* توجد مؤشرات كثيرة على أن هذه الحكومة سوف تفشل. ولن تكسب ثقة الشارع والمجتمع الدولي. وفي غضون شهور، إن لم تكن أيام، سوف يصبح الانهيار المالي واقعًا
* من المحتمل أن تُحبَط الآمال في أن يدخل رئيس الوزراء حسان دياب التاريخ بصفته منقذ لبنان، وتُحبَط آمال «حزب الله» في أن ينقذ المجتمع الدولي لبنان ماليًا... ولعلها آخر حيلة في جعبة «حزب الله» وحلفائه
واشنطن: في الأسبوع ذاته الذي أنهى فيه مجلس الوزراء اللبناني الجديد بيانه الحكومي، وقدم وعودًا بالإصلاح واتخاذ إجراءات مكافحة الفساد، خفضت أغلب البنوك اللبنانية حد السحب الشهري بالدولار بنسبة 50 في المائة، بحسب ما ذكره عدد من التقارير الإعلامية.
أكدت ثلاثة بنوك كبرى تواصلت معها وكالة الصحافة الفرنسية (أ.ف.ب) في الأسبوع الماضي أنها خفضت حد السحب بالدولار إلى النصف منذ بداية شهر فبراير (شباط) الحالي، ووضع بعض البنوك حدًا بلغ 600 دولار في الشهر.
وقد أثارت القيود غير الرسمية غضب الجمهور في لبنان المتأثر بالاحتجاجات، إذ ازداد غضب الحراك المناهض للحكومة، والذي خرج إلى الشوارع في 17 أكتوبر (تشرين الأول)، بسبب سياسات البنوك.
يشعر الشعب اللبناني بالقلق من أن إجراءات الحكومة الجديدة سوف تستهدف الفقراء ومدخراتهم البنكية، بدلاً من الأثرياء والقيادات السياسية، في محاولة لتخفيف سرعة الانهيار الاقتصادي. وفي الحقيقة، لا أحد يصدق الوعود التي قدمها مصرف لبنان المركزي والبنوك التجارية والقادة السياسيين من أن المودعين لن يخسروا أموالهم. فالمؤشرات لا تبعث على الطمأنينة.
مهمة الحكومة الجديدة
بينما تتجه جميع الأنظار إلى سياسات البنوك الجديدة وتدهور الوضع الاقتصادي في لبنان، تحاول الحكومة الجديدة التركيز على قضيتين.
أولاً، حماية «حزب الله» ومصالح حلفائه السياسية والمالية. على سبيل المثال، تناول البيان الوزاري الفساد بصفة عامة، دون أن يقدم خطوات ملموسة فيما يتعلق بقطاع الكهرباء. وهذا تحديدًا لأن كلاً من «حزب الله» وحليفه جبران باسيل متورط بدرجة كبيرة في هذا القطاع وأي إجراءات لمكافحة الفساد قد تكبدهما خسائر مالية فادحة.
كما أنها حكومة شكلها بعناية المدير العام الأمني السابق لـ«حزب الله» جميل السيد – المعروف بأنه حليف للأسد – وباسيل الذي يسيطر على ثلث مجلس الوزراء. ليست هذه هي الحكومة التي تستطيع تهديد قوة «حزب الله» أو أسلحته أو نفوذه على مؤسسات الدولة. بل على العكس، بعد أن تخلص «حزب الله» من بعض خصومه، أصبح له ولحلفائه الآن فرص أكبر للوصول إلى الدولة ومواردها أو ما تبقى منها.
يعني هذا أن عمليات «حزب الله» داخل لبنان سوف تزداد، وكذلك أنشطته العابرة للحدود مثل التهريب وعمليات النقل العسكرية. كما سيتمكن «حزب الله» من إدخال عملة صعبة وبضائع من المنطقة، تحديدًا من إيران والعراق وسوريا، إلى داخل لبنان حيث يوجد نقص في بعض السلع الأساسية.
ثانيًا، سوف تسعى هذه الحكومة إلى إجراء إصلاحات ظاهرية أو انتقائية من أجل خداع المجتمع الدولي لإنقاذها ماليًا. وبينما ستبقى بعيدة عن مصالح «حزب الله» وحلفائه، سوف تستهدف هذه الحكومة خصومهما، على وجه التحديد المتورطين في صفقات فساد. ومن أجل تغطية نواياها الحقيقية، ربما تلجأ الحكومة الجديدة إلى استهداف أحد حلفاء الحزب المعروفين بإجراءات مكافحة الفساد. ومن المرجح أن يكون هذا الشخص رئيس البرلمان نبيه بري، خاصة إذا علمنا أن كلا من باسيل والسيد لديهما مشاكل كبيرة معه. يرغب السيد في الحصول على منصبه ليصبح الرئيس القادم لمجلس النواب، ودائمًا ما كانت العلاقة بين باسيل وبري سيئة.
أما من جهة «حزب الله»، فربما يكون بري قد استنفد أغراضه ولم يعد الحزب في حاجة إليه. وفي الواقع، أتت حماية الحزب له لفترة طويلة بنتائج عكسية من جهة مؤيدي «حزب الله»، لا سيما أن فساد بري أصبح واضحًا للغاية وفوق الاحتمال. وكان جمهور الشيعة الذين انضموا إلى الاحتجاجات اللبنانية في الفترة الأخيرة قد ركزوا على فساد بري، وربما يستفيد «حزب الله» أيضًا من إلقائه في الهاوية.
سوف تحاول حكومة لبنان الجديدة إخفاء هذه التعقيدات، وتلعب على وتر خوف المجتمع الدولي من عدم الاستقرار. ومرة أخرى ستروج لصيغة استقرار الوضع الراهن ذاتها، مع إضافة إصلاحات تجميلية قليلة.
لهذا السبب من المهم للمجتمع الدولي أن يتجنب إنقاذ هذه الحكومة ماليًا مهما كان الثمن؛ وإلا فسوف يفوز «حزب الله» مرة أخرى.
تحديات الحكومة الجديدة
يوجد اختلاف كبير بين ما تخطط الحكومة لفعله وما تستطيع فعله في الواقع.
إن المهمة الموجزة أعلاه واضحة بما يكفي، وسوف تصاحبها حملة لقمع المتظاهرين في الشوارع، للتأكد من أن صوتهم لن يُسمع بعد الآن. وإذا أخفقت في ذلك، فسوف تتمثل الخطة في تدمير مصداقيتهم أمام الرأي العام الدولي، بتحويل الاحتجاجات إلى صور عنيفة أو على الأقل اختلاق مشاهد اشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن.
ومع ذلك، الأقوال أيسر من الأفعال.
أولا، أصبحت احتجاجات الشارع سلطة تؤخذ على محمل الجد، خاصة من المجتمع الدولي. وربط كثير من المسؤولين في الولايات المتحدة وأوروبا استجابتهم للحكومة الجديدة برد فعل الشارع. وبصورة جوهرية أخفق القمع الذي استهدف المظاهرات على مدار الشهور الأربعة الماضية. وكان كل من الحكومة السابقة والجيش اللبناني والأمن الداخلي وعصابات يدعمها «حزب الله» قد تناوبوا على إخافة المتظاهرين لكي يتراجعوا.
ولكن كل هذه الفصائل لم تدرك أن الأساليب العنيفة وعامل الخوف لا يفلح مع شعب ليس لديه ما يخسره. لقد تظاهر الشعب اللبناني مرارًا في السابق، ولكنه لم يخسر الكثير مطلقًا، ولم يكن الوضع الاقتصادي على حافة الانهيار من قبل. حينما يخسر الناس مدخراتهم ووظائفهم وكرامتهم، سوف يكون الشارع هو المكان الوحيد الذي يخرجون إليه ويعبرون عن غضبهم فيه.
ثانيًا، يعطي المجتمع الدولي أولوية للاستقرار في لبنان. بيد أنه بات واضحًا أن الاستقرار لا يمكن أن يظل مرتبطًا بـ«حزب الله» وإيران. وأوضحت دول الخليج – فيما عدا قطر – أنها لن تنقذ لبنان ماليًا في ظل حكومة يدعمها «حزب الله». وأعلنت الولايات المتحدة ودول أوروبا أنهما سوف ينتظران حتى تبدأ الحكومة الجديدة عملها؛ أي بعد أن تصدر البيان الحكومي ويتم التصويت بالثقة عليها في البرلمان.
ومع ذلك إذا لم تبدأ الحكومة اللبنانية في تنفيذ إصلاحات جادة، بما فيها تلك التي نص عليها «سيدر» (مؤتمر دعم الاقتصاد اللبناني)، لن تحصل على إنقاذ مالي. وإذا نظرنا عن كثب إلى «سيدر» سيتضح أن قطاع الكهرباء له أولوية في قائمة الإصلاحات المطلوبة، وهو شيء تغفله الحكومة في بيانها الحالي.
توجد مؤشرات كثيرة على أن هذه الحكومة سوف تفشل. ولن تكسب ثقة الشارع والمجتمع الدولي. وفي غضون شهور، إن لم تكن أيام، سوف يصبح الانهيار المالي واقعًا، وسوف يكون على هذه الحكومة مواجهة فشلها أسرع مما تتوقع.
ومن المحتمل أن تُحبَط الآمال في أن يدخل رئيس الوزراء حسان دياب التاريخ بصفته منقذ لبنان، وتُحبَط آمال «حزب الله» في أن ينقذ المجتمع الدولي لبنان ماليًا، بعد أن يقر البرلمان التشكيل الحكومي بفترة ليست بعيدة. إنها حكومة ولدت ميتة، ولعلها آخر حيلة في جعبة «حزب الله» وحلفائه.
* حنين غدار: باحثة في زمالة فريدمان الافتتاحية، معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى