عبد العزيز بلخادم: التجارب المرّة جعلت الجزائري يحترز من نداءات التمرّد

عبد العزيز بلخادم: التجارب المرّة جعلت الجزائري يحترز من نداءات التمرّد

[caption id="attachment_55236947" align="aligncenter" width="620"]عبد العزيز بلخادم عبد العزيز بلخادم[/caption]



بلخادم أبدى قلقه من انتشار السلاح في منطقة الساحل وسيطرة حركة الأزواد على شمال مالي، موضحا أنه "نتخوف من انتشار السلاح، لأن السلاح ينبغي أن يكون في يد الدولة، والدولة هي المنظم لعملية استعمال السلاح وكيفية التصرف فيه، عندما ينفرط العقد، ينتشر السلاح، ولا ندري كيف يستعمل من يستعمله، وأين ومتى وضد من يستعمله، لهذا فالخطر عام". وعن موقف بلاده مما يجري في سوريا قال: "موقفي في هذه القضية متعلق بما قلته سابقا، إذا كانت إرادة الشعب السوري، فهو سيد في أن يغير وأن يبقي في أن يعدل أو يجدد".
وأشاد بمسيرة البناء والتشييد في بلاد المليون ونصف المليون شهيد، وما أنجزته الجزائر على مدى 50 سنة من الاستقلال. يأتي ذلك تزامنا مع انطلاق الاحتفالات الرسمية المخلدة لخمسينية الاستقلال الوطني، في سائر المدن الجزائرية.
في ما يلي نص الحوار:

* تحتفل الجزائر خلال هذا الشهر بذكرى مرور نحو 50 سنة على الاستقلال الوطني، بصفتكم أمين عام حزب جبهة التحرير الوطني، وبصفتكم الممثل الشخصي للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، كيف تقومون هذه المرحلة بمحاسنها ومساوئها؟
- بسم الله الرحمن الرحيم، بفضل التضحيات العظيمة للشعب الجزائري، والمقاومة الطويلة للاحتلال الفرنسي، ننعم الآن بالسيادة والكرامة والعزة والاستقلال، وهذه المناسبة تجعلنا نتذكر وبخشوع أرواح الشهداء، لأن شعبنا قدم ربما أكثر مما قدمت كل شعوب العالم الأخرى، من التضحيات من أجل استرجاع سيادته، وجوابا عن سؤالكم، أين نجد الجزائر بعد مرور نحو 50 سنة من الاستقلال الوطني، أقول إن الجيل المخضرم الذي عاش السنوات الأخيرة من الاحتلال الفرنسي وعاش سنوات الاستقلال يدرك الفرق جليا.
فرنسا حينما دحرت وخرجت تجر أذيال العار من الجزائر، تركت ما يزيد 45 مدرسة ثانوية طبعا لأبناء وبنات المستوطنين وقلة قليلة من الجزائريين، وتركت جامعة واحدة لا يزيد عدد الطلبة فيها عن 400 طالب، أغلبهم من أبناء المستوطنين والمستوطنات، الآن ثانوياتنا تعد بالآلاف، جامعاتنا ومعاهدنا العليا بلغ عددها 86 جامعة ومعهدا جامعيا، في السنة الأولى للاستقلال كنا نبحث عمن يؤطر أبناء الجزائريين وبنات الجزائريين، من اجل تعلم الحروف الأبجدية والكتابة، الآن لدينا نحو مليون وستمائة ألف طالب جامعي، وقبل يومين من الآن تحصل 64 طالبا وطالبة على درجة امتياز في شهادة البكالوريا، هؤلاء تحصلوا على معدلات تفوق 18 من عشرين، هذه التنمية البشرية، هذه المنشآت القاعدية من طرقات وسكك حديدية، طريق سيار موانئ مطارات، هذه السدود، هذه الشبكة الصناعية التي أنجزتها الجزائر المستقلة، كل ذلك مدعاة للفخر وللاعتزاز، لكن هل ذلك يعني أننا حققنا وأنجزنا كل شيء؟ طبعا لا، لأن فرنسا أتت على الأخضر واليابس، أرادت طمس معالم شخصيتنا، استهدفت لغتنا، استهدفت معتقداتنا الدينية، سلبت أراضي الجزائريين، انتهكت الحرمات، فرنسا ارتكبت جرائم فظيعة، فرنسا متجلببة بالعار إلى أبد الآبدين، فما تحقق خلال الخمسينية الأولى للاستقلال الوطني شيء كثير، وما ينتظر التحقيق أيضا شيء كثير، وعلينا أن نحمد الله الآن، لأن نسبة التمدرس وصلت إلى حدود 98.5 في المائة، نحمد الله أن التعليم مجاني وأن العلاج مجاني، نحمده على أن هناك سياسية تضامنية كبيرة، نحمد الله على أن هناك شبكة صناعية كبيرة، رغم أن هناك بعض الصعوبات في تسييرها، ولكنها موجودة فكـــل ذلك يجعلنا نطمح أن نكون قريبا بإذن الله دولة صاعدة مثلنا مثل كوريا والهند والبرازيل.


الأفكار لها مخازن




* ربما الحديث عن المنشآت القاعدية التي أنجزت خلال هذه الفترة لا يختلف بشأنها اثنان، لكن ذلك يعود حسب البعض إلى المقدرات المالية التي تحوزها الجزائر بفضل البترول طبعا، لكن الحديث عن واقع الحريات السياسية والإعلامية أمر آخر، المعارضة تقول بأن الجزائر تعيش حاليا أزمة عبر كل المستويات، وأن إصلاحات الرئيس بوتفليقة أجهضت من طرف أحزاب السلطة، وتم إرجاع البلاد إلى عهد الحزب الواحد بعد الفوز الساحق لحزبكم في الانتخابات النيابية الأخيرة؟
ـ لا، هذا مفهوم معاكس تماما لمعنى الممارسة الديمقراطية، لأن الديمقراطية هي تعددية حزبية هي تعددية إعلامية، هي انتخابات، هي احتكام إلى إرادة وخيار الشعب الجزائري الحر، فينبغي أن نحترم إرادة ورغبة الشعب الجزائري، إذا كان مفهوم هؤلاء للديمقراطية هو أن يذهب الكل من أجل بقائهم لوحدهم، فهذه ليست ديمقراطية إطلاقا، الديمقراطية التي نعرفها في كل دول العالم، هي أن تأتي الأحزاب ببرامج بقوائم للمرشحين والمرشحات، وأن تحاول إقناع المنتخبين بجدوى هذه البرامج ومدى نجاعتها، والشعب حينذاك يختار من اطمئن إليه قلبه، هؤلاء مفهومهم للديمقراطية مفهوم ضيق جدا إن لم أقل خاطئ، لأنه بالنسبة لهم من كان موجود ينبغي أن يزول حتى تكون الإصلاحات ناجحة، والموجود سابقا محكوم عليه بالعدمية، وهؤلاء أغلبيتهم أحزاب ناشئة، ومنهم من لا يملك أية برامج، والبعض من هذه الأحزاب جربها الشعب الجزائري في التسيير سنة 1990 و1997 في 2002 و2007، وإذا كان الشعب الجزائري أعطى ثقته الكاملة لجبهة التحرير الوطني، فهو يدرك تماما أن هذا الحزب خزان للأفكار، خزان للإطارات، وأنه يملك من التجربة في التسيير ما يجعل الشعب ينتظر من إطارات الجبهة الاستجابة لانشغالاتهم وتطلعاتهم، ونحن بقدر ما نعتز بهذه الثقة بقدر ما ندرك حجم المسؤولية الملقاة على عاتقنا.


[caption id="attachment_55236948" align="alignleft" width="299"]بلخادم مع الرئيس بوتفليقة بلخادم مع الرئيس بوتفليقة[/caption]

* من المفترض أن يتم الكشف عن مصير الحكومة الحالية، سواء عن طريق تثبيتها أو حلها وإعلان تشكيل حكومي جديد، بناء على نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، لكن ذلك لم يحدث إلى غاية الآن رغم مرور نحو شهرين كاملين، البعض يتحدث عن وجود خلاف في السلطة عن اسم الرئيس المقبل للجزائر، وهو ما أجل الكشف عن مصير الحكومة. ما مدى صحة هذه الأقوال ؟
ـ لا، لا، لا أعتقد أن هذا الأمر متعلق برئاسيات 2014، لأن الدستور الحالي ترك كامل الصلاحيات لرئيس الجمهورية في أن يثبت الحكومة الحالية أو أن يغيرها، سواء تغير رأسها أو بعض أعضائها أو تغير كل أعضائها، بالتالي هذه صلاحيات رئيس الجمهورية ولا علاقة لها بالانتخابات الرئاسية المقبلة، الآن السيد الرئيس له من المبررات ما يجعله يتأنى في تشكيل الحكومة الجديدة أو تثبيت الحكومة الحالية إن أراد ذلك، لأن الانتخابات جرت في العاشر من مايو/ آيار الماضي، والدورة الربيعية للبرلمان تنتهي في الثاني من شهر يوليو/ تموز، بين التاريخين هناك امتحانات شهادة البكالوريا هناك شهادة التعليم المتوسط، هناك تسجيلات للطلبة الجامعيين الجدد، هناك الاحتفالات المخلدة لخمسينية استرجاع الجزائر لسيادتها، كل ذلك جعل الرئيس يرجئ الأمر إلى وقت لاحق غير محدد.

* بالحديث عن الانتخابات الرئاسية المقبلة، هل سيزكي حزب جبهة التحرير الوطني الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لعهدة رئاسية رابعة؟
ـ هو رئيس الحزب وهو رئيس الجمهورية، وبالتالي إن كان الرئيس يرغب في أن يواصل، ونحن نتمنى ذلك، مهمته على رأس الدولة الجزائرية، من اجل استكمال سياسة المصالحة الوطنية، استكمال سياسة التنمية وجمع شمل الجزائريين، وتألق الجزائر في المحافل الدوليـة فنحن نسعد بهذا الترشح.

* لكن بعض التقارير تشير إلى نيتكم الترشح للرئاسيات المقبلة. هل هذا صحيح؟
ـ "ضاحكا" أنا سألت في عدة مناسبات هذا السؤال وإجابتي كانت رئيس الجمهورية هو رئيس الحزب عندما يقرر الرئيس عدم الترشح، القانون الأساسي في هذه الحالة واضح، هناك مادة تقول اللجنة المركزية هي التي تزكي مرشح الحزب للرئاسيات، معناه ننتظر قرار الرئيس، بعدها نطبق القانون حينها كل من يرغب في الترشح في حزب جبهة التحرير الوطني يمر حتما عبر تزكية أعضاء اللجنة المركزية.

* البرلمان الحالي يقال عنه إنه برلمان تأسيسي وهذا يعني أنه سيقوم بتعديل كلي أو جزئي للدستور، البعض يتساءل هل يمكن لبرلمان مشكل من أغلبية تمثل طيفا سياسيا واحدا يمثل السلطة، أن يقوم بمهمة تعديل دستور لجميع الجزائريين؟
ـ البرلمان الحالي برلمان تعددي، تمثله عدة أطياف سياسية بداية من جبهة التحرير الوطني فالتجمع الوطني الديمقراطي وأحزاب التكتل الأخضر، حزب العمال، جبهة القوى الاشتراكية وغيرها، البرلمان يضم أحزابا من كل الطيف السياسي في الجزائر، وحتما لابد أن تكون هذه الأحزاب متفاوتة من حيث الوزن في الغرفة السفلى، كون جبهة التحرير الوطني هي حائزة 45 في المائة من المقاعد في المجلس الشعبي الوطني، لا يمثل عائقا على الإطلاق في عملية تعديل الدستور، بدليل الدستور الأول للجمهورية الجزائرية اعتمد سنة 1963، حينها كان كل أعضاء المجلس التأسيسي ينتمون إلى جبهة التحرير الوطني، فما الذي يعيق البرلمان من تعديل الدستور، هذا أيضا نعتبره تحاملا على العمل السياسي في الجزائر، لأن النواب في المجلس الشعبي الوطني أحرار في أن يناقشوا كل مشاريع القوانين بما فيها التعديلات الدستورية.


[caption id="attachment_55236949" align="alignright" width="215"]50 سنة من الاستقلال 50 سنة من الاستقلال[/caption]


* يرى متابعون بأن الجزائر شكلت "الاستثناء" تجاه ما يسمى ظاهرة "الربيع العربي" على الأقل إلى حد الآن، برأيكم لماذا لم يتحرك الشارع الجزائري مثلما تحرك غيره في دول الجوار أو دول عربية أخرى؟
ـ لأن الجزائر عاشت أزمات خطيرة جدا في أحداث أكتوبر(تشرين الأول) عام 88، وما تلا ذلك من إصلاحات جذرية جاءت بالتعددية الحزبية، معناه الجزائر سبقت كل الدول التي تتحدث عن الديمقراطية وتتحدث عن ربيعها، نحن في نهاية الثمانينات دخلنا في التعددية السياسية عبر انتخابات المجالس البلدية والولائية وعلى المستوى الوطني وحتى على مستوى الرئاسيات، وبالتالي التعددية مارسناها قبل الآخرين، ثم نحن اكتوينا بالانحرافات التي عرفتها الممارسات الديمقراطية في بداية التسعينيات، والنتيجة انطلاق موجة من العنف والإرهاب، من أجل الوصول إلى السلطة أو البقاء فيها، هذه التجارب المرة التي مر بها الشعب الجزائري هي التي جعلته كثير الاحتراز من نداءات التمرد التي كانت تأتيه عبر الديمقراطية الالكترونية في مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر وغيرها، لأن شعبنا دفع من التضحيات ما يجعله في غنى عن إعادة تجربة نهاية الثمانينات وبداية التسعينات.

* ما موقفكم من ظاهرة "الربيع العربي"؟ هل هذه الظاهرة تعبر بصدق عن رغبة الشعوب في التحرر من قبضة الاستبداد بمختلف أشكاله، أم أنها كما يعتقد البعض صناعة غربية بامتياز، لزعزعة الأمن في الدول العربية بهدف التدخل العسكري بعد ذلك، أم أنها حسب تعبير مسؤول جزائري في وقت سابق "ربيع للفوضى"؟
ـ نحن لسنا ضد إرادة الشعوب، لأن الشعوب سيدة في اختيار من يحكمها واختيار برامجها واختيار أنظمة حكمها، إذا كانت هذه الحركات نابعة من إرادة شعبية حقيقية، فللشعوب الحق في أن تغير أو تعدل أو تستبدل من تشاء بمن تشاء، نظام حكم بنظام حكم آخر، هذا الطاقم بطاقم آخر، أما إذا كانت بإيعاز من جهات أجنبية، تحضر مجموعة من المعارضين الذين عششوا عندها أي لدى الجهات الأجنبية، فهذا لا يبشر بالخير، والتغيير ينبغي أن يكون نحو الأحسن من دون سفك للدماء، من دون تحطيم للمؤسسات والأملاك العامة، من دون تحطيم لهيبة الدولة، مع الحفاظ على اقتصاد البلاد، مع احترام إرادة الشعوب، فإذا كان الأمر مرتبطا بإرادة حقيقية للشعوب، فنحن نقدر هذه الإرادة ونحترمها، أما إذا كانت بإيعاز من جهات أجنبية فنحن ضدها، وضد أي تدخل أجنبي في شؤون الداخلية للدول العربية والإسلامية ودول العالم الثالث.

* "الربيع العربي" أوصل التيار الإسلامي إلى السلطة، فبعد حزب النهضة في تونس وحزب العدالة في المغرب، ها هم الإخوان يحكمون مصر وقد يصل نظراؤهم إلى الحكم أيضا في ليبيا قريبا، كيف تقرأون وصول الإسلاميين إلى الحكم في دول الربيع العربي؟
ـ وهل وصول الإسلاميين إلى السلطة في بعض الدول العربية جاء بتأثير من الربيع العربي، لا اعتقد، لا أشاطرك الرأي، التيارات الإسلامية موجودة منذ زمان في المجتمعات العربية، وبالتالي في الدول التي شعوبها لم تجرب هذه التيارات وجدت فيها البديل، وحينما نظمت انتخابات ذهبت إلى هذا البديل، أما عندنا في الجزائر جرب الشعب الجزائري تسيير التيار الإسلامي ومثلهم تسيير التيار الديمقراطي، والعلماني والتيار الوطني، وعندما قارن طريقة التسيير ونتائج السياسات المعتمدة من هذا التيار أو ذاك، اختار تسيير التيار الوطني والممثل في جبهة التحرير الوطني.


السيناريو المعاكس




* خلال الانتخابات الرئاسية التي شهدتها مصر مؤخرا والتي فاز بها مرشح الإخوان الدكتور محمد مرسي، راح البعض يستحضر سيناريو الجزائر، بعد أن قام الجيش الجزائري بوقف المسار الانتخابي عشية فوز الجبهة الإسلامية في الانتخابات المحلية، واعتقد البعض أن نفس السيناريو سيتكرر في مصر، وسيمنع العسكر وصول الإسلاميين إلى رئاسة مصر، لكن الذي حدث عكس ذلك، كيف تعلقون على طريقة تعامل المؤسسة العسكرية في كلا البلدين تجاه إرادة الشعب في اختيار من يريد؟
ـ الجيش الوطني الشعبي سليل جيش التحرير الوطني، خلال أيام الثورة التحريرية كان المناضلون يصنفون إلى صنفين، صنف مدني ممثل في جبهة التحرير الوطني وصنف عسكري أو ما يسمى بالذراع العسكرية للجبهة وهو جيش التحرير الوطني، وبالتالي المناضل كان إما بالبزة العسكرية وإما بالزي المدني، من اجل تحقيق هدف هو استقلال البلاد وتحرير الشعب من التبعية للاحتلال الفرنسي، بعد الاستقلال استمر هذا الطرح بدليل حتى داخل اللجنة المركزية كان يوجد من الضباط السامين في الجيش منتمون إلى هذه اللجنة، واستمر ذلك إلى أن دخلنا مرحلة التعددية سنة 88، حينما دخلنا هذه المرحلة تحول الجيش إلى المؤسسة الدستورية التي هي ملك للجميع، وهي فوق الصراعات الحزبية، وبالتالي انسحب الجيش من اللجنة المركزية لجبهة التحرير الوطني ودخلنا في التعددية، الفرق بين مصر والجزائر هو كون الجيش الجزائري جيشا شعبيا، وبالتالي هم أبناء المواطنين الذين ترقوا في الرتب العسكرية من مختلف شرائح الشعب، وترقوا ليصبحوا قادة في جيش عصري ونرغب الآن في أن يكـون جيشا احترافيا مهامه الدستورية واضحة هي حماية الوطن وعدم التدخل في الشأن السياسي.

* الدبلوماسية الجزائرية خلال الأحداث التي شهدتها كل من تونس وليبيا طالتها الكثير من الانتقادات، واتهمت في أحيان كثيرة بدعم الأنظمة القائمة على حساب الشعوب المطالبة بالتغيير، كيف تقومون أداء الخارجية الجزائرية خلال هذه المرحلة، ولماذا تبنت سياسة الصمت تجاه ما يحدث في دول الجـــوار؟
ـ لا، لا هو لم يكن دعما إطلاقا، وإنما كان هناك خوف من تدخل خارجي، لأن أمن الجزائر من أمن جيرانها، عندما يكون أمن الجيران مهددا وفي يد القوى الأجنبية، طبيعي جدا أن تنتابنا مخاوف نحن كجزائريين، لأننا غيورون على استقلالنا وعلى سيادتنا، سيادتنا لم تعطَ لنا، الثمن مليون ونصف المليون من الشهداء، هذا الذي جعل الجزائر ترفض التدخل الأجنبي وخاصة التدخل المدعوم بالحلف الأطلسي وغيرها، لأن إرادة الشعب الليبي هي التي ينبغي أن تفرض بقدرات الشعب الليبي وجهوده،إرادة الشعب التونسي تفرض بإرادته، إرادة الشعب الجزائري تفرض بقدرات الشعب الجزائري، نحن الذي كنا نرفضه هو التدخل الأجنبي في الشأن الداخلي لدول الجوار، لأن الحريق حينما يشتعل في بيت جارك، فعلى من يسكن البيت أن يحترز.

* لعل من أخطر تداعيات الثورة الليبية انتشار السلاح في منطقة الساحل وسيطرة حركة الأزواد في شمال مالي وتحول هذه المنطقة إلى ملاذ لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، والنتيجة إعلان هذه الحركة قيام دولة ازوادية شمال مالي. ما موقفكم مما يحدث في شمال مالي وخطر ذلك على الجزائر؟
ـ نعم، كنا نتخوف من انتشار السلاح، لأن السلاح ينبغي أن يكون في يد الدولة، والدولة هي المنظم لعملية استعمال السلاح وكيفية التصرف فيه، عندما ينفرط العقد، ولا نجد من ينظم ذلك، ينتشر السلاح، وحينما ينتشر لا ندري كيف يستعمل من يستعمله وأين ومتى وضد من يستعمله، لهذا فالخطر عام ولا يمس فقط شمال مالي، نحن مع وحدة الأوطان ومع وحدة الشعوب، نحن نرفض تمزيق الأوطان وتمزيق الشعوب، ونحن ندعو حكام هذه الأوطان وهذه الشعوب إلى تبني سياسة عادلة، تسمح لكل شرائح شعوبها من كل مناطق وطنها أن تتمتع بالمقدور من التنمية، لهذا نحن كمبدأ لا نتدخل في شؤون الآخرين، سواء كانت مالي أو النيجر أو ليبيا أو تونس أو المغرب أو موريتانيا أو الصحراء الغربية، نحن لا نتدخل في شؤون جيراننا، ولكن نحن نتمنى أن يسود الأمن والاستقرار عبر حدودنا، لأن ذلك من أمننا واستقرارنا.

* ولكن الجزائر معنية بالوضع في مالي، البعض يتحدث عن مخاطر تهدد الجزائر في حال قيام دولة للأزواد جنوب الجزائر، خاصة في حالة مطالبة الطوارق بالانضمام إلى هذه الدولة، وأيضا خطر بسط "القاعدة" نفوذها في هذه المنطقة تحديدا؟
ـ لا، لا، الحمد لله نحن بالنسبة لهذا الموضوع سعينا من زمان منذ 1992 في رأب الصدع بين الأشقاء الماليين، وجهودنا في حل الأزمة ليست وليدة اليوم فقط، ونحن لا نزال متمسكين بهذا الطرح، وحدة مالي أكرر لك نحن مع وحدة الأوطان والشعوب ولا نريدها أن تتمزق.




* وماذا بشأن الدبلوماسيين الجزائريين المختطفين في مالي، في حال فشل المساعي السلمية لإطلاق سراحهم، هل ستلجأ الجزائر التي ترفض إلى حد الساعة التدخل العسكري في المنطقة، استعمال القوة العسكرية لتحرير هؤلاء الرهائن أو تناقض نفسها وتدفع الفدية للخاطفين، وهل التي تنادي بتجريم الفدية؟
ـ لا، نحن لا نقبل بدفع الفدية، لكننا نرجو أن نصل إلى حل سلمي يتوافق مع قناعاتنا ومبادئنا، لأن هؤلاء دبلوماسيون، والدبلوماسيون تحميهم الاتفاقات الدولية، والمرجو هو أن يتم تحكيم العقل وأن يتم إطلاق سراح هؤلاء، وأن يتم اعتماد الأساليب السياسية في حل المشاكل والنزاعات.


إرادة الشعب السوري




* وما هو موقف بلخادم مما يجري في سوريا من سفك للدماء، وهل أنتم مع مطالب الشعب السوري في الدعوة إلى التغيير والتحرر؟
ـ موقفي في هذه القضية متعلق بما قلته سابقا، إذا كانت إرادة الشعب السوري، الشعب السوري سيد في أن يغير وأن يبقي في أن يعدل أو يجدد، في أن يقوم بوضع منظومة تشريعية جديدة من خلال انتخابات حرة وديمقراطية، هذا شأن سوري لا نتدخل فيه، الذي نرفضه هو محاولة زعزعة واستقرار الدول من خلال ضرب أنظمتها ومن خلال التدخلات الأجنبية من خلال تنظيمات غير حكومية، أما حركات جمعوية أو معارضة تم تحضيرها في عواصم أخرى، وهذا لا يعني أننا نقبل ما يجري في سوريا، ما يحدث في سوريا شيء مؤلم، ونحن نتألم لما يحدث عند أشقائنا في سوريا، أتمنى ألا تسفك مزيد من الدماء، نتمنى أن يعود السوريون إلى عقلهم، وان يتحاوروا فيما بينهم من اجل الوصول إلى ما يرضي الشعب السوري بإرادته السيدة، بعيدا عن أي تدخل أجنبي سواء كان شرقيا أم غربيا عربيا أو أعجميا .

* انتقدت في وقت سابق الجامعــة العربية بشدة، هل أنتم مصرون على موقفكم تجاه هذه المؤسسة العربية التي تعتبر الجزائر عضو فيها؟
ـ موقفي معروف في هذه القضية، أنا قلتها سابقا.. الجامعة ليست جامعة، وبالتأكيد ما يراد للعرب لا يجد الحلول الناجعة من طرف الجامعة العربية، ونحن نتمنى أن تصير جامعة ونتمنى أكثر أن تصير جامعة عربية، عندما يلجأ إلى مجلس الأمن ضد الأشقاء، هذا يدل على عجز الجامعة العربية، ينبغي أن يعاد النظر في ميثاق الجامعة العربية، ينبغي أن يعاد النظر في كيفية التصويت في هذه المؤسسة، ينبغي أن يعاد النظر في المواثيق التي تجمع العرب، وينبغي أن يعاد التفكير في وحدة الصف العربي ابتداء بالشأن الاقتصادي وانتهاء بالشأن السياسي.

* تونس بعد الثورة أعلنت أنها ستقوم بجهود كبيرة من أجل إحياء مشروع اتحاد المغرب العربي، هل ستدعمون تونس في مسعاها؟
ـ هذا جهد طيب نحن نثمنه ونحبذه، لكن اتحاد المغرب العربي ينبغي أن يتجسد في الحياة اليومية للمواطن المغاربي، من ليبيا إلى موريتانيا، وأي جهد يبذل في هذا الاتجاه نحن نرحب به.

* الحديث عن تفعيل اتحاد المغرب العربي يمر حتما عبر الحديث عن واقع العلاقات بين الجزائر والمغرب، العلاقات في وضعها الحالي ستقف حاجزا بكل تأكيد دون تفعيل الاتحاد، كيف تتصورون مستقبل العلاقات بين البلدين على الأقل بعد مجيء حكومة ابن كيران؟
ـ علاقاتنا مع أشقائنا في المغرب هي علاقات عادية، ونحن نتمنى ألا تكون عادية، نحن نريدها علاقات متميزة، لأن المغرب بلد جار وبلد شقيق، عائلات من هنا لها امتداد هناك، وعائلات من هناك لها امتداد هنا، وبالتالي كل شيء يربطنا بأشقائنا في المغرب مثل أشقائنا في تونس، لكن هناك قضية نختلف حولها وهي قضية الصحراء الغربية، نحن نعتبرها قضية تصفية استعمار، هم يعتبرونها قضية وحدة ترابية، المسار القانوني لهذه القضية يثبت صحة رؤية الجزائر، بدليل أنه سنويا يناقش ملف الصحراء الغربية في اللجنة الرابعة المكلفة تصفية الاستعمار في هيئة الأمم المتحدة، وسنويا يصدر قرار من مجلس الأمن حول هذه القضية، ثم هناك بعثة اسمها بعثة الأمم المتحدة من اجل تنظيم استفتاء في الصحراء الغربية، هذا هو موقف الجزائر نحن مع تنظيم استفتاء عادل في الصحراء الغربية، وعندما يستفتى الصحراويون تحترم إرادتهم، سواء أردوا الحكم الذاتي، أو أرادوا أن يكونوا مستقلين، أو أرادوا أن يكونوا جزءا من المملكة المغربية، ينبغي أن يستفتى الصحراويون ونحن نحترم إرادتهم، هذه هي القضية الخلافية بيننا وبين المغرب، عدا ذلك كل شيء يجمعنا.

* وماذا بشأن الحدود.. هل ستعرف هذه الأزمة انفراجا على المستوى القريب أم أن المسألة ستأخذ وقتا طويلا؟
ـ هذا الأمر يكون باتفاق الطرفين بعد إزالة العوارض والعوائق التي تتعلق بالتهريب والمخدرات إلى جانب الهجرة غير الشرعية في أمن الحدود، حينما تحدد الآلية والطريقة التي يعمل بها على إزالة هذه العوائق، حينها اتخاذ قرار فتح الحدود سيكون قرارا سهلا، وسيتم اتخاذه.

حق نووي



* ملف إيران النووي ما يزال محل جدل على مستوى المجتمع الدولي بين مؤيد ومعارض، ما هو موقفكم تجاه هذا الملف وأي مقاربة ترونها كحل لهذا الملف، الذي يهدد منطقة الشرق الأوسط بالانفجار في أية لحظة؟
ـ نحن مع حق الشعوب في امتلاك التكنولوجيا النووية، كما تقر بذلك معاهدة عدم الانتشار، معناه كل شعوب العالم لها الحق في امتلاك القدرة النووية في الاستعمالات الطبية والزراعية والعلمية وغيرها من الاستعمالات السلمية، وبالتالي الملف ينبغي أن يعالج من هذا الجانب وليس من جانب آخر.

* أخيرا كيف يعلق عبد العزيز بلخادم الممثل الشخصي للرئيس بوتفليقة على مستوى العلاقات الثنائية بين الجزائر والمملكة العربية السعودية؟
ـ علاقات جيدة تربطنا بالمملكة العربية السعودية، هي علاقات قديمة منذ عهد الملك فيصل رحمه الله، حينما كان وزيرا للخارجية، ومواقف المملكة الداعمة لاستقلال الجزائر، والعلاقات الجيدة التي تربط المسؤولين الجزائريين بالسعودية، كل ذلك يجعلنا نقدر عاليا متانة العلاقة بين الجمهورية الجزائرية والمملكة العربية السعودية.


font change