* تعد قاعدة «برنيس» أكبر قاعدة عسكرية في أفريقيا، ويتمثل الهدف الاستراتيجي لإنشائها في حماية وتأمين السواحل العربية على البحر الأحمر، وحماية الاستثمارات الاقتصادية والثروات الطبيعية ومواجهة التحديات الأمنية
* ثمة أطماع تركية متزايدة لاستغلال الثروات الصومالية، بما فيها الثروة النفطية، وهو ذات الدافع الذي يحرك سياسات أنقرة في البحر المتوسط وحيال ليبيا
* تعمل المملكة العربية السعودية ومصر على إعادة تأسيس أدوارهما حيال الصومال وضمان استقرارها عبر انضوائها كدول مؤسسة في مجلس دول البحر الأحمر وخليج عدن
* الوجود العسكري التركي في البحر الأحمر يشكل مصدراً للتهديد في المستقبل أمام مصالح دول الخليج ومصر، بما يهدد مصالحها في اليمن، أو يحد من تأثيرها في أفريقيا
أنقرة: كشف الرئيس التركي رجب طيب إردوغان عن مباحثات تركية - صومالية بشأن التنقيب عن النفط في المياه الإقليمية للصومال، قائلا إن هناك «عرضا من الصومال من أجل القيام بهذه المهمة على غرار ما تقوم به تركيا قبالة السواحل الليبية».
جاءت تصريحات إردوغان بالتزامن مع توجه الحكومة الصومالية لاستغلال الثروة النفطية، حيث صادق مجلس الشعب على قانون البترول في مايو (أيار) من العام الماضي كما صادق مجلس الشيوخ عليه في شهر يناير (كانون الثاني) 2020.
بدا من سياق التصريحات التركية أن أنقرة تتأهب لخطوة لاحقة، وتحاول تهيئة الساحة الإقليمية لهذه الخطوة، التي قد تتعلق بمحاولة تكثيف التواجد العسكري على سواحل خليح عدن والبحر الأحمر، وذلك في محاولة تركية لفرض الأمر الواقع ووضع موطئ قدم في ساحة تمثل نطاقا حيويا للأمن الإقليمي والدولي. ربما يوضح ذلك السياق الإقليمي الذي دفع الرئيس التركي إلى إطلاق هذه التصريحات، حيث بدا واضحا في الآونة الأخيرة أن ملف ترتيبات الأمن الإقليمي باتت تقودها المملكة العربية السعودية بالتنسيق مع الكثير من القوى العربية في مقدمتها جمهورية مصر العربية، وذلك في محاولة عربية جادة تشمل أطرافا عربية أخرى، تستهدف إعادة هيكلة السياسات الأمنية على ساحل البحر الأحمر، وذلك على نحو يسهم في حفظ الاستقرار والأمن في هذه المنطقة التي تمثل «عصب» الأمن والاقتصاد العالميين.
وقد اتخذت الخطوات العربية في هذا الإطار منحى غير مسبوق من التنسيق الأمني بين المملكة ومصر، والتي عكستها وتيرة المناورات العسكرية المصرية-السعودية في عرض البحر الأحمر. وذلك في خطوة جاءت بالتوازي مع إعلان مصر تأسيس قاعد «برنيس»، وذلك بحضور الأمير خالد بن سلمان نائب وزير الدفاع السعودي، والشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي نائب القائد العام للقوات المسلحة الإماراتية، ورئيس أرمينيا أرمين سركيسيان. وقد تضمن ذلك مشاهدة المرحلة الختامية للمناورة العسكرية الأضخم والتي أُطلق عليها «قادر 2020».
وتعد قاعدة «برنيس» أكبر قاعدة عسكرية في أفريقيا، وتقع على ساحل البحر الأحمر بالقرب من شرق مدينة أسوان، وتبلغ مساحتها نحو 150 ألف فدان، وتضم قاعدة بحرية وقاعدة جوية وعددا من الوحدات القتالية والإدارية وميادين للرماية والتدريب. ويتمثل الهدف الاستراتيجي لإنشاء القاعدة العسكرية حماية وتأمين السواحل العربية على البحر الأحمر، فضلا عن حماية الاستثمارات الاقتصادية والثروات الطبيعية ومواجهة التحديات الأمنية، فضلاً عن تأمين حركة الملاحة العالمية عبر محور الحركة من البحر الأحمر وحتى قناة السويس.
ويُعبر مستوى الحضور العربي في «الحدث العسكري» وما تلاه من مناورات سعودية-مصرية عن تصاعد أوجه التنسيق العربي لتولي زمام المبادرة لضمان أمن البحر الأحمر في مجابهة التهديدات المحتملة، والتي قد ترتبط بدول الجوار العربي، سيما كل من إيران وتركيا. وتشير تصريحات الرئيس التركي الأخيرة إلى عدم الرضا عن التحركات العربية الاستباقية، سيما بعد إعلان المملكة العربية السعودية عن تكلل جهودها السياسية والدبلوماسية بتأسيس مجلس الدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن، وذلك في مسعى لمأسسة التفاعلات السياسية والأمنية في «ساحة ساحنة» شهدت على مدى سنوات خالية محاولات من قبل أطراف إقليمية ودولية جعلها حكرا على فواعل غير عربية.
وقد أفضت تصريحات الرئيس التركي بعد أيام قليلة من إعلان الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز آل سعود، عن تأسيس منظمة إقليمية لدول البحر الأحمر وخليج عدن، إلى استشعار القيادة الصومالية الحرج، والتي يبدو أنها لم ترض عن تعجل الرئيس التركي في الإعلان عن اتفاق، على ما يبدو، لم تنجز كامل تفاصيله بعد، وذلك في ظل الرغبة التركية التي تستهدف توظيف علاقاتها المتشعبة مع الصومال في إطار سياسات تركيا الإقليمية لمجابهة لبعض الدول العربية.
وقد علق على ذلك وزير البترول والمعادن في الحكومة الصومالية عبد الرشيد محمد أحمد بالقول إن علاقات متينة تربط بلاده بتركيا غير أنه لا يزال من المبكر البدء في عمليات التنقيب عن البترول، مشيرا إلى أن هناك أعمالا مهمة يجب القيام بها قبل بدء تلك العمليات.
ويعتقد المراقبون أن ثمة أطماعا تركية متزايدة لاستغلال الثروات الصومالية، بما فيها الثروة النفطية، وهو ذات الدافع الذي يحرك سياسات أنقرة في البحر المتوسط وحيال ليبيا. ليبدو أن إردوغان، بعد توقيعه اتفاقية بحرية غير شرعية مع حكومة الوفاق اللبيبة برئاسة فايز السراج للبحث عن الغاز في المتوسط، يسعى للتوغل في المياه الإقليمية الصومالية، ربما لتعويض خسائره من الخروج من اتفاقات الغاز بشرق المتوسط، وهو الأمر الذي قد يلقي بتبعات مركبة على ترتيبات الأمن الإقليمي في منطقة البحر الأحمر، سيما في ظل توظيف تركيا للميليشيات والجماعات الجهادية على ساحات الصراع التي تنخرط فيها.
أهداف تركيا بين الصومال وليبيا
أقامت تركيا في 2017 أضخم قاعدة عسكرية خارج حدودها الجغرافية لتدريب الجيش الصومالي، وأعلنت أن هذه القاعدة تستهدف إعادة بناء الجيش الصومالي ودعمه وتحسين بنيته التحتية وأنظمته اللوجستية. وتضم القاعدة العسكرية المطلة على المحيط الهندي، مدارس عسكرية مثل الكلية الحربية ومدرسة ضباط الصف.
وقد افتتحت تركيا في 1979 سفارة في مقديشيو، واضطرت لإغلاقها مع اندلاع الحرب الأهلية في 1991. وفي 2011 عادت تركيا لتفتتح سفارتها في مقديشيو، وبعد ثلاثة أعوام افتتحت قنصلية عامة في إقليم أرض الصومال.
تحاول تركيا استغلال الحالة السياسية في الصومال وتشعب العلاقات في السنوات الأخيرة معها من أجل إعادة خلط الأوراق التي تسعى بعض القيادات العربية إلى ترتيبها على نحو يضمن أمنها واستقرار دولها. ويشبه حديث إردوغان عن ذهابه إلى التنقيب عن نفط قبالة سواحل الصومال إلى حد كبير، حديثه بشأن المذكرتين اللتين أبرمتهما تركيا مع رئيس حكومة طرابلس، فايز السراج، قبل شهرين، ومُنحت أنقرة بموجبهما مميزات استراتيجية، بما أثار غضبا ليبيا وإقليميا ودوليا.
أوضح ذلك أن أنقرة تسعى لاستغلال حالة الدول العربية التي تعاني من صراعات وترتبط مع أحد أطرافها بعلاقات سياسية وعسكرية، وذلك لتعزيز مصالحها الأمنية عبر إقامة قواعد عسكرية، وكذلك تعظيم أهدافها الاقتصادية عبر التوصل لاتفاقات تجارية تدعم الاقتصاد التركي الذي يجابه عثرات مركبة. وتقع القاعدة العسكرية التركية في الصومال على بعد نحو 10 كيلومترات جنوب غربي العاصمة مقديشيو، وعلى مساحة قدرت بأربعة كيلومترات مربعة، وهي مطلة على المحيط الهندي.
ويرتبط الاهتمام التركي بالصومال بأهمية موقع الأخيرة الاستراتيجي، سيما في ظل تصاعد وتيرة الصراع بين قوى دولية وإقليمية للسيطرة على الموانئ والمنافذ البحرية على سواحل البحر الأحمر. وللصومال خصوصية في هذا الإطار، بحسبانها تحظى بثاني أطول شريط ساحلي على مستوى القارة الأفريقية. والهدف الرئيسي من ذلك التمتع بالقدرة على تقديم تسهيلات عسكرية لأي قوات تركية قد تصل المنطقة مستقبلا. كما أن من مهام القاعدة الحفاظ على مصالح تركيا في الصومال، إذ إنها قريبة من مطار مقديشيو الذي تديره وتشغله شركات تركية.
وقد بدأت التحركات التركية حيال سواحل الصومال بإعلان وزير الموانئ الصومالي، في سبتمبر (أيلول) من عام 2014، أن الحكومة الصومالية سلّمت مهام إدارة ميناء مقديشيو البحري الدولي، المتوقف عن العمل منذ سنوات طويلة، لشركة تركية تمتلكها عائلة بيرت ألبيراق، وزير المالية والخزانة، صهر عائلة الرئيس التركي. وتوغلت تركيا في مجال الاستثمار بالموانئ وحصلت شركة «ألبيراق» على حق تشغيل وإدارة ميناء مقديشيو لمدة 20 عاما، كما حصلت تركيا على حق السماح لسفنها بالصيد في مياه الصومال الإقليمية، وهناك اتفاقيات بين البلدين حول الاستثمار التركي في المجال الزراعي. وتشغل شركات تركية مطارات مقديشيو وموانئها وتزخر أسواقها ببضائع تركية.
فقد أوضح وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، في كلمة له أثناء زيارته الأخيرة للصومال، أن العلاقة بين تركيا والصومال تستند إلى علاقات تاريخية. وأضاف أن اللجنة الاقتصادية المشتركة تشكل أساسا للأنشطة المشتركة في كثير من المجالات بين البلدين وخاصة في التجارة والاستثمار.
وأشار أكار إلى أن الصومال كانت مرتبطة بعدم الاستقرار والفوضى والصراعات في وقت من الأوقات، ومنذ 2003. بدأت تركيا بتنفيذ استراتيجيات متعددة الأبعاد فيها وبدول أفريقية أخرى. وأضاف أن حجم التجارة بين تركيا والصومال كان مليوني دولار عام 2003، وارتفع حتى 200 مليون دولار في 2018.
وعينت تركيا مبعوثًا خاصًا للصومال في عام 2018، وهذه خطوة تجري للمرة الأولى في السياسة الخارجية التركية، وقد تلا ذلك تعيين أنقرة مبعوثا خاصا إلى ليبيا، هو أمر الله إيشلر، نائب رئيس مجلس الوزراء منذ 2013. ويمثل الانخراط التركي في شؤون كل من ليبيا والصومال التطور الأضخم لسياسة التدخل التركي في شؤون الدول الأفريقية، والتي تستهدف تعزيز الحضور الدبلوماسي والتجاري التركي في مختلف أرجاء القارة السمراء.
تركيا وقطر... وأدوار الجماعات الجهادية
تقوم تركيا بعمليات نقل مستمرة لعناصر الميليشيات الجهادية من الساحة السورية إلى الساحة الليبية وهو الأمر الذي يمكن إعادة تفعيله على الساحة الصومالية المهيأة فعليا لذلك بفعل انتشار الجماعات الراديكالية، وقد تغض تركيا الطرف عن الانتقادات الإقليمية والدولية المجابهة لها، سيما أنها توظف هذه الجماعات كورقة ضغط في مواجهتها المشتعلة مع القوى الإقليمية والدولية.
تتناغم السياسات التركية في هذا الإطار مع التوجهات القطرية. وقد حذر خبراء أوروبيون مما يُخطط للصومال وليبيا من قبل التحالف التركي - القطري، الذي ربما يستهدف أن يجعل من الدولتين موقعا جديدا لجماعات إرهابية وميليشيات مسلحة «هاربة» من الميدانين السوري والعراقي. فقد كشفت اتجاهات إعلامية رائجة أن قطر لجأت إلى استحداث أدوات عسكرية، وتكثيف الاستثمارات والتدخلات الإنسانية، كأدوات ضغط على الأنظمة الأفريقية، فضلا عن توظيف التحالف مع تركيا لنقله من سياقه الشرق الأوسطي لاختراق أفريقيا مجددا. وليس من قبيل المفارقة أن تسلم قطر مؤخرا نحو 68 مدرعة لدعم الجيش في الصومال، سيما أن الساحة الصومالية باتت تشكل ساحة تشترك فيها الدوحة مع أنقرة للضغط على مصالح الدول العربية المطلة على البحر الأحمر.
وتنطلق محاولات قطر، حسب هذه الاتجاهات، من معضلتها المزمنة في البحث عن المكانة، فلا تزال الدوحة مسكونة في سلوكها الخارجي بتجاوز عقدة النقص الجيوسياسي، كدولة صغيرة لا تملك مقومات الدور الإقليمي. واللافت، أن المساعي القطرية للعودة للقارة الأفريقية عبر بيع السلاح تأتي في وقت تتهم فيه تقارير غربية الدوحة، بتمويل حركة الشباب المجاهدين في الصومال، بل ودعم معسكرات هذه الحركة في كينيا، ودعم المعارضة التشادية المسلحة، خاصة في جنوب ليبيا، وتأجيج عدم الاستقرار في منطقة الساحل الأفريقي عبر تمويل تنظيمات وعناصر من تنظيم القاعدة في مالي، والتي تمدد فيها العنف الإرهابي العابر للحدود باتجاه النيجر وبوركينا فاسو، بخلاف اتهامات مضافة قبل سنوات بتمويل قادة حركة سيليكا المتطرفة في أفريقيا الوسطى.
وتسعى كل من تركيا وقطر إلى امتلاك أوراق ضاغطة في المحيط الإقليمي لليبيا من جهة تشاد أو النيجر المرتبطتين بالنزاع الليبي من جهة الجنوب، بما يمكنها من دعم حليفها التركي الساعي للتدخل في غرب ليبيا، عبر الاستفادة من شبكة العلاقات القطرية الاستخبارية الواسعة مع قيادات ميليشياوية وإسلامية في المنطقة. وتحاول قطر وتركيا التحرك بموازة الإجراءات العربية التي تسعى إلى تحقيق الاستقرار وضمان البحر الأحمر. كما تعمل الدولتان على تعويض الإخفاق الذي منيت به سياساتهما حيال السودان، وذلك بعد وقف العمل بالاتفاق الذي تم التوصل إليه مع حكومة الرئيس السابق عمر البشير.
استهدف الاتفاق الاستغلال المدني والعسكري لشبه جزيرة سواكن، وذلك وفق اتفاق سوادني-قطري-تركي بلغت قيمته ما يناهز 650 مليون دولار، شمل خططًا لتعزيز التعاون العسكري وتشييد مرسى للسفن الحربية والمدنية في «سواكن» القريبة من الحدود المصرية والمواجهة للسواحل السعودية على البحر الأحمر.
تركيا ومعضلة أمن البحر الأحمر
تمثل أحد الدوافع الرئيسية للتحركات التركية حيال الصومال في الرغبة في فتح أسواق جديدة لعرض وبيع منتجاتها في الكثير من بلدان أفريقية تتخذ منها أنقرة «بوابات عبور» كالساحة الليبية والساحة الصومالية، وذلك على نحو يسمح لها تاليا بالتغلغل في العمق الاقتصادي الأفريقي وتوسيع مجالات استثمارتها.
ويشكل البحث عن مصادر الطاقة أحد المحركات التي باتت تكشف طبيعة السياسات التركية، التي تعمل على تعزيز المصالح الاقتصادية عبر عمليات التنقيب عن النفط والغاز قبالة السواحل العربية، وذلك على غرار ما تقوم به فعليا قبالة السواحل القبرصية، في انتهاك واضح للقوانين الدولية، وبالمخالفة لمواقف وسياسات القوى الدولية. وتسعى تركيا إلى تعميق علاقاتها مع البلدان الأفريقية، فضلا عن تعظيم التطور الذي شهده قطاع الصناعات العسكرية التركي، والذي يحتاج إلى أسواق خارجية لترويجها، فضلاً عن توجه تركيا نحو إظهار نفسها كفاعل مهم لديه المقدرة على الاضطلاع بأدوار رئيسية على ساحات الدول الأخرى وفي القطاعات ذات المواقع الاستراتيجية.
ويعكس التوجه التركي العسكري نحو الصومال، الاهتمام المتزايد بأمن الممرات الملاحية، ورغبة تركيا في توسيع نطاق نفوذها لتأكيد دورها القيادي في منطقة الشرق الأوسط، بالمقارنة بالفواعل الإقليمية الأخرى، سيما العربية منها، والتي تسعى بدورها لإنشاء قواعد عسكرية حول ذات الممرات التي تطل عليها سواحلها وترتبط بها حدودها وتتعلق سلامتها بأمنها.
يحقق ذلك ما يمكن أن يُطلَق عليه «حرب القواعد العسكرية» في الشرق الأوسط وشرق أفريقيا، ويشكل الوجود العسكري التركي مصدر خطر محتمل أمام المملكة العربية السعودية ودول الخليج في ظل تباعد المواقف تجاه بعض القضايا الإقليمية. وتستهدف تركيا أيضا تعزيز تواجدها بالقرب من مناطق ترتبط بمصالح مصر الأمنية والاقتصادية، سيما في ظل العَلاقات المتوترة بين مصر مع كل من تركيا وقطر. وتسعى تركيا من وراء ذلك التحرك الرد على التوجه المصري لتعزيز العَلاقات العسكرية مع كل من قبرص واليونان، وتشكيل محور عسكري في شرق المتوسط، سيما في ظل تزايد التدريبات العسكرية والمناورات البحرية بين دوله، بالتوازي مع اتساع نطاق التدريبات العسكرية المصرية-السعودية، وبين الدولتين والكثير من الدول الكبرى قبالة سواحل البحر الأحمر. كما يعبّر ذلك عن الانزعاج التركي من توجّه مصر لدعم تدشين خط أنابيب مع اليونان وقبرص، وتجاهل المواني التركية، وإصرار مصر على «نزع الأهمية» عن الموانئ التركية كـ«مصبّ للغاز» على البحر المتوسط.
من جهة أخرى، يسعى إردوغان إلى تعزيز التوجهات التركية في ليبيا، من خلال استراتيجية تستهدف تشتيت انتباه مصر عبر تفاعل الدور التركي مع دول الجوار الليبي، والتي يتخذ البعض منها مقاربات مغايرة للمقاربة المصرية حيال الوضع في ليبيا.
وإجمالاً يمكن القول إن الوجود العسكري التركي في البحر الأحمر قد يشكل مصدرا للتهديد في المستقبل أمام مصالح دول الخليج ومصر، بما يهدد مصالحها في اليمن، أو يحد من تأثيرها في أفريقيا.
ولذلكتعمل المملكة العربية السعودية ومصر على إعادة تأسيس أدوارهما حيال الصومال وضمان استقرارها عبر انضوائها كدول مؤسسة في مجلس دول البحر الأحمر وخليج عدن، غير أن تركيا بتحركاتها وتصريحات رئيسها الأخيرة تحاول إحباط هذه السياسات لتظل تحتكر وحدها المقومات الاستراتيجية التي تمتلكها الصومال، عبر إبرام اتفاقيات طويلة الأمد معها، تُمكنها من ديمومة تواجدها على أراضيها، وشرعنة تواجدها العسكري بالقرب من مضيق باب المندب الذي يمثل شريان حياة الاقتصاد العربي والعالمي. يستدعي ذلك بالتبعية تعزيز التحركات العربية المشتركة واتخاذ المزيد من التحركات الاستباقية لضمان أمن الممرات الملاحية وحركة التجارة العالمية وتفعيل أطر التعاون متعددة المستويات لمواجهة التهديدات المحتملة من قبل تركيا المتمددة من ساحل «المتوسط» إلى «الأحمر».