* هيمنة المحافظين المتشددين على مجلس صيانة الدستور يثير المخاوف حول نزاهة العملية الانتخابية
* تركيبة البرلمان القادم تقلق روحاني بسبب التخوف من نجاح معارضيه
* الصراع محتدم داخل السلطة للسيطرة على الأداة التشريعية
* أستاذ بحوث إيرانية: المنطقة تعيش حالة من السيولة المدبرة من قبل القوى الكبرى
* الانتخابات الإيرانية قد تدفع الوضع الداخلي للهدوء المشوب بالحذر
* تقلص نفوذ الأذرع الإيرانية يعتمد على أميركا والقوى الكبرى في الإقليم
* تطمينات النظام لا تلغي حالة الترقب من القوى الإصلاحية
القاهرة: مع بدء العد التنازلي للانتخابات التشريعية في إيران والتي ستجرى فعالياتها يوم 21 فبراير (شباط) الحالي، بدأت تلوح في الأفق حالة من الترقب المشوب بالحذر وسط مخاوف من تكرار سيناريوهات النظام الإيراني في استبعاد عدد من الرموز الإصلاحية في كل عملية انتخابية، ووضع العراقيل أمام تقدمها للترشح من قبل مجلس صيانة الدستور وذلك بعد فتح باب التسجيل، وتحكم السلطات الإيرانية في نوعية المرشحين على خلفية توجههم السياسي المؤيد أو المعارض للسلطة، وكذلك استبعاد المرشحين لأسباب غير دستورية، خاصة مع حالة التوتر الداخلي التي استمرت طوال الشهرين الماضيين بعد اندلاع مظاهرات كبيرة في غالبية المحافظات الإيرانية عقب قرار النظام رفع أسعار المحروقات، وهو ما كان شرارة أججت من الاحتجاجات ودفعت الملايين إلى الشوارع في حالة غضب كبير ومتنامٍ استطاعت قوات الأمن تحجيمه مرحليا بعد استخدام العنف على نطاق واسع لدرجة خلفت مئات القتلى وآلاف الجرحي والمعتقلين من قبل النظام بحسب الكثير من المصادر الحقوقية المستقلة.
تخوف قائم
التخوف الكبير من سلوكيات النظام الإيراني ما زال قائما وبشكل أكبر رغم حالة التطمينات التي حاول مجلس صيانة الدستور إرسالها إلى الرأي العام المحلي والدولي من أن السلطات ستسمح بمشاركة أكبر عدد من المرشحين، وأن المجلس سيتفادى أخطاء الانتخابات الماضية التي أثارت انتقادات كثيرة، وسعيه إلى تطبيق القانون لإتاحة الفرصة لنسب مشاركة أعلى، ومحاولات مجلس صيانة الدستور - الذي يهيمن عليه المحافظون المتشددون - من خلال هذه التطمينات الرد على الانتقادات المستمرة بمنع الكثير من المرشحين خلال الانتخابات الماضية من خوض الانتخابات بسبب انتماءات سياسية، خاصة أن مجلس صيانة الدستور هو المنوط به تنظيم ومراقبة الانتخابات وكذلك التدقيق في المرشحين المتقدمين للترشح.
حالة الأمل وتطلع القوى الإصلاحية في إيران لتحقيق طموحات الشعب الإيراني في الخروج من بين براثن عباءات الملالي، وفظاعات الحكم باسم الدين ما زالت تسيطر على الجميع في ظل حالة الترقب والتخوف من تكرار السيناريوهات السابقة من النظام في السيطرة على العملية الانتخابية، لتطويع الحالة التشريعية الإيرانية في اتجاه النظام بصرف النظر عما يمثله ذلك من إهدار لحق الشعب الإيراني في التعبير عن آماله في الحكم الرشيد، وعدم السير في طريق إشعال التوتر في الإقليم بالتدخل في دول الجوار، وحشد الميليشيات لفرض الأجندة الإيرانية التي يسطر حروفها أشخاص بعينهم على رأس النظام لا يخضعون لأي مساءلة شعبية أو برلمانية، وليس عليهم أي التزام دستوري تمت صياغته من قبل رموز منتخبة من الشعب الإيراني المفترض أنه مصدر السلطات.
انتقادات علنية
الانتقادات العلنية التي وجهها الرئيس الإيراني حسن روحاني المحسوب على الإصلاحيين للفساد والجهاز القضائي في إيران أدرجها البعض تحت بند التنافس السياسي والصراعات التي تدور بعضها في كواليس السلطة الإيرانية وذلك مع قرب الانتخابات التشريعية، خاصة مع قلق الرئيس الإيراني من تركيبة البرلمان القادم والتي قد تشمل الكثير من منتقدي سياسته خلال السنوات الأخيرة، وتؤدي تداعياتها إلى تهديد ولايته الرئاسية بل الإطاحة به وعزله، خاصة مع التخوف من استبعاد أنصاره بواسطة الصلاحيات التي يمتلكها مجلس صيانة الدستور الذي يمكنه إعادة النظر في أهلية السياسيين للترشح، وكذلك استهداف التيار المتشدد لروحاني في البرلمان والذي ظهر في توزيع بعض النواب المتشددين بيانات مناهضة له في البرلمان، وكذلك اتهامه مرارا بتحريض الشعب الإيراني على الصدام مع معارضيه، وكذلك مواجهة المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي.
ويتكون مجلس صيانة الدستور الإيراني من 12 عضوا نصفهم من الفقهاء ويتم تعيينهم من قبل مرشد الجمهورية الإسلامية علي خامنئي مباشرة، والنصف الثاني من الحقوقيين ويتم ترشيحهم من قبل رئيس السلطة القضائية والتصويت عليهم من قبل أعضاء مجلس الشوري الإسلامي، ويضطلع المجلس وفقا للدستور الإيراني بمراقبة الانتخابات، وتفسير الدستور وتوفيق قرارات البرلمان الإيراني مع الشرع.
ويعد المجلس من الجهات الرئيسية في إيران ومن بين وظائفه الإشراف على عمل مجلس الشورى الإسلامي، وضمان النظام الإسلامي للجمهورية الإيرانية، والموافقة على كل قوانين البرلمان قبل اعتمادها رسميا، ويعد المجلس أعلى سلطة دستورية.
ولا يزال ترشح رئيس البرلمان الحالي علي لاريجاني محل شك كذلك، وفق بعض المحللين، خاصة بعد تردد عدم نيته للترشح في الدورة الجديدة للبرلمان، وإمكانية استبداله من قبل التيار المحافظ، ولكنها أمور جميعا تدور في فلك التخمين خاصة أنه لم يصدر منه تأكيدات رسمية حول وضعه السياسي خلال الفترة القادمة.
خط أحمر
أهمية الانتخابات وحساسيتها بالنسبة للنظام الإيراني، عبّر عنها أكثر من مسؤول خلال الفترة الأخيرة، ومنهم قائد الشرطة الإيرانية الذي حدد عدد قوات الشرطة المنوط بها حماية العملية الانتخابية بنحو 150 ألف شرطي واصفا أمن العملية الانتخابية بأنه «خط أحمر» وأنه لا مجاملة لأحد في هذا الأمر، محددا السلطة المخول لها الرد على استفسارات مجلس صيانة الدستور وهي قوى الأمن الداخلي بعد أن كانت من قبل تعود إلى عدد من المرجعيات الشرطية الأخرى التي تمثلها أكثر من جهة، ومشاركة ما يعرف بـ«قوى التعبئة» إلى جانب الشرطة في الحفاظ على أمن الانتخابات، واستعداد الشرطة التعاون مع مكاتب الإشراف عليها لإقامة انتخابات المجلس في جميع المحافظات.
توترات إقليمية
الدكتور مدحت حماد أستاذ الدراسات الإيرانية بجامعة طنطا، مدير مركز الفارابي للدراسات قال لـ«المجلة»: «الانتخابات التشريعية القادمة في إيران والتي ستجرى فعالياتها في شهر فبراير الحالي تدفع إلى حد كبير في اتجاه حالة من التهدئة بالداخل الإيراني، وتقلل كثيرا من إمكانية حدوث مظاهرات أو توترات في الساحة الداخلية، فالانتخابات غالبا ما يصاحبها زخم سياسي كبير داخل إيران، وقد تكون الانتخابات سببا من أسباب السكون على الأقل لحين الإعلان عن نتائجها في نهاية شهر فبراير القادم».
وعن مدى تأثير الأوضاع الاقتصادية المتدهورة على تجدد التوترات في إيران، وعلى أذرع طهران في دول الإقليم خاصة في سوريا والعراق واليمن، تابع مدحت حماد: «الذي سيؤثر على الأذرع الإيرانية في العراق وسوريا ولبنان واليمن ليس الأوضاع الاقتصادية وإنما مدى قدرة ونجاح الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل وبريطانيا والمملكة العربية السعودية والإمارات على تقليص النفوذ الإيراني في المنطقة، فالأذرع الإيرانية في الدول العربية ليست مرتبطة بالأوضاع الاقتصادية داخل إيران بقدر ما ترتبط بمن ستكون له الغلبة في الصراع الدائر الآن بين إيران والمملكة العربية السعودية والإمارات والولايات المتحدة الأميركية».
سيولة مدبرة
وأضاف الدكتور مدحت حماد: «المنطقة تعيش حالة من السيولة المدبرة من جانب القوى الدولية الكبرى وخاصة الولايات المتحدة الأميركية، والظروف التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط بصفة عامة والمشرق العربي بشكل خاص تشير إلى فكرة استبعاد تجدد المظاهرات، هذا على الرغم من استمرار بقاء الأوضاع الاقتصادية الصعبة وفقا لما هو قائم نتيجة العقوبات الأميركية المفروضة على إيران، لكن من جهة أخرى ما حدث من زيارة وزير الخارجية العماني لإيران بما صاحبها من توقعات بقرب أو بإمكانية حدوث مؤتمر قمة إقليمي خليجي بشأن الأمن بمنطقة الخليج، من الممكن أن يكون أحد الأسباب التي قد تمنع تكرار المظاهرات في المستقبل القريب في إيران، إلا أن كل السيناريوهات واردة الحدوث».
وعن توقعاته لمستقبل المنطقة خلال عام 2020 وبالتحديد بعد منتصف العام في ظل كل هذه الاشتباكات أضاف: «يحتمل أن تكون هناك تفاوضات سعودية إيرانية في النصف الأول من العام القادم، وأن يكون هذا التفاوض هو أحد العوامل التي ستؤدي إلى الحد من التوتر في المنطقة، وإذا لم يحدث هذا التفاوض واستمرت الأوضاع كما هي عليه أعتقد أننا سنكون بصدد أزمة إقليمية كبرى في نهاية عام 2020».
وحول ردود الفعل الغربية تجاه الممارسات الإيرانية بحق المعارضة خلال الأزمة الإيرانية الأخيرة والأحداث التي تلتها، تابع: «أنظر إليها في إطار اتجاه كل النظم السياسية في العالم المعاصر لقمع المعارضة، وفي إطار الظاهرة الدولية بأن جميع النظم السياسية في العالم دون استثناء في المنطقة وخارج المنطقة في أوروبا وأميركا أصبحت بصدد حالات عنف تصل إلى درجة القمع تجاه المعارضة، وهذا ما نراه في الولايات المتحدة الأميركية في حالة اندلاع أي احتجاجات وفي روسيا، وفي فرنسا وفي الدول العربية وغيرها».
وعن الملف النووي الإيراني قال: «سيسير الملف النووي في اتجاه تحقيق إيران لأهدافها، إما برفع الولايات المتحدة الأميركية عقوباتها التي فرضتها على إيران، أو ستستمر إيران في التخصيب لدرجة أخذ العالم إلى حافة الهاوية بهدف إعادة التفاوض مرة أخرى حول برنامجها النووي مثلما فعلت في عام 2015. والوضع سيتحدد بشكل كبير بعد الانتخابات التشريعية في فبراير الحالي خاصة في ظل الضغوط الاقتصادية، واستمرار العقوبات، وسيتضح الكثير من الملفات بعد هذا التاريخ».
تطور لافت
وشهد شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي حالة احتجاجات ومظاهرات واسعة في كل المدن والمحافظات الإيرانية، وذلك بعد قرار رفع أسعار المحروقات الذي حظي بموافقة رسمية من مرشد الجمهورية الإسلامية علي خامنئي، والذي كان سببا مباشرا في غضب الإيرانيين الذين خرجوا في حشود كبيرة في رد فعل على تردي الوضع الاقتصادي، وانتشار الفساد، وارتفاع الأسعار، وكذلك حالة خيبة الأمل المستمرة منذ توقيع الاتفاق النووي مع القوى الكبرى عام 2015 وما صاحبه من رفع العقوبات المفروضة على طهران، وتوقعهم تغييرا للأفضل في الكثير من الملفات ومنها الملف الحقوقي ومباشرة الحقوق السياسية والفساد المنتشر، وتخفيض نسب البطالة المرتفعة بين الشباب الإيراني والتضخم الذي أدى إلى ارتفاع الأسعار بشكل كبير، وإلغاء سيطرة النظام الديني على مقاليد الدولة من خلال الملالي، ورغم رفع العقوبات عن الكثير من القطاعات إلا استمرارها ظل ساريا في قطاعات أخرى طالت الكثير من الشركات بسبب تجارب الصواريخ مما فاقم من تدهور الاقتصاد.
وكان الشيء اللافت امتداد المظاهرات إلى معظم المحافظات الإيرانية تقريبا، ومن بينها المدن الدينية التاريخية مثل مشهد وقم، ومطالبة المتظاهرين بإسقاط المرشد الأعلى وهو ما مثل تطورا كبيرا في الحالة الإيرانية، ليس هذا فقط بل امتد الأمر إلى إحراق عدد من البنوك الخاصة بالحرس الثوري.
اعتراف رسمي
التعسف الكبير تجاه المتظاهرين وقوى المعارضة الإيرانية كان له أثره في زيادة حالة الاحتقان داخل أروقة السياسة الإيرانية، وقامت على أثره عدد من الأحزاب الإيرانية بالتنديد بالتعسف وممارسة العنف ضد المحتجين، والذي وصل إلى تعذيبهم داخل مقار الاحتجاز، وطالبوا بتحقيق مستقل عن هذه التجاوزات بحق المعتقلين، وطالبوا كذلك بإطلاق المحتجزين، والاعتراف الرسمي بالحق في التظاهر، وكذلك التوقف عن قطع خطوط الاتصال والإنترنت، وتهديد الصحافيين ومنعهم من ممارسة عملهم بل وترهيبهم، وانضمت المنظمات الإيرانية المعارضة في الخارج مثل منظمة مجاهدي خلق إلى قوائم المعترضين على سلوكيات السلطات الإيرانية، ونددت بما تم من سلوكيات عنيفة من قبل قوى الأمن والتي أدت إلى تجاوز عدد شهداء المظاهرات لستمائة، بالإضافة إلى ما يقارب اثني عشر ألفا من الجرحي بالإضافة إلى المعتقلين على خلفية المظاهرات.