* هذا النظام السياسي القائم على المحاصصة الطائفية ليس من السهل اقتلاعه، وهو سيسعى عند شعوره بالحرج إلى اللعب على التوتير المذهبي
تنتهي السنة الثالثة لعهد عون بواحدة من أخطر الأزمات التي عرفها لبنان، بحيث تجتمع فيها ثلاث أزمات في آن معا، ما يجعل الانفجار الاجتماعي مع كل ما يحمله من عنف أكثر احتمالا وأقرب إلى الواقع.
الأزمة الاقتصادية التي ضربت لبنان بدأت مع الرقابة الأميركية الصارمة على حركة الأموال في المصارف اللبنانية كجزء مكمّل للعقوبات التي تنال من «حزب الله» ورجال أعماله. أول الغيث كان مع معاقبة البنك اللبناني الكندي لتسهيل تبييض أموال «حزب الله» وصلا إلى «جمّال ترست بنك» الذي طالبت الخزانة الأميركية بتصفيته، ليتضح للبنانيين أن اقتصادهم ركيك والفقاعة التي عاشوها في السنوات الأخيرة لم تكن سوى نتيجة أعمال مالية إجرامية.
تلك الأزمة الاقتصادية أثرت على النقد وخلقت أزمة مالية. وفجأة شهدت السوق اللبنانية نقصا حادا بالعملة الأميركية وهو الذي وبحسب حاكم مصرف لبنان اقتصاده «مدولر» بنسبة 75 في المائة ما أدى تلقائيا إلى تضخم في الأسعار وانخفاض للقوة الشرائية خاصة ذوي الدخل بالعملة الوطنية.
هذه الأزمة المالية قد يكون لها عدة أسباب تبقى أهمها فساد الطبقة الحاكمة الذي أنهك خزينة الدولة، إلى جانب غياب السياسات الاقتصادية والتي أدت ببساطة إلى عجز فاضح في الميزان التجاري لا يمكن بأي شكل من الأشكال تعويضه بنفس النهج المتّبع من قبل الحكومات اللبنانية المتعاقبة منذ تاريخ اغتيال الرئيس الحريري، أضف إلى أسباب الأزمة المالية انخفاض حاد بالتحويلات المالية من الخارج.
كان من الطبيعي أن تؤدي هذه الأزمات إلى أزمة اجتماعية، خاصة عند الفئات الشبابية التي لم تستطع إيجاد فرص عمل في لبنان، بحيث بلغت معدلات البطالة عندها نحو أربعين في المائة.
إن كان من الطبيعي أن يصل لبنان إلى هذه الأزمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية نظرا لغياب رؤية اقتصادية غير تلك الريعية التي تحكمت بالنمط الاقتصادي اللبناني على مدى عقود إنما ربما كان بالإمكان الحد من قساوتها لولا انتخاب عون رئيسا وبالتالي تسليم هذا البلد بالكامل لـ«حزب الله» وحلفائه.
كيف؟
أولا في الأداء الذي أدى إلى أزمة اقتصادية.
فانتخاب عون فسره تياره ومناصروه على أنه استعادة لحقوق المسيحيين التي سلبها منهم اتفاق الطائف وعرابه الرئيس رفيق الحريري لصالح الطائفة السنية. وهكذا تصرف باسيل صهر الجنرال وممثله الشخصي مع أمور الحكم في لبنان؛ من تأليف الحكومة إلى الموازنة العامة للدولة فمواقف الخارجية اللبنانية التي لم تكن تحظى بموافقة الحكومة أدت إلى تأزيم في الحكم وتأجيج المشاعر الطائفية بالشكل الذي نراه اليوم خاصة بعد استقالة الحريري على أثر الحراك الشعبي الذي اجتاح كل المناطق اللبنانية مطالبة بإسقاط النظام اللبناني الفاسد، فإقدام «حزب الله» وحلفائه على تكليف شخصية سنية ليست الأكثر تمثيلا عند الطائفة وإقصاء الأقوى من رئاسة الحكومة برهن أولا على عقم النظام اللبناني الذي يربط الدولة واقتصادها وسياساتها بأمراء الطوائف، وثانيا سلط الضوء على التوتر المذهبي المتأهب دائما للاشتعال، ثم توتر العلاقات بسبب مواقف عون وصهره أو تغطيته لمواقف حليفه «حزب الله» المعادية للدول الخليجية التي قررت مقاطعة لبنان.
ثم هناك شعور عارم لدى الغرب والولايات المتحدة الأميركية تحديدا بأن البلد أصبح تحت الوصاية الإيرانية، وبالتالي على الشعب اللبناني أن يختار كما أعلن وزير خارجية أميركا مايك بومبيو في زيارته إلى لبنان الصيف الماضي بين الاستقلال و«حزب الله».
في الاتي من الأيام سيكون الوضع أكثر تأزيما خاصة أن المؤسسات التي تسكر أبوابها وأعداد الموظفين المطرودين من العمل في ازدياد وأن ليس هناك حلولا طالما أن المشكل الأساسي يبقى «حزب الله» وقرار الأميركيين مواجهة تركيع إيران وكل فروعها اقتصاديا.
أما الكلام على أن الغرب يريد مساعدة لبنان فهو نصف الحقيقة، لأن تلك المساعدات مرهونة بإصلاحات اقتصادية قاسية لن تتحملها تلك الطبقة السياسية الفاسدة.
لبنان اليوم على مفترق طرق، فهو لا يستطيع أن يكمل بنفس النهج السياسي والاقتصادي الذي أوصل البلد إلى الحضيض، ولكن بالمقابل هذا النظام السياسي القائم على المحاصصة الطائفية ليس من السهل اقتلاعه، وهو سيسعى عند شعوره بالحرج إلى اللعب على التوتير المذهبي.
فما هي حظوظ أن يشتعل الاقتتال الأهلي على عهد عون؟ للأسف الحظوظ كبيرة.