* هذا الحراك هو فرصة لبنان واللبنانيين لينفضوا عنهم غبار النظام الطائفي الفاسد الذي يسمح لأحزاب بامتلاك السلاح من خارج الدولة مثلا، وللزعامات والأحزاب السياسية باستغلال موارد البلد وسرقتها، خدمة لمجدهم
البلد يغلي جراء تراكم وتلاقي أزمات ثلاث، اقتصادية واجتماعية ومالية: 50 في المائة من اللبنانيين تحت مستوى خط الفقر والبطالة في ازدياد مضطرد جراء إما إغلاق الشركات المتوسطة والصغيرة، وإما إعادة هيكلة الشركات الكبرى، فيما الموظفون الصامدون في وظائفهم أصبح أغلبهم يتقاضى نصف راتبه.
من عوارض الأزمة المالية وجود سعرين لصرف الدولار في السوق اللبنانية. سعر رسمي يتمسك به المصرف المركزي وسعر السوق السوداء الذي يفوق السعر الرسمي بنحو 35 في المائة ما يخلق مشكلة حقيقية خاصة لدى المستوردين الذين يرون أنفسهم مضطرين لتسعير بضائعهم المستوردة بالدولار على أساس سعره في السوق السوداء ما ينعكس غلاءً للسلع في السوق يقوض أو يضعف القوة الشرائية لدى المواطن.
أمام هذه المعضلات، يكثر الكلام حول إجراءات قاسية يمكن للحكومة أن تتخذها من نوع مثلا تحصيل نسبة مئوية من مدخرات اللبنانيين الموضوعة في المصارف في ظل قيود صارمة على نقل الأموال إلى الخارج أو الاستحصال على الدولار نقدا.
كل ذلك يجري في ظل عدم استقرار سياسي وفي ظل غياب حكومة تسعى لمواكبة الأزمة والتخفيف من حدتها على المدى المنظور.
هذا النظام اللبناني يتخبط بأزمات متكررة منذ اغتيال الرئيس الحريري عام 2005. الدستور اللبناني يقف عاجزا أمام من يريد تعطيل عمل المؤسسات الدستورية، لنتذكر مثلا أزمة رئاسة الجمهورية وامتناع نواب «حزب الله» والتيار العوني وحلفائهما من تأمين نصاب جلسة انتخاب الرئيس. هذه الحال دامت سنتين ونصف السنة حتى اتفق الفرقاء الأساسيون على انتخاب عون رئيساً. لم يكن هناك من حل دستوري آخر سوى التوافق على اسم الرئيس القادم. نفس الشيء ينطبق اليوم على تأليف الحكومة، فنفس الفريق الذي عطل انتخاب رئيس الجمهورية يريد أن يؤلف الحكومة قبل تكليف رئيسها.
بالإضافة إلى الأزمات السياسية التي تشل الدستور هناك غياب تام للشفافية والمحاسبة وآلية لمحاربة الفساد المستشري لدى تلك الطبقة الحاكمة والتي قالت بعض التقارير التي نشرت في الصحافة الأجنبية أن حجم الأموال المنهوبة من الشعب اللبناني من قبل تلك الطبقة السياسية وصل إلى حدود الـ800 مليار دولار على مدى الثلاثين عاما الأخيرة.
حتى الاهتمام الدولي بلبنان تراجع بشكل لافت وهذا يمكن تلمسه من خلال ندرة تصريحات وزراء الخارجية العرب أو بعض الدول الغربية حول الأوضاع اللبنانية. وهذه البرودة في التعاطي مع الملف اللبناني تعود إلى عدة أسباب أهمها اقتناع البعض من دول الغرب بعدم قدرة هذه الطبقة السياسية بإصلاح الوضع وإيجاد الحلول للأزمات، خاصة أنها لمست لمس اليد تقاعس السلطة عن القيام بأي إصلاحات اقتصادية ومالية من أجل الحصول على الأحد عشر مليار دولار المقررة للبنان في مؤتمر «سيدر».
حتى الساعة وفي ظل الانهيار التام للاقتصاد اللبناني وماليته ما زال الزعماء السياسيون يتأخرون في تشكيل حكومة من خلال وضع شروط ومطالب تعجيزية غير آبهين بضغط الشارع أو باعتقادهم في الحد الأدنى أنه بالإمكان تجاوز أو إرضاء الحراك ببعض الإجراءات البسيطة التي لا تمس جوهر المشكل الأساسي والذي هو وصول هذا النظام إلى حائط مسدود لا تستوي معه بعد العلاجات الموضعية.
الناس لم يعد عندها شيء تخسره. فهي تعيش في وطن لم تستطع السلطات المتعاقبة عليه والتي لم تتغير كثيرا من ناحية انتماءاتها الحزبية منذ عام 1991 من تأمين كهرباء لهم رغم انتهاء الحرب الأهلية منذ ثلاثة عقود وكذلك الأمر في موضوع النفايات جمعا وفرزا، كما أزمة المواصلات وحال الطرقات وإلى ما هنالك من أزمات مزمنة لا تعالج مع أن حلها سهل إن وجدت إرادة ما للإصلاح.
يبقى أن هذه الأزمة لا تزال في بداياتها، والبلاد قادمة على حزمة عقوبات أميركية ستطال هذه المرّة جماعة جبران باسيل صهر رئيس الجمهورية كونه حليف «حزب الله» والناطق الرسمي باسمهم في المحافل الدولية والمستفيد من تعاظم قوتهم على الساحة اللبنانية، وهذا سيضيف من مأساوية الوضع الصعب أصلا.
ما العمل؟
ربما بالتوازي مع كل هذا الحراك يجب وضع مطالب محددة أو خارطة طريق تبدأ بتعديل هذا النظام من حيث فشل في تأمين استمرارية عمل المؤسسات، وأصبح رهينة توافقات وتسويات عطلت العمل الديمقراطي، ثم العمل علـى قانون انتخابات يكسر احتكار الأحزاب الكبرى وفرض إصلاحات اقتصادية وضريبية عصرية، وتطبيق مبدأ حرية الوصول إلى المعلومات بحيث تعزز الشفافية، ناهيك عن لجنة مستقلة لمحاربة الفساد بالشراكة مع مؤسسات دولية كالأمم المتحدة أو البنك الدولي... إلخ.
هذا الحراك هو فرصة لبنان واللبنانيين لينفضوا عنهم غبار النظام الطائفي الفاسد الذي يسمح لأحزاب بامتلاك السلاح من خارج الدولة مثلا، وللزعامات والأحزاب السياسية، باستغلال موارد البلد وسرقتها خدمة لمجدهم.
النظام في حالة موت سريري فلنبحث عن بديل.