* خبير في شؤون المياه: الدبلوماسية المصرية نجحت في حصار المماطلات الإثيوبية الهادفة إلى تعطيل مفاوضات سد النهضة في واشنطن
* رسلان: الاجتماع الأخير الذي تم بين الأطراف يمثل تقدماً وتحولاً نوعياً كبيراً في مسار المفاوضات في الموقفين المصري والإثيوبي
* إجبار إثيوبيا على الاستمرار في التفاوض ومد الاجتماعات ليوم ثالث، وإصدار بيان مشترك، وتحديد سقف زمني جديد للوصول لاتفاق يتم توقيعه في واشنطن
القاهرة: بات من الواضح أن أزمة سد النهضة بين مصر وإثيوبيا أخذت طريقا جديدا خلال المفاوضات التي تتم برعاية أميركية، ممثلة في وزارة الخزانة وحضور البنك الدولي بين أطراف الأزمة التي استمرت على مدار السنوات الماضية، في ظل تعنت الجانب الإثيوبي خاصة في سنوات ملء السد ومع حرص الجانب المصري على حصته من المياه التي تمثل عصب الحياة عند المصريين حيث لقي التدخل الأميركي من القاهرة ترحيبا كبيرا على أعلى المستويات السياسية.
وهناك تقرير اللجنة الثلاثية التي شكلت من خبراء مصريين وسودانيين وإثيوبيين، بالإضافة إلى خبراء دوليين، لدراسة آثار السد (حصلت «المجلة» على نسخة منه)، كان قد ذكر أن معايير التصميم المبدئي لم توضح سوى الطبيعة العامة للسد من دون ذكر تفاصيل حول مدى ملاءمة جسم السد مع ظروف المنطقة المشيد عليها، فالتصميمات الإنشائية لأساسات سد النهضة لا تأخذ في الاعتبار انتشار التشققات الكثيفة الموجودة في الطبقة الصخرية أسفل السد بما يهدد بانزلاق السد وانهياره، وهو الأمر الذي دفع عددا من الخبراء إلى القول بأن السد بني لينهار بما يشكله هذا من خطر داهم على إثيوبيا والسودان ومصر
ولفت التقرير إلى أن موقع السد تم تحديده بناء على دراسة قام بها مكتب استصلاح الأراضي التابع للإدارة الأميركية في منتصف القرن الماضي، حيث أشارت الدراسة آنذاك إلى أن هذه المنطقة تتميز بانبساط تضاريسها نسبيا عن منحدرات الهضبة الإثيوبية مما يسهل عملية البناء والتخزين المائي.
التدخل الأميركي في المفاوضات
أكدت وزارة الخارجية المصرية استمرار مفاوضات واشنطن حول سد النهضة في العاصمة الأميركية واشنطن، وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المستشار أحمد حافظ إن وزيري الخارجية والموارد المائية يشاركان في الاجتماعات التي دعت إليها الإدارة الأميركية كلا من مصر وإثيوبيا والسودان وبحضور البنك الدولي، بهدف التوصل إلى اتفاق شامل حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة. فيما أوضح بيان وزارة الخزانة الأميركية أن اجتماع الوزراء في واشنطن منتصف يناير (كانون الثاني) الماضي ناقش 6 بنود، وهي تنفيذ ملء سد النهضة على مراحل وبطريقة تكييفيه وتعاونية تأخذ في الاعتبار الظروف الهيدرولوجية للنيل الأزرق والتأثير المحتمل للملء على الخزانات في مجرى النهر، والملء خلال موسم الأمطار، بشكل عام من يوليو (تموز) إلى أغسطس (آب)، وسوف تستمر في سبتمبر (أيلول) وفقًا لشروط معينة.
كما أوضح بيان الخزانة الأميركية أن مرحلة الملء الأولى للسد الوصول السريع لمستوى 595 مترًا فوق مستوى سطح البحر والتوليد المبكر للكهرباء، مع توفير تدابير تخفيف مناسبة لمصر والسودان في حالة الجفاف الشديد خلال هذه المرحلة، وتنفيذ المراحل اللاحقة من الملء وفقًا لآلية يتم الاتفاق عليها والتي تحدد إطلاق المياه بناءً على الظروف الهيدرولوجية للنيل الأزرق ومستوى السد الذي يتناول أهداف الملء في إثيوبيا ويوفر توليد الكهرباء وتدابير التخفيف المناسبة لمصر والسودان خلال فترات طويلة من سنوات الجفاف والجفاف لفترة طويلة.
وتضمن البيان أنه خلال التشغيل على المدى الطويل سوف يعمل سد النهضة وفقًا لآلية تحدد الإطلاق وفقًا للظروف الهيدرولوجية للنيل الأزرق ومستوى السد الذي يوفر توليد الكهرباء وتدابير التخفيف المناسبة لمصر والسودان خلال فترات طويلة من سنوات الجفاف، والجفاف الطويل، وإنشاء آلية تنسيق فعالة وأحكام لتسوية النزاعات.
نجاح الدبلوماسية المصرية
أكد خالد محمد علي الخبير في شؤون المياه أن الدبلوماسية المصرية نجحت في حصار المماطلات الإثيوبية الهادفة إلى تعطيل مفاوضات سد النهضة في واشنطن وجاءت تصريحات وزير الخارجية سامح شكري في اتجاه إغلاق الأبواب أمام المماطلة الإثيوبية، عندما قال إن موضوعات ملء السد وتشغيله والقواعد التي تحكم مجابهة الجفاف والسنوات شحيحة الإيراد تم الانتهاء منها وأصبحت مغلقة أمام المفاوضات موضحا أن الجولة الحالية انصبت على النواحي القانونية المرتبطة بالاتفاق بما في ذلك التعريفات وآلية فض المنازعات وتبادل المعلومات والتنسيق والقضايا القانونية الأخرى كالتصديق والدخول حيز النفاذ وكيفية إجراء تعديل على الاتفاق.
واعتبر الخبير في شؤون المياه أن تماسك الموقف المصري الذي لقي مساندة سودانية هي الأولى منذ بدء المفاوضات، وقد ذهبت إثيوبيا بعيدا هذه المرة عندما طالبت بحصة من المياه لا تحتاجها، وإمعانا في المماطلة طالبت بإعادة التفاوض على الحصص بين جميع دول الحوض، وهو إن تم سيعود بالمفوضات إلى مربعها الأول.
وكشف الخبير في شؤون المياه عن أن هناك مواقع تابعة للإعلام الإثيوبي اتهمت السودان بخيانة إثيوبيا في مفاوضات واشنطن، بعد مطالبة الخرطوم بحصته في المياه ونشرت تقارير تشير صراحة إلى ما سمته خيانة السودان والانحياز لمصر.
وفي نفس الوقت لم تمنح أو تعد إثيوبيا المفاوض السوداني بأي مكاسب أو ضمانات بعد بناء سد النهضة، سوى وعود ببيعه الكهرباء بأسعار مخفضة وهو ما يعني إغفالا متعمدا لكافة الحقوق السودانية، وأمام الانكشاف التام للموقف الإثيوبي، لجأت أديس آبابا، إلى التعويل على بقية دول حوض النيل، على الرغم من أن هذه الدول لا تطل على النيل الأزرق الذي هو المورد الوحيد لمياه سد النهضة.
منابع النيل الأبيض
وأشار خالد إلى أن دول حوض النيل بخلاف مصر والسودان وإثيوبيا، جميعها تشكل منابع النيل الأبيض الذي لا يعطي مصر أكثر من 15 في المائة من مواردها المائية، بينما يعطي النيل الأزرق الذي ينبع من إثيوبيا 85 في المائة من حصة مصر والسودان وهي المياه التي تتكون خلف بحيرة سد النهضة محل التفاوض، إذن إثيوبيا تفقد مصداقيتها أمام دول حوض النيل التي تحاول استخدامها وتوظيفها، فقط لتحقيق مصالحها دون النظر لمصالح دول وشعوب حوض النيل وكانت تجربة اتفاقات السدود مع كينيا هي الأبرز في كشف الخداع الإثيوبي لدول الحوض وهي أيضا تفقد مصداقيتها أمام الرقيب الأميركي الذي أصر على تقديم صياغة نهائية لاتفاق سيتم التوقيع عليه نهاية فبراير (شباط) الجاري والموقف المصري في التفاوض يكتسب قوة جديدة بعد عودة الوعي للمفاوض السوداني الذي ظل صامتا ولم يطالب بأي حقوق طوال السنوات التسع الماضية، وبدأ في المطالبة بحصته من المياه وفي الوقت نفسه تصاعدت مطالبات خبراء المياه والأمن في السودان بضرورة حصول السودان على ضمانات أمان لجسم السد والحصول على تعويضات عن الإضرار التي ستلحق ببلادهم بعد بناء السد.
واعتبر خالد أن إثيوبيا، تلعب على شراء الوقت حتى الساعات الأخيرة للمفاوضات بقصد وضع مصر أمام الأمر الواقع بالانتهاء من بناء وتشغيل السد، والقاهرة نجحت في كشف هذه اللعبة أمام دوائر صنع القرار في واشنطن ولم يبق أمامها إلا خياران اثنان، إما الخضوع للإرادة الدولية والإقليمية والتوقيع على اتفاق يضمن حقوق مصر والسودان، وإما مواجهة هذه الإرادة الدولية منفردة دون أي داعم.
واشنطن بين أطراف الأزمة
من جانبه اعتبر هاني رسلان، مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أن الاجتماع الأخير الذي تم في واشنطن بين أطراف الأزمة (مصر وإثيوبيا والسودان) يمثل تقدما وتحولا نوعيا كبيرا في مسار المفاوضات، فاجتماع أديس أبابا انتهى بتباين كبير في الموقفين المصري والإثيوبي، وظهر ذلك في المغالطات والأكاذيب الإثيوبية التي حاولت التغطية على التعنت وغياب الإرادة السياسية للتسوية لدى أديس آبابا، ثم الرد المصري الحاسم والقاطع، والذي أوضح أن إثيوبيا تكذب وتغالط عمدا، وفيما زاد من تعقيد الموقف ما أعلنته إثيوبيا من طلب وساطة جنوب أفريقيا، الأمر الذي كان يعني حكما مسبقا ونية مبيته لإفشال اجتماع واشنطن، وأوضح أيضا عدم ترحيب إثيوبيا بدور واشنطن والبنك الدولي (ربما لمخالفة الموقف الإثيوبي لكل القواعد والأعراف الدولية في أحواض الأنهار وتهافت حجة الوفد الإثيوبي أمام الجهد العلمي والفني الهائل الذي قدمه الوفد المصري والمرتكز بالأساس إلى القانون الدولي)، والإصرار على الاستمرار في نهج المراوغة واستهلاك الوقت.
وأكد رسلان على أن اجتماع واشنطن تضمن الكثير من النقاط الهامة حيث تم تجاوز الحديث عن كميات المياه وعدد السنوات، عبر الإشارة إلى أن الملء سيكون طبقا لهيدرولوجية النهر، أي حسب كميات الفيضان المتغيرة من سنة إلى أخرى، وهذا يعني التجاوب مع المنطلقات المصرية والتي تطالب بحد أدنى من التدفق السنوي لا يقل عن 40 مليارا أثناء الملء، وأن لا يقل ارتفاع المخزون خلف السد العالي عن 165 مترا فوق سطح البحر، وهذا المفهوم يلغي الحديث عن عدد السنوات والكميات المخزنة كل عام، ويثبت كذب إثيوبيا الخائب والمفضوح في القول بأن مصر تطالب بالملء في فترة تتراوح بين 12 و21 سنة.
جسم السد لتوليد الطاقة
وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية إن المفاوضات الأخيرة أعطت نقطة لصالح إثيوبيا بشأن الملء الأولي في وقت سريع، ويبدو أن المقصود بذلك غالبا هو تشغيل التوربينات الأربع في أسفل جسم السد لتوليد طاقة وإعطاء عائد إعلامي وسياسي للحكومة الإثيوبية لإرضاء الرأي العام الذي تم شحنه وتعبئته طوال سنوات، في أن السد سيكون بوابة إثيوبيا الكبرى نحو التنمية، وهو أمر مبالغ فيه إلى حد كبيرا جدا، وسوف يشكل إحباطًا كبيرا فيما بعد.
وكشف مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية عن أنه تم التوصل إلى تعريفات الجفاف والجفاف الممتد، وتلتزم إثيوبيا بإجراءات لتخفيف ذلك، وهذا مطلب مصري رئيسي، كانت إثيوبيا تسعى بكل جهد للتملص منه... وسوف يتم استكمال التفاصيل في هذا الإطار في مفاوضات مقبلة وهناك نقاط كثيرة وهامة تم ترحيلها للتباحث الفني والقانوني، ومن أهمها التعاون في التشغيل وما هي آلية ذلك؟ وما هي كمية التدفقات التي سيتم الاتجاه لإلزام إثيوبيا بها في الحالات المختلفة، وكذلك آلية فض المنازعات التي قد تنشأ عن إعادة ضبط سياسة التشغيل بسبب التغيرات في كمية الفيضان من عام لآخر أو من فترة لأخرى، وسيتم أيضا تدقيق التفاصيل في كل الأطر التي تم التوافق عليها.
وأوضح مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أن هناك تحولا كبيرا في موقف إدارة ترامب، الذي رمى بثقله باتجاه حل الأزمة، ورد بشكل عملي بالرفض القاسي على التحركات الإثيوبية للمراوغة واستهلاك الوقت ومحاولة استدعاء جنوب أفريقيا للوساطة، ومن الناحية العملية تم إجبار إثيوبيا على الاستمرار في التفاوض ومد الاجتماعات ليوم ثالث، وإصدار بيان مشترك، وتحديد سقف زمني جديد للوصول لاتفاق يتم توقيعه في واشنطن.