* بعد مرور عام على الحَرَاك الشعبي، وبعد أول اختبار سياسي خاضته البلاد، تم تسجيل غياب كلي للعنصر النسوي، بعد أن غابت عن قائمة المتنافسين على كرسي الرئاسة
* خروج المرأة منذ 22 فبراير، كان عفويًا كبقية فئات المجتمع، ولا يعبر عن القوة التي بلغتها المرأة الجزائرية
* الأستاذة بجامعة بجاية حكيمة صبايحي: لا يمكن فصل واقع المرأة عن واقع الرجل في كل المجالات، وإن كان واقع المرأة في العالم المتخلف، يكون تحت الأنظار، ويتعرض للانتقاد أكثر مما يتعرض له عمل الرجل
* الحرائر، مثل الرجال الأحرار، صاحبات قضايا، وولاؤهم الأعظم للشعب الجزائري، إذ عادت المجاهدة الأيقونة جميلة بوحيرد، والمجاهدة الكبيرة لويزا إغيل أحريز، لتتصدر واجهة المسيرات الشعبية السلمية
* ثغرات كبيرة في القانون الجزائري فيما يتعلق بالاستجابة للعنف الأسري. فحتى ديسمبر 2015 لم يكن العنف الأسري جريمة قائمة بذاتها، بل كان العنف الجسدي يلاحَق بموجب أحكام جنائية عامة تتعلق بالاعتداء، ويُنظَر فيه تبعا لخطورة الإصابة
الجزائر: «ليس عيدا ولكنه يوم للمطالبة بحقوقنا»، هو شعار حملة أطلقتها مجموعة من الناشطات الجزائريات عبر شبكات التواصل الاجتماعي في محاولة منهن لتغيير الصورة النمطية المرتبطة بهذا اليوم، والذي يتميز عادة بتنظيم مهرجانات واحتفاليات فنية، في حين ترى الناشطات أن الاحتفال بهذه الطريقة مهين للمرأة، ولا يعكس مستوى المرأة الجزائرية المناضلة، فهذا اليوم برأيهن ليس يومًا للرقص والغناء، بل هو يوم لتسليط الضوء ومناقشة واقع المرأة الجزائرية اجتماعيًا واقتصاديا وسياسيا.
مع إحياء الجزائر لذكرى الثامن مارس (آذار)، بوصفه عيدًا عالميًا للمرأة، ثمة تساؤلات بارزة طرحتها المبادرة النسوية المذكورة، وتتعلق بوضع المرأة الجزائرية، وما حققته من مكاسب اجتماعية وسياسية واقتصادية، وهناك أيضًا تساؤلات مطروحة بشأن دور المرأة الجزائرية في الحَرَاك الشعبي الجزائري الذي يدخل عامه الثاني، كيف كانت مساهمة النساء الجزائريات في هذا التحول المجتمعي غير المسبوق في تاريخ الجزائريين، وإلى أي مدى سيؤثر هذا الحراك في تعزيز وتطوير مكانة المرأة داخل المجتمع الجزائري الذي يوصف بأنه مجتمع ذكوري بامتياز.
وبالحديث عن مكانة وحضور المرأة الجزائرية في المشهد السياسي، فإن حضورها في المجال الحزبي والنضالي يبقى محتشمًا رغم أن الحكومة لم تفوّت فرصة التعديلات الدستورية للقيام بمحاولة لتعزيز حضورها في مؤسسات الدولة من خلال الانتخابات، عندما ألزمت في المادة 31 مكرر من التعديل الدستوري لعام 2008 الأحزاب بتخصيص نظام حصة في الانتخابات النيابية والمحلية للمرأة، وصدر في أعقاب ذلك القانون العضوي رقم 12-03 الشهير الذي يحدّد كيفيات توسيع نسبة تمثيل المرأة في المجالس المنتخبة.
ورغم هذا القانون فإن تفاعل وتواجد المرأة في المشهد السياسي يبقى محتشما لعدة أسباب تتعلق بعادات وتقاليد المجتمع الجزائري التي تمارس وتفرض قيودًا مشددة على المرأة لدخول هذا المجال، هذه النظرة دفعت بالمرأة إلى المشاركة على استحياء في الحَرَاك الشعبي منذ بداياته الأولى، لكن الأمر تغير بعد جمعة الثامن من مارس2019، حيث سجلت فيه النساء مشاركة قياسية وغير مسبوقة، ومنذ ذلك الحين وحضور المرأة أصبح لافتًا وقويًا في الحراك، وما ميز الحضور النسوي هو مشاركة أيقونة الثورة الجزائرية جميلة بوحيرد وبقوة في مسيرات الحراك، حيث تسجل كل جمعة حضورها وسط الجماهير رغم كبر سنها وهي التي تتجاوز 84 عامًا، وتدعو الشباب إلى التمسك بمطلبهم في رحيل رموز النظام وحماية ثورتهم، موقفها هذا يحمل برأي الجزائريين دلالات مهمة بوصفها رمزا من رموز التحرر جزائريًا وعالميًا.
المجاهدة بوحيرد ليست الشخصية الوحيدة التي صنعت ألق وتميز حراك 22 فبراير، فشقيقة الشهيد العربي بن مهيدي أحد أشهر شهداء ثورة التحرير الجزائرية السيدة ظريفة بن مهيدي خطفت هي الأخرى الأنظار بمشاركتها الدائمة في فعاليات الحراك، وهي التي ظلت تنادي دائما قبل الحراك بضرورة إنهاء الوصاية الفرنسية على الجزائر، مصرة على أن تكون رسائلها هي أيضا ناحية الشباب لمواصلة النضال السلمي حتى تحقيق التغيير المنشود وترسيخ رسالة الثاني والعشرين فبراير.
لكن بعد مرور عام من الحَرَاك الشعبي، ورغم مشاركة الجزائريات بقوة فيه، إلا أن مكانة المرأة يبدو أنها تراوح مكانها، فأول اختبار سياسي خاضته البلاد سجل غيابًا كليًا للعنصر النسوي، بعد أن غابت عن قائمة المتنافسين على كرسي الرئاسة، وتجزم الناشطة عمرون ياسيمن أن «غياب العنصر النسوي عن قائمة المتنافسين عن كرسي الرئاسة يكشف حقيقة وضع المرأة في المجتمع الجزائري»، فعلى الرغم من كل الجهود التي وصفتها في حديثها لـ«المجلة» بأنها «غير بريئة» التي قام بها نظام بوتفليقة في إطار إدماج المرأة في الحياة السياسية، وبرأيها فإن خروج المرأة منذ 22 فبراير، كان عفويًا كبقية فئات المجتمع، ولا يعبر عن قوة بلغتها المرأة الجزائرية، بدليل ضعف إقبالها على سحب استمارات الترشح للانتخابات الرئاسية الأخيرة والتي جرت يوم 12 ديسمبر (كانون الأول).
وفي حديثها لـ«المجلة» تؤكد الناشطة السياسية والأستاذة بجامعة بجاية حكيمة صبايحي أنه «لا يمكن فصل واقع المرأة عن واقع الرجل في كل المجالات: سياسيا واقتصاديا وثقافيا، وإن كان واقع المرأة في العالم المتخلف، يكون تحت الأنظار، ويتعرض للانتقاد أكثر مما يتعرض له عمل الرجل. لكن في عالم يحتكمه وينتظمه الفساد، لا يعاني طرف دون آخر، فالمجتمع كله في حالة أزمة ومعاناة، وتحرك طرف دون آخر، هو وجه من وجوه الأزمة»، وإذا كان المجتمع الجزائري: «على الوجه الخصوص، استطاع أن يخترق حاجز الخوف فبفضل تكاتف الجهود، وفي العمل البناء عموما، لا نسأل عن جنس من يقوم به إن كان ذكرا أم أنثى، إنما نسأل ونقيس مدى إتقانه للعمل، والأخطاء ليست من نصيب الرجال فقط، الأخطاء من الصفات البشرية للإناث والذكور».
وعبر التاريخ السياسي للجزائر رصدت صبايحي نماذج لبعض القيادات السياسية النسوية والتي كان لها تأثير على واقع المرأة سياسيا في البلاد، والبداية كانت بزعيمة حزب العمال لويزة حنون والتي شكلت حسب حديثها «ولسنوات رمز المرأة الحديدية وحظيت باحترام وتقدير المجتمع، ولكن في مناخ الفساد يصبح الجميع فاسدا، فقد استطاع المخلوع بوتفليقة أن يحولها إلى ورقة لتمرير سياسته الجهنمية ضد الشعب، من خلال دفاعها المستميت عنه في البرلمان وفي الصحافة وكل المنابر المفتوحة على الترويج للمشاريع السياسية، تملك قدرة على تحميس الناس، ولكن خانتها الأهداف والغايات، مما جعلها تنال السجن في بدايات ثورة الشرف السلمية على الفاسدين».
كما شكلت برأيها «خليدة تومي وزيرة الثقافة في عهد بوتفليقة، صدمة للشعب الجزائري، والذي لا يزال يشهر اسمها في المسيرات كواحدة من رموز الفساد في الجزائر، بعد أن كانت رمزا للنضال في منطقة القبائل، بمجرد ما التحقت بفريق الحكومة حتى اصطفت مع سياسة الفساد، وتحولت إلى درس فج في الحياة العامة للجزائريين، يهددون به كل المناضلات، حتى لا يخنَّ الشعب ولا يجرؤن على ذلك، وقد تعرضت للمساءلة الأمنية في بدايات الثورة الشعبية السلمية، ولكنها لم تسجن مثل بقية الفاسدين حتى وإن كان الملايين، قد طالبوا بمحاكمتها ومحاسبتها».
والمثال الثالث للمرأة التي انطلقت في الإعلام حرة ومكافحة وتحولت إلى بيدق برأيها: «يلعب به أباطرة الفساد، هي الإعلامية حدة حزام مديرة جريدة (الفجر)، والتي قبلت بكل الأدوار التي يرفضها الشعب، أثناء مناورات السلطة الحاكمة الفاسدة التي ثار الشعب ضدها، كمشاركة فيما يعرف بالثورة المضادة».

صبايحي تقول بحسرة وألم «ما أكثر النساء، الرديئات سياسيا، لا فرق بينهن وبين الرجال الذين لديهم طمع في بلوغ المناصب العليا، ويستثمر النظام هذا الطمع، الذي يعمي أصحابه، ويجعلهم لا يعون أنهم بصدد الانتحار في نظر الشعب في حياته العامة».
ورغم النماذج السابقة والتي وصفتها صبايحي بـ«السيئة» إلا أنها بالمقابل تؤكد أن «هناك نوعا آخر من النساء، هن: الحرائر، مثل الرجال الأحرار، صاحبات قضايا، وولاؤهم الأعظم للشعب الجزائري، إذ عادت المجاهدة الأيقونة: جميلة بوحيرد، والمجاهدة الكبيرة: لويزا إغيل أحريز، لتتصدر واجهة المسيرات الشعبية السلمية»، وهذا الأمر برأيها «كان دعما كبيرا للشعب الجزائري وثورته السلمية الشعبية المذهلة، كما ساهم جيل كامل من النساء الشباب وبروح أمل عالية، وذكاء وشرف، منهن من أصبحت أيقونة حقيقية للثورة الشعبية مثل سميرة سويسي الممثلة في المجلس الولائي لمدينة تيزي وزو الأصغر، فهي لا تتجاوز الخامسة والعشرين من العمر، ولكن تصريحاتها الشجاعة وخطاباتها الذكية، تعكس وعيا متقدما وحادا لجزائر جديدة، لا بديل عنها مهما كان الثمن، وقد سجنت تعسفيا، بسبب حملها الراية الأمازيغية في المسيرات الثورية، وقد لقنت القاضية درسا في الشجاعة أثناء محاكمتها»، كما تحولت أيضا الطالبة نور الهدى عقادي من جامعة تلمسان حسب حديثها إلى «أيقونة الشجاعة والحرية، وأيضا عبلة قماري من ورقلة التي تتحدى الجميع، ولا تخاف من أحد، عندما تفتح قلبها للجزائر جمعاء وتدافع عن الجزائريين جميعا، تعرضت هي الأخرى للسجن التعسفي وحظيت باحترام وتقدير الشعب الجزائري».
الملايين من النساء الجزائريات الحرائر تقول صبايحي: «خرجن وتخرجن في مسيرات الشرف الشعبية السلمية، بأزواجهن وأولادهن ومحيطهن، للدفاع عن شرف الجزائر وشرفهن، وكرامة الجزائر وكرامتهن، الحضور للنساء بأطفالهن في المسيرات، كرس ورسخ البعد السلمي فيها، وحمى الشعب من الكثير من المخاطر».
الثورة برأي صبايحي «قطيعة جذرية مع عهد الفساد، وبداية لعهد جديد يبنيه الرجال والنساء معا، يكبر فيه الأطفال ويصبحون مواطنين يبنون الجزائر على دعائم قوية: العدالة المستقلة، الصحافة الحرة، القوانين السارية على الجميع دون تفرقة أيا كان نوعها. عندما تخرج النساء مع الرجال والأطفال للدفاع عن الجزائر، فهذه علامة على أن المجتمع الجزائر يعيش عافية ثورية، لا بد أن نجني في المستقبل ثمارها الطيبة».
وخارج دائرة السياسة ما تزال المرأة الجزائرية تعاني من ظاهرة العنف المادي والمعنوي الممارس ضدها، وتشير تقارير الأمن الجزائري إلى تسجيل نحو سبعة آلاف حالة عنف ضد المرأة خلال التسعة أشهر الأولى من عام 2018، وتشهد ساحات المحاكم في الجزائر صراعات عنيفة بين الأزواج سببها العنف الأسري، وتشير إحصائيات تعنيف الأزواج لزوجاتهم إلى أرقام مخيفة بل إن العنف في بعض الأحيان يفضي إلى الوفاة.
وفي إحصاءات نقلتها شبكة «وسيلة» وهي شبكة مختصة في حماية المرأة، تكشف المختصة النفسانية سهيلة لفقي «أنه يوجد 247 حالة قتل وهذا يدعو إلى دق ناقوس الخطر ويوجد أيضا بعض الزوجات ممن تعرضن للضرب أثناء الحمل».
وفي دراسة ميدانية أجرتها منظمة هيومان رايتس ووتش، أشارت فيها إلى أن السلطات الجزائرية أطلقت عام 2003 حملة استشارات امتدت على 3 سنوات مع المجتمع المدني وجهات حكومية وهيئات الأمم المتحدة لتطوير «الاستراتيجية الوطنية لمناهضة العنف ضد المرأة». اعتمدت الخطة في 2007 وجمعت بين عدة أطراف تعمل مع الناجيات من العنف الأسري، من ضمنها وزارات العدل والصحة والتضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة، بالإضافة إلى الشرطة والدرك ومجموعات حقوق المرأة.
وتكشف المنظمة أن الخطة الوطنية، أوصت من جملة ما أوصت به، بإنشاء مراكز استماع لضحايا العنف والاهتمام بهن. كما دعت إلى استحداث آليات تسجيل شكاوى النساء.
حثت الوثيقة الحكومة على إنشاء وحدات خاصة، داخل الشرطة والدرك الوطني (الشرطة العاملة خارج المناطق الحضرية)، يمكنها إحالة الضحايا إلى مراكز إيواء لمدة أطول. كما شددت على الحاجة إلى تطوير، عبر عملية تشاركية، نظام معياري يؤمن إطارا لعمل المؤسسات الحكومية المختلفة لدى استقبال ضحايا العنف القائم على الجنس والاستماع إليهن ودعمهن وتوجيههن، ولتدريب الشرطيات لمعالجة هذا النوع من العنف. أوصت الخطة أيضا بتبنّي السلطات نظاما للأطباء الشرعيين في توثيق العنف الأسري. وفي حين رحبت هيومان رايتس ووتش بهذه التوصيات، إلا أنها أكدت أنها لم تتمكن من تأكيد إذا ما طبقت السلطات أيا من هذه الخطوات.
وتكشف المنظمة أنها «راسلت رئيس الوزراء في 25 مايو (أيار) 2016 لطلب معلومات بخصوص وجود وحدات متخصصة بالعنف الأسري وموظفين في الشرطة يعنون بالعنف الأسري وأنظمة تحدد كيفية معالجة قضاياه. لم يرد رئيس الحكومة حتى وقت صياغة هذا التقرير»، كما تؤكد المنظمة.
ورصدت المنظمة قيام الجزائر بعدد من الإصلاحات القانونية التي تدعم حقوق المرأة. في 2005، وبعد حملة لمجموعات حقوقية نسوية، أقرّ البرلمان قانونين يدعمان حقوق المرأة:
الأول هو «قانون الجنسية» المعدَّل ليسمح للنساء الجزائريات المتزوجات من أجانب بإعطاء الجنسية لأطفالهن وأزواجهن.
أما الثاني فهو «قانون الأسرة» المُعدَّل عبر تسهيل طلب النساء الطلاق وحضانة الأطفال. في أن الكثير من أحكام قانون الأسرة ما زالت تمييزية، إلا أن السلطات ألغت الحكم الذي ينص على «طاعة الزوج ومراعاته».
وأشارت المنظمة إلى أن الدستور الجزائري يحفظ مبدأ عدم التمييز الجنسي ويفرض على الدولة اتخاذ خطوات إيجابية لضمان حقوق وواجبات جميع المواطنين، رجالا ونساء، بإزالة العقبات التي تعوق تفتح شخصية الإنسان، وتحول دون مشاركة الجميع الفعلية في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
ورصدت المنظمة الكثير من العوائق التي تعترض النساء في الوصول إلى الخدمات وضمان محاسبة المعتدين. وأكدت أن هناك حاجة للكثير من التدابير، بما في ذلك إصلاحات قانونية إضافية، لرفع هذه العوائق.
وضمن العوائق لا تستطيع الناجيات من العنف الأسري تغيير وضعهن، ليس فقط بسبب تبعيتهن المادية للجناة ولكن بسبب حواجز اجتماعية أيضا، منها الضغط عليهن للحفاظ على الأسرة مهما كلف الأمر، وتجنب الوصم والعار الذي يلحق بالأسرة إذا ما غادرت المرأة المنزل أو اشتكت من سوء المعاملة. وما يزيد قساوة هذه الحواجز كما تؤكد المنظمة هو «إخفاق الحكومة الجزائرية في منع العنف الأسري وحماية الناجيات وإنشاء نظام شامل لملاحقة الجناة.
ومن أوجه فشل الحكومة الجزائرية في الاستجابة للمشكلة قلّة الخدمات المقدَّمة إلى الناجيات، تحديدا مراكز الإيواء، ونقص تدابير الوقاية من العنف مثل تعديل المناهج التعليمية لإلغاء أنماط وسلوكيات اجتماعية وثقافية تمييزية وتنميط جنساني مهين، وعدم توفير حماية كافية من المعتدين، والاستجابة غير المناسبة من قِبَل أعوان إنفاذ القوانين».
وكشفت المنظمة أن الكثير من المنظمات غير الحكومية، والتي لا تحصل في أغلبها على أي دعم من الدولة، خدمات حماية للناجيات من العنف الأسري، بما في ذلك مراكز الإيواء والعناية النفسية والاجتماعية وتسهيل الحصول على العدالة.
هناك أيضا ثغرات كبيرة في القانون الجزائري فيما يتعلق بالاستجابة للعنف الأسري. فحتى ديسمبر (كانون الأول) 2015 لم يكن العنف الأسري جريمة قائمة بذاتها، بل كان العنف الجسدي يلاحَق بموجب أحكام جنائية عامة تتعلق بالاعتداء، ويُنظَر فيه تبعا لخطورة الإصابة. عندما تُشفى الإصابات في أقل من 15 يوما، وهو ما يحصل غالبا، كانت النيابة العامة تعتبره جنحة.
وفي ديسمبر (كانون الأول) 2015 عدّل البرلمان قانون العقوبات بهدف معالجة الثغرات، فيما يخص تجريم العنف ضد النساء عبر تجريم بعض أشكال العنف الأسري. ينص القانون رقم 15-19 على معاقبة الاعتداء على الزوجة أو الزوجة السابقة بالسجن لمدة قد تصل إلى 20 عاما، تبعا لخطورة إصابة الضحية، والسجن مدى الحياة إذا أدى الاعتداء إلى الموت. كما وسّع تعريف التحرّش الجنسي وشدّد عقوبته وجرّم التحرّش في الأماكن العامّة، في حين تُعَدّ هذه التعديلات خطوة هامة إلى الأمام، لا يزال القانون يتضمن عدة ثغرات، وهناك حاجة إلى تشريعات شاملة من أجل استجابة فعالة ومنَسَّقة ضد العنف ضد النساء.
أولا، يسمح قانون 2015 للمعتدي بالتهرّب من العقوبة أو الحصول على حكم مخفَّف إذا سامحته الضحية. وهذا يزيد من ضعف الضحية أمام الضغوط الاجتماعية من أجل المسامحة، وقد يثنيها عن السعي إلى الانتصاف أمام المحكمة.
ثانيا، الاغتصاب الزوجي غير مشمول بتعريف العنف الأسري، وهو من أشكال الانتهاك الذي تتعرّض له النساء الأكثر تفشيا في العالم.
علاوة على ذلك، لا يشمل تعريف العنف الأسري جميع الأفراد، فهو يعتبر الأزواج والأزواج السابقين الجناة المحتملين الوحيدين ويستثني الأقارب. مثلا، أحكام الاعتداء والعنف النفسي والجسدي لا تنطبق على أفراد تجمعهم بالضحية علاقة حميمة، غير الزواج، أو صلة قربى أو أشخاص يسكنون نفس المنزل.
ثالثا، يعتمد القانون بكثرة على تقييم خطورة العجز الجسدي لتحديد درجة العقوبة، من دون إعطاء توجيهات إلى الأطباء الشرعيين لطريقة تحديد العجز في قضايا العنف الأسري. في الجزائر، كما في الكثير من البلدان، يتضمن التقرير الطبي بعد معاينة المصابين، عدد أيام الراحة، التامة أو الجزئية، تبعا لتقييم عجز الشخص والمدة اللازمة للشفاء. كما يتجاهل القانون احتمال أن يكون الأذى، الناجم عن العنف الأسري، سببه الضرب المتكرر والذي لا يمكن تقييمه عبر تشخيص شرعي واحد.