* الحملة الانتخابية لحزب «أزرق-أبيض» كانت ضعيفة واعتبرها البعض مشوشة، لأن غانتس انجر خلف حزب الليكود ونتنياهو في كافة القضايا السياسية إلى حد أنه كرر موقف حزب الليكود بأن «حكومة مع العرب هي حكومة غير شرعية»
* إزاء نتائج الانتخابات الثالثة، تقف إسرائيل أمام وضع قد يؤدي إلى انقلاب في الخارطتين الحزبية والسياسية
* إن عودة اليمين الإسرائيلي متماسكاً قوياً، ستزيد فقدان الأمل من مسار سلمي جديد نحو تسوية تكون انطلاقة نحو شرق أوسط من نوع آخر
* كافة السيناريوهات المتوقعة تشير إلى أن نتنياهو صاحب الحظ الأوفر للتوصية به لتشكيل حكومة ومن ثم رئاستها
تل أبيب: بغضّ النظر عما إذا كان رئيس الحكومة الإسرائيلية، المنتهية ولايته، بنيامين نتنياهو، سينجح في تشكيل حكومة أم أن انقلاباً سيحدث يتيح لمنافسه رئيس حزب «أزرق–أبيض»، بيني غانتس، إمكانية تشكيل الحكومة، يبقى الأمر الذي لم يفاجئ نتنياهو واليمين لكنه شكل شبه صدمة لليسار والوسط: كيف تفوق نتنياهو في الانتخابات بحصوله على العدد الأكبر من المقاعد، على الرغم من أن لائحة الاتهام التي قدمت ضده بملفات فساد وخيانة الأمانة رافقته حتى اليوم الأخير من المعركة الانتخابية في إسرائيل؟
الرد الأوضح على هذا السؤال جاء بعد أسبوع من نتائج الانتخابات عندما واجه بيني غانتس خلافات داخل قائمته من ثلاثة نواب كنيست، هم: يوعاز هندل، وتسفي هاوزر، والمقرب من غانتس النائب حيلي تروير، الذين هددوا بالتصويت ضد «أزرق–أبيض» في الكنيست إذا ما تم التوصل لتشكيل حكومة أقلية بدعم من القائمة العربية المشتركة. ليس هذا فحسب بل جاءت الضربة الأقوى لغانتس من عضو الكنيست، أورلي ليفي ابيكاسيس، من كتلة «العمل-غيشر-ميرتس»، الداعمة لغانتس، برفضها دعم حكومة برئاسة غانتس تكون مدعومة من الخارج من القائمة العربية المشتركة، بل تشير التوقعات إلى انسحاب ابيكاسيس من الكتلة والانضمام إلى حزب الليكود، بعد وعدها بتولي منصب وزيرة الصحة. هذا التطور سيحدث انقلابا واضحا لصالح نتنياهو، فحتى لو دعمت القائمة المشتركة حكومة برئاسة غانتس، فإن ضم الثلاثة من دون تروير، المتوقع عدم انسحابه من «أزرق– أبيض»، سيرفع عدد كتلة نتنياهو إلى 61 نائبا، و58 لصالح غانتس مع المشتركة، مع العلم أن القائمة المشتركة، حتى كتابة هذه السطور، لم تعلن موافقتها على دعم غانتس، وقدمت مطالب عدة من غير المؤكد موافقة رئيس «أزرق–أبيض» عليها.
هذه الوضعية تفشل، أيضا، خطة رئيس الدولة رؤوفين ريفلين، التي عرضها لمنع انتخابات رابعة، وبموجبها يتم تشكيل حكومة وحدة من حزبي «الليكود»، و«أزرق–أبيض»، يتولى نتنياهو رئاسة الحكومة في فترة التناوب الأولى ثم غانتس، وفي الخطة أيضا توسيع صلاحيات القائم بأعمال رئيس الحكومة، في حال خرج رئيس الحكومة إلى فترة تعذر القيام بمهامه بسبب وضعه القانوني، (في إشارة إلى محاكمة نتنياهو بارتكاب مخالفات جنائية خطيرة)، ووفق خطة ريفلين، تنتقل صلاحيات رئيس الحكومة إلى القائم بأعماله، بينما رئيس الحكومة الذي يتعذر عليه القيام بمهامه يواصل حمل صفة رئيس الحكومة والسكن في المنزل الرسمي لرئيس الحكومة.
كافة السيناريوهات المتوقعة تشير إلى أن نتنياهو صاحب الحظ الأوفر للتوصية به لتشكيل حكومة ومن ثم رئاستها.
لماذا انتصر نتنياهو؟
لقد راهن كثيرون في إسرائيل أن لا تستمر النشوة التي عاشها نتنياهو وحزبه بعد ظهور النتائج الأولية للانتخابات وتفوق فيها على غانتس. لكن نتنياهو لم يتوقف عن الترويج لانتصاره وواصل العمل بصمت في عقد تحالفات مع أحزاب اليمين وسجل النجاح الأكبر في إقناع ابيكاسيس في الانضمام إلى حزبه، وفق ما تم نشره، من دون الإعلان الرسمي منها عن هذا الانضمام.
وفي المقابل انشغل كثيرون في تحليل المجتمع الإسرائيلي وكيف وصل إلى وضع تدعم الأكثرية فيه مرشحا سيخوض محاكمة صعبة في ملفات فساد وخيانة الأمانة.
لا شك أن المعركة التي خاضها نتنياهو أمام السلطة التشريعية، قبل المعركة الانتخابية، أدخلت المنظومة القانونية إلى النقاش الجماهيري ونجح الليكود في إظهار نتنياهو ضحية لهذه المنظومة، وبالتالي فقدان الثقة بها. فقد برزت خلال هذه الفترة خلافات كبيرة في العلاقات بين الحكومة، برئاسة نتنياهو، والكنيست والمستشارين القضائيين والنيابة، ووجه خلالها الليكود انتقادات للمستشار القضائي للحكومة أفيحاي مندلبليت سواء في توقيت تقديم لائحة الاتهام ضد نتنياهو، حيث قدمت عندما كان موجودا في واشنطن لبحث صفقة القرن، أو معارضة المستشار تشكيل لجنة تحقيق تابعة لوحدة تحقيق الشرطة في قضية «هميماد هحميشي» (يعني البعد الخامس) المتورط فيها بيني غانتس باستخدام أموال المتبرعين لصالح أفراد بطرق غير صحيحة.
لقد قاد هذه المعركة من قبل الليكود وزير السياحة، ياريف لفين، الذي وجه انتقادات لاذعة للمستشار القضائي ولعدد من القرارات التي أصدرها وبموجبها لم يمنح صلاحيات، بعد الانتخابات الثانية، للحكومة الانتقالية برئاسة نتنياهو. وبحسب لفين فإن القانون في إسرائيل لا يقيد صلاحيات حكومة انتقالية، مضيفا: «ولكن بالممارسة العملية أوجد الجهاز القضائي مجموعة كاملة من قواعد كهذه وقام بتنفيذها من دون أي صلاحية في القانون. هذا ما أوصلنا إلى وضع تم فيه تجميد كل شيء أكثر من سنة، ونحن ندفع ثمنه باهظا. ويمكن أن نتناقش إذا كان هذا الأمر صحيحا أم غير صحيح، ولكن من الواضح أنه يجب تطبيق القواعد على الجميع».
وقد خرج الليكود بحملة انتخابية تحت عنوان «قانون واحد لنا وقانون آخر للبقية». وأعلن الليكود عبر لفين عن خطته في مواجهة وضعية منظومة القضاء الحالية، في حال عاد نتنياهو رئيسا للحكومة بعد الانتخابات الثالثة (التي جرت مؤخرا).
وبحسب الخطة كما طرحها لفين، فإن «الخطوة الأولى والأهم هي تغيير تركيبة لجنة انتخاب القضاة لقلة تأثير القضاة المعينين وزيادة تأثير المنتخبين من الجمهور، بالإضافة إلى زيادة الشفافية في خطوات تشمل إجراء جلسات استماع في الكنيست للمرشحين.
كذلك يجب تغيير الطريقة القديمة التي يتم بموجبها انتخاب رؤساء المحكمة العليا، كما أكد لفين، وأضاف أن التغييرات ستشمل أيضا كل ما يتعلق بالتعيينات في المناصب العليا في وزارة القضاء، حيث يتوجب جلب المزيد ممن يقدمون وجهة نظر مختلفة وآراء متعددة. وأرغب أيضا في العمل على وضع نص مختلف كليا للقوانين الدستورية، وفي مركزه عدم قدرة المحكمة على إلغاء قوانين صودق عليها بأغلبية معينة، مثل قوانين الكنيست».
هذه الحملة زعزعت ثقة الإسرائيليين في السلطة التشريعية ومنظومة القضاء برمتها، التي تقف، عمليا، خلف لائحة الاتهام الموجهة لنتنياهو ومحاكمته. وهذا الأمر جعل مسألة خوض مرشح لرئاسة الانتخابات، على الرغم من ملفات الفساد ، ما هي إلا حملة مخطط لها للإطاحة بنتنياهو.
البروفسور آفي برئيلي، المحاضر في معهد بن غوريون لأبحاث إسرائيل والصهيونية أكد على أن عدم ثقة المواطنين في منظومة تنفيذ القانون، الشرطة، والنيابة العامة، والمستشار القانوني، واحدة من دوافع الناخب الإسرائيلي للتصويت لنتنياهو.
ولكن ما السبب في عدم الثقة؟
بحسب برئيلي «يقول لنا المدافعون عن هذه المنظومة إن نتنياهو يحرض ضدها. وهو ظاهرا صاحب كفاءات عجيبة ينجح في أن يوقع في شباكه الجمهور الساذج أو عديم الإدراك لأنظمة الحكم... هذا الادعاء يترنح بشكل سخيف بين مشاعر التفوق ومشاعر الدونية. وهو يعزو للخصم نتنياهو قدرات خطابية عبقرية، فوق طبيعية تقريبا، ولكنها تتعالى على مؤيديه. قد ينتمي الكثير من ناخبيه إلى الشرائح التي تعتبر، نسبيا، أكثر فقرا وأقل تعليما، ولكنها عقلانية بقدر لا يقل عن مؤيدي المعسكر المضاد. فأحيانا التعليم يعمي البصيرة، ولا سيما حين تتعفن لتصبح غرورا».
ويرى برئيلي أن «الواقع السياسي المتقلب من شأنه أن يدحض تماما مواقف تبدو مفهومة من تلقاء ذاتها للأشخاص المتنورين والمتعلمين، ذوي الفهم السياسي الدقيق ظاهريا».
ووجه بارئيلي اتهامات لمعارضي نتنياهو بقوله: «يجدر بمن هزموا في الانتخابات أن يكفوا عن الاختباء وراء الادعاءات بقدرات نتنياهو ودونية مؤيديه المزعومة، وأن ينظروا إلى الحقيقة الجلية التي تنعكس في صناديق الاقتراع: جمهور هرع للدفاع عن سيادته أمام التبجحات المتطاولة لشريحة القادة العسكريين، والقضائيين، والإعلاميين، والاقتصاديين والأكاديميين. وعندما يراد التحفظ يسمون هذا شعبوية، ولكن في واقع الأمر رب البيت هنا يقول: هذا لي».
وتابع يقول: «قد يأمل الجمهور في بسط السيطرة على غور الأردن وعلى الكتل الاستيطانية في المناطق. ولعله انتبه للتطور الكبير، والنمو الهائل في الناتج القومي الإجمالي أو للنجاح السياسي لحكومات نتنياهو. كل هذا لعله يشرح انتصار الليكود، ولكن ليس عندما يكون زعيمه متهماً بالرشوة. لا يوجد تفسير آخر – الجمهور يشتبه بأن منظومة تنفيذ القانون استخدمت للإطاحة ببنيامين نتنياهو، ومعه الإطاحة بالجمهور، عن مكانته كصاحب السيادة من خلال المندوبين. هذا اشتباه معلل، ليس غير عقلاني، وليس تآمرياً».
وواصل برئيلي قوله: «ينبغي أن نلاحظ هنا جيدا: الجمهور ليس لجنة محلفين، وليس هو المؤتمن على الحسم في الاتهامات التي وجهت لنتنياهو. ولكن منظومة تنفيذ القانون متعلقة، بمجرد قدرتها على تنفيذ مهامها، بثقة الجمهور بطرق عملها».
رجل حملات انتخابية عظيم
«رجل حملات انتخابية عظيم»، هكذا تحدث ران أدليست- وهو كاتب إسرائيلي شغل مناصب سابقة في الجيش- واصفا بنيامين نتنياهو. ولم يتردد في القول: «الآذان رفضت النتيجة. فلم يسبق وأن شاهدنا حملة عنيفة مثل العرض الذي قدمه نتنياهو وشركاؤه في الحملة الانتخابية». وذهب أدليست إلى أبعد من ذلك، فاعتبرها «نوعا من التنكيل بالجمهور»، أو كما قال: يمكن اعتبارها بصيغة داعميه في حزب «شاس» «جمهورنا أصبح يمينيا متخلفا، لا يفهم شيئا»، أو بحسب ما قال نتان إيشل، مستشار نتنياهو والمقرب منه «نجحنا في إثارة جنون الجمهور، هذه الكراهية هي ما توحد معسكرنا».
أما الرواية الملونة أكثر من كل الروايات، والأخطر، فهي رواية الرجل الأجمل على شاشات التلفزيون، أفيشاي بن حاييم، (محلل الشؤون الإسرائيلية في القناة الـ13) «إسرائيل أثبتت استقلالية فكرية وعرضت موقفا رسميا، إذ دعمت رئيس الحكومة الحالي».
وحسب رأي أدليست، فإن نجاح حملة نتنياهو «يثبت أن النسيج الضعيف في المجتمع الإسرائيلي هو أضعف بكثير مما اعتقدنا. وكلما كانت التصريحات أكثر فظاظة فإنها تنطلي على نحو أفضل على هذا الجمهور الذي علّمنا جميعا درسا في الديمقراطية المدافعة لليكوديين، ولمعتمري الكيبا، ومظفري السوالف (أي المتدينين)، مسموح القيادة والتأييد لمتهم بالرشوة.
غانتس سبب انتصار نتنياهو
مهما طرحت الأسباب التي أدت إلى انتصار نتنياهو يبقى الجانب، الذي لا يمكن تجاهله هو ضعف المنافس. فقد سجل بيني غانتس ضعفا سياسيا خلال الحملات الانتخابية الثلاث وفي الأخيرة برز ضعفه في مختلف القضايا السياسية والحزبية. ويمكن القول إنه أطلق الرصاصة على قدمه عندما حاول اجتذاب اليمين من خلال التحريض على القائمة المشتركة وإعلان أنه يرفض التفاوض معها، وهو أمر لم يقنع أحدا بل انتقده كثيرون عليه، لأنه يدرك تماما أن الخريطة الحزبية التي أفرزتها الانتخابات الأولى والثانية تشير إلى وجود أهمية للقائمة العربية المشتركة كقوة ثالثة في الكنيست، وإن كانت لدعمه من الخارج. وما يحصل الآن يدين غانتس بشكل كبير. فقد اضطر بعد الانتخابات إلى التوجه للقائمة المشتركة وإجراء مشاورات معها حول إمكانية دعمها، وهذا ما جعل ثلاثة من نواب كتلته يقفون ضده لأنه ينسف كل ما جاء في هذا الجانب في حملته الانتخابية.
كما أن ضعف غانتس انعكس في كثير من الفيديوهات التي نشرت خلال الحملة الانتخابية وتظهر كيف أن نتنياهو يعمل على مدار 24 ساعة لتجنيد الناخبين، بينما أظهرت الفيديوهات غانتس كمن يهمه صحته بالتغذية والرياضة وقراءة الكتب وما إلى ذلك من تهكمات تبعده عن شخصية السياسي القادر على رئاسة حكومة.
في بعض ما كتب حول هذا الجانب، جاء أن غانتس شخص محترم ولطيف، وشريك مثالي في رحلة على الدراجات النارية في أرجاء أميركا، ولكن كمرشح لرئاسة الحكومة؟ ربما نبدأ بالقول إنه ليس واضحا تماما إذا كان يريد في أي يوم هذا المنصب.
وقد كشفت الجولات الثلاث نقطة ضعف أخرى لغانتس، كانت معروفة من فترة ولايته المعقولة، ولكن غير الرائعة، لرئاسة الأركان. غانتس ليس شخصا حاسما، مثلما وصفه البعض، بل إنه من الأشخاص الذين عندما تسأله ماذا سيأكل اليوم في الظهيرة، يجيب: «سأعود اليك خلال 24 ساعة».
وإلى جانب هذا فإن الحملة الانتخابية لحزب «أزرق-أبيض» كانت ضعيفة واعتبرها البعض مشوشة، لأنه انجر خلف حزب الليكود ونتنياهو في كافة القضايا السياسية إلى حد أنه كرر موقفا لحزب الليكود بالقول: «إن حكومة مع العرب هي حكومة غير شرعية».
إزاء ما أفرزته نتائج الانتخابات الثالثة تقف إسرائيل أمام وضع قد يؤدي إلى انقلاب في الخارطتين الحزبية والسياسية لها، والأخطر أن اليمين الإسرائيلي، الذي تشير كل التوقعات إلى أنه سيعود للحكم متماسكا قويا، سيزيد فقدان الأمل من مسار سلمي جديد نحو تسوية تكون انطلاقة نحو شرق أوسط من نوع آخر.