* لم يكن مفاجئًا قبول دياب بالتكليف... فقد وافق عام 2011 أن يكون وزيرا في حكومة اللون الواحد التي فرضها حزب الله بقوة «السلاح»
* الحجار: عدم تسمية أحد في الاستشارات النيابية نابع من رؤية تيار المستقبل منذ بداية الأزمة بأن البلد لا يمكن أن يتحسن إلاّ بحكومة أخصائيين
* على الرغم من الضغوطات التي مارسها الشارع اللبناني الذي كان واضحا منذ انطلاق انتفاضته يوم 17 أكتوبر، بأنّه يصرّ على حكومة أخصائيين من خارج الطبقة السياسية، كلّف الوزير السابق في حكومة «القمصان السود» حسان دياب بـ69 صوتا
بيروت: مع دخول انتفاضة لبنان شهرها الثالث، خرج من قصر بعبدا مساء الخميس، رئيس مكلف جديد لتشكيل حكومة عتيدة، من مهامها اإنقاذ لبنان اقتصاديا وماليا وتقديم الحلول السريعة لإنقاذ البلاد قبل الوصول إلى الانهيار التام.
فبعد أكثر من 50 يوما على إعلان رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري استقالة حكومته استجابة لمطالب الشارع الذي انتفض ضدّ الفساد والمحاصصة والصفقات السياسية، جرت الاستشارات النيابية التي كانت محددة يوم الخميس بعد تأجيلها لأكثر من مرة بسبب عدم التوافق على اسم ليكلف بتشكيل الحكومة الجديدة، وإصرار الرئيس الحريري على تشكيل حكومة من أخصائيين تلبي طموحات الشارع المنتفض، مقابل إصرار قوى الثامن من آذار المتمثلة بالتيار الوطني الحر والثنائي الشيعي حزب الله، وحركة أمل، على تشكيل حكومة تكنوسياسية، احتراما لنتائج الانتخابات النيابية التي جرت عام 2018 كما يؤكدون.
إذن وعلى الرغم من الضغوطات التي مارسها الشارع اللبناني الذي كان واضحا منذ انطلاق انتفاضته في 17 أكتوبر، بأنّه يصرّ على حكومة أخصائيين من خارج الطبقة السياسية، كلّف الوزير السابق في حكومة «القمصان السود» حسان دياب بـ 69 صوتا. فبعد مشاورات طويلة ومحاولات من القوى التي تشكّل غالبية المجلس النيابي، على الوصول إلى حد أدنى من التفاهم مع الرئيس سعد الحريري بما يمثل الشارع السني اللبناني، إما بتكليفه مجددا لتشكيل حكومة تكنوسياسية أو بالحد الأدنى دعم مرشح للموقع السني الأول في لبنان، إلاّ أنّ كل المحاولات والمشاورات فشلت مع إصرار الحريري على الاستماع إلى مطالب المنتفضين في الشارع وتشكيل حكومة إنقاذ تستطيع اتخاذ القرارات بعيدا عن المحاصصة والتجاذبات السياسية التي كانت تعطل عمل الحكومات السابقة.
وافق دياب على التكليف رغم غياب الغطاء السني، وعدم تسميته من غالبية النواب السنة، وحدهم سنّة حزب الله هم من منحوه أصواتهم. ولكن لم يكن مفاجئًا قبول دياب بالتكليف وعدم اعتذاره كما فعل أسلافه الذين اعتذروا قبل تكليفهم احتراما للشارع السني والمرجعيات السنية المتمثلة بدار الفتوى ورؤساء الحكومات السابقين، فحسان دياب وافق عام 2011 أن يكون وزيرا في حكومة اللون الواحد التي فرضها حزب الله بعد تنفيذ الانقلاب على حكومة الرئيس الحريري الأولى بقوة «السلاح» على الشارع اللبناني.
فمن هو الرئيس المكلف الجديد
حسان دياب (60 عاما) الذي يدخل نادي رؤساء الحكومة مدعوما من حزب الله وحلفائه، بعد إعلان الحريري عزوفه عن ترؤس الحكومة مجدداً، هو أستاذ جامعي في هندسة الاتصالات والكومبيوتر ونائب رئيس الجامعة الأميركية في بيروت، خاض غمار السياسة للمرة الأولى عام 2011 وزيراً للتربية بعد إطاحة حزب الله بحكومة سعد الحريري آنذاك، ويتحدر دياب من بيروت وهو أب لثلاثة أولاد. ويحظى بخبرة أكاديمية طويلة، منذ التحاقه بالجامعة الأميركية في بيروت في العام 1985، مدرساً وباحثاً وصولاً إلى توليه مسؤوليات إدارية آخرها نائب رئيس الجامعة، بخلاف تجربته السياسية التي خاضها على وقع انقسام سياسي كبير بين العامين 2011 و2014.
وفي أول كلمة عقب تكليفه، قال دياب بأنه سيعمل «جاهداً لتشكيل الحكومة في أسرع وقت ممكن»، على أن يبدأ مشاوراته السبت المقبل وتشمل «القوى والأحزاب السياسية، وأيضاً الحراك الشعبي».
وتوجّه دياب إلى المتظاهرين في الشوارع منذ شهرين بالقول: «انتفاضتكم تمثّلني كما تمثّل كل الذين يرغبون بقيام دولة حقيقية»، مضيفاً: «أنا مستقل.. وشخص اختصاصي، وبالتالي (حكومة) الاختصاصيين هي الأولوية، لكن يجب أن تعطوني فرصة لأستشير الجميع».
«تيار المستقبل» لن يشارك في الحكومة
أعلن الرئيس سعد الحريري عزوفه عن التكليف قبل ساعات من الاستشارات النيابية الملزمة يوم الخميس، خصوصا بعد تبلغه من حزب القوات اللبنانية عدم تسميته في الاستشارات التي كانت مقررة يوم الاثنين الماضي، وقرار التيار الوطني الحر بعدم تسميته، حيث طالب الحريري صباح الاثنين رئيس الجمهورية بتأجيل الاستشارات، حرصا من «أن ينتج عنها تسمية من دون مشاركة أي كتلة مسيحية وازنة فيها، خلافا لحرص الرئيس الحريري الدائم على مقتضيات الوفاق الوطني» كما قال في بيانه.
خرج اسم حسان دياب، مساء الأربعاء، كمرشح لقوى الثامن من آذار، حينها اتجهت الأنظار إلى موقف كتلة المستقبل النيابية من الاسم المقترح، اتخذ القرار صباحا في بيت الوسط بعد اجتماع الحريري بكتلته النيابية، وبلّغ خلال الاستشارات إلى رئيس الجمهورية ميشال عون، أن تيار المستقبل لم يسم أحدًا، ولن يشارك في الحكومة. وبقرار المستقبل ورؤساء الحكومات السابقين وعدد من النواب السنة المستقلين عن امتناع التسمية غابت الميثاقية عن التكليف، في بلد يقوم نظامه على التوافق بين الطوائف كلها.
وفي هذا الصدد، أكّد عضو كتلة المستقبل النيابية محمد الحجار، في حديثه لـ«المجلة» أنّ «تعاطي تيار المستقبل مع الحكومة العتيدة إن استطاع الرئيس المكلّف تشكيلها، سيكون على أساس أدائها»، مؤكدا أنّ «عدم تسمية أحد في الاستشارات النيابية نابع من رؤية تيار المستقبل منذ بداية الأزمة بأن البلد لا يمكن أن يتحسن ولا يمكن الخروج من الأزمة السياسية والاقتصادية التي نعيشها إلاّ بحكومة أخصائيين، في حين أنّ القوى السياسية التي تبنت ترشيح دياب لا تريد تشكيل حكومة أخصائيين، ويبدو أننا سنذهب إلى حكومة أكثرية من لون واحد».
وأضاف: «الرئيس الحريري حين قدّم استقالته استجابة لمطالب الناس أصرّ منذ اللحظة الأولى على تشكيل حكومة تراعي مطالب الناس المنتفضة في الشارع، وعلى الرغم من التحليلات والتسريبات والافتراءات التي طالت الرئيس الحريري، فهو لو كلّف يوم الاثنين كان سيضع تشكيلة حكومية من أخصائيين تعيد بناء الثقة التي فقذت في الحكومة السابقة ويقدمها إلى رئيس الجمهورية».
وختم الحجار: «المرحلة المقبلة ستكون مرحلة تقييم لجهة أدائنا كتيار مستقبل في المرحلة الماضية، وتقييم على صعيد تحالفاتنا وعلاقاتنا بباقي الأطراف السياسية اللبنانية».
الشارع ينتفض على الرئيس المكلف
ما إن انتهت الاستشارات النيابية وأعلن عن تكليف دياب لتشكيل الحكومة الجديدة، حتى خرج اللبنانيون إلى الشوارع للتعبير عن اعتراضهم على نتائج الاستشارات النيابية، حيث تم إغلاق غالبية الطرقات، ونزل المئات إلى ساحة الشهداء مؤكدين أن اسم الرئيس المكلف لا يلبي طموحات المنتفضين في الشارع منذ نحو شهرين.
ورأى الباحث والكاتب السياسي دكتور مكرم رباح، في حديث مع «المجلة» أنّ «التكليف لا يعني أن دياب سيستطيع تشكيل الحكومة، وما حصل اليوم هو مناورة للضغط على الرئيس الحريري، ولتحسين شروط التفاوض بعدما أصر الحريري خلال الفترة الماضية على تشكيل حكومة من دون سياسيين».
ولكن هل سيعطي الشارع اللبناني فرصة للرئيس المكلف كما طلب منهم لبدء استشاراته مع الكتل النيابية والحراك، قال رباح: «الثوار سينزلون مجددا وبكثافة ضدّ الرئيس المكلف كما فعلوا في كل مرة طرح فيها اسم من قبل الطبقة السياسية نفسها لتولي رئاسة الحكومة، ولكن السيناريوهات مفتوحة، فمن المتوقع أن تحاول السلطة فرض مزيد من العنف المدروس، لقمع المتظاهرين، حتى إنّ السيناريو العراقي مطروح، ولكن على المدى البعيد».
إذن في ظل انهيار الوضع الاقتصادي وحاجة لبنان الملحة إلى المساعدات من المجتمع الدولي في أسرع وقت ممكن، هل سيستطيع الرئيس المكلف تشكيل حكومة جديدة تنال ثقة اللبنانيين، والمجتمعين العربي والدولي، خصوصا أنّ المكلّف وصل بدعم من تنظيم حزب الله، المصنف على لوائح إرهاب عربية ودولية، وعلى لوائح العقوبات الأميركية؟