* ما يعرفه الأميركيون ويحاولون تجاهله، وما يعرفه «حزب الله» ويحاول تفاديه، أن هناك مساراً تصادمياً بين لبنان و«حزب الله»، فسياسة تفريقهم لن تنفع، إذ إن معاقبة «حزب الله» سيدفع ثمنها كل لبنان
يبدو أن الإعلام التابع لــ«حزب الله» يجهد لتظهير موقف أميركي مؤيد لتكليف حسان دياب بتأليف حكومة خلفاً لحكومة الحريري المستقيلة، أو إظهاره على الأقل غير مبالٍ لإقصاء السني الأول عن رئاسة الحكومة في المشاورات التي تأخر رئيس الجمهورية اللبناني في الدعوة إليها شهرا تقريبا.
وفي هذا الإطار استحوذت زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد هيل على الكثير من الاهتمام الإعلامي، واضعا إياه في خانة رضا أميركي عن اسم الرئيس المكلف، خاصة بعد لقاء المسؤول الأميركي مع باسيل صهر الجنرال عون، وتعميم أجواء من المودة والحميمية على هذا اللقاء في الإعلام اللبناني التابع والموالي لـ«حزب الله». وجاء تصريح الزائر الأميركي الذي كان حثّ المسؤولين على تأليف حكومة تقوم بالإصلاحات اللازمة من أجل النهوض بالبلد والتأكيد على دعم الولايات المتحدة للبنان كبرهان على الإيجابية الأميركية حيال مسار تأليف الحكومة وتسمية دياب نائب رئيس الجامعة الأميركية في بيروت.
كل هذا الضخ الإعلامي هو لتطمين الشارع اللبناني المنتفض على الطبقة السياسية منذ أكثر من شهرين على أن هناك على الأقل دعما أميركيا للمسار السياسي الذي قيل إنه كان يفضل القاضي نواف سلام رئيساً مكلفاً وإن خيار دياب لن يجلب مزيدا من الغضب الأميركي يزيد الأمور تأزيما خاصة في المجالات المالية أو الاقتصادية.
طبعا شيء من هذا القبيل حدث مع تأليف حكومة تسوية انتخاب عون رئيسا قبل ثلاثة أعوام، وكان الحديث يدور حول خطورة إعطاء وزارة الصحة لـ«حزب الله» بشخص الوزير جبق وإمكانية أن يرافق هذا العمل ردة فعل أميركية قاسية. وصوّر «حزب الله» إصراره على تسلم الوزارة تلك على أنها تحدٍ للولايات المتحدة وحوله انتصار للإرادة الوطنية عندما عين جبق وزيرا من دون أي متاعب من قبل الإدارة الأميركية. صحيح أنه كان هناك أصوات في الولايات المتحدة الأميركية تطالب بعقوبات على وزارة الصحة، ولكن «حزب الله» كان يعرف تماما أن الإدارة الأميركية لن تعاقب أي مرفق يتعلق بحياة الناس، وهي التي تراجعت سابقا عن الضغط على المصارف لحملها على إغلاق كل الحسابات المصرفية المتعلقة بمستشفى الرسول الأعظم.
المهم أن كل هذا الهرج الإعلامي حول موقف الولايات المتحدة من جزئيات السياسة اللبنانية مبالغ فيه. فالسياسة الأميركية تجاه لبنان واضحة. هم يدعمون المؤسسة العسكرية لأنهم يثقون فيها وبقائدها وربما يعتمدون عليها في الإمساك بالوضع الأمني عندما ينهار «حزب الله».
عل كل الأحوال، الود الذي حمله هيل إلى لبنان لا يمنع وزارة الخزانة الأميركية من الاستمرار في معاقبة كل رجل أعمال يدعم «حزب الله» وآخر هؤلاء كان رجل الأعمال الثري صالح عاصي وشريكه ناظم أحمد وأحد موظفيه طوني صعب.
ما يحاول الأميركيون فعله هو ببساطة فصل ملف «حزب الله» عن لبنان. وما يحاول أيضا «حزب الله» فعله من خلال دعم حلفائه والإيحاء لهم بتسمية نائب رئيس الجامعة الأميركية حسان دياب هو أيضا طمأنة للأميركيين بأنه يستطيع هو الآخر فصل نفسه عن لبنان ظاهريا.
كيف يمكن للطرفين أن يدفعا بنفس الاتجاه؟
إن الأزمة الاقتصادية التي يعرفها لبنان تأتي بشكل أساسي من العقوبات الأميركية التي فرضتها الإدارة الأميركية على لبنان ثم العزلة العربية المفروضة على البلد، وأخيرا الحجم الهائل لفساد الطبقة السياسية التي نهبت أكثر من 800 مليار دولار على مدى السنوات الثلاثين الأخيرة حسب تقارير نشرتها الصحافة العالمية.
السؤال: كيف للعقوبات الأميركية أن تؤثر بهذا الشكل على الاقتصاد اللبناني؟
الجواب: هو أن الاقتصاد قائم بشكل أساسي على تبييض الأموال. وأن ما افاق بيروت من نهضة عمرانية في السنوات الأخيرة، وجنون أسعار أمتار الشقق في المدينة، لم يكن إلا غطاء لعمليات غسل الأموال. عندما ضربت الخزانة الأميركية هذه الأعمال من خلال؛ أولا معاقبة المصرف اللبناني الكندي، ومؤخرا جمّال ترست بنك، تأثر اقتصاد لبنان بشكل كبير ودخول البلد في الأزمة التي هو بصددها.
ما يعرفه الأميركيون ويحاولون تجاهله، وما يعرفه «حزب الله» ويحاول تفاديه، أن هناك مسارا تصادميا بين لبنان و«حزب الله»، فسياسة تفريقهم لن تنفع، إذ إن معاقبة «حزب الله» سيدفع ثمنها كل لبنان.