* فيلق القدس ووكلاءه لن تتمكن في غياب سليماني من أن تستمر في سياسة بسط النفوذ والهيمنة العسكرية في المرحلة المقبلة
*حاول خامنئي من خلال استعجاله في تنصيب القائد الجديد لفيلق القدس أن يقول إنه لا شيء تغير والأمور تسير على ما يرام وأن العمق الاستراتيجي للجمهورية الإسلامية في المنطقة لن يصيب بمكروه
*تقرير لوكالة «فارس» يؤكد لأول مرة بشكل علني إن فيلق القدس أرسل قطع صواريخ إلى غزة عام 2008 خلال الحرب بين حماس وإسرائيل... وقمع الثورة السورية عام2011
واشنطن: قضى مقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني ورفاقه في طريق مطار بغداد على يد الولايات المتحدة على أي احتمالية للتفاوض بين طهران وواشنطن، وبذلك سيصبح «الثأر» لمقتله والاستهداف المحتمل للمصالح الأميركية في العراق وسوريا ودول المنطقة الشغل الشاغل للسلطات الإيرانية.
لقد نتجت عن مقتل سليماني وهو الذراع المتحركة للجمهورية الإسلامية تداعيات كثيرة فنسج الرجل في فترة حياته شبكة من العلاقات القوية في العراق ولبنان وسوريا وأدى مقتله إلى ردود فعل متباينة في هذه الدول، منها خلال الاحتجاجات التي عمت العراق وإيران ولبنان في الآونة الأخيرة. وما زالت شريحة واسعة من المؤيدين والمعارضين للجمهورية الإسلامية يناقشون تداعيات مقتله.
كيف سيؤثر مقتل قاسم سليماني وهو أيقونة اقتدار «جبهة المقاومة»، و«التشيع على طريقة الجمهورية الإسلامية» على الصراع الحاد القائم بين أركان السلطة؟ ما هي المكاسب والأضرار التي سيجنيها المؤيدون والمعارضون للنظام الإيراني؟ ماذا ستفعل الولايات المتحدة للتصدي للتهديدات العسكرية التي يطلقها مسؤولو الجمهورية الإسلامية؟ وهل يوفر مقتل قاسم سليماني الفرصة للتقدم في المسار الدبلوماسي وعودة الجمهورية الإسلامية إلى طاولة المفاوضات النووية؟
مما لا شك فيه أن إقصاء سليماني الذي كان رمزا للمجد والعظمة الإقليمية للجمهورية الإسلامية وسيادتها الوطنية لم يوجه ضربة غير مسبوقة لسياساتها الهجومية والمدمرة في المنطقة بل وقضى على جزء كبير من الاقتدار الإيراني ومزاعم الجمهورية الإسلامية بشأن قدراتها الاستخباراتية.
وبعد ساعات قليلة على مقتله قام آية الله خامنئي باعتباره القائد العام للقوات المسلحة بتعيين إسماعيل قاآني، القيادي ذي الخبرة الطويلة في الحرس الثوري، خلفا لقاسم سليماني لقيادة فيلق القدس. وقال خامنئي إن فيلق القدس يقوم بمهامه كالسابق.
لقد حاول خامنئي من خلال استعجاله في تنصيب القائد الجديد لفيلق القدس أن يقول إنه لا شيء تغير والأمور تسير على ما يرام ولم يستطع مقتل سليماني أن يصيب العمق الاستراتيجي للجمهورية الإسلامية في المنطقة بمكروه. كما إن خامنئي أراد أن يمنع إضعاف فيلق القدس والجماعات التابعة له وانقسامها وأن يؤكد على استمرار السياسات العسكرية لقاسم سليماني بشأن مهام فيلق القدس خاصة في العراق وسوريا.
ویری كثير من المحللين أن فيلق القدس ووكلاءه لن تتمكن في غياب سليماني من أن تستمر في سياسة بسط النفوذ والهيمنة العسكرية كما كانت تفعل سابقا وأن مقتل سليماني سيؤدي إلى زعزعة الثقة في سياسات الجمهورية الإسلامية في المرحلة المقبلة.
لقد وضع مجلس الشورى الإيراني يوم 7 يناير (كانون الثاني) 2020 وزارة الدفاع الأميركية وأعضاءها والشركات التابعة لها على قائمة الإرهاب، وذلك بعد القمع الوحشي الذي تعرض له المحتجون خلال الاحتجاجات التي عمت إيران في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 ومراسم دفن قاسم سليماني وعربدة مسؤولي الجمهورية الإسلامية حول أخذ «الثأر»، و«الانتقام القاسي» لمقتل قاسم سليماني. وجرى تخصيص 200 مليون يورو من صندوق التنمية الوطني إلى فيلق القدس حيث سيضاف هذا المبلغ إلى ميزانيات فيلق القدس.
في الوقت الذي أقر مسؤولو الجمهورية الإسلامية بـ«الضغوط الناتجة عن العقوبات» انخفضت صادرات النفط الإيراني وبالتالي يبرز هذا القلق من احتمال تحول الحروب بالإنابة بين فيلق القدس والولايات المتحدة إلى مواجهة عسكرية مفتوحة في المنطقة.
وفي هذا الإطار نشرت وكالة «فارس» للأنباء والموقع الإلكتروني للدائرة السياسية للحرس الثوري تقريرا بشأن أنشطة فيلق القدس. وتحدث التقرير لأول مرة بشكل علني عن دور فيلق القدس بقيادة قاسم سليماني في قمع الاحتجاجات الشعبية المناهضة لبشار الأسد في سوريا في مطلع 2011.
وقال التقرير إنه منذ انطلاق الاحتجاجات الشعبية في سوريا في 2011 قام فيلق القدس بالتعاون مع الأجهزة الأمنية السورية لقمع الاحتجاجات التي وصفها التقرير بـ«أعمال الشغب» وقدم فيلق القدس الأسلحة والتجهيزات للأجهزة الأمنية السورية بهدف قمع الاحتجاجات.
وجاء التقرير الذي أقر بدور فيلق القدس وقاسم سليماني في قمع الاحتجاجات الشعبية في سوريا في الوقت الذي سبق لمسؤولي النظام الإيراني وقيادات الحرس الثوري الركوب على موجة الأحاسيس المذهبية والزعم بأن الحرس الثوري لم يتدخل في قمع الاحتجاجات في سوريا وأن النظام الإيراني قدم خدمات استشارية للنظام السوري بعد المواجهة المسلحة المناهضة لنظام الأسد وذلك بهدف القضاء على «داعش» ومكافحة الإرهاب والجماعات المسلحة وحماية المراقد الشيعية المقدسة (في إطار جماعة المدافعين عن الحرم).
وقال التقرير، ولأول مرة، إن فيلق القدس أرسل قطع صواريخ إلى غزة، وذلك خلال الحرب بين حماس وإسرائيل في 2008 كما أنه أرسل قطع صواريخ إلى حماس والجهاد الإسلامي عن طريق السودان ومصر والأنفاق بين صحراء سيناء وغزة.
هذا ولا يقتصر الدعم المالي والعسكري الإيراني للنظام السوري لقمع المحتجين هناك فقط بل إن تقارير كثيرة تشير إلى أن النظام الإيراني قدم الدعم المالي والعسكري والسياسي بهدف إعادة تشكيل قوات تعبئة شيعية في لبنان عن طريق «حزب الله» فضلا عن قيامه بعمليات تجسس في دول كثيرة ودعمه للشيعة المناهضين للنظام في السعودية والبحرين والكويت والجماعات الإسلامية في فلسطين ولبنان وجماعة الحوثي في اليمن.
وأشار التقرير الصادر عن الأمم المتحدة بأن الميليشيات الحوثية في اليمن حصلوا في 2019 على أسلحة تشبه بعضها الأسلحة المصنوعة في إيران.
وأقر الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله في 2016 بأن الحزب يتلقى من إيران كافة ميزانيته بدءًا من الغذاء وحتى الأسلحة والصواريخ التي نهدد بها إسرائيل.
وقدم رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في 5 يوليو (تموز) 2017 شكره لإيران بسبب دعمها العسكري للحركة قائلا لقد قدمت إيران الدعم العسكري لكتائب القسام.
إلى ذلك، قدمت السعودية للأمم المتحدة شكوى ضد إيران في 15 سبتمبر (أيلول) 2016 بسبب تهريب الأسلحة للحوثيين في اليمن.
لا شكرا
وفي الوقت الذي يرفض فيه مرشد الجمهورية الإسلامية علي خامنئي إجراء مفاوضات مع الولايات المتحدة حول البرنامج النووي والبرنامج الصاروخي، فإن وزير الخارجية محمد جواد ظريف أدرك بأن بقاء الجمهورية الإسلامية مرهون بالتفاوض مع الولايات المتحدة خاصة في حال فوز ترامب بفترة رئاسية ثانية. فقال ظريف في حوار مع مجلة «دير شبيغل» بأن «إجراء مفاوضات مع الولايات المتحدة غير مستبعد بشرط أن تغير الولايات المتحدة سياساتها وترفع العقوبات على إيران».
وأثارت تصريحات وزير الخارجية الإيرانية بشأن التفاوض مع الولايات المتحدة انتقادات حادة من التيار الأصولي والمتشدد في إيران لأن الخطاب المناهض للولايات المتحدة وعدم إجراء المفاوضات مع أميركا بات أحد أركان السياسة الإيرانية.
وقال ممثل ولي الفقيه في فيلق القدس علي شيرازي: «لا يحق للنظام ولا للشعب ولا حتى جبهة المقاومة أن يجروا مفاوضات مع أعداء قاسم سليماني».
وقال رئيس مخابرات الحرس الثوري، حسين طائب: «ستفشل بالتأكيد المفاوضات مع العدو في الظروف الراهنة».
هذا وقد حذر حسين دهقان، وهو مستشار القائد العام للقوات المسلحة الإيرانية في شؤون الصناعات الدفاعية وإسناد القوات المسلحة، حذر محمد جواد ظريف قائلا إن النظام الإيراني لن يفاوض الولايات المتحدة من دون موافقة المرشد.
إلى ذلك قدم 23 نائبا إيرانيا شكوى ضد ظريف للسلطة القضائية قائلين إن ظريف عرض المصالح الوطنية للتهديد وقام بخيانة دماء قاسم سليماني.
وفي المقابل، رفض الرئيس الأميركي رفع العقوبات على طهران قبل المفاوضات معها، وقال في تغريدة بالفارسية: «قال وزير الخارجية الإيراني إن إيران تريد إجراء مفاوضات مع الولايات المتحدة ولكنها تريد رفع العقوبات أولا... لا، شكرا!».
يمكن القول بالإجمال إن اغتيال قاسم سليماني الذي كان أكبر رمز عسكري للجمهورية الإسلامية جاء في الوقت الذي يغرق فيه النظام الإيراني في مستنقع عميق عنوانه أزمة الشرعية وأن التطورات بعد مقتل قاسم سليماني تتجه نحو تزايد الاستياء الشعبي في إيران. ولا ننسى أن قاسم سليماني الذي قدمته الماكينة الإعلامية للنظام على أنه البطل الشهيد تحولت تسميته من «البطل الكبير» إلى «القاتل» خلال الموجة الاحتجاجية الجديدة التي عمت المدن الإيرانية، رداً على إطلاق الحرس الثوري صاروخين باتجاه الطائرة الأوكرانية مما أدى إلى مقتل 176 شخصا كانوا على متنها.