* «حزب الله» قد قدم بالفعل تنازلات وسوف يستمر في تقديمها إذا استمر الضغط والإجماع الدولي
واشنطن: بعد مرور أكثر من شهرين على الاحتجاجات في لبنان، وبعد عدة محاولات من «حزب الله» لإعادة مرشحه المفضل سعد الحريري لتشكيل حكومة، قرر «حزب الله» أخيرًا اتخاذ الطريق الخطر بترشيح حسان دياب ليصبح رئيس الوزراء التالي.
جاء دياب إلى الحكومة بأصوات «حزب الله» وحلفائه فقط، مما يشير إلى خطوة راديكالية للغاية أمام المجتمع الدولي في اليوم ذاته الذي وصل فيه نائب وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية ديفيد هيل إلى بيروت.
مناورات «حزب الله»
أفادت تقارير بأن هيل أخبر مسؤولين في لبنان بأن بلاده سوف تمنع المساعدات المقدمة إلى لبنان إذا حصل «حزب الله» على مقاعد وزارية أو سيطر على نحو غير مباشر على الحكومة الجديدة. كما بعث برسالة صارمة للمسؤولين بشأن وضع لبنان في المنطقة، إذ أكد على استمرار العقوبات الأميركية ضد «حزب الله» وإيران، وأن الدولة اللبنانية يجب أن تُبعد ذاتها عن الحزب.
وفي أثناء زيارته التي استغرقت يومين في بيروت الأسبوع الماضي، صرح المسؤول الدبلوماسي الأميركي بأن واشنطن مستعدة لمساعدة لبنان «ولكنها لا يمكن أن تفعل ذلك إلا إذا تعهد قادة لبنان بالتزام موثوق وواضح وأكيد بالإصلاح».
وعلى الرغم من الجدل المثار حول اجتماعه مع وزير الخارجية جبران باسيل، تظل رسالة هيل قوية ومتماسكة: لن يتم إنقاذ لبنان على يد المجتمع الدولي إلا إذا شُكِلت حكومة جديرة بالثقة ونُفذت إصلاحات.
لماذا إذن قرر «حزب الله» اتخاذ مسار مثير للجدل؟
يعتقد البعض أن الحريري لا يزال مرشح «حزب الله» المفضل، وأن ترشيح دياب كان مناورة لإخافة الشارع اللبناني والمجتمع الدولي بشأن من سيكون بديلاً للحريري. وفي النهاية سوف يقصي «حزب الله» دياب – عندما يبدأ الجميع في الشعور بتبعات ترشيحه الاقتصادية والأمنية - وفي النهاية يقبلون بالحريري كحل وسط للحفاظ على الاستقرار وأملاً في الحصول على المساعدة المالية.
وبالنسبة لـ«حزب الله»، سوف يؤدي ترشيح دياب، الذي جاء دون أي غطاء سني ملموس، إلى مشكلتين: انقسام المحتجين، وزرع بذور الفتنة بين السنة والشيعة، حيث سيخرج السنة إلى الشوارع تحت مظلة خطاب طائفي ضد اختيار دياب. وهذا بالفعل ما حدث، مما بات يهدد الخطاب السلمي غير الطائفي الذي تميزت به الاحتجاجات اللبنانية.
لا يزال الوقت مبكرًا للغاية للحكم على ما إذا كانت هذه الخطة سوف تنجح أم لا، ولكن من الواضح أن «حزب الله» قد تكبد خسائر كبيرة حتى الآن.
ما الذي خسره «حزب الله»؟
أولاً، خسر «حزب الله» مصداقيته.
في خطابه الأول بعد ثورة 17 أكتوبر (تشرين الأول)، وعد قائد «حزب الله» حسن نصر الله جمهوره بأن الحكومة لن تستقيل مطلقًا. وبعد عدة أيام، استقالت الحكومة. كذلك أصر نصر الله على أن حزب باسيل – التيار الوطني الحر – سوف يكون ممثلاً في الحكومة الجديدة. وبعد عدة أيام، طُلب من باسيل أن ينسحب، وهو ما فعله ولكنه أيضًا رفض اختيار الحريري. ولم يتمكن الحريري من الحصول على ترشيح، كما رغب «حزب الله» – لذلك انسحب، وأُجبر «حزب الله» على اختيار حسان دياب، الذي لا يمكنه مطلقًا الفوز بثقة الشارع والمجتمع الدولي.
كان «حزب الله» يصر على تشكيل حكومة تجمع بين سياسيين وتكنوقراط. بيد أنه، بحسب تصريحات دياب الأخيرة، سوف تتضمن الحكومة القادمة تكنوقراط واختصاصيين فحسب. بالطبع لا يجب أن يكونوا تكنوقراط أو اختصاصيين مستقلين، ويمكنهم خدمة أجندة «حزب الله» بأسلوب تكنوقراطي، ولكنها خطوة تراجع فيها «حزب الله» عن مطلبه الأصلي.
ثانيًا، خسر «حزب الله» التأييد الشعبي
في خلال شهرين، تحولت صورة «حزب الله» من كونه حامي لبنان إلى عدو لبنان. وتطالب الاحتجاجات بالإصلاحات الاقتصادية وتهاجم الفساد. ولكن كل ما فعله «حزب الله» هو حماية حلفائه السياسيين الفاسدين، مثل جبران باسيل ورئيس مجلس النواب نبيه بري، بالإضافة إلى محاربة تشكيل أي حكومة موثوقة وقادرة يمكنها أن تنقذ لبنان من الانهيار المالي والإفلاس الوشيك.
يرى اللبنانيون، ومنهم كثيرون داخل المجتمع الشيعي، «حزب الله» اليوم بصفته عقبة أساسية تمنع لبنان من التقدم إلى الأمام وفي الاتجاه الصحيح.
ثالثًا، يتسبب «حزب الله» في زيادة عزلته
على الرغم من الضغوط الخليجية والأميركية على «حزب الله» وقدرته على الوصول إلى مؤسسات الدولة اللبنانية، استطاع الحزب الحفاظ على علاقات ودية إلى حد ما مع بلدان أوروبية، وهي تحديدًا فرنسا وألمانيا، حيث لم تعلنا أن «حزب الله» بالكامل منظمة إرهابية.
ومع ذلك، في ظل مناورته الأخيرة وأساليب العنف والعدوان التي استخدمها ضد المتظاهرين، خسر «حزب الله» على جبهتين:
أولاً، وصل المجتمع الدولي إلى إجماع، أثناء اجتماع باريس. ومن المؤكد أن هذا الإجماع لا يناسب «حزب الله» وحلفاءه، إذ أدركوا أن الاجتماع يدعو إلى إصلاحات وإجراءات مكافحة الفساد التي لا يمكن تنفيذها إلا على يد حكومة مستقلة ذات مصداقية.
ثانيًا، وافق البرلمان الألماني على مقترح الأسبوع الماضي الذي يحث فيه الحكومة على حظر «حزب الله» من ممارسة أعماله في البلاد.
ووفقًا لما نشرته «وول ستريت جورنال»، فقد تقدم بالمقترح أعضاء من كتلة المحافظين التي تقودها المستشارة أنجيلا ميركل وبتأييد من الديمقراطيين الاجتماعيين من تيار يسار الوسط – وهم يمثلون الشريك الأصغر في تحالفها - مع دعم من بعض ممثلي المعارضة. وصرح مسؤولون حكوميون بأن التأييد الواسع للمقترح يرجح أن تعمل الحكومة بمقتضاه في مطلع العام المقبل.
وبناء على ما ذُكر، سوف تُحظر جميع أنشطة «حزب الله»، بما فيها جمع التبرعات المالية، في ألمانيا. كما دعا المقترح برلين إلى حشد دول أوروبية أخرى إلى عدم التعامل مع «حزب الله» بمنأى عن جناحه العسكري، الذي تم حظره بالفعل من ممارسة نشاطه في أوروبا.
رابعًا، سيتحمل «حزب الله» مسؤولية الانهيار الاقتصادي للدولة
كان «حزب الله» يملك خيار التراجع والقبول بتنازلات، والسماح بتشكيل حكومة جديدة للتعامل مع الكارثة الاقتصادية والإصلاحات، والفوز بثقة المجتمع الدولي وإنقاذ لبنان من إفلاس تام.
بيد أن «حزب الله» قرر التشبث بالسلطة ورفض التخلي عنها. وبدلاً من الإنصات إلى مطالب الشارع، فضَل الاستماع إلى حلفائه الفاسدين، ورعاته في طهران.
وفي النهاية، بينما يتدهور الاقتصاد ويبدأ الناس في الشعور بتداعياته على حياتهم اليومية ومستوى معيشتهم، سيكون «حزب الله» هو المصدر الأساسي لشكاوى الناس وغضبهم. ولا يمكن التراجع عند الوصول إلى تلك المرحلة.
إذا تطلعنا إلى المستقبل، توجد عدة سيناريوهات، ولكن يتضح أمر واحد: هو اتجاه لبنان نحو انهيار حقيقي، ولن ينقذه أحد. و«حزب الله» يعلم ذلك. كما يتضح أيضًا أن «حزب الله» قد قدم بالفعل تنازلات وسوف يستمر في تقديمها إذا استمر الضغط والإجماع الدولي.
* حنين غدَار: هي باحثة زائرة في زمالة فريدمان الافتتاحية بمعهد واشنطن