ويصعب حصر مجمل السمات الخاصة التي ميزت تجربة التدافع السياسي والتململ الاجتماعي في المغرب الذي راج على نطاق واسع أن العدوى انتقلت إليه، عبر قنوات التواصل الاجتماعي، في حين يرى آخرون أن ما طفا على سطح الأرض، ما هو إلا انعكاس لما اعتمل وانصهر في باطنها عقودا من الزمن.
ومن المناسب ، في هذا السياق، التذكير ببعض الحقائق التاريخية والسمات البارزة التي طبعت تجربة الحكم في المغرب المستقل، وجعلته ،إلى جانب أنظمة قليلة، مشكلا لما يجوز تسميته "الاستثناء السياسي" خارجا عن القاعدة العامة التي خضعت لها أوضاع عربية مماثلة.
ما ينبغي استحضاره، أن البلاد التي استقلت عن فرنسا عام 1956، عبر التفاوض السلمي المقرون بالتلويح باللجوء إلى حمل السلاح، اختارت نهج التعددية الحزبية، تعبيرا عن التنوع الفكري الذي يستمد جذوره من توجهات ومرتكزات الحركة الوطنية من أجل الاستقلال، فقد تعددت مرجعياتها الفكرية وتباينت أساليب وطرق عملها، من دون أن يحول ذلك من التفاف أطرافها حول هدف واحد.
يمين و يسار.. وما بينهما
صحيح أن" الشعبية " احتكرها تنظيم جماهيري واحد هو "حزب الاستقلال" لكن وعلى الرغم من تماسكه ووحدته وسطوته سرعان ما تكسر كل ذلك على أرض واقع ما بعد الاستقلال. وعلى إثر إنجاز مهمة التحرر من سيطرة الأجنبي، اندلع النقاش والخلاف السياسي الحاد بين مكونات الحركة الوطنية من جديد وبحدة أكبر عن الماضي، على خلفية كيفية بناء الدولة الحديثة.
صراع اشتد في بعض الفترات، تولدت عنه أحزاب وتيارات وفصائل سياسية، تموقعت ذات اليمين وذات اليسار وما بينهما، في حين نزعت "أطراف" نحو التشدد والتطرف ممثلة في اليسار الجذري الذي تصدر الواجهة خلال عقد السبعينيات من القرن الماضي. وما أن تم إجلاؤه عن الساحة جراء المحاكمات وأخطائه التنظيمية القاتلة، حتى احتل المشهد مكانه حركات الإسلام السياسي، التي جربت من جانبها أساليب في معارضة النظام، أسقطت بعضها في بئر الإرهاب العميقة.
وبموازاة استمرار " الحراك" والدينامية السياسية في المجتمع المغربي، حيث لعبت الكليات والمعاهد العليا دورا صداميا طليعيا، فإن نظام الحكم من جانبه، حاول التجاوب والتأقلم، تبعا لأحوال الطقس السياسي، بأسلوبه ونهجه الخاص في ممارسة السلطة، مع تطلعات المجتمع المغربي وبخاصة الفئات المتوسطة التي استوطنت المدن وصارت لها مطالب ومطامح اجتماعية بينة، نتيجة وعيها المتنامي بفضل توسع قاعدة التعليم.
وأمام الواقع الجديد، اضطر الحكم إلى إعلان تشبثه بالتعددية الحزبية، ونبذ فكرة الحزب الواحد وتضمينها في الدساتيرالمتتالية، وإشهارشعارات التصدي لـ"الفكر الجمعي" الذي هو مستبد في مقاصده وغاياته.
في هذا الصدد تم، على سبيل المثال، منع الحزب الشيوعي في المغرب في غضون عقد الستينيات من القرن الماضي، وخير "الرفاق" بين الحظر الدائم أو استبدال الاسم ومراجعة الهوية الإيديولوجية، ليحصل الاتفاق على الحل الثاني.
لم يختف الفكر الاشتراكي والمطبوعات الماركسية، بما فيها تلك التي مجدت حرب العصابات في المدن والجبال وحثت الفلاحين على التمرد في وجه السلطة، من الساحات الجامعية ومن المكتبات والأندية الثقافية والتداول الحر في ظل حكم الملك الراحل الحسن الثاني، كما أن المحاكمات السياسية الكبرى التي طالت"اليسار المتطرف" في المغرب، لم تجرم الأفكار الماركسية في حد ذاتها، وإنما استندت المتابعات القضائية والاتهامات، على "انتقال" معتنقي تلك الأفكار الثورية، إلى مرحلة "العنف المنظم" لتغيير النظام القائم بالقوة.
وما كان لنظام سياسي كيفما كان أن يقبل في سياق الحرب الباردة وحمى الاستقطاب الإيديولوجي أن يتسامح أكثر من اللازم مع معارضين من ذلك الصنف.
ولست هنا بصدد الحكم على المحاكمات السياسية والجزاءات الصادرة بشأنها، وهل كانت "مفبركة" أو ظالمة، وغير متناسبة مع الجرم المرتكب من قبل اليساريين المتطرفين. تلك مهمة موكولة للمؤرخين والفاعلين في المجال الحقوقي. القصد هنا تبيان أن المغرب خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي، كان مرجلا يغلي بالأفكار والتيارات المعارضة والانتماءات والتوجهات الرافضة.
ارتفعت درجة حرارتها في بعض الفترات ، ما أسفر عن صدام عنيف بين الحكم ومناوئيه.
[caption id="attachment_55237131" align="alignleft" width="212"] الحسن الثاني[/caption]
بلغت المأساة السياسية ذروتها بالمغرب، مع اندلاع الأحداث الدموية المرعبة أثناء محاولة الانقلاب العسكري الأول يوم العاشر من يوليو/ تموز 1971 في شاطئ "الصخيرات" بضواحي العاصمة المغربية الرباط، أثناء حفل استقبال بالقصر الملكي في مناسبة الذكرى 42 لميلاد العاهل الراحل الملك الحسن الثاني.
شكلت محاولتا الانقلاب الأولى والثانية التي وقعت في الجو، بعد عام اي يوم 16 أغسطس/ اب 1972، إنذارا قويا وحادا للملك والطبقة السياسية في البلاد، من مغبة استيلاء الجيش على السلطة، وما يمكن أن يترتب عن "التغيير" على أيدي العسكر من قمع لحرية الأفكار وإلغاء التعددية في التنظيم الحزبي والنقابي، انسجاما مع طبيعة الانقلابات العسكرية.
حلف تاريخي مقدس
مد القصر الملكي يده إلى المعارضة التي بادلته قدرا من الاستجابة المحتشمة، بالنظر إلى عمق خلافات الماضي التي باعدت بينهما، لكن هدنة مؤقتة غير معلنة تحققت بين الجانبين، بدأت معها الأجواء السياسية تأخذ في الانفراج، عوض احتقان السنوات الماضية إلى أن حل عام 1974 حيث سيدعو الملك الحسن الثاني إلى وحدة الأمة في "حلف" تاريخي مقدس بينه وبين المكونات السياسية من أجل استعادة الصحراء التي كانت خاضعة للاستعمار الاسباني.
أفضى ذلك "الحلف" فعلا إلى تدشين عهد سياسي أضفى عليه الملك الحسن الثاني صفة "المغرب الجديد" ستكون له تداعيات وانعكاسات لاحقة، أنجز الشطر الأول منها في النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي بإقرار دستور جديد، مهد لتشكيل حكومة التناوب التوافقي، من أحزاب المعارضة بقيادة عميدها عبد الرحمن اليوسفي، الزعيم الوطني اليساري الذي قضى ردحا من الزمن في المنفى الاضطراري، على خلفية مواقفه السياسية المناوئة لنظام الملك الحسن الثاني وضعته تحت طائلة أحكام قضائية.
أحس الحسن الثاني، وكان ملكا مصغيا لدقات العصر ونبض المجتمع أن بلاده، مع دنو الألفية الثالثة، تقترب مما أعلنه صراحة في البرلمان "خطر السكتة القلبية" فقررمنتصرا على ذاته، ومتعاليا على حساسيات الماضي، مستشعرا إكراهات الحاضر، إشراك معارضيه في تدبير الشأن العام بل إنه فوض لهم صلاحيات لم تكن واضحة في دستور 1996.
هكذا سمح للوزير الأول "اليوسفي" بتأسيس ما سيسمى لاحقا "مؤسسة رئاسة الحكومة"، التي تمثلت في التحول من مجرد مكاتب تنسيق بين الوزراء، إلى سلطة تنفيذية واضحة المعالم.
لم يكن دستور 1996 سوى طبعة معدلة متطورة من دستور 1992، والذي لم يرض مطالب الإصلاح كافة التي عبرت عنها المعارضة المجسمة في تكتل "الكتلة الديمقراطية" الذي ضم أحزاب: الاستقلال والإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والتقدم والاشتراكية، أي أن الملك الحسن الثاني، أراد إشراكها في تدبير الشأن العام قبل 1998.
وبما أنه لم ينجح في الإقناع فقد أعلن إجراءات أخرى أبقت الأمل قائما، وظلت جذوة النقاش السياسي متقدة في المغرب.
إلى جانب ذلك، وكإجراءات مواكبة، تم فتح كثير من الملفات المبللة العالقة المستعصية بخاصة في ميدان حقوق الإنسان حيث سجلت انتهاكات خطيرة خلال العقود الماضية، وتم العفو عن معتقلين، وسمح للمنفيين بالعودة إلى الوطن.
عنق الزجاجة والإصلاح المتدرج
ترك الملك الحسن الثاني البلد وقد خرجت بالفعل من عنق الزجاجة، آخذة طريقها نحو الإصلاح المتدرج، وبذلك انتقلت سلطة الملك من الأب الراحل إلى ولي العهد بسلاسة وهدوء، وعبر المجتمع عن التعلق بنظام الملكية الحديثة المتجاوبة مع تطلعات الأجيال الجديدة التي جسدها الملك الشاب محمد السادس.
لم يكن أمام هذا الأخير بدّ من الإسراع بالإصلاحات وإعادة ترميم أركان الدولة التي نخرها الفساد وتكلست مفاصلها فأصبحت عاجزة عن المبادرة وابتداع الحلول للأزمات المتتالية.
ولا يجادل مكابر في أن الملك محمد السادس حرق المراحل وحقق القفزات النوعية بالتعبير الماركسي، وأعطى دفعة وقوة للتوجهات الكبرى التي باشرها والده وما اقتضته من اعتراف من الدولة في أسمى تعبيراتها بالأخطاء السياسية المرتكبة في الماضي، التي خلفت ضحايا، وسببت آلاما لفئات معارضة مدنية وعسكرية.
[blockquote]ليس من الموضوعية مجاراة الآراء التي تروج أن الإصلاحات التي سنها الملك محمد السادس اتسمت بالظرفية الموسمية واتقاء شر الشارع الضاج بالمظاهرات التي أشعلتها مرات عدة حركة 20 فبراير.. الواقع أن الملك سبق الحركة قبل سنوات منذ اعتلائه كرسي الحكم[/blockquote]
وتعد تجربة الإنصاف والمصالحة التي أطلقها المغرب في عهد الملك محمد السادس، أقوى وأجرأ خطوة في إطار ما يسمى"العدالة الانتقالية"، فبفضل تلك الأداة التي لم يستعن بها من قبل بلد عربي لطي صفحة الماضي المليء بالانتهاكات، أمكن "جبر الضرر" بالنسبة للضحايا وذويهم، ومنحوا تعويضات مالية سخية كما وفرت لهم الرعاية الطبية وأدمجوا في المجتمع وأعيد لهم الاعتبار من جديد، ووقع تجاوز الأحقاد والضغائن وثقافة الانتقام.
ولو لم يمض العاهل المغربي، بعيدا في الإصلاحات المقدامة والشجاعة التي امتدت إلى المجال الاقتصادي والاجتماعي، لما استطاع مقاومة "احتجاج" الشباب الذين خرجوا إلى الشوارع في عدد من المدن متواعدين في يوم 20 فبراير2011 رافعين شعارات الإصلاح السياسي ومحاربة الفساد.
كان أمام الملك خياران: إما الإصغاء للناقمين الغاضبين المحتشدين في الشوارع، وأغلبهم شباب صغار غير متمرسين بالعمل السياسي، حركتهم العفوية والنزوع المثالي والتعلق بآمال ثورية رومانسية، شاعرين بقيمة سلاح التواصل الالكتروني القادرعلى اختراق الآفاق والربط الآني بين النقط المتباعدة وطنيا وكونيا.
وتمثل الخيار الثاني، الذي استبعده الملك كلية، انسجاما مع أمصال الإصلاح التي حقنها في جسم المملكة المغربية، أي الاستهانة بالغليان الحاصل في الشارع والتعامل مع محركيه على أنهم مراهقون سياسيون، سرعان ما سيهدأ لهيبهم ويستأنفون لهوهم.
إجراءات غير مسبوقة
على العكس، وخلافا لتوقعات الكثيرين، عالج الملك محمد السادس غليان الشباب بإعلان الثورة الدائمة على الأوضاع المتوارثة في بلاده، حيث يمكن اعتبار خطاب 9 مارس ( اذار) 2011 وثيقة ثورية بامتياز، حدد فيها الملك المبادئ المؤسسة لتعديل الدستور، متجاوزا إلى حد كبير سقف المطالب التي ناضلت من أجلها في الماضي هيئات سياسية وحقوقية، وأوكل إلى لجنة موسعة التقت فيها ألوان الطيف السياسي والاجتماعي والفكري في المغرب، صياغة الوثيقة الأسمى الجديدة، وأحدث لتلك الغاية آلية سياسية تشاورية، تمكن غير الخبراء الدستوريين من التعبير للجنة عن ملاحظاتهم ومقترحاتهم.
[blockquote]الملك محمد السادس حرق المراحل وحقق القفزات النوعية وأعطى دفعة وقوة للتوجهات الكبرى التي باشرها والده وما اقتضته من اعتراف من الدولة في أسمى تعبيراتها بالأخطاء السياسية المرتكبة في الماضي[/blockquote]
وبتلك الإجراءات غير المسبوقة في تاريخ المغرب الحديث، تحقق إجماع أعضاء اللجنة بشأن مشروع الدستور، ما جعله ينال القبول من المجتمع والطبقة السياسية باستثناء فئة حزبية محدودة التأثير دأبت على رفض مبادرات السلطة والتشكيك فيها كيفما كانت.
وفي هذا الصدد، ليس من الموضوعية مجاراة الآراء التي تروج أن الإصلاحات التي سنها الملك محمد السادس اتسمت بالظرفية الموسمية واتقاء شر الشارع الضاج بالمظاهرات التي أشعلتها مرات عدة حركة 20 فبراير. والواقع أن الملك سبق الحركة قبل سنوات، منذ اعتلائه كرسي الحكم .
ولا يجب النظر الى الحراك الاجتماعي في المغرب على أساس أنه صراع بين الملك وشباب 20 فبراير. إن في ذلك اختزالا لعقود من النضال السياسي والحراك الاجتماعي الذي ميز العقود الماضية، يمتد حتى السنوات الأولى بعد الاستقلال، حين ظهرت في بعض مناطق البلاد حركات تمرد ضد السلطة المركزية مع فارق أن الدوافع إليها ليست شبيهة ولا قريبة من تلك التي حركت فئات من الشباب والفتيان.
يوم 23 من شهر مارس 1965 خرج التلاميذ إلى الشارع في مدينة الدار البيضاء، اختلط بهم العاطلون والناقمون والغاضبون والمتحزبون، فاندلعت أحداث الشغب والمواجهات التي خلفت ضحايا تفاوتت التقديرات بشأنها.
وخلال العقد السبعيني، صاح طلاب الجامعات بأعلى أصوات الرفض، وتشبثوا بالعقيدة الماركسية متصورين خلاصهم وانعتاقهم فيها، لكنها بدل أن تسرع بالإصلاحات أخرتها وتراكمت، فورث الملك محمد السادس أثقالها، فسارع إلى التخلص من الكثير منها، وفق مقاربة قابلة للنقاش والاختلاف ولكن يصعب نزع الرغبة العميقة والإرادة السياسية المقدامة عنها.
هدأت الأوضاع في المغرب، وغادر الشباب الميادين والساحات العامة، وتركوا المكان للقوى التقليدية التي اعتادت على التظاهر فيها أي النقابات وجمعيات المعطلين الحاملين للشهادات الجامعية العليا، وهم أعلى صياحا من حركة 20 فبراير لأن الأخيرة تنشد التغيير ومحاربة مظاهر الفساد، بينما يطالب المعطلون بحقوق فئوية. إنها المراوحة بين "الاحتجاج العفوي " و"الصرخات المطلبية".
[blockquote]ترك الملك الحسن الثاني البلد وقد خرجت من عنق الزجاجة آخذة طريقها نحو الإصلاح المتدرج وبذلك انتقلت سلطة الملك من الأب الراحل إلى ولي العهد بسلاسة وهدوء وعبّر المجتمع عن التعلق بنظام الملكية الحديثة المتجاوبة مع تطلعات الأجيال الجديدة التي جسدها الملك الشاب محمد السادس
[/blockquote]
إن السؤال الذي يواجه أي محلل للظاهرة السياسية الراهنة في المغرب، مرتبط بمدى قدرة "الحراك الشبابي" على الاستمرار؟ ودون الخوص في التفاصيل يمكن القول إجمالا إن حركة 20 فبراير هي امتداد بمعنى من المعاني لتيار الربيع العربي، بما له من أخطاء ومزايا.
وتجدر الاشارة هنا الى أن المحتجين المغاربة لم يتحركوا فوق أرض خلاء من الحراك السياسي والحزبي. فالمغرب بلد مفتوح في وجه الأفكار الجديدة وتيارات الهواء الآتية من بعيد، ولذلك فإن التجاوب معها يتسم في الغالب بنوع من الهدوء والاعتدال.
وكان بإمكان حركة 20 فبراير المغربية، أن تظل قوة اقتراح نقية من أدران السياسة السياسوية، لكنها مدفوعة بهوس البحث عن الحلفاء والأنصار، وقعت في محظور تنظيمات متعارضة مع منطلقاتها ودوافعها لذلك سقطت فريسة سهلة وتم احتواؤها كليا أو جزئيا ولم يبق منها إلا الصدى، فإذا حاولت النهوض من جديد فعليها القيام بحركات رياضية فكرية، ومن حسن أو سوء حظها أنها تفتقد الإطار الموجه والمدرب المقتدر. وقد تكون مزيتها أنها تعبير عن الفوضى الخلاقة في المجتمع المغربي، ساهمت في تسريع الإصلاحات.
وكخلاصة اضطرارية، يمكن القول إن المغرب ، ليس استثناء ولا قاعدة بخصوص الربيع العربي. فما انتهى إليه هو تحصيل حاصل للأوضاع التي حكمته منذ الاستقلال.
بلد ومجتمع حيوي تحركه جدلية سياسية وصراع أفكار، تبرز فيه انتفاضات اجتماعية بين الفينة والأخرى تعقبها هدنة وإصلاحات إلى أن تنضج الظروف لإعلان مطالب جديدة، وهكذا دواليك.
يوجد عاملان ساهما إلى حد كبير في إخماد جذوة حراك الشباب في المغرب. أولهما أن الفئات الشعبية العريضة ابتعدت عن الحركة واكتفت بمراقبتها وتجلى ذلك في نسبة الاستفتاء على الدستور الجديد مطلع يوليو 2011.
أما السبب الثاني، فذو صلة بالمآل الدرامي الذي انتهى إليه الحراك في عدد من الدول العربية، وساهم في تبوء فئات محافظة أو فوضوية عدمية للمشهد السياسي. ومن هذه الناحية، يحق للمغاربة بشبابهم وشيبهم أن يحمدوا الله على حسن العاقبة.
ليس المغرب استثناء ولا قاعدة. إنه تجربة خاصة، غير معزولة عما يقع بعيدا وقريبا منه. فإن حدث التشابه فهو من قبيل الصدفة، لا يغيب القسمات والملامح المميزة.