* كان سليماني يطمح لتشكيل «الهلال الشيعي»، ولهذا السبب قام بتحويل الحشد الشعبي في العراق وميليشيات الحوثي في اليمن ومنظمة بدر في العراق والجهاد الإسلامي في غزه وحزب الله اللبناني
* نظام خامنئي ينظر إلى سليماني كأنه بطل أسطوري يصول ويجول في المناطق الحساسة والحيوية لإيران على غرار سوريا واليمن والعراق
واشنطن:لم تمض أيام معدودة من موجة الهجمات الصاروخية التي طالت قواعد أميركية في كركوك واتهام إيران والميليشيات التابعة لها (الحشد الشعبي وكتائب حزب الله) بتنفيذها والهجوم على السفارة الأميركية في العراق من قبل أنصار النظام الإيراني، إلا ونفذت طائرة من دون طيار أميركية غارة استهدفت خلالها قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني بالقرب من مطار بغداد الدولي وذلك خلال عملية عسكرية سميت «البرق الأزرق».
كان مقتل قاسم سليماني و10 من رفاقه منهم أبو مهدي المهندس نائب رئيس الحشد الشعبي، قنبلة خبرية انفجرت فجر الجمعة (3 يناير/ كانون الثاني). ولم تمض إلا ساعات قليلة من مقتل قاسم سليماني حتى تصدرت وسوم على غرار إيران (Iran#) وسليماني (Soleimani#) و#قاسم_سلیماني، والحرب العالمية الثالثة (WWIII) قوائم المواضيع الأكثر تداولا في «تويتر» وغوغل عبر العالم. وانتشرت مقاطع فيديو تظهر فرحة عدد من المحتجين في ساحة التحرير في العراق بسبب مقتل سليماني في الوقت الذي تعم فيه المظاهرات الاحتجاجية المناهضة للأحزاب والساسة التابعين لإيران العراق.
وكان قاسم سليماني بالتأكيد صيدا ثمينا للولايات المتحدة التي قتلت أسامة بن لادن زعيم القاعدة في باكستان وأبو بكر البغدادي زعيم تنظيم داعش.
وأصبح سليماني اللاعب الأبرز والوحيد في الساحات الاستراتيجية للجمهورية الإسلامية وكان ينظر إليه النظام الإيراني كأنه بطل أسطوري يصول ويجول في المناطق الحساسة والحيوية لإيران على غرار سوريا واليمن والعراق.
وقبل ذلك كان سليماني قائد لواء ثار الله في كرمان في فترة الحرب بين إيران والعراق.
وقام المرشد الإيراني في 1997 بتعيين قاسم سليماني البالغ من العمر 40 عاما وقتها قائدا لفيلق القدس الإيراني (الذراع الخارجية للحرس الثوري) وهو برتبة الفريق.
وفي الوقت الذي يعود تأسيس فيلق القدس إلى بدايات فترة الحرب بين إيران والعراق في 1980 لم تشتهر هذه المنظمة العسكرية آنذاك في المعادلات الإقليمية والسياسات الخارجية الإيرانية.
وبرز اسم قاسم سليماني كقائد لقوات القدس بعد الإطاحة بنظام صدام حسين في 2003 وخاصة في فترة قيادته لقوات فيلق القدس والتي امتدت لـ22 عاما. وبالتالي أصبح فيلق القدس رمزا للتواجد العسكري والسياسي الإيراني في دول المنطقة وسببا رئيسيا لحالة عدم الثبات في المنطقة وداعما رئيسيا للميليشيات الشيعية خاصة في العراق واليمن وقوات بشار الأسد.
وبعد عامين من توليه منصب قائد فيلق القدس وبالتزامن مع الاحتجاجات الطلابية في يوليو (تموز) 1999 وجه قاسم سليماني و23 شخصا من القيادات العليا في الحرس الثوري رسالة حادة إلى الرئيس الإيراني آنذاك محمد خاتمي قائلين إن صبرهم نفد وإذا لم تقم الحكومة بمواجهة الاحتجاجات فإنهم سيتصرفون.
واعتبر الكثير من منتقدي الرسالة أنها تمثل تدخلا صارخا من الحرس الثوري في السياسة وهذا النهج بالواقع وصل إلى ذروته بالانقلاب العسكري الذي قاده الحرس الثوري خلال الانتخابات الرئاسية في 2009 وتزوير نتائجها وإيصال محمود أحمدي نجاد إلى سدة الرئاسة.
وفي عام 2011 تمت ترقية سليماني إلى رتبة لواء من قبل خامنئي، واللواء هو أعلى رتبة عسكرية في الجمهورية الإسلامية.
ويوصف الرجل من قبل أنصاره المتحمسين في إيران بـ«قائد الظل»، و«الجنرال العالمي»، و«القائد الشبح»، و«القائد الغامض»، و«كابوس العدو»، و«الجنرال الحاج قاسم»، و«مدمر داعش»، و«تشي جيفارا إيران»، و«البطل القومي».
ويرى مناصرو سليماني أنه قائد شجاع يتمتع بكاريزما فريدة مكنته من قيادة جبهة الدفاع عن الحدود الإيرانية خارج البلاد لينعم البلاد بالأمن والسلام.
وفي المقابل، فإن لديه معارضين وأعداء كثيرين في المنطقة والعالم حيث يرون أن سليماني تسبب في مقتل عشرات الآلاف في الحروب في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
وكان قاسم سليماني يطمح لتشكيل «الهلال الشيعي»، ولهذا السبب قام بتحويل الحشد الشعبي في العراق وميليشيات الحوثي في اليمن ومنظمة بدر في العراق والجهاد الإسلامي في غزه وحزب الله اللبناني إلى ميليشيات تخضع للتدريب من قبل فيلق القدس التابع للحرس الثوري.
وقد قام فيلق القدس (الذراع الخارجية للحرس الثوري) بدعم نظام بشار الأسد، وفي هذا الإطار عمل على إرسال عشرات الآلاف من المقاتلين الأفغان والباكستانيين واللبنانيين والعراقيين والإيرانيين إلى سوريا خلال سنوات الحرب وشكل «لواء فاطميون» و«لواء زينبيون» في سوريا وسماهما «المدافعين عن الحرم». ولم تثمر هذه السياسة إلا سقوط مئات الآلاف من الأشخاص وتهجير عدد كبير منهم في سوريا.
وقد وضعت الإدارة الأميركية في أبريل (نيسان) 2019 الحرس الثوري، وفيلق القدس، على قائمة الجماعات الإرهابية، وبالتالي أصبح استهداف هذه المنظمة وأعضائها مشروعا وفق الإدارة الأميركية.
الجندي الصغير في ولاية الفقيه
كما وصف سليماني نفسه على أنه «الجندي الصغير في ولاية الفقيه» فإنه أثبت من خلال أفعاله وأقواله طاعته المطلقة لخامنئي، حيث أصبح محل ثقة المرشد المطلقة.
ويعتبر سليماني بفضل ثقة المرشد به القائد والموجه الرئيسي للخطوط العريضة في السياسة الخارجية الإيرانية في الشرق الأوسط. وجلب قاسم سليماني في فبراير (شباط) 2019 بشار الأسد إلى إيران في زيارة سرية استمرت بضع ساعات، وذلك من دون التنسيق مع وزارة الخارجية، حيث لم يكن وزير الخارجية محمد جواد ظريف لديه علم بتلك الزيارة.
وعلى إثر بث صور اللقاء الذي جمع بشار الأسد وخامنئي وحسن روحاني بمشاركة قاسم سليماني قال محمد جواد ظريف «بعد الصور التي التقطت خلال مباحثات اليوم (بشار الأسد مع المسؤولين الإيرانيين) لم يعد لجواد ظريف اعتبار في العالم كوزير للخارجية». وقدم ظريف استقالته في نفس اليوم غير أنه تراجع عنها بعد ذلك.
وقد واجه فيلق القدس وقاسم سليماني خلال الأعوام الماضية اتهامات كثيرة، منها «العمل على زعزعة الاستقرار»، و«دعم الإرهاب»، و«التدخل في شؤون دول الشرق الأوسط ومنها العراق»، و«تهريب المخدرات»، و«القيام بنشاطات اقتصادية عبر شركات وهمية بهدف الالتفاف على العقوبات»، و«الهجوم على ناقلات النفط والمنشآت النفطية لآرامكو في السعودية». وتبادل الحرس الثوري وقاسم سليماني والرئيس الأميركي دونالد ترامب الاتهامات خلال الأعوام الماضية.
ولطالما تمتع قاسم سليماني بثقة كاذبة بالنفس والتقييم غير السليم للردود الأميركية في عهدة رئاسة ترامب. وبعد إسقاط الطائرة الأميركية في 26 يوليو (تموز) من قبل إيران خاطب سليماني الرئيس الأميركي بنبرة تصعيدية وتهديدية، قال فيها: «أنا ندك وقوات قدسي هي أنداد لكم. أقول لك لا تمضي ليلة واحدة وإلا لا نفكر فيكم... أنا أقول لك يا سيد ترامب المقامر! أقول لك إننا قريبون منك في مكان لا تتصوره أبدا».
وقد وجه مايك بومبيو لدى توليه رئاسة وكالة الاستخبارات الأميركية في 2017 رسالة إلى قاسم سليماني محذرا إياه من النشاطات الإيرانية المزعزعة للاستقرار في العراق، وقال: «ما قلته له (قاسم سليماني) في هذه الرسالة هو أننا نعتبره هو وإيران المسؤولين عن أي هجوم تتعرض له المصالح الأميركية في العراق من قبل القوات المدعومة منه».
ولكن سليماني خاطب من قام بتسليم الرسالة له قائلا: «قل لبومبيو أنا لا أتسلم رسالتك ولا أقرأها وليس عندي أي كلام مع هؤلاء».
والجزء الأكبر من الرد الإيراني حتى الآن هو القيام بردود مسرحية وإطلاق الشعارات وتهييج المشاعر والأحاسيس للشعب الإيراني وتقديم سليماني كبطل وطني إيراني.
يعتبر تهديد خامنئي بالانتقام القاسي وإعلان الحداد العام لمدة 3 أيام أحدث نموذج للعربدة التي أطلقها كبار المسؤولين ومنهم خامنئي بشأن الانتقام لمقتل قاسم سليماني. وهذا إن دل على شيء فهو يدل على أفول إمبراطورية الميليشيات الإيرانية وحدوث تغيير جوهري في المعادلات في الشرق الأوسط.
إذا أراد نظام الجمهورية الإسلامية الرد على مقتل قاسم سليماني عبر مواصلة الحروب والهجمات في المنطقة فسيبلغ التوتر بين إيران والولايات المتحدة ذروته وقد تجر العمليات الانتقامية الإيرانية والهجوم على مصالح الولايات المتحدة المنطقة إلى مواجهة مباشرة وواسعة بين إيران والولايات المتحدة.