* تساعد استراتيجية حزب الله الجديدة على بقائه صامدًا ولكن ليس لفترة طويلة
* يتعين على الولايات المتحدة وحلفائها زيادة العقوبات ضد الأفراد الفاسدين لمواجهة خطة حزب الله ومساعدة الشعب اللبناني على النجاة من هذه الأزمة
* لا يمكن أن تنجح استراتيجية حزب الله إلا إذا ظل النظام الحالي والنخبة السياسية على حالها
سيبقى حزب الله صامدًا من خلال تدابير مثل توسيع نشاط التهريب وتشجيع مؤسساته المالية وإلقاء المسؤولية على سياسيين فاسدين بشكلٍ انتقائي ما لم تستجب واشنطن وحلفاؤها لمطالب المحتجين الإصلاحية المشروعة.
عندما زار مسؤولون من صندوق النقد الدولي لبنان في أواخر الشهر الماضي، في ضوء اتجاه الوضع الاقتصادي نحو الحضيض، تساءل الكثيرون عما إذا كانت هذه التطورات ستغير من سلوك حزب الله ــ المجموعة المصنفة إرهابيًا والتي تمتلك حصة مالية كبيرة في القطاعين العام والخاص في البلاد.
واستطاع الحزب ورعاته الخارجيون صياغة استراتيجية جديدة خلال أزمة تمويل سابقة تسببت بها عقوبات أميركية إضافية ضد ضامن حزب الله الرئيسي، إيران، وذلك للتهرب من التدابير المفروضة وخلق مصادر بديلة للتمويل.
وسمحت هذه المصادر لحزب الله بالانخراط أكثر في المؤسسات الحكومية بعد الانتخابات البرلمانية عام 2018. فعلى سبيل المثال، أصر قادة المجموعة على السيطرة على وزارة الصحة التي يخصص لها رابع أكبر ميزانية في لبنان بقيمة 338 مليون دولار سنويًا. كما تمكنت من الحصول على صلاحيات أكبر في وزارات الأشغال العامة والنقل والزراعة والطاقة والمياه واستعانت بها لتمويل مشاريعها وأعمالها التجارية ذات الصلة.
ونجح الحزب في تنفيذ هذا المخطط إلى حين تراجع مستوى الوضع الاقتصادي في البلاد. وسجل معدل البطالة ارتفاعًا قياسيا بلغ 40 في المائة وفقدت العملة اللبنانية نحو 60 في المائة من قيمتها في السوق الموازية، مما أدى إلى زيادة التضخم.
وتدهورت قيمة العملة اللبنانية 40 في المائة مقابل الدولار في السوق السوداء في حين تقنن البنوك المحلية الدولارات اللازمة لاستيراد المواد الغذائية والأدوية والسلع الأساسية الأخرى.
وفي الوقت نفسه، يمتلك لبنان أحد أعلى نسب الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في العالم (أكثر من 150 في المائة) وقد لا يكون قادرًا على دفع 1.2 مليار دولار من استحقاقات سندات اليورو المتوجبة عليه في شهر مارس (آذار).
ولكن كما هو الحال مع العقوبات الإيرانية، لدى حزب الله استراتيجية ستمكنه من الصمود أمام هذا الضغط الداخلي، على الأقل على المدى القريب.
مناقشات صندوق النقد الدولي مجرد صرف عن الأهداف الحقيقية
سمح حزب الله للحكومة التي تشكلت حديثًا والتي يسيطر عليها، باستقبال وفدٍ صغير من صندوق النقد الدولي الشهر الماضي ليستطيع كسب المزيد من الوقت لتأسيس وإيجاد مصادر تمويل بديلة. وأوضح مسؤولو حزب الله أن مساعدة صندوق النقد تقنية وغير ملزمة ولن تتحول إلى برنامج كامل للبنان. وقال نائب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم، خلال مؤتمر صحافي يوم 25 فبراير (شباط): «لا نقبل الخضوع لصندوق النقد الدولي ليدير الأزمة»، مما قلل من أهمية المنظمة كأداة إمبريالية.
ويكمن رفض المجموعة لمشاركة أعمق من صندوق النقد الدولي في حقيقة أن برنامج المساعدة الكامل سيسمح للصندوق بالوصول إلى مؤسسات الدولة الرئيسية وفرض إصلاحات جدية، وبالتالي زعزعة نظام محسوبيات حزب الله وفضح عملياته المالية أمام المجتمع الدولي. فعلى سبيل المثال، من شأن إحدى الإصلاحات المقترحة أن تتسبب في إغلاق جميع نقاط الدخول غير القانونية بين لبنان وسوريا مع بسط سيطرة أكبر على الموانئ الجوية والبحرية في البلاد – ويمكن لهذه النتيجة أن تعيق بشكل كبير تهريب المجموعة للسلع والأسلحة. ويقلق الحزب أيضًا من تدخل الصندوق في قطاع الكهرباء، والذي يفضل عدم القيام بأي إصلاحات فيه لأنه يستفيد من قطاع الطاقة البديلة. (فمثلاً أنشأت كيانات حزب الله شبكات مولدات كبيرة يمكنها توفير الطاقة لأحياء بأكملها، ثم فرضت رسوم على السكان مقابل الخدمة التي يفترض أن تقدمها الدولة).
وفي الوقت نفسه، قد يرحب الحزب بمناقشات صندوق النقد الدولي الأولية غير الملزمة باعتبارها وسيلة للصرف عن أهدافه الحقيقية وهي: تنفيذ استراتيجية للحفاظ على السلطة في لبنان أثناء وبعد الانهيار الاقتصادي وإصلاح صورته المشوهة داخل المجتمع الشيعي. والأهم من ذلك، تأمين مصادر التمويل تستطيع الصمود أمام الانهيار. وتتعدد أساليبه لتحقيق هذه الأهداف.
ترويج وتهريب المنتجات الإيرانية
يستغل حزب الله الأزمة الاقتصادية للترويج للمنتجات الإيرانية في لبنان، والتي يتم إعفاؤها من الضرائب وبالتالي يتم بيعها بأسعار زهيدة. وبعد أن أطلقت المجموعة حملتها لمقاطعة المنتجات الأميركية الشهر الماضي، بدأت الكثير من وسائل التواصل الاجتماعي في الترويج للسلع الإيرانية كمصدر بديل. وليس خفيًا غمر طهران لمنتجاتها في السوق اللبنانية منذ عدة لسنوات، ومن المرجح أن تباشر في تسريع هذه الجهود وسط ضغوط مستمرة. فبين عامي 2017 و2019. على سبيل المثال، قفزت قيمة واردات الصلب الإيراني إلى لبنان من 13 ألف دولار إلى 1.4 مليون دولار. والأدوية من الواردات الإيرانية الرئيسية الأخرى التي يروج لها حزب الله. وسلطت وزارة الخزانة الأميركية الضوء على هذه الصلة في 26 فبراير عندما فرضت تصنيفات إرهابية على الكثير من شركات الأدوية اللبنانية التي تتعامل مع «مؤسسة الشهيد» التابعة لحزب الله.
ولتفادي هذا الضغط والحفاظ على تدفق البضائع الإيرانية، قام حزب الله مؤخرًا بزيادة عمليات التهريب - ليس فقط على طول الحدود اللبنانية السورية، بل أيضًا إلى بقية دول المنطقة. ويعتبر معظم التجار والزبائن المعنيين في هذه التجارة غير المنظمة على مقربة من أعمال الحزب التجارية وشبكات الدعم التابعة له، مما قد يسمح للمجموعة بالخروج من الانهيار الاقتصادي بأقل أضرار في المقارنة مع بقية الشركات اللبنانية.
رفع شأن مؤسسة القرض الحسن
عندما بدأت البنوك اللبنانية في الحد من سحب الدولار الأميركي في أواخر شهر أكتوبر (تشرين الأول)، قرر الكثير من المودعين سحب أكبر عدد ممكن من الدولارات نقدًا. وتم سحب ما يقدّر بنحو 5 مليارات دولار في الأشهر الأربعة الماضية فقط.
ويحاول حزب الله الاستفادة من هذا الاحتياطي النقدي غير الرسمي بطريقتين. الأول، تكثيف خطابه ضد النظام المصرفي لصرف الغضب الشعبي عن دوره في الفساد المتفشي. ثانيًا، تشجيع الناس على استخدام مؤسسات حزب الله المالية لتبادل أموالهم وإيداعها - وخصوصًا مؤسسة القرض الحسن التي أصبحت مؤخرًا جهة الصرف الرئيسية للمجموعة والبديل المصرفي الافتراضي للمجتمع الشيعي. ومع تدهور الوضع الاقتصادي، قد يضطر المزيد من المواطنين إلى اللجوء لمثل هذه المؤسسات، والتي من المحتمل أن يتوفر لديها الدولار الأميركي بأسعار أرخص من السوق السوداء.
تشريع القنّب
تراجع حزب الله مؤخرًا عن اعتراضه على تشريع القنّب في لبنان، مما أثار تساؤلات حول دوافعه. وفي 26 فبراير سُمح للبرلمان أخيرًا بالموافقة على مشروع قانون تم تأجيله لمدة طويلة ويشرّع زراعة المحصول للاستخدامات الطبية والصناعية.
ويعتقد الكثير من السكان المحليين أن من شأن الخطوة أن تفيد لبنان من الناحية الاقتصادية، إذ تصنف الأمم المتحدة لبنان كأكبر منتج للماريغوانا في العالم. ولكن يشعر آخرون بالقلق من أن يكون حزب الله المستفيد الأول لأنه يسيطر على مؤسسات الدولة التي ستحدد كيفية إدارة هذا القطاع واستخدامه.
التخلص من برّي
عندما خرج المحتجون الشيعة اللبنانيون إلى شوارع مدن النبطية وصور وبعلبك، بدا وكأن الحزب استنتج أن دائرته الانتخابية كانت تخرج عن نطاق سيطرته. على الرغم من أن المظاهرات كانت ضد الفساد عمومًا، إلا أنها استهدفت حزب الله بشكلٍ غير مباشر باعتباره الحامي الرئيسي للسياسيين الفاسدين. ويرى الشيعة المحليون أن من أبرز هؤلاء السياسيين رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري الذي يرأس أيضًا حركة أمل، الشريك السياسي المنافس لحزب الله. وليتمكن الحزب من حل هذه المسألة وإعادة رسم صورته بين الشيعة، يخطط حزب الله للتخلص من بري. إذ ستسمح له هذه الخطوة من ضرب عصفورين بحجرٍ واحد: إثبات للمجتمع الشيعي أنه لن يحمي الفساد بعد اليوم والسيطرة على حصة بري في مؤسسات الدولة وشبكات الأعمال الشيعية. ويتم التخطيط بالفعل منذ فترة لاستبدال بري والحصول على كرسي رئاسة مجلس النواب، ويتنافس على المقعد مرشحان رئيسيان وهما: مدير عام الأمن العام السابق وحليف مقرب من نظام الأسد السوري جميل السيد، والمدير الحالي للأمن العام عباس إبراهيم.
توصيات
قد تساعد استراتيجية حزب الله الجديدة على بقائه صامدًا ولكن ليس لفترة طويلة. فعندما اعترضت المجموعة على برنامج صندوق النقد الدولي المخصص للبنان، لم تقدم بديلاً لإنقاذ الدولة من الإفلاس. ولا يمكن أن تستمر خطة حزب الله من دون هيكل دولة على الأقل. ويدرك مسؤولو الحزب هذه المهلة الزمنية وكذلك يفعل رعاتهم في إيران، ويأملون أن تتمخض الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل عن إفراز إدارة جديدة تكون على استعداد لتخفيف الحد الأقصى من سياسة الضغط المُتّبعة حاليًا.
ويتعين على الولايات المتحدة وحلفائها زيادة العقوبات ضد الأفراد الفاسدين لمواجهة خطة حزب الله ومساعدة الشعب اللبناني على النجاة من هذه الأزمة. وتعتمد المجموعة على الحلفاء من جميع الطوائف وعلى نظام الفساد في جميع أنحاء البلاد الذي يحمي مصالحها في الميناء البحري والمطار ونقاط التهريب غير القانونية. ويُعد قانون ماغنيتسكي الأميركي أداة جيدة لمعالجة هذه المشكلة والاستجابة لمتطلبات المتظاهرين.
علاوة على ذلك، وفي حين أن إنقاذ الحكومة الحالية لن يؤدي سوى إلى تفاقم المشكلة، إلا أنه يمكن لتقديم المساعدات الإنسانية أن يساعد في مواجهة محاولات حزب الله للترويج للأدوية الإيرانية وغيرها من السلع الأساسية. ويجب على المنظمات الدولية العاملة في لبنان أن تبذل هذا الجهد، بدلاً من المنظمات الحكومية أو البلديات المحلية التي قد تفيد حزب الله والنظام الفاسد.
وأخيرًا، يجب على واشنطن مواصلة دفع القوات المسلحة اللبنانية لحماية المتظاهرين ومعاقبة جميع الوحدات والضباط الذين يرتكبون انتهاكات ضدهم. ولا يمكن أن تنجح استراتيجية حزب الله إلا إذا ظل النظام الحالي والنخبة السياسية على حالها - أي البرلمان الذي يسيطر عليه حزب الله والذي يضمن تعيين المرشحين الذين يختارهم الحزب لمنصب رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب والمناصب الأمنية والحفاظ على مصادر تمويله البديلة. ولا يزال المحتجون يطالبون بإجراء انتخابات مبكرة وسن قانون انتخابي تمثيلي بالفعل يستطيع تغيير تشكيلة الهيئة التشريعية بشكلٍ كبير. وينبغي على واشنطن وحلفائها أن يستغلوا هذا الزخم طالما هم قادرون ويعرقلوا تنفيذ مخطط حزب الله للصمود في هذه الأوضاع.
* حنين غدار: زميلة زائرة في زمالة «فريدمان» في «برنامج غيدولد للسياسة العربية» في معهد واشنطن.