* خبراء لـ«المجلة»: التحركات الدبلوماسية المصرية تسعى لوضع تركيا في المكان القانوني الصحيح لها... وكل الخيارات متاحة
* المناورات البحرية المصرية الأخيرة في مياه المتوسط تمثل رسالة ردع... والقوات التركية في ليبيا لن تغير الوضع على الأرض
* إجراءات سياسية مصرية لإقناع المجتمع الدولي بعدم قانونية الإجراءات التركية
* مصر تسعى لحل الأزمة بإفساح المجال للحلول السياسية... ولو كانت تدعم أحد الأطرف الليبية لكانت المسائل حسمت لصالحه
* تحركات مصر تتسم بأنها قانونية... ونجحت باستصدار بيانات رفض إقليمية ودولية للتدخل التركي في ليبيا
القاهرة: مع توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية في البحر المتوسط، والاتفاقية الأمنية، واللتين وقعتا يوم 27 نوفمبر (تشرين الثاني) 2019. بين الحكومة التركية، وحكومة الوفاق الوطني الليبية برئاسة فائز السراج، واللتين صدق البرلمان التركي عليهما يوم 31 ديسمبر (كانون الأول) 2019. دخلت ليبيا، ومنطقة شرق المتوسط في خضم تجاذبات وتوترات قد تؤدي إلى صدام متوقع، ما دفع أطرافا كثيرة للعمل على تقويض الإجراءات التركية في ليبيا، خاصة مصر، بعد إعلان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بدء إرسال قوات عسكرية تركية إلى ليبيا، حيث تربط مصر وليبيا حدود مشتركة أكثر من ألف كيلومتر، وتتخوف مصر من تأثيرات التواجد التركي في ليبيا على أمنها القومي، إضافة إلى التأثيرات السلبية التي تتوقعها مصر على مجمل الأوضاع بعد التدخل التركي خاصة على قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر المدعوم من مصر، وهو ما دفع مصر إلى التنديد باتفاق «إردوغان – السراج»، منذ اللحظة الأولى لإعلانه، والعمل على حشد الجهود الدولية لإحباط التواجد العسكري التركي في ليبيا، وتأكيداتها على دعم الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، كما أعلنت وزارة الخارجية المصرية عن استضافة القاهرة اجتماعا تنسيقيا وزاريا يضم وزراء خارجية 5 دول هي «مصر، وإيطاليا، وفرنسا، وقبرص، واليونان»، لبحث مجمل التطورات المتسارعة على المشهد الليبي مؤخرا، وسبل دفع جهود التوصل إلى تسوية شاملة تتناول كافة أوجه الأزمة، والتصدي إلى كل ما من شأنه عرقلة تلك الجهود، وبحث مجمل الأوضاع في منطقة شرق البحر المتوسط، إضافة لتأكيدات البيان على مواصلة مصر التشاور مع الأطراف الدولية وتأكيدها على رفض أي تدخل عسكري في ليبيا، وأن التصعيد الأخير من الجانب التركي في ليبيا يمثل خطورة على أمن وسلم المنطقة بأسرها.
وما يزيد الأمور حساسية هو تأكيد عدد من التقارير الإعلامية التركية أن المناورات البحرية الأخيرة التي أجراها سلاح البحرية المصري في البحر المتوسط يمثل استفزازا لتركيا، وأن تركيا عازمة على مواصلة جهودها في ليبيا، وهو ما يمثل لدى عدد من الخبراء مخاوف من احتمالية صدام قادم في ليبيا وشرق المتوسط.
من جانبها استطلعت مجلة «المجلة» آراء عدد من الخبراء العسكريين، وخبراء الاستراتيجية لبيان ما إذا كانت الجهود المصرية الحالية سوف تسهم في عرقلة المساعي التركية الهادفة لدعم حكومة الوفاق الليبية برئاسة فائز السراج؟ وهل يمكن لهذه المساعي أن تجهض الطموحات التركية في ليبيا، أم إنها قد تصل إلى مرحلة الصدام المباشر؟
تدخلات قانونية مشروعة
المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية العليا، وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية اللواء طيار دكتور هشام الحلبي قال لـ«المجلة»:
ما قامت به تركيا من إبرام اتفاق لتعيين الحدود البحرية مع حكومة السراج يتنافى مع القانون الدولي، حيث ألغت وجود الجزر الموجودة في المنتصف وهو عمل مناف لقانون البحار، كما أنه بموجب الاتفاقية الأمنية قامت تركيا بنقل إرهابيين من سوريا إلى ليبيا، وهذا ما أكده تقرير الخبراء الخاص للجنة الأمم المتحدة الذي يصدر كل 3 أشهر ترتيبا على القرار الخاص بحظر تسليح الجيش الليبي أو تدريبه، كما أن الأساس القانوني للتصرف التركي غير موجود، وغير قانوني، والعائد والمردود على هذا التصرف بالنسبة للمنطقة، وعلى أوروبا سيكون سلبيا، حيث إن تعيين الحدود البحرية بشكل غير قانوني سيكون سببا في عدم الاستقرار في منطقة شرق المتوسط، وهو ما تقصده تركيا وله مردود سلبي على شركات البترول وعمليات التنقيب والاستخراج ونقل الغاز، بما يمثل مردودا سلبيا على أوروبا المستوردة للغاز، كما أن نقل الإرهابيين إلى ليبيا له مردود سلبي على مصر وتونس والجزائر ومنطقة الساحل والصحراء بما يؤثر على أفريقيا، وتقرير لجنة خبراء الأمم المتحدة الصادر في 2011 ذكر ليبيا على وجه التحديد وأكد أنها خرقت قرار الحظر على ليبيا، وهناك دول كثيرة أصدرت بيانات تؤكد على رفضها التدخلات الأجنبية في ليبيا، وترجمة الرفض إلى إجراء هو ما تحاول مصر إقناع المجتمع الدولي به، كما أن هناك إجراءات سياسية مصرية لإقناع المجتمع الدولي بأن ما تقوم به تركيا هو عمل غير قانوني، وهو ما بدأ بالفعل باتصالات على أعلى مستوى مع الولايات المتحدة الأميركية، وروسيا، إضافة إلى الاجتماع الخماسي لوزراء خارجية كل من «مصر، وفرنسا، وإيطاليا، واليونان، وقبرص»، والذي تستضيفه القاهرة.
بالإضافة إلى ذلك، هناك إجراءات أخرى للقوات المسلحة المصرية تتمثل في أنه إذا اقتربت أي دولة من إمكانات مصر عالية القيمة في البحر المتوسط أو أي مكان آخر فسوف تتدخل وهو حق شرعي تمنحه المادة 51 من الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة، وهو تحرك قانوني، ونحن جاهزون في كل الأحوال سواء كان ذلك في مواجهة تركيا أو غيرها، واللافت أن جميع تحركات مصر تتسم بأنها قانونية، فمصر دولة تتحرك تحت مظلة قانونية وسياسية قوية، وتمتلك مصر أدوات تفعيله، بما يمثل قوة ردع. إضافة إلى التحركات المصرية عبر جامعة الدول العربية والتي أصدرت قرارا بإدانة التدخل الأجنبي في ليبيا، وبذلك استطاعت مصر استصدار بيانات رفض إقليمية ودولية للتدخل التركي في ليبيا، إضافة إلى البعد العسكري حيث تمتلك مصر جيشا قويا له تصنيف عالمي بين الجيوش، ومدرب تدريبا عاليا، وتسليحه متنوع ومتطور يمكنه من العمل على مسافات بعيدة، وأزمنة كبيرة في البحر.
وقال الحلبي: المناورات البحرية الأخيرة التي نفذتها مصر في البحر المتوسط والتي اعتبرتها تركيا استفزازا لها، أولا كجملة افتتاحية مصر من أكبر الدول في المنطقة والعالم التي تتم معها تدريبات مشتركة مع دول عربية وصديقة مثل الولايات المتحدة الأميركية، وروسيا، وفرنسا، والمملكة العربية السعودية وغيرها من الدول الأفريقية والعربية، وهذا ليس وليد اللحظة ولكنه يتم منذ زمن بعيد، فمن إحدى سمات الدولة المصرية رغبة الكثير من جيوش العالم القوية في إجراء مناورات، وتدريبات مشتركة معها، وبعدد كبير من الدول كمناورات النجم الساطع وهي تدريبات موجودة باستمرار كتدريب «ميدوزا» بين مصر واليونان وقبرص في البحر المتوسط، ومن الخطأ أن تركز تركيا على تدريب معين وتقول إنه يمثل استفزازا لها، ويجب النظر للمشهد ككل ويتم تقدير المشهد، وهذا التدريب الأخير هو أحد تدريبات القوات المسلحة ضمن التدريبات السنوية التي تقوم بها، كما أن هناك توترات متعددة في المنطقة ونقل للإرهابيين عبر الدول بمساعدة دول بعينها، ويجب على كل دولة أن يكون جيشها في تمام الجهوزية القتالية وذلك ضمانة لصيانة الأمن القومي، وهو الضمانة الوحيدة لدول المنطقة للحفاظ على أمنها القومي.
وأضاف الحلبي: مصر لا تدعم ليبيا عسكريا، والدليل على ذلك تقرير لجنة الخبراء الصادر من مجلس الأمن الصادر في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، والذي ذكر الدول التي تدعم ليبيا عسكريا وليس ضمنها مصر، ولكن على العكس تأتي تركيا ضمن هذه الدول، ومصر تدعم ليبيا سياسيا فقط، كما استضافت مصر الفرقاء الليبيين مرات كثيرة في محاولة للتوفيق بينهم والوصول إلى حلول سياسية للأزمة، مضيفا أن مصر لها رؤية واضحة تجاه الدول التي بها مشكلات، وأولى هذه الرؤى المحافظة على الدولة القومية وعدم تقسيمها، وثانيا المحافظة على الجيوش الوطنية، وكلاهما وجهان لعملة واحدة وذلك حفاظا على الدولة، فحالة الانقسام، أو انهيار الجيوش لا يكون إلا في صالح الميليشيات المسلحة.
وأكد الحلبي أن الإجراءات المصرية تسير في مسار إقليمي ودولي لإقناع المجتمع الدولي بدوره في ليبيا، حيث توجد دول تدعم حكومة السراج، والميليشيات الإرهابية، ومصر تحتاج إلى ضغوط المجتمع الدولي لإيقاف الدعم الذي تحصل عليه هذه الميليشيات من بعض الدول مثل تركيا، وأضاف الحلبي، لو كانت مصر تقدم دعما عسكريا لأي طرف ليبي ضد الطرف الآخر لتم حسم المسألة منذ فترة بعيدة، ولكن مصر تسعى لحل الأزمة الليبية وإفساح المجال للحلول السياسية.
تدخل عسكري في حالة الضرورة
اللواء حمدي بخيت الخبير بأكاديمية ناصر العسكرية العليا قال لـ«المجلة» إن التحركات الدبلوماسية الحالية التي تقودها مصر في مواجهة الإجراءات التركية في ليبيا، وبيانات الإدانة ووضع تركيا في المكان القانوني لها، هو أمر مهم جدا، وإلى جانب ذلك فكل الخيارات متاحة، ولن نقف وننتظر ماذا ستفعل تركيا، ولكن من حق مصر التدخل لحماية أمنها القومي، وحدودها البرية، والبحرية، وإذا استدعت الظروف التدخل العسكري المصري في ليبيا فسوف نتدخل، ولكن عندما يكون ذلك بدعوة من الجيش الوطني الليبي، والبرلمان الليبي.
وحول التحركات الدبلوماسية المصرية مع الأطراف الدولية وأثرها في إجهاض التحركات الدولية قال بخيت إن هناك اتجاها سياسيا على مستوى مجلس الأمن، حيث قدمت روسيا طلبا لبحث الأزمة الليبية، في الوقت الذي لم يحدد الاتحاد الأوروبي موقفه بشكل حاسم حيث يتسم موقفه بـ«الميوعة»، بسبب تهديدات تركيا للاتحاد الأوروبي بمسألة اللاجئين، فيما تلتزم الولايات المتحدة الصمت، وكأنها تبارك التحركات التركية الهادفة للتدخل في ليبيا، ما يضعنا أمام معضلة كبيرة جدا، ولكن مصر يجب أن لا تعمل حسابا لأحد سوى أمنها القومي.
وأضاف بخيت أن الادعاءات التركية بحدوث استفزازات مصرية لها على وقع إجراء مصر مناورات بحرية في توقيت متزامن مع التوترات الحالية بسبب الاتفاقية الأمنية التركية مع حكومة السراج فليس له ما يبرره، حيث إن مصر لها الحق في عمل تدريبات لقواتها البحرية خاصة في ظل التوترات الحالية وما تشهده ليبيا، إحدى دول الجوار، والتعليقات التركية على هذه المناورات تعد تدخلا منها في شأن مصري صميم، مؤكدا أن هناك إجراءات مصرية، وتنسيقا مصريا مع المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي، لدعمه سياسيا، ولوجيستيا، بحيث يكون أكثر قوة على الأرض، إضافة لاستعداد القوات المصرية لحماية الأمن القومي في أي وقت.
رسالة ردع
الخبير العسكري بأكاديمية ناصر العسكرية العليا اللواء أركان حرب محمود خلف قال لـ«المجلة» إن القوات التي أعلنت تركيا إرسالها إلى ليبيا، ولأسباب كثيرة، كلها أسباب لوجستية وعسكرية، لا يمكن إرسالها بأعداد كبيرة للقتال في ليبيا، حيث إن إتمام مثل هذه الأعمال يحتاج لإمكانيات كبيرة لا تتوافر إلا لعدد محدود من الدول مثل الولايات المتحدة الأميركية، وروسيا على سبيل المثال، إضافة إلى بعض الدول الكبرى، ومع قيام تركيا بإرسال عدد من المستشارين والخبراء العسكريين، فهناك بالفعل قوات تركية موجودة في ليبيا منذ عامين وقبل توقيع الاتفاق، ويعملون كهيئة مستشارين عسكريين، وهذا ليس جديدا، وقرارات الرئيس رجب طيب إردوغان لن تغير شيئا على أرض الواقع فلا تستطيع دولة أن تحارب على أرض دولة أخرى وذلك لأسباب استراتيجية، وإردوغان من خلال مستشاريه يعلم تماما أنه لن يستطيع تغيير شيء على الأرض خاصة بعدما دخلت الجزائر على خط الأزمة، كما أنه يعلم جيدا أن مصر سوف تتدخل عسكريا إذا تدخلت تركيا بقوات تابعة لها في ليبيا، والمناورات البحرية الأخيرة التي أجرتها مصر في مياه المتوسط تبعث إشارة واضحة بذلك، وتركيا تعلم أن موقف مصر ثابت وواضح تماما منذ بداية الأزمة، حيث أكدت الرئاسة على أن مصر لن تسمح بوجود قوات أجنبية في الأراضي الليبية، كما أن المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة تسمح لأي دولة حينما يصدر من أي دولة جارة عدوان عليها، وكانت هذه الدولة الجارة لا تملك إمكانيات لصد هذا العدوان أو منعه فمن حق الدولة المعتدى عليها التدخل لحماية أمنها، وأن تظل في مكانها وإبلاغ مجلس الأمن، حتى إرسال قوات طوارئ دولية، ومصر ملتزمة بهذا الميثاق، كما أننا لن نتدخل في القرار الليبي، ومصر تقدم دعما معنويا للجيش الليبي، وهذه مسؤوليتنا، فنحن نريد ليبيا دولة قوية، وقد رأينا ما حدث من عمليات إرهابية تم توجيهها لمصر من خلال الأراضي الليبية، خاصة في درنة، وبالتالي نحن ندعم القيادة العسكرية للجيش الليبي، كما ندعم الشعب الليبي ونحترم قراراته.
وأضاف اللواء خلف أن هناك أشياء كثيرة تحد من عمل القوات التركية على الأرض الليبية حيث إن تركيا عضو بحلف الناتو، وهذا يمثل أحد العوائق، كما أن الحرب في ليبيا تمثل جبهة حرب بعيدة نسبيا ولن يقبل بها الشعب التركي، ولا يستطيع أي جيش في العالم أن يحارب بدلا عن دولة أخرى، ولكن قد يأخذ مواقف سياسية داعمة، أو مساندة إعلاميا وهكذا.
وقال خلف إن الادعاءات التركية بأن المناورة البحرية المصرية الأخيرة التي أجرتها مصر في البحر المتوسط تمثل استفزازا لها، لا نعيرها أي اهتمام، ولن نرد عليها حيث إن المناورة تمت في المياه الإقليمية المصرية، وتأتي في إطار التدريبات الدورية للقوات المصرية، ومصر ليست مسؤولة عن القراءة الخاطئة لها من قبل الجانب التركي، وجميع الدول تجري مناورات، والمناورات البحرية الأخيرة تعطي إشارات بأن تركيا سوف تدفع الثمن حال تهديدها للأمن القومي المصري، كما تمثل المناورات رسالة ردع، حيث تؤكد مصر دائما وبشكل معلن على عدم قبولها وجود قوات أجنبية على الأراضي الليبية، كما أننا نملك سندا قانونيا وهي مسألة محسومة، فالحفاظ على أمن الحدود المصرية مسألة غير قابلة للنقاش.
وختم خلف: «نتمنى أن ينجح المؤتمر الخماسي لوزراء خارجية مصر وإيطاليا، وقبرص، واليونان وفرنسا، والذي تستضيفه مصر، في الوصول إلى تقويض الجهود التركية في ليبيا، كما أن تدخل الجزائر في الأزمة سوف يصعب من مهمة تركيا فحدود الجزائر تختلف عن الحدود المصرية، حيث إن حدودها تقع مباشرة على خط النار، ونتمنى أن ينجح الاجتماع في إيجاد سبل لإقرار السلام في ليبيا، بعيدا عن تواجد أي قوات أجنبية في ليبيا».