العالي، وعن حرب الاستنزاف، وكتب عن كل الأحداث الكبرى التي واكبها، بل يعتبر شعره تأريخاً للأحداث السياسية والوطنية بمصر وأيضا العالم العربي، لأنه كان قوميا عروبيا مهموما بالقضية الفلسطينية، وخصص لها ديوانا كاملا بعنوان «الموت على الأسفلت». أيضا من أهم أعماله أنه أخذ على عاتقه جمع السيرة الهلالية وحفظها من الضياع وهو إنجاز يحتاج لمجهود مؤسسات كبرى لجمع التراث لكنه قام به وحده وسافر لمختلف أنحاء مصر لجمعها من أفواه الشعراء الشعبيين في كل مكان، وقام بعمل حلقات يومية في الإذاعة المصرية حول الفن الشعبي وكان يقوم بهذا العمل بحب شديد ويقول إنه من أجل بلده، وكان يعتبر نفسه لسان حال الفقراء ويقول إنهم أرسلوه ليتكلم باسمهم.
* اشتهر الأبنودي شاعراً غنائياً فما أهم إنجازاته في هذا المجال من وجهة نظرك؟
- على مستوى الغناء كان له الفضل في تحويل الأغنية الشعبية عندما كتب لونا شعبيا جديدا خاصا بالفنان محمد رشدي وأدخل مفردات جديدة على الغناء الشعبي لم تكن موجودة من قبل. وجعل المحبوبة غير الصورة التقليدية القريبة من النماذج الأجنبية وإنما هي الإنسانة البسيطة مثل «عدوية» و«وهيبة» ذات الملامح المصرية وسمعنا لأول مرة مفردات مثل «صورتك دي تنفع تزين الجرانين!» في أغنية عدوية، ونجح في تغيير ذوق المغنى لدرجة أن عبد الحليم حافظ مطرب الرومانسية تأثر به بعد «عدوية» و«وهيبة» وطلب منه أغنيات فكتب له «أنا كل ما أقول التوبة»، وكانت اتجاها جديدا على عبد الحليم حافظ في معاني الغناء ومفردات كلماته التي لم تكن مألوفة وقتها. والأبنودي كان مبدعا في كل مجال يدخله، فعلى سبيل المثال كانت كلماته في أغاني المسلسلات مثل «ذئاب الجبل»، و«أبو العلا البشري»، و«مسألة مبدأ»، علامات لا تنسى في تترات الدراما المصرية. كما أنه دخل مجال الكتابة الدرامية في فيلم «شيء من الخوف» الذي كتب له الحوار، والذي يعتبر علامة من علامات السينما المصرية رغم أنه لم يكن متخصصا في هذا المجال بخلاف الأغاني البديعة التي غنتها شادية في الفيلم وخصوصا «يا عيني ع الولد» التي أصبحت من كلاسيكيات الغناء.
* هل تعتقدين أنه حصل على ما يستحق من تكريم في حياته؟
- هو نفسه كان يقول إنني كرمت وحظيت بتكريم لم يكرم به شاعر من قبل، وأصبحت هناك جائزة باسم عبد الرحمن الأبنودي، لكنه كان يقول أنا شاعر لم يقرأني الناس بعد، وكان يقصد أن الناس تعرفه من أشعاره المشهورة والمغناة فقط، بينما كانت أشعاره في الحقيقة أكثر من ذلك بكثير.
* قلت في تصريح سابق إن أشعار الأبنودي تدرس في إسبانيا ولم يهتم بها أحد في مصر. هل ما زال هذا الإحساس يراودك؟
- نعم، ما زال يراودني، وإن كنت عرفت مؤخرا أن السبب يكمن في لوائح الجامعة، حيث لا يدرس الشعر العامي فيها، ولذلك أطالب بتعديل اللائحة حتى يمكن دراسة شعر الأبنودي العامي ليس هو فقط بل غيره من فطاحل الشعر العامي مثل صلاح جاهين، لأن شعر العامية فرع من فروع الشعر العربي وهذا لن يشكل أي خطر على اللغة العربية الفصحى فهي الأصل في كل شيء حتى الأبنودي نفسه تمكن من الفصحى ودرس القرآن في الكتاب قبل أن يكتب العامية. كما أنني لا أمانع أن يتمكن الطلاب أولا من الفصحى ثم يدرسون بالعامية لكنني أتكلم عن الجامعة، حيث يكون الطلاب قد درسوا اللغة العربية الفصحى وأتقنوها، فلماذا لا يدرسون شعر العامية كفرع من فروع الشعر بشكل عام؟ وإذا كان هناك من يخشى من العامية على الفصحى، وهذا غير صحيح، فإلى متى نظل متجاهلين دراسة شعر العامية؟ طبعا اللغة الفصحى لها كل الاحترام والتقدير، لكن في نفس الوقت لا يمكن تجاهل فروع الشعر الأخرى. وهو موهبة أيضا وله قوانينه وهناك شعراء عمالقة مثل فؤاد حداد، وصلاح جاهين. وقد اعترفت به الدولة عندما منحت جائزتها التقديرية للأبنودي ومن ثم فالتجاهل لشعر العامية في الجامعة لا يتوافق مع هذا الاعتراف الرسمي من الدولة به.
* هل ما زالت هناك أمنيات تودين تحقيقها؟
- نعم، من أمنياتي أيضاً أن تنشر أعماله التي كتبها بالعربية الفصحى والتي قد لا يعلمها كثيرون، فقد كتب ملامح من سيرته الذاتية وعادات وتقاليد الصعيد المصري في كتاب «أيامي الحلوة» والذي تحول لبرنامج تلفزيوني يحمل نفس الاسم وكيف تربى، وحياته بالصعيد وعشقه للشعر وحفظه للتراث الشعبي من والدته، يحتوي كل ملامح التقاليد البسيطة التي تربى عليها وأخرجت لنا هذا الشاعر العظيم ليكون قدوة! فلماذا لا يدرس بالمدارس حتى يتعلم الشباب الانتماء للوطن من خلال معرفة جوانب من حياته بأسلوبه الجميل الذي كتبه به، خاصة أنه مكتوب بالفصحى يعني لا توجد مشكلة بالنسبة لمن يعترضون على الكتابة بالعامية. كما أن لدي وعد خاص يتعلق بقصص الأطفال «حكايات سمراء» وهي باللغة العربية الفصحى.
* لم يعرف عن الأبنودي كتابته للأطفال، فهل كتب هذه المجموعة من أجل بنتيه آية ونور؟
- بالفعل ربما يكون اتجه هذا التوجه من أجلهما كأب، فقد تواكبت فترة الكتابة مع ميلاد بنتينا آية ونور لكنه كتبها لجميع الأطفال لأنه كان دائما يهتم بالنفع العام. وهي تتناول طفل القرية وحياة الفلاح واحتفالات الأعياد في القرية ولكن بشكل شعري جميل باللغة العربية وقد وعدني وزير التربية والتعليم المصري أنهم سيبدأون بتلقينها لطلاب المدارس ولكنه وعد لم يتحقق بعد!
* هل كتب مذكراته الخاصة؟
- كما ذكرت هو كتبها في كتابه «أيامي الحلوة» وذلك في شكل مختلف من أشكال المذكرات التي تناول فيها بيئته وأهله ووالدته.
* لكنه لم يتناول فيه علاقته بالمشاهير!
- لقد تناول هذه الموضوعات في تسجيلات وأحاديث صحافية منشورة، وبالمناسبة أنا أقوم حاليا بتجميع هذه المواد في كتاب من وحي حياتي معه بناء على نصيحة الأصدقاء، كزوجة له وشاهد عيان على علاقته ببعض المشاهير مثل بليغ حمدي وكمال الطويل، بجانب حياتي الشخصية معه، لأنها ليست حياة خاصة بقدر ما هي حياة لشخصية شهيرة ومحبوبة، ومن حق الناس عليه أن تعرف عنه كل شيء لأن مثل هذه الرموز هم ملك للناس.
* هل تسببت بعض كتاباته في تعرضه لمشكلات؟
- الأبنودي لم يكن يكتب إلا ما يمليه عليه ضميره بغض النظر عن احتمالات مهاجمة الناس له، وحتى لو سبب له مشاكل، بسبب اختلافه مع الآخرين، وتمر الأيام وتثبت أنه كان محقا.
* هل تذكرين كتابات سببت له مشاكل؟
- طبعا، أشهرها موقفه الرافض لغزو العراق للكويت، رغم أن هناك كثيرين من المثقفين هاجموه وكانوا متعاطفين جدا مع العراق، لكنه كان رافضا لما حدث، ولم يقبل فكرة أن يحتل بلد عربي بلدا آخر، وقال إنها ستكون أول سابقة وذريعة للتدخل الأجنبي لرد هجوم عربي عن بلد عربي آخر وصدقت رؤيته ورأينا الفوضى التي خلفها هذا الحدث فيما بعد.
* كيف كانت مشاعره ورد فعله عندما يقرأ هجوما ضده؟
- كان أحيانا يقول إن من يهاجمونني شعراء محبطون لا يستطيعون تحقيق شيء أو يعتبرها نوعا من الغيرة. ولكن أكثر ما ضايقه بشدة هو تكرار شائعة موته قبل رحيله وكان يقول: «هما مش قادرين يصبروا علي لما أموت» وكان يحزن جدا لمن يستشعر منهم الشماتة في المرض وكان يتعامل مع الشائعة بحسه الساخر ويرد عليها قائلا: «يا جماعة لما أموت هاقولكم... اصبروا علي شوية انتو مستعجلين ليه أنا كدة كدة ميت!».
* كم سنة زواج من الشاعر الأبنودي؟ وكيف تم؟
- العشرة بينا امتدت لنحو 30 سنة أو 28 بالتحديد وكنا أصدقاء قبلها بعامين تقريبا، وهناك تفاصيل كثيرة خاصة بنا ذكرتها في الكتاب الذي سيصدر قريبا ولا أريد أن أحرقه، مثل قصة تعارفنا وكيف تحول «الخال» من أستاذ إلى زوج وسبب تطور العلاقة.
* ما أكثر ما جذبك في شخصية الأبنودي، وجعلك تتجاوزين فارق العمر الكبير بينكما؟
- بالتأكيد أي شخص لا بد أن ينجذب للأبنودي لأنه كان صاحب كاريزما، لكن إلى جانب ذلك كان صادقا ومحبا للناس ولا يقول إلا الحق في نفس الوقت.
* كيف تعرفتما عن قرب؟
- لم أكن أعرفه إلا من خلال إشعاره كشاعر مشهور ثم جاءت بداية التعارف عندما استضفته في أحد برامجي الخاصة بمواهب الشباب.
* هل تغير انطباعك عنه بعد التعرف عليه عن قرب؟
- كان عبد الرحمن في حقيقته هو نفسه كما نقرأه ونراه على الشاشة، ومحبته للناس لم تتغير وكان يحاول طوال حياته أن يجعل كل من حوله سعداء. وكان محبا للبشر والشجر عاشقا لما يزرعه بيديه، وعندما انتقل للعيش في الإسماعيلية آخر ثماني سنوات من حياته، للبعد عن التلوث بناء على نصيحة الأطباء نقل بلده «أبنود» الصعيدية تقريبا كلها لقرية الضبعية التي عاش فيها بالإسماعيلية وزرع فيها شجر المانجو وارتبط بها ارتباطا شديدا وكان سعيدا جدا بحياته هناك لأنها أعادته لحياته القروية الأولى التي كان يحن لها باستمرار.
* كيف كان لقاء الحضر بالصعيد في زواجكما؟
- لا أقول: «حضر وصعيد» وإنما أقول التقاء إنسان بإنسان. كما أنه لم يكن صعيديا بالمعنى التقليدي بل كان إنسانا متفتحا وأبعد ما يكون عن الأفكار الرجعية أو المتخلفة وكان مستنيرا بمعنى الكلمة وكان في الحقيقة كما كتب عن احترام المرأة وتمجيده لها في شعره.
* ألم يعترض يوماً على انشغالك مثلا بعملك كإعلامية كبيرة في التلفزيون المصري؟
- بالعكس أنا التي كنت أريد البقاء في البيت في بعض الأوقات ولكنه كان دائما يقول لي «لا... لا أحب الست التي تجلس بالبيت»، حتى لا تكون حياتها كلها محصورة في البيت فقط وكان يقول لي أيضا «عايزك دايما على اتصال بالعالم، وعندك طموحك الشخصي، وعندما تكوني سعيدة وقادرة على تحقيق ذاتك، ستكونين سعيدة في بيتك بخلاف أن يكون بيتك ومشاكله هي محور اهتمامك مما ينعكس عليك وعلينا جميعا».. وكان يحثني على النجاح في عملي فقد كان زوجا مستنيرا يؤمن بالأفكار التي كان يكتب عنها ويطبقها وهو أبعد ما يكون عن شخصية «سي السيد» الشهير في الشرق.
* هل اختلفت مشاعرك من مذيعة شهيرة إلى زوجة للأبنودي؟ وهل شعرت بنوع من الزهو والتميز؟
- طبعا كسيدة شعرت بنوع من الفخر لأني صرت زوجة لإنسان يحترمه ويحبه كل الناس ويتمتع بسمعة طيبة، ورجل وطني مخلص، وكلها أمور تدعو للفخر والاعتزاز.
* أي الألقاب أقرب لقلبك زوجة الأبنودي أم الإعلامية الشهيرة؟
- كان عبد الرحمن يعتز بعملي جدا، وكان دائما يشجعني ويحثني على العمل ويطالبني بالاهتمام والاعتزاز به مثلما أعتز بكوني زوجته.
* ألم يكتب شيئا تسبب في مشكلات لك أو حرج في عملك الإعلامي؟
- كان يقول لي دائما: «أنتِ مقص الرقيب ولن أريك قصائدي بعد اليوم»! وكان من الممكن أن أتعرض لمواقف أحيانا، ولكن لم يكن يهمني ذلك ودائما أقول لا يصح إلا الصحيح وهو ما تثبته الأيام وكنت أعمل ولم أكن أعبأ بتعرضي لبعض المضايقات، فقد كنت أعمل كهاوية وليس محترفة لأنني كان لدي اهتمام آخر خاص بزوجي وبناتي ولم يكن لي برامج كثيرة لأني لم أكن أقدم إلا ما أحبه.
* لو تقدم لابنتك نور التي تدرس القانون في إنجلترا حاليا، رجل يكبرها بنفس فارق السن بينك وبين الأبنودي، وكانت مقتنعة به، هل توافقين اقتناعا بأنها تكرار لتجربتك مع الخال، أم ترفضين كما رفضت أسرتك في البداية؟
- تجربتي أنا والأبنودي كانت فريدة من نوعها ونحن ربينا بناتنا أن يتخذا قراراتهما باستقلالية وحتى لو كان لدي رأي مخالف، فلا بد أن أحترم رأي ابنتي ولن أحجر عليه وأقول إن كل إنسان يعيش تجربته ويتحمل نتيجتها. أنا أنصح فقط لكني لا أفرض رأيي.
* عرف عن الأبنودي ارتباطه وحبه الشديد بملهمته الأولى والدته، فكيف تلقى خبر وفاتها؟
- توفيت والدته في التسعينات من القرن الماضي أي قبله بكثير، وكان يعشقها جدا ومرتبطا بها لدرجة كبيرة وأكثر مرة بكى فيها كانت عندما رحلت. لقد كانت توأم روحه وكان هو أكثر إخوته ارتباطا بها، وقال عنها «إنها السبب في أن أصبحت عبد الرحمن الأبنودي». وحفظ عنها الأغاني التي كانت تغنيها، فكانت هي المعين الذي كان يغترف منه دائما.
* ماذا قال لكِ عن فترة سجنه واعتقاله؟
- كان يحول كل شيء في حياته إلى شيء إيجابي حتى فترة السجن، وكان يقول عنه «من لم يسجن ينقصه شيء مهم وكبير!»، وقال عن تلك الفترة إنها أكثر مرحلة عرف فيها معنى الحرية لأنه لا يعرف معنى الحرية والكتابة عنها إلا من سجن! كذلك كانت نظرته أيضا لتجربة مشاركته في الحرب. لقد عاش في حرب الاستنزاف تحت القنابل والغارات وظل يكتب الشعر ولم ينعزل أو ينزوي ككثير من شعراء تلك الفترة الذين أصيبوا بالإحباط بل ذهب لأرض المعركة وشارك في المقاومة الشعبية ولم يخش الموت، رغم أنه تعرض كثيرا لخطره في تلك الغارات. وفعل نفس الشيء في فترة بناء السد العالي وسافر وعايش العمال وكتب عنهم.
* هل أثرت فترة سجنه خلال العهد الناصري على حبه لجمال عبد الناصر؟ وهل كان أقل نشاطا في فترة السادات؟
- بالفعل تأثر نشاطه كثيرا بإبرام مفاوضات السلام لأنه عاش الحرب وشاهد الناس يموتون من زملائه وأهل بلده وأبناء وطنه. ورغم ما عاناه من سجن في فترة عبد الناصر إلا أن تلك الحقبة هي التي شهدت أعماله الكبرى وكان يقول لولا عبد الناصر ما كنت تعلمت وهو الزعيم الذي كتب له قصيدة بعد رحيله بـ40 سنة ولم يكتب عن أي شخصية أخرى، فكان يعشقه ويرى أن له أفضالا كثيرة عليه. ومع ذلك كتب كشاعر بعين الناقد لنفس المرحلة ولكن لم يكن مسموحا وقتها لأحد أن ينتقد ما يراه محلا للنقد وهو ما كان سببا في دخوله السجن.
* هل تذكرين أغنية المسيح التي منعت؟
-نعم أذكرها، لقد كانت أغنية وطنية غناها عبد الحليم حافظ في حفلة بلندن وتم تسجيلها هناك وكانت تلك الحفلة لصالح المجهود الحربي مثل حفلات أم كلثوم في تلك الفترة.
* ماذا كان إحساسه عندما منعت هذه الأغنية من الإذاعة؟
- الأغنية كانت صادقة ولم يكن بها شيء سوى كلمات تم الاعتراض عليها وجرى تعديلها، ومع ذلك ظلت محظورة حتى قامت الانتفاضة الفلسطينية في ثمانينات القرن الماضي وكانت الفرصة مناسبة لإخراجها من الأدراج المغلقة، وتذكرها الناس وأصبحت تغنى في كل مكان وتم التفاعل معها لأنها تتكلم عن السلام وطريق السلام وذكرت الناس بما مضى. وكان على قناعة بأنها ستخرج من إطار الحظر ذات يوم اعتقادا منه أن العمل الصادق مهما منع في وقت ما سيتم الإفراج عنه ليخرج للنور.
* على ذكر هذه الأغنية، كيف كانت علاقته بعبد الحليم حافظ؟
- عبد الحليم كان يقرأ دواوين الأبنودي وكانت بجواره لأنه مطرب مثقف يحرص على متابعة دواوين الشعر ومن ثم كان الأبنودي يتعامل معه بوصفه نداً وكان حليم يستفز فيه الإبداع.
* لماذ لم تغن أم كلثوم للأبنودي؟ ألم يعاصرها؟!
- بالفعل هو عاصرها لكن موقفا حدث بينهما بسبب أغنية كانت تريدها ورفض الأبنودي لأنها لا تناسبها وفي مرة أخرى كانت تريد أغنية كان قد لحنها الفنان عبد العظيم عبد الحق وطلب منها أن تستأذن لتأخذها! وفي المرة الثالثة طلبت تغني أغنية «ابنك يقولك يا بطل» ولكن عبد الحليم حافظ كان قد سبقها وغناها فأدت هذه المواقف إلى ابتعاد أم كلثوم وعدم غنائها للأبنودي.
* في ثورة يناير المصرية عام 2011 انتشرت كلمات قصيدة «الميدان» بين المتظاهرين في ميادين التظاهر وخاصة ميدان التحرير والبعض اعتبرها أيقونة ألهبت حماس الشباب آنذاك، فما ذكرياتك مع هذه القصيدة؟ وكيف كتبها الأبنودي وهو الذي كتب عشرات الأغنيات الوطنية في عهد مبارك؟
- بالفعل كان للقصيدة أصداء كبيرة، ومن المدهش أن الخال كتبها من 30 سنة، وكأنه مع الشباب في الميدان في تلك اللحظة حيث عكست كلمات القصيدة استشعاره بعيد المدى للمشهد المستقبلي! ومن خلالها توطدت علاقته بالشباب.
* هناك من اعتبر انتشار قصيدة «الميدان» في ثورة يناير انقلابا في موقف الأبنودي من الرئيس الراحل مبارك خاصة بعد أنه كتب في عهده الكثير من الأغاني الوطنية؟
- لا ليس انقلابا ولا تغييرا في الموقف لأن الأبنودي حينما كتب هذه الأغنيات الوطنية في عهد مبارك لم يكن يكتبها لبطولات شخص بعينه وإنما كانت أغنيات للوطن وبطولات الشعب المصري ورجال المقاومة المصرية أيام الاحتلال وليس لبطولات شخص معين، والزعيم الوحيد الذي كتب له هو جمال عبد الناصر وكان ذلك بعد رحيله بـ40 سنة.
* هل كتب أشعارا مؤيدة لثورة 30 يونيو؟
- الأبنودي كتب مربعات شعرية انتقد فيها حكم الإخوان وهاجمهم بشدة وأطلق على فترة حكمهم «أسود سنة في حياة مصر». وكان رأيه صريحا وواضحا، وقال إن حكمهم لمصر سيعيدها 500 سنة للخلف وكان قلمه هو سلاحه في معركته معهم ولم يعبأ بأي تهديدات، وعندما يحذره البعض من خطورة ما يكتبه، كان دائما يقول أنا أكتب ما يمليه علي ضميري لأن العمر واحد.
* هل حقا أنه تنبأ بموته عام 2015؟
- عندما ثقل عليه المرض وشعر بالتعب الشديد في جسمه استشعر الضعف وقرب النهاية ولم يعد يتحمل شيئاً.
* هل أخبركم بوصية أو أمنية خاصة قبل الرحيل؟
- لقد كتب وصيته قبل رحيلة وبخط يده بل إنه كتب سيناريو لمشاهد العزاء فيه وكيف سيستقبل معزينه بعد موته وكيف سيبقى في المكتبة بالإسماعيلية لاستقبال الناس وبنى مكانا خصيصا لاستقبال المعزين عند رحيله وأطلق عليه «الديوان» وقال إن المشيعين سيسلمون عليه في المكتبة ثم يذهبون إلى الديوان للجلوس وانتظار الخروج! كما بنى مقبرته وصممها بنفسه وتفنن فيها وطلب من عامل البناء بعض التفاصيل الصغيرة في شكلها الخارجي كأن يضع لها قبة ليراها الناس ومظلة ليستظلوا بها من الشمس، كما بنى مصطبة ليجلس عليها زوار المقابر وأصبحت مقبرته مختلفة فعلا عن باقي المقابر المحيطة وكل من يزورون أمواتهم بالمنطقة يجلسون تحت المظلة التي بناها ويقرأون له الفاتحة.
* هل تحققت هذه الوصية؟
- للأسف لا! لأن الناس الذين جاءوا للعزاء حضروا بأعداد ضخمة جدا كما أن الرئيس السيسي أمر أن تقيم القوات المسلحة عزاء الأبنودي وكان المكان عند مسجد وبناء بناه الأبنودي وكان على نفقة الدولة بالكامل وكان أول شاعر يقام له عزاء رسمي بالقوات المسلحة المصرية كما لو كان مجندا بينهم ونعته في جريدة «الأهرام» المصرية وفعلا كان يقول قلمي كالسلاح في يدي وكان يقاتل بقلمه فهو ليس عسكريا لكنه رمز وطني وصاحب الأغاني الوطنية التي أشعلت الروح الوطنية لدى الشعب المصري والجنود.
* هل ظل واعيا للنهاية؟
- طبعا ظل يتكلم حتى آخر لحظة لدرجة أنه كان يرفض أوامر الأطباء بمنع الاتصالات التليفونية عنه حرصا على صحته بسبب كم المكالمات التي كانت ترد له طوال اليوم وكان يصر أن يكون تليفونه بجانبه ويقول لهم: «أنا أعيش بالناس». وهددهم بمغادرة المستشفى إن منعوا التليفونات عنه. وكانت صحته تتحسن بتواصله مع الناس لتحسن حالته النفسية.
* هل تذكرين آخر كلماته؟
- طبعا، هو كان دائم التحدث معي وكان يتكلم كثيرا، وكان الموت والحياة متلازمين معه في تلك الفترة، ولكن كانت آخر كلماته في حواره التلفزيوني الأخير «ما تنسونيش» وهي الكلمة التي تجعلني حريصة على مواصلة التحرك لتظل ذكراه باقية وخالدة من خلال تذكير الناس به تنفيذا لوصيته.