* برزت المعارضة لخطة ترامب من اليمين واليسار الإسرائيلي، الذين يريدون الحفاظ على خريطة ديموغرافية تضمن أكثرية يهودية، وهم يجمعون على أن «صفقة القرن» تعرض وجود إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية للخطر
* سياسيون إسرائيليون: هل يخطر ببال أحد أن الفلسطينيين، الذين رفضوا في السابق الاقتراحات التي تعطيهم تقريبا 100 في المائة من الأراضي سيكتفون بـ70 في المائة؟
*صفقة القرن هي خطة مفصلة مليئة بالمشاريع والأفكار والخطوات التي يعتبر الكثير منها حكيم وناجع، لكن جميعها مغلفة برواية غير واقعية تتدعي إنهاء النزاع
*غودمان:سيسيطر الإسرائيليون على الفلسطينيين بدرجة أقل بكثير دون التنازل عن أمنهم. والفلسطينيون سيزيدون بصورة دراماتيكية حجم سيادتهم دون التنازل عن حقوقهم
تل أبيب: النشوة التي رافقت رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، منذ الإعلان عن «صفقة القرن»، وسعى إلى إظهارها كإنجاز كبير، لم يحققه رؤساء حكومات إسرائيلية قبله، سرعان ما خفتت مع ارتفاع أصوات الإسرائيليين الرافضين للصفقة والمحذرين منها. ربما نجح نتنياهو في الأيام الأولى من الصفقة، خصوصا عند إعلانه عن مباشرة التحضير لخرائط ضم المستوطنات والاغوار وشمال البحر الميت بالتنسيق مع الإدارة الأميركية، بإظهارها كإنجاز سيترجم إلى واقع على الأرض وقد ينجح في الحفاظ على إظهار انتصاره هذا حتى مطلع مارس (آذار) المقبل، موعد الانتخابات البرلمانية في إسرائيل. فتوقيت هذه الخطة ومضمونها جاء تماما على مقاس نتنياهو واليمين الداعم له، والتي من شأنها أن توفر لرئيس الحكومة دعما في معركته الانتخابية.
إزاء مظاهر نتنياهو هذه عكست الأجواء الحقيقية داخل إسرائيل جوانب مختلفة عن تلك التي يظهرها نتنياهو وداعموه. فبعد أقل من أسبوع على نشر الصفقة بدات الأصوات الرافضة تحتل مكانة كبيرة في الجدل الإسرائيلي، بل تصدرت أجندة السياسيين والعسكريين.
وهذا الرفض الإسرائيلي ينطلق من الخوف على مصلحة إسرائيل ومستقبلها وحتى على الحفاظ على يهوديتها. فهناك من تناول تداعيات هذه الخطة على الجانب الأمني وما يشكله من خطر على إسرائيل، وهناك إسرائيليون، بمعظمهم ممن يدعمون السلام مع الفلسطينيين والعالم العربي، تناولوا تداعياتها على مستقبل الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي واعتبارها عقبة جديدة أمام أي تسوية سلمية.
القاسم المشترك لمعارضي الصفقة
قبل ظهوره في المؤتمر الصحافي إلى جانب رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، جنّد رئيس الحكومة السابق، إيهود أولمرت، الإسرائيليين، إلى جانب موقفه الرافض للصفقة والداعم للسلام مع الفلسطينيين، معتمدا على بنود في الصفقة تؤكد أنها لن تكون أساسا للمفاوضات ولا حتى «وصفة للمصالحة التاريخية».
وفي إشارة إلى مخاطر «صفقة القرن» على الإسرائيليين شدد أولمرت أن «نتيجة هذه الخطة ستبكي الإسرائيليين وليس الفلسطينيين».
الانفصال عن الفلسطينيين، بحسب الإسرائيليين الرافضين للخطة، لا يسعى إلى مستقبل أفضل لإسرائيل، انطلاقا من أن عدم الانفصال سيبقي الاحتكاك بين الشعبين وبالتالي أعمال العنف والكراهية.
وبحسب صفقة ترامب لا يحمل أي بند مضمونا واضحا للانفصال بين الشعبين، بل إن الجانب الذي يتطرق إلى المستوطنات والسيادة الإسرائيلية عليها، وضم الأغوار وشمال البحر الميت، يكفي لأن يلغي أي توجه للانفصال، بل يرى أصحاب هذا الرأي أن استمرار المستوطنات سيعرقل أي إمكانية مستقبلية، ليس فقط للانفصال، بل للتوصل إلى حد أدنى من تفاهمات التسوية.
لم يستغرب الإسرائيليون الرافضون للخطة عدم موافقة الفلسطينيين عليها، أولمرت اعتبر أن إدارة ترامب ومن ساهم في صياغة الخطة أراد للفلسطينيين أن يكونوا ملحقا هامشيا لجهودها التي- أضاف يقول: «لم تستهدف خلق أساس نزيه وحقيقي للحوار بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بل كانت نقطة انطلاق الإسرائيليين لاحتياجات ومصلحة إسرائيل».
في جانب آخر من الصفقة، حيث الشروط المسبقة للفلسطينيين والتي تحدثت عن التنازلات مثل نزع سلاح حماس وتصفية جناحها العسكري، ووقف دفع الرواتب لعائلات منفذي العمليات والأسرى، وتغيير في المضامين التعليمية والأبرز اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل كدولة يهودية، يرى رافضو الصفقة في هذه المطالب لغما يفجر كل فرص المفاوضات في المستقبل.
ومسألة الدولة اليهودية، هي الأخرى اتخذت حيزا واسعا من النقاش، فمجمل مضمون الصفقة يعرض إسرائيل للخطر. كثيرون حذروا من هذا الجانب في الصفقة وكان أبرزهم الرئيس السابق لحزب «ميرتس»، يوسي بيلين، الذي اعتبر الخطة خطأ ارتكبه الرئيس الأميركي وأفرغت مبادئ حركة السلام في إسرائيل من مضامينها. ويعتبر بيلين واحدا من الشخصيات الإسرائيلية البارزة في نشاطها لتحقيق السلام مع الفلسطينيين وقد صاغ مع محمود عباس «تفاهمات بيلين–أبو مازن» في مفاوضات طابا سنة 2001. كأساس لتسوية نهائية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني (لم يتم التوقيع على هذه التفاهمات، لكنها كانت بمثابة أساس لمبادرات سلام أخرى).
في مقارنة بين «صفقة القرن» وتفاهمات سابقة بين الطرفين، فإن ما تعرضه الخطة من مستقبل للدولة الفلسطينية أفرغت تلك التفاهمات من مضامين كانت مقبولة لدى الطرفين. أبرز ما في ذلك أن تكون الدولة الفلسطينية مجرد حكم ذاتي محدود ومجموعة من الجيوب المترابطة ببعضها البعض.
من وجهة نظر هؤلاء الإسرائيليين يتوجب على أي اقتراح أو خطة للسلام أن تشمل:
- الإفراج عن الأسرى الأمنيين الفلسطينيين، لكنهم اشترطوا عدم الإفراج عن أسرى أدينوا بقتل إسرائيليين.
- القدس الشرقية هي عاصمة فلسطين، في هذا الجانب هناك إشكالية، إذ إن جزءا من المناطق التي ستشمل العاصمة الفلسطينية تابعة لبلدية القدس حاليا، ومنذ إقامة جدار الفصل بقيت خلفه.
- اللاجئون الفلسطينيون: في اتفاقيات السلام السابقة جرى الحديث عن عودتهم إلى الدولة الفلسطينية، ولكن في صفقة القرن، حتى من سيعودون إلى الدولة الفلسطينية، فإن إسرائيل ستقرر عددهم، وفي ذلك إشكالية كبيرة.
ولدى مناقشته «صفقة القرن»، عاد يوسي بيلين إلى مبادرات السلام السابقة وقال: «عندما بادرت عام 2001 لفكرة الاستعانة بمفاوضين سابقين– إسرائيليين وفلسطينيين- من تيارات آيديولوجية مختلفة، كي نعد مخططا مفصلا لاتفاق سلام، توجهت إلى أمنون لفكين شاحك وعرضت عليه الانضمام إلينا. استقبلني في بيته، وقال لي على الفور إنه سيسره ذلك ولكنه وضع شرطا: إذا ما أصررنا على إدراج مستوطنة أرئيل في الأرض التي ستبقى السيادة الإسرائيلية عليها فلن يكون جزءًا منا. فكرجل عسكري يعتقد أن مثل هذه الخطوة ستكون عديمة المسؤولية، لأن هذه ستكون جيبا في قلب الدولة الفلسطينية بمثابة بالون مع خيط رفيع إلى إسرائيل، لا يوجد سبيل ناجع للدفاع عنه. وبعد جدال مطول معه تمت الموافقة على مطلب شاحك في المجموعة الإسرائيلية، فانضم إلينا... مثل مستوطنة أرئيل في حينه تشمل خطة ترامب 16 جيبا كهذا.
أما في الجانب الأمني، فبحسب اقتراح عام 2001 سيبلغ طول الحدود 311 كيلومترا، وهي حدود 1967. أما «صفقة القرن» فتعرض 1400 كيلومتر. وهنا يرى معارضو الخطة أن هذه المسافة الطويلة ستخلق صعوبة في مهمة ضمان الأمن.
من الناحية الديموغرافية، في هذا الجانب، يشرح بيلين موقفه فيقول: «خطة ترامب تقترح أن يحصل فلسطينيو القدس على المواطنة الإسرائيلية. نظريا صحيح الأمر اليوم أيضا، ولكن منذ سنين طويلة وهذا الحق يعطى لهم بتقنين. أما حسب الخطة، فسيصبح نحو 350 ألف شخص (على الأقل نحو 200 ألف منهم ممن لا يسكنون خلف الجدار الأمني) مواطنين إسرائيليين. وسيضاف إليهم الفلسطينيون الذين يعيشون في المنطقة C، التي ستضم إلى إسرائيل وفقا للخطة، وهكذا تتحول إسرائيل إلى دولة ذات أغلبية عربية، ويتبدد الحلم الصهيوني».
وفي هذا الجانب برزت المعارضة لخطة ترامب من اليمين واليسار الإسرائيلي، الذين يريدون الحفاظ على خريطة ديموغرافية تضمن أكثرية يهودية، وهم يجمعون على أن تنفيذ «صفقة القرن» تعرض وجود إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية للخطر.
نقل المثلث غير واقعي حتى بنظر الإسرائيليين
يشكل البند الذي تضمن نقل بلدات عربية في المنطقة المعروفة باسم «المثلث»، نقاشا واسعا، ليس فقط بين فلسطينيي ثمانية وأربعين، خصوصا سكان هذه المناطق، الذين سبق وعبروا عن رفضهم لفكرة نقلهم عبر خطة «تبادل الأراضي»، إنما أيضا بين إسرائيليين، عبر كثير منهم عن رفضهم لهذا البند بل اعتبروه بندا غير قابل للتنفيذ. حتى السفير الأميركي في إسرائيل، ديفيد فريدمان، أعلن أمام الصحافيين أنه «لن يفقد أحد مواطنته وأن الحديث يدور عن مقترح نظري فحسب». كذلك نقل عن مسؤولين في مكتب نتنياهو قولهم إن هذا مقترح «غير واقعي» ولن يطبق، لأن الخطة الأميركية لن تقود إلى إقامة دولة فلسطينية.
منطقة المثلث، التي تنوي خطة ترامب نقلها إلى السيادة الفلسطينية، يسكنها نحو 300 ألف من فلسطينيي 48. الذين يعيشون فيها قبل قيام إسرائيل. وبحسب «صفقة القرن» يحمل هؤلاء الجنسية الإسرائيلية لكنهم يعرفون أنفسهم فلسطينيين وأضافت الصفقة تقول إن «هذه البلدات كانت مخصصة لتقع تحت السيطرة الأردنيّة ولكن خلال مفاوضات خط وقف إطلاق النار عام 1949. ضمتها إسرائيل إليها لاعتبارات أمنية، لكن هذه الاعتبارات تراجعت منذ تلك الفترة، وعليه تقترح إعادتها للسلطة الفلسطينية».
لقد ذكر الإسرائيليون أن نتنياهو هو الذي طالب بأن تشمل «صفقة القرن» نقل منطقة المثلث إلى السيطرة الفلسطينية. وقد طرح الفكرة أمام كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية عام 2017. وخلال إحدى زيارات مستشار ترامب، جاريد كوشنير، إلى إسرائيل.
لقد طرح نتنياهو نقل المثلث على أنه «تعويض» للجانب الفلسطيني مقابل ضم المستوطنات إلى إسرائيل، معتبرا أنه ليس باستطاعته تأييد خطة تشمل إخلاء مستوطنات، وأن منطقة المثلث تساوي مساحة منطقة المستوطنات، وتغيير مكانة سكان المثلث من مواطنين في إسرائيل إلى مواطنين فلسطينيين.
لقد سبق وطرحت، منذ سنوات طويلة، خطة «تبادل الأراضي»، ضمن مخططات ترانسفير لفلسطينيي ثمانية وأربعين. واستخدمها أفيغدور ليبرمان خلال حملته الانتخابية عام 2015 عندما رفع شعار «أرئيل إلى إسرائيل، وأم الفحم إلى فلسطين». وفي حينه وعد بتنفيذ خطة تشمل كل فلسطينيي 48.
يقول النائب في الكنيست الإسرائيلي، يوسف جبارين، وهو ابن المثلث إن طرح الخطة منذ عام 2015 حوّلت لغة التحريض العنصري ونزع الشرعية عن المواطنين العرب إلى تيار مركزي في السياسة الإسرائيلية، وباتت لغة حكومات نتنياهو المتعاقبة. ومع ذلك، فإن مقترح الترانسفير ونزع المواطنة عن مئات آلاف المواطنين في المثلث هي بمثابة تصعيد إضافي ضد المواطنين العرب، خاصة بعد وضعِ الختم الإسرائيلي-الأميركي عليها». وأكد جبارين أن هذا البند لن يصل إلى حد التنفيذ وإن تم ذلك فسيواجه برفض واسع ومطلق.
لدى مناقشة الإسرائيليين لهذا البند خصصت صحيفة «هآرتس» افتتاحيتها للموضوع تحت عنوان «عرب إسرائيل ليسوا أدوات لعب». وكتبت الصحيفة تقول إن «مسيرة اندماج هؤلاء في ذروتها. الجامعات والكليات في إسرائيل، وجهازها الصحي، هي فقط مثل واحد على اندماجهم في المجتمع ومساهمتهم فيه. ينبغي العمل على تشجيع هذا الميل. أما التشكيك في إمكانية أن يبقوا إسرائيليين فهو خطوة هدامة، من شأن نتائجها أن تكون مختلفة تماما عما هو متوقع. إذا كان «عرب إسرائيل»، (بحسب ما سمتهم الصحيفة، وهم يسمون أنفسهم «فلسطينيي 48»)، مواطنين مؤقتين، ومواطنين ضيوفا، فلا ينبغي للدولة أن تتوقع ولاءهم واندماجهم. وإذا كانت إسرائيل موالية لمواطنيها، لهم جميعا، عليها أن ترفض هذه الفكرة الخطيرة والمثيرة لطردهم من هنا».
يبدو، وكما يرى النواب العرب في القائمة المشتركة، التي ستخوض انتخابات الكنيست الشهر المقبل، فإن الجانب الإيجابي الوحيد في طرح هذه الفكرة في «صفقة القرن»، والتي بمفهومها الواضح «التهديد بالترحيل» قد يؤدي إلى تدفق الناخبين من فلسطينيي 48 إلى صناديق الاقتراع في انتخابات مارس 2020 ودعم القائمة المشتركة.
المساهمة الإسرائيلية في بلورة «الصفقة»
«صفقة القرن»، التي انضم إلى رفضها العشرات من الشخصيات السياسية والأمنية والاجتماعية الإسرائيلية البارزة، لم تحظ بالتفاخر من قبل نتنياهو، فحسب، لكونها إنجازا هاما لإسرائيل، بل حظيت بتفاخر أمنيين سابقين وباحثين كبار لمساهمتهم في بلورتها، أيضا. الدكتور دوري غولد، رئيس المركز الأورشليمي للأبحاث في شؤون الجمهور والدولة، وبحسب المركز، ساهم بشكل فعّال في بلورة الخطة، خصوصا في مجال الأمن من حيث حق إسرائيل وحاجتها لحدود آمنة. وفي كشف المركز لتفاصيل مساهمته ذكر أنه رفض القول السائد بأن إسرائيل ستضطر، في نهاية الأمر، إلى الانسحاب إلى حدود 1967 مع بعض التعديلات، التي تشمل قوات حفظ السلام الدولي مع تكنولوجيا متطورة، بل حدد أنه في كل تسوية سلام ستكون إسرائيل ملزمة بالحفاظ على قدرتها في الدفاع عن نفسها بنفسها. «لقد عرضت هذه الأمور أمام مسؤولين كبار في حكومة بوش (الابن) واليوم عرضت، أيضا، أمام كبار حكومة ترامب. العرض المذهل الذي أعده المركز الأورشليمي عن حق إسرائيل في القدس تم عرضه أمام جيسون غرنبلات ومرافقيه»، وفق ما أورده المركز.
وبحسب غولد، «ليس من الضروري أن يكون الرفض الفلسطيني نهائيا. الخطة تضعهم أمام تحديات لكننا رأينا، عدة مرات، كيف يمكن أن يوافقوا على قضايا نراها مستحيلة»، خلافا للخريطة التي نشرت في حساب رئيس الولايات المتحدة على «تويتر»، يوضح غولد: «لن يتم نقل أي منطقة في النقب إلى السيادة الفلسطينية».
الحل الأفضل إعادة التنظيم
ولكن إزاء الباحثين في المركز الأورشليمي، هناك باحثون ينظرون إلى «صفقة القرن»، من منظار آخر. الباحث في معهد السلام (هرطمان)، ميخا غودمان، يجزم بأن الصفقة لن تحقق هدف إنهاء الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ويمكن الاستفادة منها في حال تحول هدفها المركزي إلى إعادة تنظيم هذا الصراع، بما يضمن عدم إلزام الفلسطينيين بالتنازل عن هويتهم، ومعتقداتهم وروايتهم التاريخية.
ومن وجهة نظره، هناك ثلاث مشاكل رئيسية في الصفقة: الأولى الفجوة الكبيرة بين تفاخر الخطة وتوقيتها، وفي هذا الجانب يقول: «تتفاخر الخطة بتشكيل التاريخ الكبير. ولكن توقيتها، قبل شهر من موعد الانتخابات في إسرائيل، يخدم السياسة الصغيرة». المشكلة الثانية هي الفجوة بين مضمون الخطة واللاعبين الذين ينفذونها، ويقول هنا إن «الخطة استهدفت صنع السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، ولكن الفلسطينيين لا ينضمون إلى تطبيقها». أما المشكلة الثالثة، وهي المشكلة الأكبر، فإن مجمل بنود الخطة بعيدة حتى عن شروط الحد الأدنى الفلسطينية، ويقول الباحث غودمان في هذا الجانب: «هل يخطر ببال أحد أن الفلسطينيين، الذين رفضوا في السابق الاقتراحات التي تعطيهم تقريبا 100 في المائة من الأراضي سيكتفون بـ70 في المائة؟ هذه الخطة للسلام لن تجلب السلام».
ولكن من جانب آخر، يقول غودمان إن الخطوة تشمل فرصة وحيدة نحو توجه إيجابي، فهي تقترح شكلا حكيما لإعادة تقسيم الأرض المختلف عليها، حتى لو بشكل مؤقت. ويقول: «هذا ليس تقسيما يمكنه صنع السلام، وهذا ليس تقسيما يمكنه إنهاء النزاع، لكنه تقسيم يمكنه إعادة تنظيم النزاع. تطبيق الخطة سيؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية مع سيادة كاملة تقريبا على 70 في المائة من أراضي الضفة الغربية، في حين أن الاحتياجات الأمنية لإسرائيل يتم علاجها بالحد الأعلى. نتيجة لذلك فإن النزاع لن ينتهي، لكنه سيبدو مختلفا وسيترك شعورا مختلفا».
ويقترح غودمان، من أجل تغيير الهدف وتحويل صفقة القرن من خطة فاشلة لإنهاء النزاع إلى خطة ناجحة لتغيير النزاع، إلغاء بنود إنهاء النزاع، أي عدم مطالبة الفلسطينيين بالاعتراف بإسرائيل، وبالتنازل عن حق العودة والتوقيع على وثيقة لإنهاء طلباتهم – وكل عناصر الضم.
وبحسب غودمان، فإن «الدولة» التي ستنتج عن الخطة لن تكون ذات سيادة كاملة. وباختصار، يضيف قائلا: «سيسيطر الإسرائيليون على الفلسطينيين بدرجة أقل بكثير دون التنازل عن أمنهم. والفلسطينيون سيزيدون بصورة دراماتيكية حجم سيادتهم دون التنازل عن حقوقهم. هكذا، لن يتنازل أي طرف عما هو مهم حقا له، وسيقلص ما هو حقا مؤلم له. هذا ليس سلاما، هذا ليس شرق أوسط جديدا، لكن هذا يعتبر تقدما». وبرأيه فقد حان الوقت لتغيير النموذج، لقد حان الوقت للتوقف عن تكريس إبداعنا ورأسمالنا السياسي لإنهاء النزاع، وأن نبدأ في التركيز على مهمة أكثر تواضعا هي تغيير طابع النزاع. من هو مستعد لسحب يديه من جهود تحويل الواقع إلى أمر كامل يجب عليه أن يعيد التفكير في صفقة القرن. وبدلا من الموافقة على الخطة أو رفضها يجب عليه تغيير هدفها. وبذلك سيتم كسر الجمود وتقليص المعاناة وخلق واقع جديد».
ويشدد الباحث غودمان أن «صفقة القرن هي خطة مفصلة مليئة بالمشاريع والأفكار والخطوات التي يعتبر الكثير منها حكيم وناجع، لكن جميعها مغلفة برواية كاذبة، رواية إنهاء النزاع. بكلمات أخرى، الرواية الكبيرة للخطة تمنع تطبيق الكثير من التفاصيل الحكيمة التي توجد فيها. وعليه يجب العمل على تقسيم الخطة إلى الأجزاء الأساسية فيها وعندها نعيد تركيبها من جديد كاقتراح لتسوية انتقالية مؤقتة، جزئية، لا تنهي النزاع، لكنها تقلصه».