* تزوج جدي أربع مرات: الأولى جدة الفنان «إيمان البحر»... وأخراهن «جليلة» جدتي، وأنجب 3 أبناء، مات أحدهم طفلا
* بديع خيري كان صديق عمره وجاره الذي زوجه جدتي، وهو أول رئيس لجمعية محبي سيد درويش بعد رحيله
* أنا وابن عمي الحارسان القضائيان على تراث جدنا سيد درويش... وهذه هي أسباب خلافي مع إيمان البحر درويش
* سيد درويش ترك الأزهر واتجه للغناء ودرس الموسيقى في المعهد الإيطالي
* كان جدي يستوحي أغنياته من الحرفيين والباعة الجائلين لدرجة أنه ظل يتابع: «سقا» لمدة أسبوع وغنى بعدها لحنا شهير لطائفة السقايين
* سلامة حجازي وبيرم التونسي والريحاني والكسار أشهر أصدقاء عصره
* سيد درويش هو أول من وضع «البوليفونية» في الموسيقى الشرقية، وخرج من أسلوب التطريب إلى الغناء القومي الوطني فأصبح أيقونة ثورة المصريين عام 1919
* كان يرفض بيع أعماله بأقل من السعر الذي يرضيه حتى لو لم يكن يملك ثمن عشائه
* الموسيقار عبد الوهاب اقتبس من ألحان سيد درويش عددا من الجمل الموسيقية لأغنيات شهيرة، يتعدى الأربع موازير الموسيقية المسموح بها!
* لا يوجد ملحن لم يأخذ جملة موسيقية من سيد درويش، أشهرهم السنباطي في أغنية «القلب يعشق»، وسيد مكاوي في «الليلة الكبيرة»
* وفاة جدي مبكرا كانت في صالحه لأنني لا أعتقد أنه كان يستطيع تقديم أكثر مما قدمه في الألحان التي صنعها في أوبريت «شهرزاد»: «وتفوق فيها على نفسه
* لهذه الأسباب رفعنا دعوى قضائية ضد الفيلم الذي قدمه كرم مطاوع وهند رستم عن جدي
* سيد درويش ظلم حيا وميتا... وما زلنا نبحث عمن يساعدنا في إنقاذ بيته من الانهيار ويحفظ مقتنياته من الضياع بعد تجاهل المسؤولين
قال محمد حسن درويش إن ألحانا للموسيقار محمد عبد الوهاب وغيره من كبار الملحنين تم اقتباسها من جده بشكل تجاوز المسموح به في بعض الأحيان. وأضاف حفيد الفنان سيد درويش في حوار خاص لـ«المجلة» أن جده أيقونة ثورة 1919 مات مسموما بزيت الزرنيخ الذي وضعه له الاحتلال الإنجليزي للتخلص منه عقابا على تأجيجه لثورة المصريينبأغنياته، نافيا شائعة موته بسبب جرعة مخدر زائدة. وكشف عن أسباب الخلاف والقطيعة بينه وبين ابن عمه الفنان إيمان البحر درويش، مضيفا أن سيد درويش تزوج أربع مرات وليس مرتين كما أشيع، مؤكدا على أن الفيلم الذي قدمه كرم مطاوع مع هند رستم للسينما عن قصة حياة فنان الشعب قد أساء لجده وشوه صورته، وهو ما دفع أسرته لرفع دعوى قضائية ضد صناع الفيلم.
وأشار «درويش» في الحوار إلى صداقته بفناني عصره أمثال بديع خيري ونجيب الريحاني وعلي الكسار وبيرم التونسي.
يعد الفنان سيد درويش رائدا من رواد تطوير الموسيقى العربية ومجددها وقد خلع عليه المصريون لقب فنان الشعب وأطلق عليه النقاد لقب «خالد الذكر» تقديرا لدوره المؤثر في الموسيقى والمسرح الغنائي، وقد ارتبط اسمه بالنضال الوطني وثورة المصريين عام 1919 حتى عرف بأنه أيقونة تلك الثورة، حيث قدم ما يقرب من 75 لحنا ثائرا في تلك السنة ألهب بها حماس المصريين. كما أن سيد درويش هو صاحب اللحن المميز للنشيد الوطني الرسمي المصري «بلادي.. بلادي». كما قدم الكثير من الأغنيات الشهيرة والتي ما زالت خالدة عبر الزمن منها «الحلوة دي قامت تعجن» و«قوم يا مصري» و«زوروني كل سنة مرة» و«طلعت يا محلا نورها»، وغيرها من الأغنيات التي تغنى بها مطربون كبار بعد رحيله.
عاش سيد درويش ما بين عامي 1892 و1923، أي إنه مات في قمة شبابه عن عمر 31 سنة، وعلى الرغم من وفاته في هذه السن الصغيرة إلا أنه استطاع خلال تلك الفترة أن يحدث ثورة في عالم الموسيقى بمصر والعالم العربي وتأثر به الكثير من الفنانين.
ينتمي سيد درويش لقافلة مشايخ الموسيقيين الذين خرجوا من عباءة الأزهر حيث التحق بالمعهد الديني بالإسكندرية قبل أن يسلك طريق الغناء في المقاهي والشوارع المصرية ثم على مسارحها. وقد اشتهر بتقديم أغنيات عن مختلف الحرف والطوائف العمالية، وكون ثنائيا فنيا شهيرا مع الفنان بديع خيري صاحب كلمات أغنياته الشهيرة، ومن خلاله تعاون فنيا مع نجيب الريحاني وعلي الكسار إلى جانب تلحينه لسلطانة الطرب منيرة المهدية.
بعد عقود طويلة مرت وقاربت قرنا من الزمان، ظهرتعلى الساحة المصرية فرقة سيد درويش بقيادة رئيسها الفنان محمد حسن سيد درويش الذي أخذ على عاتقه حماية تراث جده من الاندثار وإعادة تقديم ألحانه في حفلات جماهيرية ومناسبات كثيرة، وكذلك من خلال الحفاظ على ما تبقى من مقتنياته بحكم رئاسته أيضا لجمعية محبي موسيقى سيد درويش التي كونها محبو ورفاق سيد درويش بعد رحيله وعلى رأسهم الفنان بديع خيري الذي كان أول رئيس لها في فترة الستينات من القرن الماضي.
في حي روض الفرج الشعبي العريق الذي كان موطنا لأشهر المسارح الفنية في ذلك العصر البعيد، اختار سيد درويش أن يسكن ويعيش أزهى فترات حياته الفنية التي قضاها بالقاهرة بعد عودته من الإسكندرية. ورغم مرور ما يقرب من قرن من الزمان على رحيله، ما زال بيت فنان الشعب موجودا ومتفردا بشهادته على عصر لم يبق منه أحد بكل ناسه وأحداثه ومبدعيه، حتى إن كل ركن من جنبات البيت العتيق بداية من بوابته المتهرئة وصولا لسطحه الواسع المميز بسوره الحجري العريض والمطل على حارة علي عبد الناصر، يزخر بأسرار وحكايات تهمس بها جدران تلك الأركان.
وقد تواكبت ذكرى ميلاده الـ127 مع احتفال المصريين بمئوية ثورة 1919 التي ارتبطت باسمه، وهو ما كان محور اللقاء مع أسرة سيد درويش بمقر بيته العتيق بالقاهرة حيث تتعانق أصداء الألحان مع عبق الزمان في جنبات المكان.
* في البداية سألت «المجلة» الحفيد محمد حسن درويش عن حياة جده العائلية فقال:
- تزوج سيد درويش أكثر من مرة، وكانت أول زيجة له بالإسكندرية وهي التي أثمرت عمي محمد البحر ولكنها زيجة لم تستمر، وتم الانفصال، ثم تزوج من ابنة عمه تلبية لرغبة وإلحاح أسرته عليه بالزواج لكي يبعد عن ملهمته جليلة السكندرية، ولكن لم يحدث وفاق ولا اتفاق فتم الطلاق بعد شهرين تقريبا من الزواج بعدها مباشرة ماتت ابنة عمه، ولذلك لحن وقتها أغنية بعنوان «مظلومة وياك يا ابن عمي» من أجلها. وعادت الأسرة لتضغط على جدي ثانية ليتزوج من زوجته الثالثة عن طريق الصالونات والمعارف حتى أنه تزوجها دون أن يراها، وفي ليلة الزفاف رأى وجهها فترك البيت واختفى! ثم انتقل بعد ذلك للقاهرة ليعيش هنا في هذا البيت الذي نجلس فيه الآن. ساعده على شراء هذا البيت بديع خيري الذي كان يسكن هنا في نفس الشارع وقد اختارا هذه المنطقة بحي روض الفرج لأنها كانت نقطة تتوسط مسارح روض الفرج وعماد الدين حيث كانت مقاصد الفن والفنانين. وأثناء إقامة جدي بهذا المنزل رأى جدتي جليلة وطلب من الجيران الوساطة لإتمام الزواج، وتم الزواج فعلا وهو ما أثمر عن ولدين هما عمي يحيى والذي توفاه الله صغيرا ووالدي حسن.
بعد رحيل سيد درويش، لم تتزوج جدتي من بعده رغم أنها كانت صغيرة السن، وعاشت حياتها كلها لهذا الابن الذي لم ير أباه لأن جدي توفي وعمر والدي عامان على الأكثر. لكن والدي عندما نضج أخذ على عاتقه حماية تراث والده وعاش عمره كله من طفولته إلى مماته يبحث عن كل ما يتعلق بأبيه سيد درويش إلى أن نجح في تجميع كل المعلومات والأوراق الصغيرة والكبيرة عنه ولخصها في ستة كتب تتناول حياته.
*هل تزوج سيد درويش من ملهمته جليلة السكندرية التي ذكرها الفيلم؟
- لا. وأود التمييز هنا بين ملهمته جليلة السكندرية وهو لم يتزوجها جدي، وبين جليلة القاهرية والتي كانت رابع وآخر زوجات سيد درويش وهي جدتي.
* معنى ذلك أن سيد درويش أنجب ثلاثة ذكور توفي أحدهم وتفرق الآخران بين القاهرة والإسكندرية؟
- نعم، فقد توفي شقيق والدي طفلا صغيرا وعاش والدي حسن درويش بالقاهرة في هذه الشقة، بينما عاش عمي محمد البحر والد الفنان إيمان البحر درويش بالإسكندرية.
* اقتصار الأضواء على الفنان إيمان البحر درويش وتقديمه لأعمال جده في السينما والحفلات جعل الناس تعتقد أنه الوريث الوحيد من العائلة القائم على تراث سيد درويش. فهل هناك تعاون بينكما في نشر تراث الجد؟ وما طبيعة العلاقة بينكما؟
- نحن وأبناء عمي بشكل عام على علاقة طيبة جدا ببعضنا البعض، أما أنا وابن عمي إيمان فكانت العلاقة بيننا طيبة حتى أربع أو خمسة أشهر ماضية، عندما حدثت مشكلة بيننا، حيث كانت المحكمة قد وكلتني أنا وإيمان البحر للحراسة القضائية على تراث سيد درويش والتعامل فيه، ولكن لأسباب لا يعلمها إلا الله أخذ يلح علي لإجراء توكيل له بالتصرف، فرفضت وقلت له إن المحكمة وكلتني مثلما وكلته، كأحد حراس تراث جدنا سيد درويش وهو شرف عظيم منحته لي المحكمة فكيف أتنازل عنه! بل إننا لدينا النصيب الأكبر فإذا كان لإيمان 9 قراريط، فإن لنا 12 قيراطا، ولذلك وقعت الخلافات وحدثت القطيعة بيننا ولم يعد يتصل بي بعد أن كان دائم الاتصال والتواصل حتى إن كل تعاقداتنا والتي كان ولا بد أن تحمل توقيعينا معا وليس واحدا منفردا، قد توقفت بسبب هذا الخلاف.
* أليس لذلك أثر سلبي على رسالتكما بإدارة وحماية تراث جدكما؟
- للأسف الشديد تسبب ذلك في آثار سلبية علينا وعلى باقي ورثة سيد درويش، ومنهم ورثة في الإسكندرية تتضمن فرعا آخر من أولاد العمومة الذين لديهم نصيب في تراثه، ولنا فرع هنا بالقاهرة شريك في التراث وفي القسمة الشرعية، ولكن للأسف كل ذلك متوقف بسبب الخلاف نتيجة موقف الفنان إيمان.
* كيف حدث التحول لسيد درويش من طالب علم أزهري بالمعهد الديني إلى مطرب وملحن ذائع الصيت؟
- كان جدي يعشق الموسيقى وشجعه أحد معلميه على المضي في مجال الفن فترك الدراسة الأزهرية، وتدرب على الإنشاد الديني وتعلم الموسيقى وكتابة النوتة الموسيقية بالمعهد الإيطالي كما دفعته ظروف حياته الصعبة للعمل في مختلف المهن والحرف البسيطة فعمل في مجال البناء وسمع العمال وهم ينشدون لبث الحماس ورفع المعنويات مما استرعى انتباهه وأخذ يغني لهم كما غنى في مختلف المقاهي وتواكب ذلك مع ذيوع صيت الشيخ سلامة حجازي الذي عمل معه. ومثل ظهور بديع خيري في حياته نقطة التحول الكبرى في مسيرته وظل رفيق عمره حتى رحل، وعندما كان يلفت نظر جدي حدث معين، يطلب منه أن يكتب عنه ليغنيه. وأذكر أنهما ذات مرة ظلا يمشيان وراء «سقا» كان يغني «يهون الله ويعوض الله»، ويتابعانه لمدة أسبوع ليستمعا لكل كلماته، ومنها أخذ بديع خيري مطلع أغنية للسقايين، كما فعل مع كثير من الباعة الآخرين حيث كان الباعة الجائلون في الماضي، يروجون لبضاعتهم بالغناء بصوت جميل، وهو ما لفت نظر جدي لكلماتهم.
* هل سافر سيد درويش للخارج أم اقتصرت شهرته على القطر المصري فقط؟
- نعم سافر للخارج مع الأخوين سليم وناجي عطا الله، بعد أن تعرفا عليه وسألا عنه ووجدا أنه رائج الصيت وله شعبية كبيرة بين كل الناس التي كانت تردد ألحانه. وكانت رحلته الأولى للخارج غير موفقة ماديا، رغم ما حققه من نجاح فني، لكنه نجح في الرحلة الثانية نجاحا باهرا على كل المستويات.
* من هم رفاق مشواره الفني؟
- كثيرون، ومن أشهر أصدقاء عمره الشيخ سلامة حجازي ونجيب الريحاني وعلي الكسار الذين كان يقدم لهم ألحانا جميلة ومتميزة يقدمونها على مسارحهم. وطبعا كان بديع خيري رفيق عمره وجاره الذي ساعده في العثور على هذا المنزل والإقامة فيه.
* ألم يغضب الكسار والريحاني من تعاون جدك معهما معا بينما كانت بينهما منافسة فنية شديدة؟
- أبدا لم يغضبا ولم يكن هذا الكلام موجودا لأنه كانت هناك روح فنية جميلة.
* في رأيك ما سر خلود اسم سيد درويش بعد مرور ما يقرب من قرن على رحيله؟
- لقيمته الفنية الكبيرة وما أحدثه من ثورة موسيقية وما قدمه للموسيقى العربية من تطوير، لقد خرج سيد درويش من أسلوب التطريب إلى الغناء القومي الوطني وكان وطنيا متعايشا مع مشاكل وأعباء الشعب المطحون مع المحتل- وقتها- واستقبل الناس ألحانه بترحيب شديد وبشكل جيد لأنه كان يعبر عن لسان حالهم ولذلك لقبوه بفنان الشعب، وهو لقب لم تمنحه إياه جهة معينة وإنما منحه له الشعب نفسه لأنه منهم وكان شخصية متواضعة وحنونة جدا لدرجة أنه عندما كان يوقع باسمه يكتب: «خادم الموسيقى العربية».
لقد درس بالمعهد الإيطالي قديما وتعلم هناك كتابة النوتة وكذلك الغناء الإيطالي الغربي والأوبرالي حيث كان يذهب لحضور الأوبرات العالمية، ولذلك نجح في تطوير موسيقاه كما نمى ذلك قدرات أخرى لديه منها القدرة على تلحين الأوبريتات الكبيرة. وبلغ إبداع سيد درويش قمته في التوزيع والتلحين المسرحي من خلال رواية شهرزاد وهي الرواية التي خسر فيها ماديا وباع نصف هذا البيت من أجل الإنفاق على متطلباتها، وكان ذلك في أواخر أيامه، فالتوزيع والألحان التي قدمها سيد درويش في «شهرزاد»: نتحدى بها الألحان الغربية، كما أنه أول من وضع البوليفونية في الموسيقى الشرقية.
*ما المقصود بالبوليفونية؟
- أي تداخل أشخاص مختلفين بكلام مختلف مع نفس اللحن في تداخل وترابط بحيث إنهم جميعا ينتهون عند نقطة واحدة.
* هل حقا مزق نوتته الموسيقية ذات مرة بسبب الخلاف على الأجر؟!
- سيد درويش كان يغضب لكرامته وليس من أجل المال، وحكى لي والدي أن جدي كان يمشي ذات مرة في شارع عماد الدين (وسط القاهرة) ولفت نظره محلات ومسارح تعرض رواياته دون أن يعلم، بينما كان هو وبديع خيري لا يملكان ثمن وجبة عشاء آنذاك، فقال لبديع: «ألحاني وأعمالك تذاع عند ناس آخرين ويكسبون منها كثيرا ونحن لا نمتلك ثمن عشائنا!». وفي مرة أخرى كان سيد درويش بحاجة للمال فأخذ بعضا من ألحانه والنوت الخاص بها وذهب لبيعها لشركة الإسطوانات، فعرضت عليه عشرة جنيهات، وعلى الرغم من أنه لم يكن يمتلك مليما واحدا في جيبه، لكنه رفض العشرة جنيهات واعتبرها إهانة لموسيقاه التي كان يرى أنها تستحق أكثر من ذلك المبلغ بكثير، فانفعل وأخذ يقطّع في النوت الموسيقية وهو يقول: «مزيكتي لا تباع بهذا الثمن البخس».
وكانت لموسيقاه قيمة كبيرة عنده، وقد تكرر الموقف معه مرة أخرى حينما عُرِض عليه 100 جنيه مقابل تلحين رواية، فطلب 1000 جنيه ولما رفضوا تركها فأعطوا الرواية لشخص آخر مقابل 100 جنيه. وكان جدي من أغلى موسيقيي عصره، وكان يشعر بقيمة نفسه وموسيقاه ويتحدى بها الآخرين، ومع ذلك لم يعش في دور النجومية، وكان يكتب في النقد الموسيقي المتخصص، ويدخل في سجالات فنية مع نقاد موسيقيين كبار، وما زالت أعمال جدي تدرس حتى الآن في أكاديميات الفنون.
* هل تعتقد أن الموسيقار سيد درويش حصل على حقه؟
- في الفترة التي عاشها، كان سيد درويش مكتسحا لسوق الغناء والطرب والفن عموما، وكانت معظم رواياته قاسما مشتركا بين كبار الفنانين أمثال منيرة المهدية ونجيب الريحاني والكسار ولم تستطع منيرة المهدية تغيير بعض ألحان رواية «كليوباترا» لأن جدي رفض، وقدمتها كاملة في وجوده، وبعدما رحل طلبت من محمد عبد الوهاب أن يلحن لها الفصلين الأخيرين منها.
* على ذكر الموسيقار محمد عبد الوهاب، هل حقا أنكم غضبتم منه لإساءته لألحان سيد درويش؟
- أنا من عشاق الموسيقار محمد عبد الوهاب ولا أستطيع قول ذلك. ولكن ما يؤخذ على الفنان عبد الوهاب هو اقتباسه من ألحان سيد درويش عددا من الجمل الموسيقية يتعدى الأربع موازير الموسيقية، وهو ذكاء في كيفية إدخال هذه الجزئية في لحن من ألحانه.
* هل هناك أمثلة لتوضيح هذا الاقتباس؟
- نعم هناك أمثلة كثيرة مثل أغنية «يادي النعيم اللي انت فيه يا قلبي» التي غناها مع ليلى مراد في فيلم «الوردة البيضاء» فقد أخذها عبد الوهاب من لحن «العربجية» لسيد درويش وقد أخدها من جدي بالحرف وبالنوتة.
* وهل يجوز ذلك في عالم الموسيقى؟
- حقيقة لا يجوز! ولو قارنا ألحان سيد درويش ببعضها البعض فلن نجد جملة موسيقية واحدة متكررة في لحن بجوار الآخر فكل لحن له سمات فنية وطباع تختلف عن غيره.
* وماذا عما تردد عن الخلاف بشأن تدخل الموسيقار عبد الوهاب في النشيد المصري الوطني «بلادي.. بلادي» الذي لحنه سيد درويش؟
- بالنسبة لنشيد «بلادي» هو من ألحان جدي ولم يتدخل أحد فيه، كما أن توزيع النشيد قام به الموزع العالمي أندريا رايدر بينما تم تكليف الموسيقار عبد الوهاب بقيادة الأوركسترا فقط.
* هل هناك فنانون آخرون اقتبسوا من سيد درويش أو تأثروا به بعد رحيله؟
- نعم، وهم كثيرون، منهم زكريا أحمد وآخرهم سيد مكاوي، وقد نهلوا جميعا من موسيقى سيد درويش وتأثروا بأدائه وهم من نفس مدرسته على عكس القصبجي ورياض السنباطي اللذين نجدهما عادا مرة أخرى إلى مرحلة التطريب البحت. ومع ذلك فقد تأثر السنباطي بسيد درويش وأخذ منه مقاطع من لحن «الورد لون خدك» في أغنية «القلب يعشق» وتحديدا في مقطع «طاوعني يا عبدي.. طاوعني أنا وحدي». كما تأثر به سيد مكاوي في أوبريت «الليلة الكبيرة» بالمقطع الخاص «تعالالي اللالي يا حبيبي تعالالي» فاقتبسها من دويتو لسيد درويش «على قد الليل ما يطول» في رواية «العشرة الطيبة». وأؤكد أن كل الفنانين تأثروا بسيد درويش باعترافهم ولا يوجد ملحن لم يأخذ جملة موسيقية من سيد درويش.
* هل تعتقد أنه لو عاش سيد درويش فترة أطول مما عاشها كان سيحقق ما لا يمكن توقعه في عالم الموسيقى الشرقية؟
- لا... لا أعتقد، وأظن أن وفاته مبكرا كانت في صالحه لأنه لم يكن سيقدم شيئا إضافيا لأنه وصل لقمة الفن ولا أعتقد أنه كان يستطيع تقديم أكثر مما قدمه في الألحان التي صنعها في أوبريت «شهرزاد»، وتفوق فيها على نفسه. ولم يأت لحن وطني يعادل الألحان الوطنية التي قدمها في هذا الأوبريت، وذلك على الرغم من تعدد العصور.
* ما رأيك في الأعمال التي سردت قصة حياة فنان الشعب سيد درويش وخاصة الفيلم الذي قام ببطولته هند رستم وكرم مطاوع؟
- للأسف الشديد تعرض جدي سيد درويش للظلم حيا وميتا وقد رفعنا دعوى ضد فيلم كرم مطاوع لأنهم أظهروه بشكل سيئ وشوهوا صورته بين الراقصات رغم أنه كان يعيش في أسرة محافظة فرضت عليه الزواج أكثر من مرة حرصا عليه.
* قلت إن سيد درويش ظلم حيا وميتا، فماذا قصدت بذلك، وكيف ظلم جدك؟
- لقد ظلم حيا بتعرضه لمؤامرة قتله بالسم لأنه كان يثير حماس المصريين والثوار الذين كان يحرص على مرافقتهم في المظاهرات ضد الاحتلال البريطاني، بل كان يتصدر المشهد بشجاعة كبيرة لدرجة أن وجوده في حد ذاته كان يثير الناس للانضمام إليه حتى إن «الحنطور» الذي كان يستقله قد انكسر نتيجة لتكدس الناس حوله وقام بتعويض صاحبه بالمال. وعندما توفي جدي مات في صمت وفي ذروة ثورة 1919 ولم يحظ بالتقدير المناسب بسبب انشغال المصريين باستقبال زعيمهم سعد باشا زغلول وهو الحدث الذي سيطر على غيره من الأخبار، فمات في صمت ودفن في صمت. وكان أصدقاؤه بيرم التونسي وبديع خيري والريحاني أكثر الناس حزنا عليه ورثاه نجيب الريحاني بكلمات مؤثرة قال فيها «من ميت إلى ميت»!
* هل تعني أن سيد درويش مات مقتولا ولم يمت بجرعة مخدر زائدة كما أشيع عنه؟
- طبعا؛ فجدي ليس له أي علاقة بالمخدرات وهي من الإساءات التي تعرض لها سيد درويش بعد وفاته، فكيف لمبدع مثله أن يكون مدمنا وينجح في تقديم هذه الأعمال بل إنه كان يحارب الكيف والمخدرات في أغنياته وغنى «يحرم علينا شربك يا جوزة» و«مصر عايزة جماعة فايقين». وأذكر أن الاحتلال الإنجليزي لمصر آنذاك هو من قتل جدي سيد درويش للتخلص منه ومن دعمه للثوار المصريين، وهم من دسوا له زيت الزرنيخ في عشائه الأخير في آخر «بروفا جنرال» لأغنية «مصرنا وطننا سعدنا أملنا» التي كان يجهزها لاستقبال الزعيم السياسي المصري سعد زغلول والاحتفال بعودته.
* لماذا لم تطلبوا تشريح جثة سيد درويش لكشف هذا السر ورد اعتباره؟!
- طبعا والدي كان وقتها طفلا، ولكن الأسرة عندما شكت في سبب الوفاة طالبت باستعادة الجثة، إلا أن الجهات المسؤولة آنذاك رفضت تشريح الجثة حتى لا تكتشف الجريمة وسارعوا بالدفن لطمس معالم الجريمة التي نفذوها للتخلص من صوت سيد درويش الذي كان مصدر إزعاج لهم.
* تواكبت احتفالات المصريين بمئوية ثورة 1919 مع احتفالهم بأيقونة تلك الثورة فنان الشعب سيد درويش... فهل ترى أنه حصل على التكريم اللائق؟
- للأسف الشديد، ومن الطريف أيضا أننا عندما قمنا بالاحتفال بمئوية ثورة 1919 وبالجد سيد درويش الذي أشعلها بأغنياته الوطنية ضد الاحتلال البريطاني، لم نجد رعاية من أي مؤسسة سوى الجامعة البريطانية!! لكن وزارة الثقافة لم تقم بأي دور، وحتى عندما نتوجه إليها كجمعية لموسيقى سيد درويش، لطلب إقامة حفل على مسارحها، فإنهم يكتفون بحفلة واحدة بالموسم ويرفضون منحنا حفلة أخرى وأتعجب كيف لا يخصص لسيد درويش على الأقل احتفالية في ذكرى الميلاد وأخرى في ذكرى الوفاة! وأظنه جديرا بذلك بحكم ما قدمه للموسيقى المصرية والعربية.
* ماذا عن جمعية سيد درويش التي أشرت إليها؟
- هي جمعية جاءت فكرتها عام 1966 وانعقد أول مجلس إدارة لها برئاسة الفنان بديع خيري ونائبه محمد علي حماد رئيس الإذاعة الأسبق، وتولى رئاسة الجمعية بعد وفاة بديع خيري وتلاه الناقد الفني عبد الفتاح البارودي وبعده الصحافية سناء فتح الله ثم والدي حسن درويش ثم إبراهيم حجي ثم أنا. وانطلاقا من حرصي على الحفاظ على التراث الموسيقي لجدي، أنشأنا فرقة موسيقى سيد درويش عام 2006 لنقل تراثه عبر الأجيال حتى لا يندثر مع الزمن وقد أسعدني أن هناك عددا كبيرا من الشباب الصغير بل ومن الأطفال أيضا ممن يعشقون ألحان وأغاني سيد درويش ويؤدونها بأصواتهم وعزفهم الجميل في الفرقة.
* هل كان هناك مشاهير من أصدقاء جدك أعضاء بالجمعية؟
- نعم كان هناك مشاهير كثيرون منهم محمود المليجي وعبد الوارث عسر وحامد مرسي وعمي محمد البحر وكان هناك أيضا زكريا أحمد وأم كلثوم ولكنها لم تحضر الاجتماعات للأسف.
* ما أهم أنشطة الجمعية حاليا تحت رئاستك؟
- أهم إنجازاتها حاليا أننا أخرجنا سيد درويش من نطاق الحجرة الضيقة إلى آفاق المسارح العامة والحفلات والنجاح في نشر تراث وألحان لسيد درويش لم تر النور من قبل بعد أن كانت الجمعية قاصرة على المكان الضيق الذي يجتمعون فيه وعلى إقامة الندوات الثقافية في غرفة مغلقة لم يسمع عنها أحد خارجها.
* ما الذي تتمنى تحقيقه لسيد درويش من خلال موقعك وقرابتك له؟
- أحلامي وأهدافي كثيرة، لكن للأسف الشديد لم يتحقق منها شيء. وكلما أردت التحرك بالفرقة لعمل حفلات لنشر تراث جدي أصطدم بضعف الإمكانيات في مواجهة متطلبات مادية تفوق الطاقة، بينما لا تمد وزارة الثقافة يد العون للاهتمام بهذا الفنان الكبير، كما أنني تعبت من وعود المسؤولين التي تختفي بعد أن ينفض الحدث وتنطفئ الأضواء الإعلامية.
* ألا يوجد راعٍ يدعمكم؟
- لا، لا يوجد داعم ولا راعٍ على الرغم من أننا قابلنا كثيرين ممن وعدونا بالدعم والمساعدة لإنقاذ تراث سيد درويش لكن وعودهم لم تتحقق. لقد تحملت عبئا ماديا كبيرا أنا وزوجتي الفنانة سوزان مهدي من أجل الإنفاق على إصلاح وترميم بيت جدي هذا الذي نجلس فيه الآن وأخشى أن يلقى مصير بيته الذي سقط في منطقة كوم الدكة بالإسكندرية فلم يعد سوى هذا البيت الذي يشهد على عصر من الفن والإبداع بزعامة سيد درويش. ويحتوي هذا البيت على مقتنيات جدي بالكامل منها غرفة نومه وصالونه وعوده الخاص وكذلك البيانو الذي لحن عليه ألحانه ومكتبته وأوراقه ومستنداته الخاصة، ولا شك أنها مقتنيات ثمينة وقيمة لكننا لا نريد التفريط فيها ولو بكنوز الدنيا على أمل أن توضع في متحف خاص بجدي فنان الشعب سيد درويش.